قبـــر يســــوع الضائـــع" أو الخيـــال الـــرخـيـــص
الأب الدكتور يوسف مونّس


يسوع "القصة" الكبيرة في تاريخ البشرية، القصة التي لا تهدأ لا في خيال الناس، ولا في حياتهم، القصة التي هي مصدر الوحي لاجمل ما في الموسيقى والمسرح والشعر والرسم والنحت والسينما وفي قلوب الصغار والكبار، يسوع الشلال الذي لا يهدأ من الحب والحنان والمغفرة وحياة القديسين الابرار والشهداء الانقياء والنساك المتصوفين بالتوبة والتنهد والبكاء ميناء الحزانى والمتألمين والمقهورين يسوع الله، يسوع الانسان، يسوع يعود اليوم في قصة تثير جدلا في فيلم وثائقي حول قبره The Lost Tomb of Jesus الفيلم الوثائقي انتجه سيمحا جاكوبوفيتش، واخرجه جيمس كاميرون الذي اخرج فيلم "التيتانيك" وحاز، على جائزة الاوسكار ثلاث مرات.


كيف ابتدأت القصة؟
سنة 1980 في حي الطالبية في القدس الغربية عثر علماء الآثار على كهف يعود الى ألفي عام بعد المسيح. يحتوي هذا الكهف عشرة توابيت. وكانت الجرافات قامت بتسوية الارض في المنطقة تحضيرا لبناء وحدات سكنية. عندها اكتشف المكان الأثري وقام عالم الآثار والحفريات يوسف غات بالكشف عليها والتدقيق فيها. وهذا العالم هو تلميذ العالم الاسرائيلي الاثري الكبير آموس كلونير. هناك وجد غات غرفة دفن فيها 6 توابيت ووجد عشرة صناديق مع كتابات باللغة العبرية والافريقية ووجدت اسماء مكتوبة عليها: يسوع بن يوسف، يهوذا ابن يسوع ومرتا ومريم. هذه الرموز المكتوبة على التوابيت قام قبل عشر سنوات عالم الآثار الاسرائيلي الشهير آموس كلونير بقراءتها. وحفظت التوابيت في بيت شمس لدى سلطة الآثار الاسرائيلية، وقد ارسل الى نيويورك تابوتان لعرضهما على الجمهور.


الاسماء تتشابه
لا شيء يدعو الى الاستغراب فهذه الاسماء هي اسماء متداولة في تلك الايام كاسم: شربل ويوسف وجورج والياس وبطرس ومري ومريم في ايامنا. وجد هناك اسم يشوع بار يوسف (يسوع ابن يوسف) ويوفيه (يوسف شقيق يسوع) يهوذا بن يشوع (يهوذا ابن يسوع) واسم متى، ومريم الناشطة. فزعم البعض ان هذا المدفن لعائلة يسوع وزعموا ان يهوذا هو الابن السري ليسوع (عود الى تخيلات دافنشي كود). هذا القول هو "هزهزة" جديدة للأسس المسيحية اي للايمان بالقيامة لان المسيحية تؤمن ان "يسوع قام من الموت ولم يعد لجسمه وجود في القبر. القبر فارغ والاكفان متروكة هناك والحجر مدحرج ويسوع يقول "مسوني" والاعمال تقول: وظهر لهم حياً" (اعمال 1 – 3). وهذا الفيلم الوثائقي ينفي قدسية ابن الله وقيامته من الاموات وانتصاره على الموت وانه اعطانا القيامة والقيامة اساس الدين المسيحي. استغرق تصوير الفيلم ثلاث سنوات. ويقول منتجو الفيلم "سيشهد العالم زعزعة لاهوتية خطيرة تمس ركائز الايمان المسيحي من الاساس" .فاذا كان الاكتشاف قد تم 1980 فان حل رموز نقوشها لم يتم الا قبل عشر سنوات ومالت الأفكار الى الظن بأن الراقدين في تلك الاضرحة ما هم سوى يسوع المسيح وافراد عائلته واستند منتجو الفيلم الى علماء مشهورين في بريطانيا وكندا والولايات المتحدة واسرائيل واستعانوا بعلماء الحمض النووي D.N.A. بالاضافة الى علماء الحفريات وبعض المختصين باللاهوت لاثبات مقولاتهم وفرضياتهم المثيرة.


وجه يسوع لا يتشوه
انها ليست حفلة التشهير والتزوير والتخيل الاولى التي يتعرض لها شخص المسيح. انها قراءة خيالية وهمية لقصة القيامة المجيدة، وتشويه لوجه يسوع البهي، وضرب العقيدة الاساسية في المسيحية: القيامة. انها ضجة تسويقية ورخيصة كسابقاتها (دافنشي كود) (انجيل يهوذا) التي يطرح عليها الطابع العلمي وهي تنبع من الاوهام:


أولا: فالاسماء سابقا تتشابه وتتداول. اسم يسوع ليس حكراً على يسوع وكذلك مريم ويوسف ويهوذا. فلو فتحنا مقبرة من مقابرنا اليوم لوجدنا الاسماء نفسها على توابيت بعض الاموات في الشمال او الجنوب او الجبل.
ثانيا: يسوع وعائلته من الجليل يمكن ان يؤتى بجسد يسوع من تلة اورشليم حيث صلب ودفن على عجل لانه كان مساء وسيبتدىء السبت اليهودي، والعذراء كيف يؤتى بها من تركيا لتدفن في اورشليم – القدس"؟
ثالثا: علماء الآثار وعلى رأسهم العالم الاسرائيلي آموس كلونير يقول: "انها مقبرة يهودية من القرن الاول وان ما يتطرق اليه الفيلم مجرد مزاعم لا تمت الى الحقيقة بصلة، وليس هناك ادلة تثبت ما يعلن" وحذر من التلاعب بالحقائق وان الاسماء هذه كانت متداولة.
 

قال البابا بندكتوس السادس عشر "ان هذا الفيلم يمس عقيدتنا وينكر القيامة اي السر الاساسي في المسيحية".
 

انها بالحقيقة تخيلات توهم بأنها تستند الى العلم والحقيقة، وتؤذي بطريقة فجة مشاعر المسيحيين متبعة استراتيجية تسويقة ولا تستند الى أي دليل او برهان علمي او وقائع تاريخية، والهدف تجاري بحت ويهدف الى زعزعة الايمان والشك بشخصية يسوع مرتكز الايمان المسيحي، وهو القائم من القبر وهو حي وهو رجاؤنا. هذا هو صلب ايماننا المسيحي والتقليد الموروث، ولو لم يقم يسوع لكنا أشقى الناس.
 

جريدة النهار، ملحق "مذاهب وأديان"، الاحد 11 آذار 2007 - السنة 74 - العدد 22942.
http://www.annaharonline.com/htd/ADIAN070311-3.HTM