أربع سنوات على غزو العراق |
م.ع
كثير من الخبراء، والمحللين استبعدوا غزوا أمريكيا للعراق، بيد أن إدارة الصقور في البيت الأبيض نفذت قرارا مأخوذا منذ زمن، وسطت على العراق، الغزو الذي أتقن وصفه وزير الخارجية السورية فاروق الشرع في مجلس الأمن بالقول انه سطو مسلح.
تسعة من أصل احد عشر جنرال قادة البنتاغون نصحوا الإدارة بعدم الغزو، لان عديد الجيش الأمريكي لا يكفي، ولان النصر هو اليوم الثاني لحسم المعركة العسكرية.
تورط بوش مستعجلا إعلان النصر من فوق حاملة طائرات وهو بثياب الجيش، وأعلن انتهاء العمليات القتالية ثم نكث بإقراره وجاهر بأن الأزمة عميقة جدا والوضع غير مريح.
أذاع بوش في خطاب حالة الاتحاد إلى الأمة عام 2004 رؤيته القائلة" نجاحنا في بناء ديمقراطية في العراق سيعيد هيكلة العالم" يومها رد عليه ايمانويل فاليرشتاين أستاذ العلاقات الدولية في جامعة يال جامعة النخب الحاكمة الأمريكية، قائلا: على افتراض أننا سننجح في العراق أما ولا فحسبي أن يعيد العراق هيكلة أمريكا نفسها، ستكون مأثرتك الوحيدة سيدي الرئيس.
هذا كان في الأمس القريب أما اليوم فيمكن الجزم بأن نبؤة فاليرشتاين هي التي تحققت وليس كلام بوش الهوائي والمزاجي الذي افترض قدرته على تحقيقه عبر أعمال حمقاء ومغامرات.
أربع سنوات عجاف مرت على غزو أمريكا للعراق، دفع ثمنها الشعب العراقي باهظا، على نحو جعل لاروش يقول في توصيفه لخطط الصقور من دعاة المليار الذهبي أنهم يمارسون فعل إبادة أمم لا بنائها كما هو جار في أفغانستان والعراق، وفي الواقع كلام كثير يحكى عما صار في العراق من أزمات ومن تدمير وإبادة وتهجير ونهب فاجر.
في المقلب الأخر يمكن الجزم بأن أربع سنوات كانت بأحداثها ونتائجها سنوات إعادة تأسيس للمنطقة، والإقليم، وللتوازنات العالمية، وتاليا لأمريكا نفسها، ويمكن ضبط بعض تلك التطورات والأحداث التاريخية والإستراتيجية على النحو الآتي:
1- سقطت القوة الأمريكية ونفذت ذخيرتها وصار العالم لا يهابها أو يرتهب للتخويف بها، بعد أن اختبرت وأسقطها العرب وفي العراق، وتاليا ظفرت كوريا بالتكنولوجيا والأسلحة النووية، وقطعت إيران شوطا واسعا في امتلاك التكنولوجية النووية وتكنولوجيا الفضاء وصارت قوة إقليمية قطبية.
2- سقطت القوة الأمريكية ومعها الإسرائيلية عندما جرى استخدام القوتين معا وفي معركة واحدة متصلة، في حرب على ميمنة وميسرة سورية واحدة في لبنان والثانية في العراق، وخرج المقاومون بانتصار زلزالي بكل ما للكلمة من معنى.
3- سقط مشروع الشرق الأوسط الكبير، وانعطبت أدواته وقواه، ومحاوره، وسقطت خطة تفكيك المنطقة تحت ذريعة دقرطتها، وإصلاحها، وسقطت معها أحلام الصقور بتوسيع دور إسرائيل وتفويضها وبات الخطر محدق بإسرائيل ومستقبلها وعلاقاتها بالغرب على ذمة يدعوت احرنوت وخلاصات مؤتمر الضباط الإسرائيليين ومؤتمر هرتسيليا.
4- انهارت إدارات غربية ونخب حاكمة لتخلي الساحة لفاعلية حركة شعبية أطلقها واستفزها العدوان الأمريكي على العرب في فلسطين والعراق، وتشكلت الحركة الشعبية المناهضة كأحد أقطاب توجيه السياسيات الدولية، والسبب في تغيير الإدارات وقد دفعت الإدارات التي شاركت في احتلال العراق ثمنا لشراكتها مع أمريكا كما في اسبانيا وايطالية، وبريطانيا، والشيراكية الفرنسية، والبوشية الأمريكية وتحول العرب والمسلمين من حال المفعول بهم إلى قوة فاعلة في تقرير خيارات الشعوب ونتائج انتخاباتها وصارت قضية العراق وفلسطين والعلاقة مع أمريكا العناصر المحفزة للتغيرات والمقررة في نتائج الانتخابات.
5- كلف غزو العراق وحده أمريكا أكثر من 2.4 تريلون دولار خسائر مباشرة وغير مباشرة كما جاء في تقرير ستغلس، ما أثقل الاقتصاد الأمريكي ووضعه في قلب أزمات متناسلة من غير الممكن السيطرة عليها والإحاطة بها مع التطورات التي حفزتها أحداث العراق لجهة إنهاض آسيا، وتحرير أمريكا اللاتينية، وهيمنة الصين الاقتصادية على إفريقيا وربط كندا واستراليا والهند بعجلة الاقتصاد الصني على حساب الأمريكي والأوروبي.
6- خرجت سورية أقوى بألف ضعف مما كانته قبل غزو بغداد وسقوط بيروت بيد التحالف الفرنسي الأمريكي.
7- دخل المشروع الغربي برمته بما هو أمريكي وأوروبي، وأطلسي في أزمة انحسار السيطرة على المنقطة العربية والإسلامية، ودخلت أدوات السيطرة التاريخية نفسها في أزمات مفتوحة تتهددها التطورات والمتغيرات بما في ذلك افتقاد إسرائيل لدورها الوظيفي ومعها افتقاد كيانات سايكس بيكو لأدوارها ولقدرتها على الاستمرار وانفتاح المنقطة العربية عموما، وبلاد الشام والرافدين خاصة على تحولات ذات طابع تاريخي.
8- انهار المشروع الأمريكي للسيطرة على العالم وبناء قرن أمريكي من بوابة بغداد وانهارت قيم أمريكا وعناصر نفوذها التاريخية في العرب والمسلمين وتصاعدت حالة الرفض والعداء للأمريكي ونموذجه على نحو غير مسبوق بإزاء أية إمبراطورية وبسرعة فلكية.
9- تغيرت أمريكا نفسها، وهي في طور إعادة الهيكلة كما أفادت نتائج الانتخابات النصفية، وما هي عليه العلاقة بين المؤسسة الحاكمة" الكونغرس والبنتاغون" والإدارة المتصدعة والمنتهية الصلاحية المسماة إدارة بوش تشيني رايس بعد أن انفض عنها الصقور سقوطا أو إسقاطا أو انقلابا وصار بوش يراهن على عناده و وزوجته وكلبه.
10- في البيئة العربية والإسلامية متغيرات نوعية استولدها أو ظهرها غزو العراق ومقاومته، فصارت المقاومة طرفا حاسما في تقرير اتجاهات المنطقة، بعد أن تكرست كحقيقة وسمة عصرية في نماذج خمس كلها تنجح وتحقق مكاسب، من بيروت، إلى فلسطين، وبغداد امتداد إلى أفغانستان، والصومال، وهكذا تحولت الدفة إلى خيارات إستراتيجية عربية جديدة.
11- اسقط بيد الحلف المعتدل العربي والإسلامي وصار بعد نفاذ جعبة بوش من الخطط وانكفائه إلى أمريكا الجنوبية والكاريبي، والى وضعه الداخلي، وصار الحلف مكشوفا ومطلوب منه مهام اكبر بكثير من قدرته وإمكاناته الأمر الذي بدأ يرسم تغييرات نوعية في سياسة بعض الإدارات" السعودية" وأزمات مفتوحة على تصعيد وتوتر كما في مصر والأردن وارتهاب من نتائج انحسار النفوذ الأمريكي والغربي وخروج أمريكا مهزومة من العراق.
كثيرة هي التطورات، والأحداث والتحولات ذات الطابع الاستراتيجي والتاريخي التي يمكن ضبطها بمناسبة مرور أربع سنوات على غزو العراق.
كل المعطيات، تفيد بأن العراق صار الكمين التاريخي لإسقاط الإمبراطورية الأمريكية ولإعادة هيكلة المنطقة والإقليم والعالم بمجمله والشواهد لا تحصى.
فالحقيقة التاريخية الأزلية تعيد صياغة نفسها وهذه المرة أيضا بأيدي ودماء وتضحيات عربية وإسلامية .
بيروت 21-3-07
م ع