أزمات حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية |
خالد أحمد أبو حيط
كاتب وباحث فلسطيني
abouhait@hotmail.com
وأخيراً، نجح اتفاق مكة بين حماس وفتح برعاية سعودية في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية. وهو الاتفاق الذي جاء تعبيراً عن فشل كل محاولات إجهاض حكومة حماس المنتخبة جماهيرياً. هذه محاولات قادتها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وبعض الأنظمة العربية، وتمثلت بالحصار الاقتصادي والمقاطعة السياسية والتحريض الداخلي ورفض الانفتاح على وزراء حماس، بل وطردهم، بطريقة أو بأخرى، من بعض العواصم العربية. ناهيك عن سياسة حافة الهاوية التي انتهجتها بعض القوى الفلسطينية والتهديد باللجوء الى خيار الحرب الأهلية بمسميات شتى، تراوحت بين عمليات الاختطاف والقتل والاغتيال في شوارع وأزقة غزة، وبين التهديد باللجوء الى استفتاء شعبي او انتخابات تشريعية مبكرة.
كل الآليات والسيناريوهات التي تم وضعها للانقضاض على حكومة حماس السابقة باءت بالفشل، الأمر الذي أجبر كافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية الى الذهاب الى اتفاق مكة برعاية سعودية، وبالتأكيد بمباركة ومواكبة سورية وإيرانية من خلف الستار. حماس لم تكن لتنجح في هذه المواجهة لولا صلابة الموقف الشعبي الفلسطيني الذي رفض الخضوع لاملاءات الحصار الاقتصادي، ورفض النزول الى الشارع تلبية لنداءات الاضراب الشامل. تدين حماس في صمودها هذا أولا وقبل كل شيء للوعي السياسي لدى الشعب الفلسطيني، وبالتأكيد ليس لأداء سياسييها أو لبرنامجها السياسي.
اتفاق ينطوي على مأزقين
يمثل اتفاق مكة بصيغته المعلنة حالة اللاغالب واللامغلوب. وينطوي هذا الاتفاق على مأزقين استراتيجيين ينبغي التنبه إليهما بعناية قصوى. المأزق الأول أن هذا الاتفاق بالصيغة التي تم التوصل إليها يأتي بلا ثمن سياسي لصالح القضية الفلسطينية. وقعت حماس على الاتفاق وذهبت نحو تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية دون أن تحل الكثير من العقد والمشاكل الأساسية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني: لا اعتراف دولي مسبق بهذه الحكومة، لا فك حصار عن الشعب الفلسطيني، لا تعهد بوقف العدوان الصهيوني، لا شيء... سوى قراءة سياسية هشة تقول أن التوصل الى اتفاق بين حماس وفتح سيؤدي الى ذلك كله.
بعبارة أخرى، اتفاق مكة اقتطع المشكلة الفلسطينية عن سياقها الدولي والإقليمي، وتم التعاطي معها وكأنها شأن فلسطيني خاص، أو كأن الخلاف الفلسطيني هو سبب المشاكل والمعاناة وهو الذي قاد الى الحصار والمقاطعة والاعتداءات وليس العكس. لم يقل أحد كيف أن التوصل الى اتفاق بين فتح وحماس سيؤدي الى حلحلة ميدانية في الوضع الفلسطيني على الصعد الاقتصادية والسياسية والأمنية، وكيف ستفتح كوات الانفراجات؟ ربما كان الأجدى أن يتم التوصل الى مثل هذا الاتفاق برعاية دولية من خلال مؤتمر إقليمي أو دولي يتم فيه وضع الآليات، وليس تحويل الأزمة الى مجرد شأن داخلي بين حماس وفتح.
المأزق الثاني في الاتفاق أن برنامج حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية المعلن لا يمثل برنامج عمل سياسي بمقدار ما يمثل جملة من الشروط المتبادلة التي تضبط أداء الأطراف المشاركين في الحكومة: تنازل من قبل فتح لصالح حماس وتنازل من قبل حماس لصالح فتح، واشتراطات متبادلة فيما يجب وما لا يجب... إنه برنامج فض نزاع يضع نصب عينيه أداء الأطراف المشاركين في الحكومة وليس برنامج عمل سياسي هدفه توحيد الجهود لتحقيق نتائج ملموسة.
ولذلك فإن الحديث عن شراكة سياسية هو حديث يثير الضحك... فكيف يمكن لحكومة سينشغل كل طرف فيها بمراقبة الطرف الآخر وإحصاء أنفاسه عليه من تحقيق أي فعالية سياسية؟ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وربما غدا بعض الأنظمة العربية، قرأوا جيداً هذه الميزة في الحكومة المشكلة، وسارعت كافة الأطراف الى الإعلان عن نيتها الاتصال ببعض وزراء هذه الحكومة دون البعض الآخر... أي أن هذه الحكومة ستكون أمام محاولات دولية وإقليمية محمومة لتفجيرها من الداخل.
وظيفة حكومة الوحدة الوطنية
هذان المأزقان الاستراتيجيان اللذان تعاني منهما الحكومة كفيلان بالتوصل الى نتيجة أساسية: أن هذه الحكومة هي حكومة هدنة مؤقتة، ومحاولة لاستيعاب وتفكيك الاحتواء الشعبي لحماس. أو ربما، من زاوية أخرى، محاولة لابتزاز حماس وإجبارها على تقديم التنازل تلو الآخر مقابل لا شيء: مقابل الاحتفاظ بحكومة فاقدة لكل فعالية سياسية... ألا يذكر هذا بتشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية: لقد قدمت منظمة التحرير الفلسطينية كل التنازلات من أجل الاعتراف بها، وبعد ذلك من أجل الاحتفاظ بالسلطة... والآن ما استفاد الشعب الفلسطيني أو القضية الفلسطينية من الاعتراف الدولي بالمنظمة، أو ما أفادت السلطة الشعب الفلسطيني؟ لا شيء... إجراء مقارنة بين قوة الموقف الفلسطيني قبل أوسلو وبين قوته اليوم سيفيد بأن لا شيء حقيقي حصل عليه الفلسطينيون، إلا إذا اعتبرنا أن سلطة هشة يملؤها الفساد وتعيش بالرشاوى هي انجاز وطني.
من حق حماس أن تخوض تجربتها السياسية. ولكن ليس من حقها أن تضع القضية الفلسطينية في مهب الريح ثمنا لمناصب سياسية. الواضح جداً أن حماس مصرة على الذهاب في التمسك في السلطة الى آخر الطريق... لا بأس فهذا حقها... ولكن من المعيب في حقها أن تسير على خطى سبق وأن سارت عليها المنظمة قبلها، والرئيس عرفات دفع حياته ثمناً لها... ربما يستمتع المرء بمشاهدة الفيلم السيء مرة... ولكن تكراره مرة أخرى يصبح أمراً ممجوجاً... وخاصة أن هناك شعباً يدفع حياته ثمناً لقصور النظر السياسي لبعض قادته الذين يظنون أنهم خرجوا من كتب التاريخ، وهم لم يحسنوا قراءة التاريخ جيداً، ناهيك عن قراءة الحاضر... أو حتى التفكير فيه.
خالد أحمد أبو حيط
كاتب وباحث فلسطيني
abouhait@hotmail.com