هل تقوم الولايات المتحدة بمهاجمة إيران؟

حميدي العبد الله

 

تزايدت المؤشرات التي توحي بأن الولايات المتحدة تستعد لمهاجمة إيران عسكرياً، وتجلت هذه المؤشرات بالحشود العسكرية الضخمة في منطقة الخليج وتحديداً حاملات الطائرات الأميركية، ونشر صواريخ باتريوت في دول قريبة من إيران ترابط فيها قوات أميركية، وزيادة حدة التصريحات الأميركية المعادية لإيران والادعاء بأن إيران قامت بتزويد المقاومة العراقية بالأسلحة وأن عدداً غير قليل من الجنود الأميركيين قد سقطوا جراء استخدام هذه الأسلحة، وقد تم تسريب معلومات تفيد بأن المنطقة الوسطى في وزارة الدفاع الأميركية قد حددت الأهداف التي ستقوم القوات الأميركية بقصفها في إيران ولن تقتصر هذه الأهداف على المنشآت النووية، بل سوف تتعداها إلى المنشآت العسكرية المنتشرة في كافة أنحاء إيران، ويعتقد أعضاء في الكونغرس الأميركي أن إدارة الرئيس بوش تشن حملة مشابهة للحملة التي سبقت غزو العراق، وتقوم بتزوير الوقائع وتحريفها على نحو يقود إلى استفزاز إيران ودفعها للتورط بمواجهة سافرة مع الولايات المتحدة، الأمر الذي يتيح للإدارة فرصة جديدة لتعبئة الرأي العام الأميركي وإقناعه بضرورة شن حرب على إيران التي باتت «تشكل تهديداً حقيقياً لأمن الأميركيين ومصالحهم» بل إن مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبيغنيو برجينسكي عرض مجموعة من الأساليب التي يجري اعتمادها الآن من قبل إدارة بوش لخلق أمر واقع يجعل شن الحملة العسكرية ضد إيران أمراً لا مفر منه، يقول برجينسكي عن السيناريو الذي تسلكه الإدارة الحالية لتبرير الحرب مع إيران أن هذا السيناريو يبدأ «بفشل الحكومة العراقية في إحراز التقدم نحو الاستقرار الذي طلبته واشنطن، يليه اتهام واشنطن لإيران بأنها مسؤولة عن هذا الفشل، ويعقب ذلك حدوث شلل أميركي ضد إيران في العراق، أو عمل إرهابي يقع في الولايات المتحدة أو ضدها يلقي اللوم فيه على إيران، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري دفاعي ضد إيران، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى انزلاق أمريكا إلى مستنقع يتوسع ويتعمق وربما سيستمر عشرين عاماً على الأقل أو أكثر ممتداً ليغطي العراق وإيران وأفغانستان وباكستان».
ويعتقد كثير من المحللين والسياسيين أن إدارة بوش، بل الولايات المتحدة، ليس أمامها من خيار سوى شن الحرب على إيران، لأن إيران أصبحت لاعباً إقليمياً قوياً، وإذا ما انسحبت الولايات المتحدة من العراق فإن مكانتها في المنطقة سوف تزداد سوءاً، بل إن «ريتشارد هس» في دراسته التي نشرها في «الفورين أفيرس» والتي ذاع صيتها أكد أن إيران ستكون لاعباً إقليمياً هاماً ويصعب منعها من ذلك، وتخشى إدارة بوش أن يؤدي تعاظم قوة إيران في المنطقة التي تتركز فيها المصالح الأميركية، وخصوصاً مصالحها النفطية إلى تعرض هذه المصالح إلى تهديد حقيقي، ولا يمكن وقف هذا التهديد إلا عبر توجيه ضربة عسكرية شاملة لإيران تقضي على قوتها العسكرية وتدمر اقتصادها، وتخلق واقعاً يشبه الواقع الذي عاشه العراق بعد حرب عاصفة الصحراء، كما أن إسرائيل تجد من مصلحتها أن تقوم الولايات المتحدة بتدمير قوة إيران كما قامت بتدمير قوة العراق العسكرية قبل أن تنسحب القوات الأميركية من العراق, لأن إسرائيل دولة صغيرة لا يمكنها أن تتحمل وحدها عبء مواجهة مع إيران وهي مستنـزفة في حرب طويلة الأجل مع العرب، وخصوصاً الفلسطينيين, ومعروف أن جماعة المحافظين الجدد التي تراجع نفوذها في الولايات المتحدة إثر فشل غزو العراق لا تزال تمتلك تأثيراً قوياً على إدارة بوش, وهذه الجماعة تطالب بضرب إيران وتسعى إلى سلوك الخيار العسكري, بل تعتبره الخيار الوحيد الذي لا يجب إدارة الظهر لـه مهما كانت المصاعب والتحديات التي تواجه الولايات المتحدة.
في هذا الإطار يبدو أن الهجوم العسكري الأميركي على إيران أمر حتمي, وأن إدارة بوش تتحين الفرصة الملائمة لتنفيذ هذا الهجوم, فهل تستعد فعلاً الولايات المتحدة لشن مغامرة عسكرية جديدة في المنطقة, وهل تنفذ التهديدات الأميركية ضد إيران، أم أن هذه التهديدات, وما يصحبها من تسريب لمعلومات عن استعدادات عسكرية هي جزء من عملية التهويل والضغط على إيران لإرغامها على التراجع وقبول الطلبات والإملاءات الغربية والأميركية على وجه الخصوص؟.
يصعب من حيث المبدأ استبعاد لجوء الولايات المتحدة إلى الخيار العسكري, ولكن إذا لم يكن لدى الإدارة الأميركية قرار بتوجيه ضربة نووية ماحقة إلى إيران فإن قدرتها على شن هجوم على إيران مشكوك فيها وذلك لأسباب عديدة أبرزها:
أولاً، الرأي العام في الولايات المتحدة يعارض شن الحرب من حيث المبدأ، ودرجة تأييد الشعب الأميركي لإدارة الرئيس جورج بوش تراجعت إلى معدلات لم يسبقه إليها أي رئيس أميركي آخر، وشن الحرب يحتاج إلى تفويض شعبي، ولكن مثل هذا التفويض معدوم، ويصعب على إدارة بوش تجاهل هذا الواقع. صحيح أن بوش لم يعد مرشحاً للرئاسة الأميركية لأنه فاز بالرئاسة لولايتين متتاليتين، ولكن الحزب الجمهوري لا يسمح لرئيس منه أن يصر على انتهاج سياسة ستؤدي إلى إلحاق ضرر كبير به، ولهذا فإن قادة الحزب لن يفسحوا المجال أمام الرئيس وإدارته لشن حرب لن تحظى بتأييد الشعب الأميركي.
ثانياً، الكونغرس الأميركي بمجلسيه، أي الشيوخ والنواب، يعارض شن حرب جديدة، مهما كانت مسوغات هذه الحرب، وإذا كان الرئيس يستطيع افتعال أزمات مع إيران وخلق مبررات لتسويق خيار الحرب، فإن الكونغرس والرأي العام الأميركي متنبه هذه المرة للأساليب الملتوية التي يمكن أن تلجأ إليها إدارة بوش لشن الحرب، ولهذا يتم أولاً بأول فضح بعض الأساليب التي يلجأ إليها عناصر في الإدارة لخلق مناخ يشبه المناخ الذي ساد عشية غزو العراق.
ثالثاً، المؤسسة العسكرية ترفض هذه المرة بقوة أكبر زجها في مغامرة جديدة غير محسوبة، وإذا كانت معارضة هذه المؤسسة لقرار إدارة بوش غزو العراق كان معدوماً فلأن مخاطر غزو العراق واحتلاله لم تكن واضحة كما هي واضحة الآن فيما إذا تم تكرار السيناريو ذاته مع إيران، فإيران تبلغ مساحتها مليون وستمائة كيلو متر مربع، وتملك جيشاً قوياً ومدرباً تدريباً جيد، ويحوز على عقيدة قتالية أكثر التزاماً مما كان عليه حال الجيش العراقي، وغير منهك بالحصار أو حروب كثيرة كما كان وضع الجيش العراقي، ونوعية الأسلحة التي تمتلكها إيران تؤهلها لضرب أهداف عسكرية أميركية وإلحاق الأذى بها، في حين لم يكن هذا العامل متوفراً بالنسبة للقوات المسلحة العراقية، ولهذا جاهر قادة الجيش الأميركي بمعارضتهم لخيار الحرب وأعلن ستة من كبار الجنرالات في بادرة علنية غير مسبوقة أنهم سيقدمون استقالاتهم في ما إذا قررت إدارة بوش شن الحرب على إيران.
رابعاً، لا تمتلك الولايات المتحدة القوات العسكرية الكافية لشن الحرب، وإذا كان البعض يعتقد أن إدارة بوش لن تتورط بحرب شاملة وستكتفي بتوجيه ضربات للمنشآت النووية والعسكرية الإيرانية, فإن الخطوة التالية لا تستطيع التحكم بها واشنطن, إذ إن إيران سوف ترد على الضربة بمثلها، خاصةً إذا كانت مؤذية, وعندها لا تستطيع إدارة بوش التحكم بسير المواجهة وحدودها.
خامساً, إذا قررت الولايات المتحدة شن حرب على إيران فإن مسرح المواجهة لن يكون هذه المرة الأراضي الإيرانية وحدها, بل إن المنشآت العسكرية الأميركية في الخليج العربي وفي دول الخليج القريبة من إيران ستكون عرضة لهجمات من إيران كما أن إيران إذا لم تشن هي مباشرة حرباً ضد القوات الأميركية المنتشرة في العراق وأفغانستان، فإنها سوف تحث قوى المقاومة وتتعاون معها في هذين البلدين لتصعيد العمليات ضد القوات الأميركية وتزويد المقاومة بالسلاح بكافة صنوفه.
سادساً, الخسائر التي سوف تتسبب بها هذه الحرب وأثرها على المصالح الأميركية أولاً, والمصالح الغربية ثانياً, ومصالح الدول العربية الخليجية ستكون أعلى بكثير مما تسببت به الحرب على العراق, وطالما أن العالم قد عارض غزو العراق واحتلاله ولم يقبل صدور قرار عن مجلس الأمن يبارك الجهد الأميركي، فإنه لن يفعل هذه المرة عكس تصرفه إزاء العراق, لكن إدارة بوش ستغامر إذا أدارت ظهرها هذه المرة لمجلس الأمن كما فعلت في السابق، خاصة أن حربها مع إيران ستكون مختلفة عن حربها مع العراق.
لكل هذه الأسباب يمكن القول إن عزم الولايات المتحدة على شن الحرب فعلاً هو احتمال ضعيف للغاية وإن لم يكن معدوماً، ولكن التصريحات والتحركات العسكرية الأميركية ضد إيران، وتسريب المعلومات عن احتمال توجيه ضربة عسكرية لها يصب في إطار عملية التهويل والابتزاز لإرغام طهران على التراجع عن المضي في برنامجها النووي، ولكن طهران مدركة لهذا الواقع، ولهذا لن تتراجع، ولن تقوم الولايات المتحدة بشن الحرب، وسيتم الاعتراف بإيران كقوة أمر واقع ولاعب إقليمي شاءت الولايات المتحدة وإسرائيل أم أبت.


حميدي العبد الله