back to Books

 


 

العِرافَـة

 

بعد عماده في نهر الأردن، سَمَحَ يسوع أن يجرّبه الشيطان، وذلك، كي لا يقول قائل فيما بعد، أنه لو جُرّب لكان سقط في التجربة.

وبانتصاره على الشرّير أثبت يسوع أنه أقوى منه، وأن ليس له عليه أي مأخذ، وأنه لا يدين له بشيء. وذلك حسب قوله: ليس لرئيس هذا العالم فيّ شيء (يوحنا14/30) ومن يستطيع أن يثبت عليّ خطيئة؟

وعندما قال له الشرير: ألقِ بنفسك من الهيكل إلى أسفل (لوقا4/9) أجابه الرب يسوع : لاتجرّب الرب إلهك. أي لا تجرّبني أنا إلهك وخالقك.

وباستطاعة يسوع أن: يُخرج الشياطين بروح الله (متى12/28) وأيضاً أن يربط الشرّير ساعة يشاء. لا أحد يستطيع أن ينهب بيت القوي، ما لم يربطه أولاً (متى12/29).

وأنه قادر أن يدينه ويقضي عليه. الآن دينونة هذا العالم، الشرير يُلقى خارجاً. (يوحنا12/31)

وأن له سلطان كامل على الحياة، لأنه إله. لي سلطان أن أبذل حياتي، ولي سلطان أن أسترجعها (يوحنا10/18)

وعندما أرسل الاثنين والسبعين تلميذاً للقيام برسالة البشارة، رجعوا فرحين وقالوا: إن الشياطين أنفسها تخضع لنا باسمك، فقال لهم: لقد رأيت الشيطان هابطاً من السماء كالبرق. فها أنا أعطيكم سلطاناً أن تدوسوا الحيّات والعقارب وكل قوات العدو. (لوقا10/17-19).

بهذه الآيات يتضّح لنا، سلطان يسوع المطلق على الشرّير، وأن له أن يعطي هذا السلطان للمؤمنين به ساعة يشاء.

وترمز الحيّة القديمة إلى الشرّير، وعلينا أن ندوس رأس الحيّة أي أن نسحق رأس الشرّير (لأن الحيّة لا تموت إلا بسحق رأسها) وفي الوقت ذاته، هو سلطان على أفاعي الطبيعة، كما حدث مع القديس بولس في جزيرة مالطا، عندما نشبت حيّة في يده فألقاها في النار ولم يُصب بأذى (أعمال الرسل28/3).

وهذا السلطان المعطى لنا نحن المؤمنون بالرب يسوع، هو عبارة عن حَصانَة، أو حماية من الشرير ومن أعماله، وذلك حسب تثنية الاشتراع (تثنية18/10)، لا يوجد فيكم من يُجيز إبنه في النار، ولا من يتعاطى العرافة ولا مشعبذ ولا متفائل ولا ساحر، ولا من يرقي رقيّة (رقوة) ولا من يسأل جاناً أو تابعةً، ولا من يستشير الموتى. ومن يصنع ذلك، هو "ممقوت" عند الرب.

ومن أعمال الشرّير المعروفة في أيامنا هذه: التبصير، والتنجيم (الأبراج)، والخرزة الزرقاء، ونضوة الحصان، والكتيبة عند الشيخ، وفكّ الكتيبة، والحرز والحجابات، والطاولة المستديرة والعرافة ... وغيرها. وكل هذه الأعمال مكروهة عند الرب، ويُطلب منا تجنّبها، وعدم تعاطيها أبداً، لا بل محاربتها باسم الرب يسوع.

ويقول الرب في ( أحبار 20/6) : أي إنسان مال إلى أصحاب التوابع والعرافين، ليَفْجُرَ باتّباعهم، جعلتُ وجهي ضدّه. وكلمة مال، أي عنده ميل لسماع العرافة. وايضاً في( أحبار 20/27) أي رجل كان عرّافاً، فليُقتل.

وفي سفر التثنية لا يسمَحْ لنا الرب بتعاطي السحر أو العرافة أو غيرها. (تثنية فصل18)  : لأن أولئك الأمم الذين أنت طاردهم من أرض الميعاد يسمعون للمشعبذين والعرّافين. أما أنت فلم يَسْمَحْ لكَ الرب الإله بذلك. ويتابع: وأريد ألا يوجد فيكم مَنْ يتعاطى العرافة والشعبذة، والسحر والرقية وسؤال الجان والتابعة، ولا من يستشير الموتى (تثنية فصل18) وهؤلاء يدعوهم النبي (إرميا14/14) بالكذّابين.

إن الأنبياء الكذبة يتنبأون باسمي زوراً، وأنا لم أرسلهم، إنهم يتنبأون برؤيا زور وبالعرافة. والشيء ذاته وارد عند النبي (حزقيال13/9): قال السيد الرب: تكون يدي على الأنبياء الذين رؤياهم الباطل، وعرافتهم الكذب. وايضاً في إنجيل متى24/24: سيقوم أنبياء كذبة يأتون الخوارق.

 

فيا أخي المؤمن عليك أن تتجنّب كل قوّة للعدو (للشرّير) من الآن وصاعداً كي تنجو (وتخلُص). أي ليكون لك خلاص وحياة أبدية. لأن الرب يسوع علّمنا في صلاة الأبانا - نجنا من الشرّير- ولم يعلّمنا ذلك إلاّ لأنه يعرف قوة الشرّير وقدرته على ربط أتباعه وتقييدهم. وأيضاً القديس بطرس قال: إن إبليس عدوّكم، كأسد يزأر، يجول حولكم، ملتمساً من يبتلعه. وهو قتال للناس، لا حقّ فيه، وهو أبوالكذابين (يوحنا8/44) وما ذلك إلاّ لأن الشرّير، يربط المنافقين والأشرار، أي بعد أن يرميك في الخطيئة، فانه يقيّدك لتعود إلى فعلها مرّة بعد مرّة. وهكذا فإنه يربط الغضوب فيصرخ ويشتم، ويربط الزاني فيعود إلى خطيئته، وهكذا يفعل مع المتراخين والكسالى والجهّال والمنافقين والأشرار. وحسب النبي أشعيا: إن الشرير عنده قيود الشر والنفاق (أشعيا58/6).

إن الشرير بعد أن يوقعك يتمكّن من ربطك، كي لا تعود إلى اتّباع المخلّص، ولنا في أعمال الرسل8/23 مَثَل على ذلك: قال القديس بطرس لسيمون الساحر: إني أراك في مرارة العلقم (ورباط الإثم). إن قلبك غير مستقيم أمام الله. فَتُبْ من شرّك هذا وابتهل إلى الله، عسى أن يغفر لكَ.

إن سيمون قد باع نفسه للشيطان من أجل السحر ومعرفة المستقبل والتأثير على غيره من الناس، ولا خلاص له، إلا بصلاةٍ حارّة وقوية وتوبة صادقة.

والشرّير قوي يستطيع أن يجرّب المؤمنين ويربطهم، ألم يربط المرأة الحدباء إبنة إبراهيم، أي إبنة الايمان لمدة ثماني عشرة سنة؟ ولا يتمكن من حلّ هذه القيود (بعد الرب يسوع)، إلا من له سلطان على ذلك، سلطان على الشرير (لوقا13/16).

والشرّير أيضاً ربط لسان الأصم الألكن، ليحلّه الرب يسوع في ما بعد (مرقس7/35) وإن كان الشرير باستطاعته أن يربط أتباعه ويقيّدهم، فإن الرب يسوع له سلطان على حل هؤلاء، وربط الشرير مكانهم. لأن الرب صدّيق يقطع رُبُطَ الأشرار (مزمور128/4) ويسوع أيضاً يستطيع أن يربط القوي (الشرّير) (متى12/29) لكنه، أي الرب يسوع، عنده رباط آخر لأتباعه، وهو رباط الحب، إني أجتذب شعبي برباط المحبة (هوشع11/4) وفي كولوسي يقول القديس بولس: إلبسوا المحبة التي هي رباط الكمال (كولوسي3/14)

 

هل أوضحتَ لي، ما هي العرافة؟

العرافة هي التنبؤ بما سيحدث في المستقبل. (من قاموس الكتاب المقدس صفحة618)

 

والعرافة، حسب تعليم الكنيسة الكاثولكية، هي اللجوء إلى الشيطان، للكشف عن المستقبل وربما تتحقّق بعض النبؤات عن طريق الصدفة.

وفي هذه الظاهرة، إرادة للتسلّط على الزمن. والموقف المسيحي يقوم على تسليم الذات للعناية الإلهية في ما يتعلّق بالمستقبل. والعرافة والسحر وإن زعموا أن فيها ترويض للقوى الخفيّة، إنما هي مخالفة جسيمة لفضيلة الدين– (انتهى) -

وفي أعمال الرسل عندما سأل التلاميذ معلمهم : متى تردّ الملك إلى إسرائيل؟ أجابهم: ليس لكم أن تعرفوا الأوقات والأزمنة التي أقرّها الآب. (أعمال 1/7)

وكيف يتم هذا التنبؤ؟

يُقال أن الشرّير يُملي على العرّاف ما سيقوله.

والعرّاف إنسان عادي تسأله ويجيبك، وكأن كلّ الأجوبة وكل ما تعرفه أو تريد أن تعرفه، هو في متناول يده. يعرف في الاقتصاد، وفي الصحّة وفي الحرب وفي السلم ويعرف بكل الأمور، وهو ربما علومه عاديّة فكيف له أن يعرف كل شيء في الماضي والحاضر والمستقبل؟

إنه يبهرك ويترك عندك الكثير من التساؤلات، من هو هذا الانسان؟ الجواب حسب ما مرّ معنا في الكتاب المقدس، إنه عميل للشيطان إن عرافته ضرب من ضروب السحر، ومن أعمال الشرير، وهي عداوة لله.

 

فلا يمكنك بكل هذه البساطة أن تتفرّج وأن تسمع للعرّافين والمنجّمين ولا أن تقرأ كتبهم. وإن قلت: إني لا اؤمن بهذه الأعمال وهذه الأقوال، فإنك بمجرّد أن بدأتَ تفكّر بأقوال العرّافين، فقد بدأتَ تُشغل ذهنك. فهل تعلم أنك في ما أنت تتسلّى بهذه الأمور، يكون الشرير، يعمل على ربطك شيئاً فشيئاً. لأنك إن سمعت معلومة ما، فستبقى متيقظاً لتتأكد من حدوثها. وإن تحققت سينتزع عندها الشرّير إيمانك ليزرع مكانه روح العرافة . وهكذا تتحوّل بدون إرادتك إلى اتّباع الشرّير.

 

وإن حدث وأعطاك الشرّير معلومة صحيحة، فإنه لا يستطيع أن يعطيك الخلاص، ولا الغفران، ولا التوبة ولا المحبة... فلماذا تتحوّل عن نبع خلاصك؟ كل ذلك لتعرف ما يدور في الزمن؟ ألا تثق بإلهٍ ضابط الكل، يُحصي شعر رؤوس العباد والكون بأكمله. فلماذا اللجوء إلى العرّاف؟ إلى الشرير ليربطك؟ ثم تعود تطلب (وبالدموع) من الله ليحرّرك. هذا إن تمكّنت من ذلك.

 

في هذه الحال ما عليك سوى الرجوع إلى الرب يسوع وخدّامه كما في (أعمال الرسل 16/16-18) إستقبَلَتْنا جارية بها روح عرافة تُكسِبُ مواليها كسباً جزيلاً بعرافتها، تَبِعَتْ بولس ومَنْ معه عدّة أيام. وإذْ ضجر بولس إلتفتَ وقال للروح (للشرير الذي في العَرّافة) إني آمركَ باسم يسوع أن تخرج منها. فخرج في تلك الساعة.

 

وأخيراً إن حرّركم الابن كنتم في الحقيقة أحرار. (يوحنا8/36) ها قد حررك الرب يسوع بدمه، ونجّاك من الشرير، ألا تصلي :لا تدخلنا في التجربة، لكن نجنا من الشرير ؟ وقوّاك في التجربة، ولم يعد للشرير من سلطان عليك كي يربطك فتعمل الخطيئة.

وفوق هذا أعطاك سلطاناً تحارب به الشرير، وأعوانه وأعماله، لتمنع تأثيرها في النفوس.

ولتكون عوناً ومساعداً لربّك في بسط مُلكه على الأرض،  ألا تقول: ليأتي ملكوتك

فلماذا أيها الفضولي تترك حشريتك الفاسدة عن جهل أو عن غير جهل، لتدفعك فتتساهل وتتعامل من جديد مع الشرير الذي تحررت من سلطانه؟

وبعد أن ربطه يسوع من أجلك (ربط القوي) (متى12/29) فلماذا تعود لتحلّه أنت بيدك؟ بحشريتك وجهلك وعدم أمانتك، وليعود فيرتدّ عليكَ ويربطكَ بحيّله وألاعيبه، فينطبق عليك كلام الإنجيل: في مَثَل المخلّع (يوحنا5/14) لئلا ينتابك ما هو أسوأ.

وأيضاً في العهد القديم، كيف ان الله نزع المُلك عن المَلِك شاول وتركه لمصيره ليموت قتلاً. فارقه الله وصار عدوّه (ملوك أول18/16)

نسأل لماذا صار الله عدواً للملك شاول؟ لأن الملك اعتمد على العَرّافة (أي على الشرير عدو الله)، فيكون أن الملك: بموقفه الذي اتّخذه من العَرّافة، قد عادى هو الله، وليس الله من عاداه.

 

فيا أخي لماذا العودة إلى العِرافة؟ أما زلت مصراً على سماع العرّافين؟ أم أنّك اقتنعتَ؟ وقصدتَ أن تتخلّى عن كل ما هو ليس من الله ؟

 

ملاحظة: الرجاء الاطّلاع على المراجع لمزيد من الوضوح.

 

الخوري منير حاكمه

القبيات، كانون الاول 2009

 

back to Books