back to Book


المقدمة


نشأت فكرة هذا الكتاب عفوياً على هامش اهتمامات لم يكن قصدها البحث في التاريخ. فإعدادي الجامعي لم يكن في مجال التأريخ، بل في مجال السوسيولوجيا. ومشاغلي الفكرية وهمومي العملية العامة كانت في مجال النشاط السياسي التغييري والنظريات الفاعلة في فهم طبيعة الصراع الاجتماعي عموماً، وفي بلادنا على وجه الخصوص. فلماذا اتجهت ناحية التأريخ؟ وفي الجواب على هذا السؤال أقول:

أولاً: كنت أتساءل باحثاً عن أسباب الهزائم التي منيت بها منطقة المشرق العربي تاريخياً في الصراع العالمي في العصر الحديث والراهن (وهي على الدوام مركز المحور فيه، أو هي على الأقل واحد من موضوعاته المركزية)، وباحثاً بالمقابل عن العوامل التي قد تحزم بها المنطقة أمرها، فتخرج من هزائمها. وهنا كانت تحضرني مسألة حروب الفرنجة (الصليبية) في حالتي الهزيمة والرد عليها. وكل ذلك بالمقارنة مع هزيمة المنطقة أمام هجوم الغرب الرأسمالي واستعماره، وخروجه منها بعد أن خلف فيها صنيعته "الكيان الصهيوني". وهذا ما استدعى مني ولوج التأريخ وقرع أبوابه.

ثانياً: وكان لا بد لي بالتالي من مراجعة الكتابات العربية والغربية في هذا السياق. ولكم أرعبني أن أجد الكثير من الأدب التاريخي العربي مطموراً طي النسيان إلى أن أتى الغرب لينفض عنه الغبار. فهو الذي يحقق الكثير من المخطوطات العربية ويمحصها وينشرها، فنتعرف عليها من خلال لغاته أحياناً و"بفضله" احياناً أخرى. ولكم أرعبني أكثر أن أجد دول هذا الغرب تنظم عملية التعرف إلى بلادنا وتاريخها وآثارها بشكل منسق وناضج وهادف، فترسل البعثات وتكلف القناصل بمهام الاستطلاع بكافة أنماطه، وتفتح فروع الجامعات للتخصص في مجالات معرفة بلادنا وشعوبها.

ثالثاً: على هامش هذه القراءات وجدت مادة غنية عن عكار وجوارها مبعثرة في أدب الرحالة الغربيين، ووجدت من المفيد جمعها في مصنف واحد، فولدت فكرة هذا الكتاب.
قصدنا تحت هذا العنوان "منتخبات التواريخ والآثار في مواضع عكار والجوار" تقديم وترجمة النصوص التاريخية المتعلقة بمنطقة عكار، لنسهل على الباحث في شؤون هذه المنطقة الوصول بسهولة إلى المراجع والمعلومات المطلوبة. وكذلك لنضع أمام أبناء المنطقة حقيقة تاريخهم وتراثهم العريق ومدى اهتمام الغربيين به، وكيفية نظرتهم إلى بلادنا وشعبها.

لقد استَعْجَلَنا، بنشر نصوص هذا الكتاب تباعاً على الإنترنت، المهندس القبياتي إيلي عبود، صاحب موقع kobayat.org، وهو العامل متطوعاً بجد وهمة لا يفتران في سبيل خدمة بلدته القبيات ومحيطها عكار، فلم يتوفر لنا الوقت الكافي لتحقيق النصوص المترجمة ورد المراجع العربية الواردة فيها إلى أصولها. وكنّا نأمل أن نسد هذه الثغرة لاحقاً، ومع ذلك لم نتمكن من الالتزام بالأمر. وكلما كنّا ننجز نصاً كنّا ندفعه للنشر على موقع الإنترنت المذكور.

ندفع بترجمة هذه النصوص لنضع بمتناول العكاري، مواطناً عادياً كان أم طالباً أم باحثاً أم سياسياً أم مهتماً بالشأن العام، صورة عن واقع حال منطقته عبر التاريخ كما جاءت بها ملاحظات الرحالة الغربيين عموماً. ومن ذلك نأمل إثارة اهتمامه بتاريخ بلاده وآثارها على أمل حثه على التفكير بكيفية حمايتها من سوء التعامل معها تعاملاً يقضي عليها فيلغيها كقيمة معنوية ثمينة (كما هي حال الكسارات، وحال عرقة...). وعلى أمل الاهتمام باستثمارها في مشاريع التنمية، ومنها التنمية السياحية الناشطة لدى الباحثين عن معاينة تاريخ الشعوب وما خلفته حضارتها عبر الزمن من عمارة.

ولا شك لدينا بأن عملنا تعتريه النواقص والثغرات والأخطاء في أكثر من مكان. وعلى ذلك نعتذر من القارئ الكريم. ونأمل من ذوي الاهتمام والإلمام ممارسة النقد الصارم لعملنا بغية تصويبه وتصحيحه. وله على ذلك كل التقدير والشكر من قبلنا. وهنا نوجه النداء لمن يتقن اللغة الألمانية والإيطالية والفرنسية القديمة واللاتينية وندعوهم للتطوع وللمساهمة في هذا العمل الثقافي التراثي.

جوزف عبدالله

 

back to Book