back to Book |
نصب السبع[1]
وادي السبع، أكروم
(ص 49) ... ... ... في عندقت، سمعت للمرة الأولى كلاماً على شيء من التفصيل حول جبل أكروم. سمعت روايات حول أمور ملفتة؛ لعل المنطقة "مجال مجهول" فعلاً. فرصة سعيدة بالنسبة لنا استهوانا اغتنامها، لربما كان في جبل أكروم نصب قديمة. وعلى حد علمي لم يسبق أن زار أي أوروبي هذه المنطقة. والجبل غير مذكور على أي خارطة؛ وحدها خريطة لبنان الصادرة عن هيئة الأركان الفرنسية تكتفي بذكر بلدة أكروم، دونما وضع إطار لسلسلة الهضاب حيث تقع البلدة.
يظهر جبل أكروم أدب الجبال السوري كسلسلة من الهضاب طولها أكبر من عرضها وتقع بين وادي خالد والوعر، يفصلها وادي خالد عن جبل عكار. وهي تبدأ في الجنوب بُعيد الهرمل بقليل، ويحدها من الشمال البقيعة ووادي عودين... والمنطقة الجنوبية منها تسمى جبل أكروم وبهذه الصفة تبدو على خارطة بلانكنورن Blanckenhorn.
يستمد وادي عودين اسمه من عودين دير ماروني تحيط به بضع مزارع. هو بداهة الكلمة السريانية عودين اسم دير يعقوبي في مقاطعة العربية[2]. مررنا بالدير قبل الشروع بالصعود إلى جبل أكروم: قبل مسافة 10 دقائق من الدير، نمر بنبع عين القبو المشهور بفعالية مياهه لمعالجة أمراض الجلد. يقصده الناس (ص 50) من البعيد ومن المعتاد تقديم البخور حوله. هنا أيضاً استمرار لعبادة الينابيع[3].
إن صعود جبل أكروم صعب للغاية. فالسلسلة تتكون من تتابع لتلال حادة ووديان عميقة مشجرة بشكل رائع. وكان أعلى ارتفاع بلغناه على مستوى 1195م، وما تزال بعض القمم الأعلى تشرف علينا مباشرة. وبعد صعود لمدة ساعة عبر ممرات صعبة تلتوي تباعاً وسط غابات خاوية وصلنا إلى فرجة. إنها خربة معروجا حيث الدواثر لا قيمة لها؛ على مسافة نصف ساعة بلغنا وادي صُليِّب (1175م)، أجمة رائعة تظلل أشجارها كومة من الحجارة. جميع الأشجار مغطاة بخرق من القماش، نذور للقديس (الولي) المدفون في القبة الخضراء. ومما يلفت النظر أن أشجار السنديان حولها تتعرض لشتى أعمال التشويه من قبل حطابي ونيران رعاة المحلة. ولكن أحداً لا يتجرأ على مس غصن واحد من أشجار ولي صْلَيِّب.
من هنا يبدأ ممر للهبوط كان مستحيلاً على الدواب اجتيازه، واستلزمنا اتباعه ساعة لبلوغ قعر الوادي الضيق حيث يسيل جدول نهر السبع. بعد 10 دقائق منه يقع نصب السبع (على ارتفاع 875م). إنه نصب مربع تقريباً على صخرة تشرف على الجدول عن مسافة بضعة أمتار. يبلغ ضلعه حوالي 2.5م". يمثل النصب، كما يبدو في الصورة، رجلاً يصارع حيواناً متوحشاً، يسمونه أسداً، وهو منتصب على قائمتيه الخلفيتين.
يعتمر المحارب قلنسوة حادة الرأس، ويرتدي ثوباً كاشفاً إحدى الركبتين. وجهه مشوه وكذلك ساعده الذي يبدو كأنه يمسك به سلاحاً. الرسوم بالحجم الطبيعي لما تصوره. ونظراً لغياب النقش ولضعف النور (في الرابعة بعد الظهر يكون الوادي كله في الظل)، لم نتمكن من التقاط غير كليشيه سيء للنصب. يبدو مجمل النصب من الطراز الأشوري[4]. ولكن لنتذكر (ص 51) أن القوات الأشورية أقامت لفترة طويلة في ربلة، على مقربة من هذا الموضع[5].
بعد نصف ساعة من المكان وصلنا إلى بلدة أكروم Akroûm، تجمع لحوالي عشرين منزلاً. لم يسبق لهؤلاء البشر، وهم "ما زالوا على الطبيعة" les naturels، أن شاهدوا أوروبياً: هم مسلمون سنة، يعيشون في عزلة قليلاً un peu sauvages، ولكنهم أقل تعصباً مما قيل لنا عنهم.
استناداً إلى الدواثر، لا بد أن أكروم كانت في القديم موقعاً هاماً...
[1] المرجع: H. Lammens, Notes Epigraphiques et Topographique sur l’Emésène, Extrait du Musée Belge, 1902, p. 49 et suiv.
[2] راجع: XIème congrès des Orientalistes, 4ème section, p. 131, nos 85 et 88.
[3] راجع حول آلهة الحميريين: ZDMG., LV, 245
[4] بعض تفاصيل الزي، مثل الحذاء المدقق من الأمام والمعقوف قليلاً، تشير إلى احتمال أن يكون النصب من أصل حثي .ولكن القسم العلوي للشخص المشوه تماماً لا يسمح بالتقدم بكلام حاسم.
[5] يوجد على بعد بضعة أميال إلى الجنوب نقشان كبيران من الحروف المسمارية في وادي بريصا (قضاء الهرمل). راجع: Arch. Miss. Scient., 1888, p. 345
د. جوزف عبدالله
back to Book |