تعريف بالكاتب والكتاب
من هو هنري بونيون Henri POGNON؟
ديبلوماسي ومستشرق علاّمة فرنسي الجنسية، ولد في العام 1853، تفوّق منذ دراساته الإعدادية وبرز لديه باكراً الميل إلى الاستشراق مع مطالعته- كما يَذكُر- مؤلف دو سولسي F. de Saulcy "رحلة حول البحر الميت" Voyage autour de la Mer Morte. بدأ في باريس دراسة الحقوق واللغات الشرقية القديمة (العبرية، السريانية، والهيروغليفية- المصرية) والعربية، في "معهد اللغات الشرقية" Ecole des Langues Orientales و"معهد الدراسات العليا" Ecole des Hautes Etudes و"كوليج دي فرانس" Collège de France. وبذلك تتلمذ على يد أهم المستشرقين الفرنسيين من أمثال: غييار Guyard وماسبيرو Maspéro وكليرمون-غانو Clermont-Ganneau... كما تعلم الفارسية والتركية والأثيوبية والمندائية. وكان أكثر ما اشتهر به من اللغات الشرقية القديمة ثلاث: الأشورية والسريانية والآرامية.
في العام 1879-1880 قدم أطروحته حول "نقوش بافيان" l'Inscription de Bavian في "معهد الدراسات العليا" في باريس حيث كان أول من درس اللغة الأشورية فيها عام 1878. فلمع نجمه بغنى معلوماته ودقة بحثه وأمانته العلمية.
وتتالت أبحاثه من العام 1884 حتى لحظة وفاته بينما كان يعمل على وضع اللمسات الأخيرة على طباعة آخر مقال له نشر في جورنال أزياتيك Journal Asiatique (المجلة الآسيوية).
وكان، بعد قيامه بواجبات منصبه، يصرف كل وقته في البحث عن الآثار الشرقية التي خلف فيها عدداً وافراً من المؤلفات. ومن ذلك مؤلفاته الفريدة في الآثار السامية المكتشفة في الشام وفي ما بين النهرين وجهات الموصل ولبنان؛ كما درس ديانة الصابئة والآثار المندائية.
أمضى بونيون معظم حياته المهنية كدبلوماسي فرنسي في المشرق العربي متنقلاً بوظيفة قنصل بين العراق وسورية ولبنان، باستثناء فترتين قضاهما في ليبيا واعتبرهما بمثابة المنفى. وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى كان يفكر بالعودة إلى سورية ما أن تهدأ الحرب، ولكن الموت عاجله في العام 1921، فلم يتمكن من تحقيق رغبته، ولكنه نجح في ترك إرث علمي استشراقي واسع.
أبرز مؤلفاته:
- Inscriptions de Mérou Nérard, Paris, 1884.
- Les Inscriptions babyloniennes de Wadi Brissa, Vieweg, Paris, 1887.
- L’Inscription de Raman-Nérar 1er, roi d’Assyrie, 1894.
- Inscriptions mandaïtes des coupes de Khouabir, Imp. Nat., 1898
- Inscriptions sémitiques de la Syrie, de la Mésopotamieet de la region de Moussol, Lecoffre, 1907.
- Notes lexicographiques et textes assyriens inédits, Paris, 1907
- Les mélanges assyriologiques (Paris, 1913)
- Dictionnaire complet du mandaïte
حول الكتاب
يُمكننا تقسيم كتاب "النقوش البابلية في وادي بريصا" Les Inscriptions babyloniennes de Wadi Brissa إلى قسمين أساسيين.
القسم الأول وفيه:
- مدخل: يعرض فيه بونيون ظروف عثوره على نقوش وادي بريصا.
- وصف للوادي: موقعه (بُعده عن الهرمل وطرابلس) وتضاريسه وطبيعة جواره وأحوال سكانه.
- وصف النقوش: موقع النقشين في الوادي على صخرتين متقابلتين على يمين ويسار الممر. نقش حروفه قديمة، وآخر حروفه حديثة[1]. وعدد الأعمدة في كل نقش، وعدد السطور المقروءة في كل عمود. بالإضافة إلى النصب المحفور في كل نقش. ولم يفت بونيون تعيين التلف الذي أصاب النقشين بضرر كبير.
- ترجمة وتحليل نص كل من النقشين.
القسم الثاني وفيه:
- دراسة وتحليل نص النقشين: من حيث فقه اللغة والاشتقاق، وردّ الكلمات إلى جذورها ومصادرها في اللغات المجاورة ومنها العبرية والعربية وسواها من اللغات القديمة.
- معجم بالمصطلحات والألفاظ المرمزة، وآخر من وجهة نظر الصوتيات.
لقد اكتفينا بترجمة القسم الأول لسببين هامين. الأول، وهو الأهم، عجزنا (الناجم عن جهلنا المطبق بالكتابة المسمارية)، وبالتالي الخشية من تشويه المضمون؛ لا سيما وأن الناحية التاريخية في هذا القسم لا تضيف الكثير على ما هو وارد في القسم الأول، وحيثما وجدنا إشارات مفيدة فيه أدرجناها في الهوامش. أما السبب الثاني فهو أن هذا القسم يعني مباشرة المختصين الذين لا تنقصهم القدرة على العودة إلى النص الفرنسي. كما أن عامة القراء سيجدون هذا القسم مملاً، وبالتالي فإن ترجمته تُثْقِل عليهم القراءة ولا تريحهم.
لقد أطلقت أبحاث بونيون في وادي بريصا موجة من البحث والتحري عن التراث التاريخي البابلي في المنطقة. حاولنا تتبعها بما توفر لنا من المراجع والقدرة العلمية على متابعتها. ولقد عرضنا في هذا القسم من "منتخبات التواريخ..." مجمل ما كتب في هذا الخصوص، باستثناء ما قدمه الألماني منه، خصوصاً عند ويسباخ Weissbach، نأمل من الملمين بالألمانية المساهمة في عرض مؤلف: Weissbach, F. H., Die Inschriften des Nebukadnezzar im Wadi Brissa, in Wissenschaftliche Veroffentlichungen der Deutschen Orient Gesellschaft, Heft 5. Leipzig, 1906
يبدو أن هذا المؤلف الألماني كشف، أكثر مما فعله بونيون، عن مضمون نقشَيْ وادي بريصا بخصوص طبيعة الحملة البابلية في جبال لبنان بقيادة نبوخذنصر الذي يقول: "استناداً إلى ثقتي بالإله نابو ومردوخ حشدت جيشاً وقمت بحملة... وحررت لبنان من أعدائه وأعدت إليه أبناءه المشردين. وعملت، أكثر مما فعله أي ملك قبلي، على تحطيم الصخور وشق الممرات في الجبال الوعرة، وفتحت الطرق من أجل نقل الأرز، هذا الشجر الضخم والصلب والجميل للغاية بخشبه الداكن اللون، الذي ينمو في لبنان كما ينمو القصب في النهر. واجتزت الوديان العميقة، وفتحت لجيشي الممرات بين الصخور. وبلغت جبل الأرز العابق برائحته الفاتنة، ذلك الشجر الذي لم يسبق لملك أن اقتطعه، وخصصت هذه الأشجار لتزيين قصور ومعابد الإله نابو ومردوخ. وبسطت الأمن والسلام في لبنان. ومن أجل أن اقدم أمثولة لمن يطمع بهذه الأرض أنشأت هذا النصب حيث أثبت أني ملك هذه الأصقاع، وملكٌ حكمُه أبدي، والسلام على من يعي هذا الكلام".
إن لنقوش وادي بريصا أهمية كبيرة في تبيان تراث الحضارات والشعوب في الشرق القديم. فتحت عنوان "نبوخذنصّر الثاني من بابل إلى جبل الأرز" وُضع على أحد مداخل معرض "بابل"، الذي يقام في متحف اللوفر بباريس، نص لنبوخذنصر الثاني مأخوذ عن هذه النقوش.
[1] يقصد بونيون أن النقش بحروف قديمة inscription en caractères archaïques يعود إلى اللغة الأكادية القديمة، بينما النقش بحروف حديثة inscriotion en caractères cursifs فيعود إلى اللغة الأكادية في مرحلة الامبراطورية البابلية الجديدة.، (المترجم).
د. جوزف عبدالله
back to Book |