back to Book |
مسائل في طوبوغرافيا طرابلس[1]
جان ريشار
(ص 53) في دراستنا حول كونتية طرابلس، رسمنا تطور هذه الدولة الفرنجية (الفرنسية)، من كونها بداية زحفاً مستمراً في عمق بلاد الإسلام لتنهتي كمجرد ممر ساحلي بلا مشاريع توسعية في الداخل. انطبع هذا الاتجاه في تطور أملاك الاسبتالية الذين أصبحوا حراس حدود هذا الساحل اللبناني[2].
ثمة إيضاحات لحقت بهذه الدراسة بفعل مراجعة البعض من المسائل الطوبوغرافيا التي تشكل واحدة من أكبر صعوبات تاريخ الحروب الصليبية. فإثر كوارث العام 1137 حيث أدى سقوط مونفران Montferrand (بعرين) والمواقع المجاورة إلى انكشاف الكونتية لجهة الشمال (حيث شكل زنكي خصوصاً تهديداً كبيراً) تنازل (الكونت) ريمون الثاني في العام 1144 إلى الاسبتالية عن الحصون التي تشكل دفاعاً عن ممر النهر الكبير. ولكنه احتفظ بالحصون التي قد تسمح يوماً بالاستيلاء (ص 54) على حمص وحماة؛ وفي العام 1163 تم بيع حصن السرخ Eixserc، هذا الموضع المتقدم التابع لسنيورية طرطوس ومرقية Maraclée، إلى هذه الرهبنة مع وادي لوكن val de Luchen، هذا الشعب المؤدي نزولاً نحو حماة[3]. وفي العام 1180 فقط فتح كونتات طرابلس طريق حمص أمام الاسبتالية بالتنازل عن قلعة طوبان Tuban، وعام 1181 بالتنازل عن كل الإقليم التابع لها والواقع جنوبي هذه القليعة والمحدود شرقاً بنهر العاصي وغرباً بالبقيعة Boquée والجبال حيث يقوم حصن مليشين[4] Melechin، ومن هناك تصل الحدود (ص 55) إلى ممبوعا Memboa (هضبة الممبوعا El-Membouha الراهنة غربي رأس بعلبك في آخر تلال لبنان) ومن هناك إلى العاصي: احتفظ الكونت بالسنيورية المشتركة للنهر بذاته. وذلك، لأن الكونت ريمون الثالث مع تخليه عن كل الضفة الغربية للعاصي الأعلى فإنه كان يأمل بأن يحتفظ بغزو حمص وبلاد ما بعد العاصي؛ ولكنه وجد نفسه مضطراً بالتنازل عن ذلك للاسبتالية عام 1184، مقابل حق الانتفاع، وهذا ما تراجع عنه عام 1186[5]. هكذا شكل العاصي حدود الكونتية في البقاع في نهاية القرن الثاني عشر، كما حصل عام 1144 عندما وهب الكونت ريمون الثاني حق الصيد في بحيرة حمص.
كنّا قد اقترحنا تعيين بشيستين Bechestin في موضع بعيشتا Ba’ishta، وبالتالي تعيين سنيورية البترون في موضع سنيورية "سانت مونتانيى" “Sainte-Montagne”. وفي الحقيقة، تلمح النصوص إلى المدعو رولان Roland و"روستين دو سانت-مونتان" Rostaing de Sainte-Montant، من عائلة من فيفاريه Vivarais معروفة منذ القرن الحادي عشر، وبالتالي ثمة مجال للعودة إلى التعيين الذي اقترحه راي Rey في جعل بشيستين Bechestin هي بكفتين Bkeftin. وفي البترون، لا شك أن بنت روستين داغو Rostaing d’Agout (روستانيوس دو غوت Rostagnus de Goth المذكور عام 1132) كانت الزوجة الأولى للسيد غليوم دوريل Guillaume Dorel ou d’Aurel (المشهود عام 1174) ووالدة تلك التي نقلت حوالي العام 1180 هذه السنيورية إلى بيزان بلايبين[6] Pisan Plébain.
كان أول صاحب للبترون، كما يؤكد مؤلف Lignages، هو ريمون داغو Raymond d’Agout أو بالأحرى جوفروا داغو Geoffroy d’Agout المذكور عام 1115 كمالك للحصن الذي يجب أن يكون غربي موضع بوي دو كونستابل Puy du Connétable (الهري El-Héry) على (ص 56) منحدرات رأس شكا Ras Chaqqa (رأس تيوبروزوبون cap Théouprosopon)، في موضع برج وصفه ألبير ديكس Albert d’Aix عام 1099 والذي حلّ مكان قليعة دمرها بومباي Pompée في حملته على القراصنة (اللصوص): لا بد أن قلعة المسيلحة Qal‘at el-Mseilha تحتل موضعاً قريباً من هذا المكان الإستراتيجي الرائع[7]. إن مثل هذا التعيين يسمح بموضعة أكيدة "للأرض الواقعة بين حصن جوفروا داغو والقلمون" بأنها سنيورية أنفة Nephin التي لعل كان غليوم روستين Guilhem Rostaing وبونز ميدينيس Pons Medenes أول مالكيها. ولا شك ان أحدهما- غليوم- زوج بنته أداليه Adalais (المدعوة سانش Sanche في مؤلف Lignages) من هوغ أمبرياك الجبيلي Hugues Embriac de Gibelet، وله نقلت بشمزين Besmédin كمهر، ما أدى إلى تفتيت إقليم أنفة التي انتقلت إلى حفيدها غليوم، أرومة هذا الفرع من عائلة أمبرياك بشمزين[8]. من المعروف أن الخليفة المباشر، أو الوسيط، لبونز كان ريمون طرطوس-مرقية Raymond de Tortose-Maraclée، قبل العام 1163.
لقد استعصى علينا العثور على حصن وادي ابن الأحمر Ouadi Ibn el-Ahmar الذي تدمر عام 1137 في الغارة الدمشقية التي انتهت بمقتل بونز، كونت طرابلس، تحت جبل الحجاج. توحي رواية هذه الغارة بأن المهاجمين (ص 58) استفادوا من تواطؤ اللبنانيين، أفلا يدعو ذلك إلى البحث عن موضع هذا الحصن في منطقة معابر جبل لبنان (المعابر اللبنانية[9])؟
إن معرفة هذه المنطقة سيئة للغاية، والمصادر المارونية لا تقدم لنا غير توضيح ضعيف: من وجهة النظر الطوبوغرافية، ثمة أسماء لبعض مقرات الأسقفيات حاولنا تعيين مواضعها على الخريطة الراهنة للبنان. هناك أسقف العاقورا Acura (العاقورا ‘Aqoura شمالي شرقي قرطبا Kartaba) الذي يبدو أنه واجه عام 1111 النفوذ المونوتيلي monothélite. وبعد العودة إلى روما (الحل من الهرطقة والعودة إلى الكثلكة) في العام 1182 على يد آمري دو ليموج Aimery de Limoges عاد الانشقاق بحمية في ظل البطريرك لوقا الأول Luc Ier حضر مؤتمر لاتران Latran خلفه جيريمي الثاني Jérémie II في العام 1215 (بناءً على نصيحة صاحب جبيل المهتم برفع الحجز عن ممتلكاته التي تشكل مكان الإقامة الأساسي للموارنة). وثبت له البابا إنوسنت الثالث، من خلال براءة الاتحاد، ملكية يانوح Anoch (يانوح Hénouch شمالي البترون؟) حيث كان يقيم في حينه، وطاعة أساقفة بشري Bussara (Bscharré) والحدث Hassassa (الحدث El-Hadeth مركز ماروني صمد بوجه السلطان قلاوون Qalaoun؟) وطاعة أساقفة المنيطرة Menetra (Le Moinetre) وكفرفو Capharphu (كفرفو Kafer-Fou في وسط قاديشا Qadischa) ورشعين Raschin (رشعين Racheïne شرقي زغرتا، في منطقة طرابلس) وغروسينسيس Groccensis. وفي العام 1243، اعترف البابا، بتثبيت انتخاب أسقف حجولا Aiola (حجولا Hejoula على مسافة 8 كلم شرقي جبيل)، بطاعة البطريك الماروني.
وأخيراً، نعثر عام 1282 في أنفة على أساقفة رشعين Resshyn (Racheïne) وفيلجارغون Villejargon (؟) إلى جانب البطريرك جيريمي الثالث Jérémie III والأمير بوهيموند السابع[10]. على الرغم من هذا التعداد (ص 59) ما نزال بعيدين عن الكثير من الاسقفيات التي ذكرها لودولف دو سودهايم Ludolf de Sudheim حوالي العام 1350 في لبنان.
[1] المرجع: Jean Richard: “Questions de Topographie Tripolitaine”, Journal Asiatique, 1948, pp. 53-59.
[2] راجع: J. Richard, Le Comté de Tripoli sous la dynastie Tolousaine. Paris, Geuthner, 1945.
[3] لقد حالت الظروف دون شعبة الجغرافيا في الجيش- التي سرّعت خلال الحوادث إنجاز خريطة المشرق الممتازة بمقياس 1/50000- وإكمال صفحات برج صافيتا وقلعة الحصن، وهذا ما ما يزيد من صعوبة تعيين موضع السرخ. نحن ميالون إلى اعتبار قلعتي حصن الشرقي Hisn al-Sharqi ولاكما Lakma اللذين أقطعهما زنكي إلى أونور Unur عام 1139 بأنهما السرخ Eixserc (le Sarc) وحصن الكامل le Camel، واللذين استولى عليهما الفرنجة مؤقتاً. إن حصن الكامل الذي عيّناه في حصن سليمان Hisn Suleiman، يقع بالأحرى كما يُعلمنا السيد بول ديشان Paul Deschamps في الكيمة Kaïmé، شمالي حصن الأكراد Crat. ثمة معلومة تعود للعام 1180 تفيدنا بأن من توابع حصن الكامل مواضع مارمونيز Marmonize وإربنمبر Erbenambre– تعرف عليها السيد دوسو Dussaud (Topogr. hist. de la Syrie, p. 96)- وليبيزار Lebeizar، التي نقترح تعيينها في بيت زهرا Beit Zahra جنوبي العيون El-Ayoun: جميعها بالقرب من الكيمة. بيد أن هوية اللاكما El-Lakma (لاكما Lakma) والكامل Camel غير مقبولة على العموم. استناداً إلى نص اتفاق يعود إلى العام 1143 (Delaville Le Roulx, Cartulaire général de l’Ordre de l’Hôpital, II, p. 602) نضع السرخ Eixserc شرقي القليعة Colée، وربما في موضع حصن سليمان Hisn Suleiman؛ ولكن السيد ديشان يفضل وضعه إلى الشمال الشرقي من حصن الأكراد. يتناول الاتفاق "تبعية حصن السرخ وحصن القليعة". هل يُمكن مقاربة "تل لوكان toron de Lucan" المذكور في الاتفاق مع "وادي لوكن val de Luchen" في العام 1163؟ أليست قرية نوبيا Nubia المبادلة مقابل السرخ Eixserc عام 1163 هي قرية عنابية Aannabiyé على مسافة 5 كلم جنوب شرقي طرطوس؟ كما أن قرية كافاريك Kafarique، التي تنازلت عنها عام 1151 أرميسند دو كاستلنو Armesende de Castelnau، مع منازل في صافيتا تتماثل بقرية كفريخا Kfarrikha، على 4 كلم شمالي صافيتا. أما هيلميدل Helmedel المجاورة لجبل عكار Gibelacar فهي المجدل El-Majdel شمالي شرقي عكار العتيقة Akkar el-Atiq.
[4] قلعة البرج Qalat el-Bordj في جبل الملاح Jabal Melah، خربة تحكم ممر وادي الميس Ouadi el-Meis الصاعد من من البقيعة Boquée نحو سهل حمص، وليس بالأحرى قلعة الحصن Qalat el-Hosn على وادي ملاك Ouadi Malake بالقرب من سير الضنية.- Röhricht, Regesta Regni Hierosolymitani, no 603 (Delaville Le Roulx, I, p. 406) et Raybaud, Inventaire des Chartes de Syrie, éd. Delaville Le Roulx, no 134.- إن البحث عن مليشين وممبوعا في منطقة حماة يذهب بكونتية طرابلس مسافة أبعد من الممكن نحو الشمال الشرقي.
[5] Röhricht, no 637 ; Raybaud, no 157.. المقصود فعلاً حمص، لا الكامل Camel، كما تقدمنا به سابقاً مخطئين.
[6] راجع: E. Rey, Sommaire du Supplément aux Familles d’Outre-Mer, p. 10; Estoire d’Éracles (Rec. Hist. Croisades, Occ. II), p. 51; Röhricht, nos 211, 519. Agout, aujourd’hui Goult, Vaucluse, arr. Apt. cant. Gordes ; Saint-Montant, Ardèche, cant. Bourg-Saint-Andéol ; Aurel, Drôme, arr. Die, cant. Saillans, ou Vaucluse, arr. Carpentas, cant. Sault.
[7] Albert d’Aix, p. 547; R. Dussaud, op. cit., p. 82; Strabon, éd. Teubner, p. 755 ; Pline l’Acien, idem, I, p. 395. – يروي ميشيل السوري Michel le Syrien (éd. Chabot, II, p. 246) في رواية مثيرة كيف أن هزة أرضية عام 547 دمرت البترون وقذفت بقسم من رأس شكا في البحر أمام المدينة ما أنشأ "مرفأ رائعاً وفسيحاً قادراً على استقبال أكبر المراكب"
[8] راجع: Röhricht, no 78.. لنقارن مع نص من العام 1198 فيه يربط إينوسنت الثالث بكنيسة طرابلس كنائس أنفة وثلاث قرى لطالما نازعت الاسبتالية حولها (راجع خصوصاً: Röhricht, no 745): هذه القرى الثلاث هي زكرون Zakroune، برغون Bargoune، ميتبعوم Mitbaoum؟ - Rey, Les seigneurs de Giblet, dans Revue de l’Orient latin, III, et E. de Rozière, Cartulaire du Saint-Sépulcre, no 96- هل يكون غليوم روستين هو نفس الشخصية التي اعترفت لبرنار أتون الرابع Bernard-Aton IV من كاركاسون Carcassone بقلعة برني Bernis، وهل يمكن مقارنة بونز دو ميدينيس مع برمون دو ميدنت Bermond de Medents، فارس قلعة أرين دو نيم arène de Nimes المذكور في نفس المصنف عام 1163؟
[9] قد يجوز التفكير في قلعة الحصن Qalat el-Hosn المذكورة أعلاه (الحاشية رقم 4)، أو في جبل عكار Gibelacar. – إن إشارة أسامة (Rev. Orient Latin, II, p. 518) حول الصقور التي يتم شراؤها من وادي ابن الحمر لا تفيد بأي تعيين أكيد.
[10] Le Quien, Oriens christianus, III, p. 54-65 (تجدر ملاحظة أنه انعقد، في العام 1151-73، مجمع في جبيل حضره مبعوثو البابا والبازيليوس لمناقشة الاتهامات الموجهة بحق البطريرك الماروني)؛ Tobias Anassi, Bullarium Maronitarum, Romæ, 1911, p. 2 et suiv. – رافق يوسف الحدثي Joseph de Hadeth وتيودور كفرفو Théodore de Kafer Fou جيريمي الثاني Jérémie II إلى روما؛ - Mas-Latrie, Histoire de l’île de Chypre, III, p. 667; R. Dussaud, op. cit., p. 72. – اعتباراً من القرن الخامس عشر فقط انتقل مقر البطريركية إلى وادي قنوبين. حول تاريخ القادة الموارنة (هل وُجد في بشري مقدمون يتوارثون المواقع، أمراء لبنان؟)، إن قصيدة "تاريخ المقدمين" Exploits des Chefs المنشورة حديثاً والتي ذكرها السيد سوفاجيه Sauvaget ربما تنطوي على توضيحات ثمينة.
في المحفوظات الفرنسية بقايا من وثائق عائلة بورسيليه (F. Benoit, Les Porcellets de Syrie…)، (راجع ترجمتها في ملحق مقال "عرقة في وثائق تعود لأيام الصليبيين"، من ضمن "منتخبات التواريخ والآثار..." المترجم). هل تكون رافانيا Raphania التي امتلكتها هذه العائلة عام 1206، هي بالأحرى الريحانية Rihaniyé شرقي الحميدية Hamidieh وغربي صافيتا، بدل رفنية Raphanée؟ وفي فرنسا أيضاً، في محفوظات ساوُن-إ-لوار Saône-et-Loire ما تزال محفوظة الوثائق المتعلقة بالدير سيستيرسيَن Cistercien الذي أسسته لا فيرتيه-سور-غروسن La Ferté-sur-Grosne في سان-سيرج-الجبيلي Saint-Serge-lès-Gibelet (مار سركيس) عام 1231. وكانت هبات أصحاب جبيل له تضم قرى أرسكستا Arsexta، سورام Soram، إفدار Effdar: راس أوسطا Ras Osta، بين كيلس Quils (كلش Kelech؟) وزردا Zardat (زردا Zarda) قرب ديزمينار Deiseminar (دير زمار Deir Zammar؟)- سورام بين زردا وكفرتواس Caphartauas (كفر حواص Kafer Hauasse)، غير بعيد عن بيسيبين Besebin (سربين Serbine؟)؛ هاتان القريتان في منطقة حجولا. إفدار، على ساحل البحر، هي الفيدار El-Fidar، جنوبي جبيل، بالقرب من أمرسيَن Amarsein (مار زريا Mar Zarya).
د. جوزف عبدالله
back to Book |