الفصل الثالث: وثائق صليبية منطلقية
1- وثيقتان (عقدان) من القرن الثاني عشر
2- عرقة في وثائق تعود لأيام الصليبيين: جان ريشار Jean Richard
3- وثائق دير القديسة مريم اللاتينية: جان ريشار
4- مسائل في طوبوغرافيا طرابلس: جان ريشار
5- القليعات el-Qlē‘āt: ماكس ڤان برشم Max van Berchem
6- مقتطفات من جغرافيا استرابون: استرابون Strabon, Strabo
7- مقتطفات من الحروب الصليبية: جاك دو فيتري Jacques de Vitry
وثائق صليبية منطلقية
لتعيين بعض المواضع في عكار وجوارها
مدخل[1]
خلف الفرنجة العديد من الوثائق المعاصرة لغزوهم المشرق واحتلالهم الساحل السوري وإقامة "مملكة القدس" بإقطاعاتها الأساسية الأربع: إمارة أنطاكية، كونتية الرها، كونتية طرابلس، ومركز المملكة في فلسطين وقسم من جوارها بما في ذلك بعض مناطق لبنان.
من هذه الوثائق كتابات البعض ممن رافق الحملات الصليبية وسجل يومياتها؛ ومنها ما تم الاحتفاظ به كدستور مملكة القدس ودستور إمارة أنطاكية؛ ومنها أيضاً الكثير من عقود الهبات والبيع والشراء والمبادلة وفض النزعات... هذا الصنف الأخير من الوثائق تم الاحتفاظ بقسم كبير منه في محفوظات الأديرة والرهبنات المقاتلة: الاسبتالية والداوية أساساً. وفيه يرد ذكر العدد الكبير من المواضع كالقرى والبلدات مع بيان حدودها واتساع مساحاتها وأنماط زراعتها وتوزع مياهها وحصص مالكيها وكيفية استغلالها...
من بين هذه الوثائق ثمة عقود هبة وبيع تتناول مجموعة من المواضع الكائنة في عكار وجوارها. أهمها، من حيث شموله العدد الأكبر من أسماء القرى والبلدات في عكار وجوارها، العقد العائد للعام 1127[2]، والذي تكرر مضمونه مع بعض التعديل في العام 1142[3] والعام 1143[4]. ونادراً ما اشتغل باحث على أحوال منطقتنا في المرحلة الصليبية دون الاستعانة بهذه العقود، وذلك خصوصاً عند المهتمين بطبوغرافيا عكار وجوارها في ظل الفرنجة.
ترجمة[5] نص عقد العام 1127
باسم الثالوث الأقدس غير القابل للتجزئة
ليكن معلوماً من الجميع، الآن وفي المستقبل، ما نقرره نحن بفضل الله، كونت طرابلس وزوجتي سيسيليا، بنت ملك الفرنجة (الفرنسيين). وبموافقة ابننا ريمون نهب لله ولاسبتالية القدس مضافة الفقراء الكائنة في جبل الحجاج (أبي سمراء) وكل ما هو تابع حقوقياً لها، ومن ذلك طبعاً القرى المذكورة هنا: أولاً، ميسديليا Misdelia (مجدليا) مع كل توابعها وأراضيها، وكان برتران أول وأهم من امتلكها حتى يوم وهبها إلى كنيسة الاسبتالية الكائنة في سفح جبل الحجاج، والممتدة حتى النهر الجاري نحو الجبل المذكور وحتى حدود القرية المسماة أردة (أرداكيوس Ardacius)، ومن الجهة الأخرى حتى حدود القرية المسماة علما Alma، وحتى حدود القرية المسماة بتساما Bethsama وتلك المسماة بتسيديون[6] Bethsedion، وحتى حدود بتليميس Bethleemitice المسماة سيرافتيني Ceraphtenie.
ومن ثم نهب لله وللاسبتالية القرية المسماة بحنين (بحني Bahanni) مع كل توابعها، والقرية المسماة كورانية[7] (كورنونيوم Cornonium) مع كل توابعها، وقرية القليعات (كوليات Coliath) مع كل توابعها، وأروات[8] Aroath مع كل توابعها، والسنديانة Cendianam مع كل توابعها، وأبيا Apia مع كل توابعها، وقرية سيكا Siccam مع كل توابعها، ودوركارب Durcarbe مع كل توابعها؛ وبالقرب من البقيعة (بوشِيا Bochea) القرية المسماة باهو Baho مع كل توابعها، وفي منطقة رفنية (رافانيا Rafania) تل الدهب Theledehep مع كل توابعها وكارتامار Cartamare مع كل توابعها.
والأملاك المذكورة أعلاه التي وهبها أبي برتران إلى الاسبتالية. وتلك التي وهبها جدي، السيد ريمون العالي الاعتبار، مع ما فيها من الغابات بأشجارها المتنوعة، وبجداولها ومراعيها ومطاحنها وحقولها وكل ما في توابعها، ومنه الزيت بالطبع وجميع ثمار الأشجار المذكورة أعلاه، وكذلك العائدات المالية التي يجبيها الكونت وليم Wilelmus من قطعان السوريين (أو السريان Surianorum) العاملين في هذه الأملاك. أقدِّم كل هذه الأملاك، بدون قيود وشروط، كهبات ممتازة، وأعيدها إلى الاسبتالية بقرار خطي صالح إلى الأبد. وأعطي الأراضي التي وهبها أبي وجدي خارج ممر جبل الحجاج، وكرم العنب المجاور لمقبرة كنيسة مار يوحنا وكل ما تمتلكه وتحوزه المضافة المذكورة أعلاه ضمن ممتلكاتي أعطيها وأعلنها بكليتها وبدون قيد. وأقر بأن الاسبتالية تمتلكها منذ الأمس وفي الأيام القادمة بكل راحة.
وبالإضافة إلى ذلك، أعلن أني أعطي للاسبتالية المذكورة المنزل الجميل للغاية الكائن في مرفأ طرابلس فوق البحر والحقل الكائن أمام المدينة. وأعطيها حق الضريبة (Theloncum) التي يتم تحصيلها من قبل البعض على مداخل طرابلس وفي ساحاتها. وليكن السيد برناردوس Bernardus أسقف طرابلس، بموافقة دوراندوس Durandus، وغيازيونوس Gaesionus منشد كنيسته وكل كهنته وجميع رجال الاسبتالية معفيين من أي ضريبة على بيع وشراء ما يريدون على مداخل طرابلس وداخلها.
وأعطي للاسبتالية المذكورة المنازل الكائنة في عرقة، وحقلاً وفرناً وكرم عنب، كملك نهائي؛ (وأعطيها) في منجز (فيليسيوم Felicium) منزلاً، وفي حصن الأكراد (كراتوم Cratum) منزلين وكرم عنب. وكل ما أُعطي لها في مدينة طرطوس أو في منطقتها أو في حصن الكامل Kamel، أو غير ذلك أثبته وأقدمه إلى الاسبتالية، وأسمي منها المطاحن عند حصن الكامل، وعلاوة على المطاحن المزارع القريبة منه. القرى المذكورة والأملاك والكروم والحقل والمنازل والمطاحن والفرن والحمامات، كل ما أعطاه والدي وجدي في مدينة رفنية أو في منطقتها إلى مضافة الفقراء، كما هو مكتوب وقرأناه في هذا العقد، وكل ما امتلكه غالتيريوس Galterius أهبه وأعطيه إلى الاسبتالية.
كما إننا نسمح لأتباعنا ممن أقطعناهم الأراضي بأن يهبوا للاسبتالية المذكورة، وفق رغباتهم، وكل وفق مشيئته، الأرض التي يريد. وإذا ما وُهب شيء أكبر وفق رغبتنا فإننا نقره أيضاً. وأخيراً فإننا نثبت ونقر للاسبتالية المذكورة كل ما أُعطي لها في كل ممتلكاتنا سواء من قبل جدي وأبي ومن قبل من امتلك ويمتلك اليوم ممتلكات هنا، وذلك منذ اليوم الأول الذي بدأ فيه جدي بامتلاك الأراضي حتى الأمس؛ وأن الاسبتالية المذكورة تمتلكه ملكاً مطلقاً للأبد وبكل حرية. وعلاوة على كل ذلك أعطي وأهب إلى الاسبتالية المذكورة كرم العنب في كفراشا Kafaracham والذي ينتج 100 جرة من الخمر. كما أننا نقر للاسبتالية بكل هبة قدمها باروناتنا وغيرهم جميعاً عندما تم تكريس كنيسة مار يوحنا المعمدان في جبل الحجاج.
عقد العام 1143
باسم الآب والابن والروح القدس، آمين.
ليكن معلوماً من الجميع الآن وفي المستقبل، أني، أنا ريمون كونت طرابلس بفضل الله، ومن أجل محبة الله وخلاص نفسي وراحة أهلي، وبدون طلب من الرئيس وليم Willelmi بطريرك القدس بفضل الله، ومن بيير دومينيك Petri Dominici كاهن كنيسة القيامة ومن كل كهنة الكنيسة، أهب وأقدم بكل حرية وللأبد، جميع الأملاك الموجودة في مقاطعاتي والتي كان أسلافي، (السيد ريمون كونت طرابلس، والكونت بونز والبارونات وكل أتباعي) قد وهبوها إلى كنيسة القيامة المجيدة: وأثبت ذلك بوضع ختمي.
أولاً، كنيسة القيامة الكائنة في جبل الحجاج، بمبانيها وتوابعها. الفرن بالمباني التابعة له. وذلك بدون أي اعتراض من جانبنا ومن جانب ورثتنا، بحيث يمكنهم جميعاً أن يخبزوا فيه ما يشاؤون لاستخدام وصالح الكنيسة المذكورة. ثم ما قدمته ووهبته والدتنا الكونتيسة سيسيليا Cecilia، نثبته ونقره. وكذلك المنازل التي يملكونها في جبل الحجاج وفي طرابلس من منحدر الجبل على جانبي الطريق القديمة، فليكن ملكهم اليوم من الحائط حتى المقر. وكذلك غاردينيوم Gardinum.
كما أننا نعطيهم بكل وضوح، كل الحقوق المتعلقة بمرفأنا في طرابلس، وكل ما يتبع لها ويكون ضرورياً لاستخدامهم؛ وكذلك 110 جرار من الزيت التي من شأن مالك هذه القرية (كازال) كائناً من كان، أن يحصل عليها سنوياً، وكل ما قدمه بطرس دو بوديوس لورانتوس Pierre de Podius Laurentus بموافقة زوجته. ونعطيهم في قرية حردين (أردين Ardin) مزرعة مقدارها ما يمكن لسكة carrucata terrae أن تفلحه في اليوم، من الأرض التي قدمها بطرس Pierre حفيد روجيه Roger الكونستابل خاصتي. وفي قرية بشري (بويسيرا Buissera) مزرعة مثلها قدمها أبيلارد Abelard. وفي قرية سوربيس Sorbis مزرعة مماثلة قدمها غوفريدوس دو بينيس Gaufridus de Pennis. ونعطي في إقليم أنفة Nephis 12 بيزنتاً و120 ليتراً من الزيت لكنيسة أدالاكسيا Adalaxia المذكورة، لراحة نفس هوغون إيبرياكوس Hugonis Ebriaci زوجها، بموافقة ابنه وليم Willemo Ebriaco، وذلك سنوياً وعلى الدوام.
وكذلك مزرعة مع كل توابعها، ومزرعة أخرى قدمها و. دو بوشيه W. de Boschet.الملكيات المذكورة والأراضي الملحقة بها نقدمها كملكيات دائمة للكنيسة. وكل ما ذكرناه وكل الأشياء التي ستكتسب وفق القوانين، أو كهبات من أي كان، أو بالشراء أو بالمبادلة، أو التي يمتلكونها الآن، نكون كافلين لها بفعل العقد الحالي لصالح كنيسة القيامة، ونعلن ذلك جهاراً بختمه بخاتمنا كي يصبح ملكهم على الدوام، وبكل حرية، وبدون أي إعاقة أو ضغط أو ابتزاز.
وعليه فإن ما هو وارد أعلاه شهادة وضمانة مقدسة لتبقى الأفعال المعبرة عن إرادتنا غير قابلة للنقض، ولا يمكن انتهاكها لا من قبلنا، ولا من قبل خلفائنا، في أي وقت من الأوقات.
[1] المدخل من وضع المترجم.
[2] ورد عقد العام 1127 في مؤلف Sebastiano PAULI, Codice Diplomatico del Sacro Ordine Gerosolimitano oggi di Malta, In Lucca, MDCCXXXIII (1734)؛ تحت الرقم 11، ص 11-12؛ وجاء نفس العقد مؤرخاً بتاريخ 8 شباط 1127، في مؤلف Reinhold RÖHRICHT, Regesta Regni Hierosolymitani (1097- 1291), 1893، تحت الرقم 118، ص 29.
[3] جاء عقد العام 1142 في RÖHRICHT المرجع السابق، تحت الرقم 212، ص 53 و52.
[4] ورد عقد 1143 في مؤلف Eugène De ROZIÈRE, Cartulaire de l’église du Saint Sépulcre de Jérusalem, Paris, MDCCCXLIX (1849)، تحت الرقم 97، ص 190 و191 و192. لم نتمكن من الحصول على مؤلف Delaville Le Roulx, Cartulaire général des Hospitaliers، لمراجعة هذه العقود الثلاثة أو بعضها فيه إن كانت متوفرة هناك.
[5] قام السيد جان رييو Jean Riou، بناءً لطلب د. جوزف عبدو، بترجمة نص عقد العام 1127 ومقتطفات من عقد العام 1143 من اللاتينية إلى الفرنسية. وتمت الترجمة إلى العربية من الفرنسية. وعليه نعلن مجدداً شكرنا للسيد رييو وللسيد عبدو (المترجم).
[6] زعم الأب موراني أن هذين الموضعين كانا يشكلان حيين في القبيات منذ أيام الصليبيين: حي القطلبة وحي الغربية. ولقد ناقشنا هذا الموضوع في أكثر من مكان. لذا نكتفي هنا بمجرد الإشارة إلى هذا التزوير، لا سيما وأن الأب المحترم نشر هذه الوثيقة مع الوثيقتين الباقيتين في مؤلفه للدلالة على رصانته العلمية. ولعله لم يكن يتوقع أن يُصار إلى ترجمتها من اللاتينية فيبقى له الشرف باكتشاف تاريخي عظيم! (المترحم).
[7] موضع على طريق طرابلس العبودية حمص، على مسافة بضع مئات من الأمتار عن مثلث توزيع الطريق باتجاه العبودية أو باتجاه مطار القليعات فالعريضة (المترجم).
[8] هي موضع تل العروس Tel Aarous بين القليعات والحيصا حيث ذكرها جون لويس بوركارد John Lewis Burckhardt في "يوميات رحلة من حلب إلى دمشق عبر وادي العاصي وجبل لبنان" (المترجم).
د. جوزف عبدالله
back to Book |