back to Book |
إيلي سميث
"من الحصن إلى الأرز فبيروت"[1]
(ص 570) كان هدفنا وأمنيتنا أن ننطلق من الحصن وصولاً إلى الأرز عبر الأقسام الشمالية من لبنان، عبر عكار. ولكن اعترضتنا عقبة كأداء في الحصول على معلومات حول الطريق الممكن اعتمادها. كان يبدو لنا من الممكن اتباع الطريق المباشر (هذا ما لم نحصل عليه) باجتياز الجسر الأسود Jisr el-Aswad القائم في القسم الجنوبي من البقيعة، ومن هناك نصعد تلال لبنان الكائنة خلفه. ولكن أحداً، في الحصن أو حوله، ولا في الدير الذي قصدناه بعد الحصن، لا يعرف أي طريق في هذه الأنحاء، ولا أي طريقة لبلوغ عكار بغير اجتياز النهر الكبير عند الجسر الأبيض Jisr el-Abyad الكائن على مسافة أربع ساعات إلى الغرب. قال لنا جميع رهبان الدير بأن الطريق الوحيد الممكن إلى الأرز يمر عبر طرابلس. ولم نكن في حينه مدركين أن القس تومسون الذي كان في عكار في تشرين الأول من العام 1845 والذي رغب بالانتقال شمالاً إلى برج صافيتا Burj es-Safita وهو على مرآه مباشرة إلى الشمال، اضطر إلى هبوط الجبل والاتجاه غرباً لمدة ساعتين ونصف حتى يجتاز النهر الكبير عند الجسر الأبيض. كانت الطريق التي اتبعها عبارة عن هبوط مستمر على الصخور المتجمعة أكمواماً في مناطق غنية بشجر البلوط المغضن والقصير والسميك. لقد اضطر إلى السير غرباً كل هذه المسافة ليتفادى الوديان السحيقة التي تتخلل المنطقة من الشرق إلى الغرب، حيث لا توجد أي طريق، وحيث تشق الأنهار مجراها بقوة إلى السهل[2].
عند ذلك لم يكن لنا بد من العبور إلى الجسر الأبيض لنصعد من هناك في الجبال عند أول فرصة مناسبة.
الاثنين 14 حزيران: غادرنا قلعة الحصن في الثامنة والربع صباحاً، وهبطناً منحدراً حاداً باتجاه الشمال الغربي. في هذا الجزء من الوادي ثمة منفرج واسع، حسن الزراعة. (ص 571) اتجاهنا الشمالي الغربي أدى بنا إلى وادٍ ضيق يقع فيه دير مار جرجس Mar Jirjis. يقوم الدير على المنحدر الشمالي، في موضع قليل الارتفاع حيث تحيطه بساتين الزيتون. تمر الطريق فوق الدير وتلتف حوله. ويقابل الدير جنوباً تلال عالية، تغطيها خضرة أشجار البلوط. وصلنا الدير في الثامنة و55 دقيقة. وبينما كنا نجري بعض التحقيقات مع عربي صادفناه، خرج إلينا ثلاثة أو أربعة رهبان وترجّونا لنترجل وندخل ديرهم. لبينا الدعوة، فقدموا لنا فوراً العصير والقهوة. ورجوناهم بأسف أن لا يعدوا الفطور لنا. كانوا في غاية التهذيب. هذا الدير مبني بحجارة ضخمة، هائلة وقوية جداً. مدخل الدير الرئيسي يمر عبر باب يكاد ارتفاعه لا يبلغ أربعة أقدام. يقيم في الدير حالياً حوالي العشرين راهباً، ولكن كثيرين منهم غائبون[3]. توقفنا هناك حوالي 25 دقيقة، ثم تابعنا هبوطنا في الوادي المعروف أيضاً باسم مار جرجس.
هذا الدير العظيم، دير مار جرجس الحميرا Mar Jirjis el-Humeira، هو أهم أديار سورية وأكثرها شهرة في شمال سورية؛ وتعرفه العامة بالمعجزات التي حصلت فيه. وبقربه كروم العنب وبساتين الزيتون. عائداته وفيرة، وتأتيه التبرعات من جميع أنحاء سورية والأناضول وجزر اليونان. وهو يقدم مجاناً بالمقابل للمسافرين والرحالة والحجاج كل أنواع الطعام، وفي الغالب الرز والخبز والزيتون. ولكونه على الطريق الكبرى بين حماة وطرابلس، وكذلك بين حمص وطرابلس، فهو مقصد الكثير من الزوار[4]. في أيار 1816، شهد فيه بكنغهام حشداً عظيماً من الناس الذين أتوا يحجون من كل المنطقة، كما من دمشق وحلب، وليشاركوا في الاحتفال في مار جرجس. وفي نفس الوقت تقوم في الدير وبرعايته سوق كبيرة حيث تباع وتشترى كل أنماط السلع[5].
لقد قيل مسبقاً لبوركارد أن الدير بُني في نفس وقت بناء الحصن[6]. لربما كان هناك شك في هذا الكلام، فهل ثمة كلام أكثر دقة في ذلك[7].
(ص 572) تركنا الدير في الساعة التاسعة و20 دقيقة، سائرين باتجاه قعر الوادي، لنصل في 20 دقيقة إلى نبع غزير، معروف باسم فوار الدير Fauwâr ed-Deir، و"نبع الدير". يخرج هذا النبع من كهف صغير بمدخل ضيق، من على المنحدر الشمالي. الصخر هنا كلسي. كان النبع اليوم هادئاً، ولكنه كان منبعثاً في اليوم السابق. تفحصنا مجرى الماء في الوادي وقنوات ري حقول الدير في قعر الوادي؛ فكانت المياه عبرها جميعاً تجري بكميات كبيرة. وفي مدخل الكهف كان ثمة غدير صغير يغور إلى الأسفل؛ وكان يُسمع صوت المياه القليلة المتساقطة خلف الصخور. تنخفض أرض الكهف بين ثلاثة وأربعة أقدام عن وجه الأرض. أخبرنا الرهبان وأهل المنطقة أن هذا النبع غير عادي مطلقاً. فأوقات الانقطاع تختلف باختلاف مواسم المطر والجفاف في العام. يفيض النبع أحياناً مرتين أو ثلاث في الأسبوع، وفي هكذا مواسم يستمر فائضاً ساعتين أو ثلاثة، وأحياناً يستمر لعشرين أو ثلاثين يوماً منقطعاً ليعود فيفيض لمدة أطول. يدل قاع الوادي على وجود مجرى كبير يتغير تبعاً لتقلبات النبع[8].
سمع بوركارد عن النبع داخل الدير ولكنه لم يدرِ أنه مرّ به مباشرة[9]. كما أن بوكنغهام مرّ بهذا النبع ولكنه لم يسمع به[10]. كان السيد تومسون الذي مرّ من هنا عام 1840، أول من وصفه، وربطه بالنهر السبتي الذي تحدث عنه جوزيفوس[11].
يروي جوزيفوس[12] أن تيتوس في رحلته من بيروت إلى إنطاكية شاهد نهراً بين عرقة Arcæa 'Arka في مملكة أغريبا ورفنية Raphanæa؛ كانت طبيعة هذا النهر تستأهل تذكره. وبالرغم من أنه كان نهراً كبيراً وتدفقه سريع، فهو قد تنقطع ماؤه في الربيع لمدة 6 أيام. ومن ثم يعود الماء للجريان في اليوم السابع كما في الأيام السابقة. هكذا كانت طبيعته دوماً، ولذلك عُرف باسم النهر السبتي. يشير بلين على الأرجح لهذا النبع، وإن قلب ترتيب الزمن، فجعله جافاً يوم السبت اليهودي[13] Jewish Sabbath...
(ص 574) مهما قيل فمن الأرجح أن النبع كان على ما هو عليه الآن. فالتدفق والانقطاع كان مجرد اعتقاد شعبي، أو بساطة شعبية، وهكذا سذاجة ما تزاال قائمة. فلقد أخبر شيخ نصيري مسن، يقيم على حوالي 20 ميلاً، السيد تومسن أن النبع يتدفق مرة في الأسبوع، يوم الجمعة، معادل السبت عند المسلمين[14]...
غادرنا النبع في التاسعة و55 دقيقة وتجاوزنا قعر الوادي في العاشرة و10 دقائق وبدأنا بصعود السفح الجنوبي، تاركين الوادي المستمر باتجاه الشمال الغربي إلى السهل الكبير. لما بلغنا القمة العريضة بدت أمامنا رؤية واسعة على الساحل حتى طرابلس. كان البحر يبعد عنّا مسافة ثلاث إلى أربع ساعات. الحرف الذي يحد البقية من الشمال الغربي والذي عبرنا من خلاله الآن، يهبط من الشرق هبوطاً حاداً نحو ذلك الوادي؛ أما من الغرب فهو يهبط متدرجاً وعبر تلال متعرجة بين هبوط وصعود، وبذلك يكون السهل الغربي منخفضاً عن البقيعة من 600 إلى 700 قدم. تحول اتجاهنا إلى الجنوب الشرقي بعد اجتيازنا التلال المنخفضة المتجهة غرباً وبينها الوديان الخفيفة الانحدار. في العاشرة و45 دقيقة، صارت قرية شالوح Shelûh بعيدة إلى يسارنا مسافة نصف ميل. بعد عشرة دقائق رأينا برجاً منفرداً على تلة تبعد عن يسارنا مسافة ميل.
بعبورنا وادياً قليل العمق صادفنا بالقرب من نهايته، في العاشرة و10 دقائق ما يشبه التل إلى الغرب يُسمى تل الحوش Tell el-Haush. تحت التل، إلى الشمال، ثمة مستنقع ونبع باسم نبع العروس Neba’ el-’Arûs يسيل منه مجرى ماءٍ في السهل يتجه إلى الجنوب الغربي حتى النهر الكبير. قمنا بالتفاف من الأعلى حول الجهة الغربية فخرجنا إلى سهل مرتفع يمتد نحو الجنوب، وينتهي بالغرب والجنوب الغربي بسهل منخفض يمتد حتى النهر الكبير. ويتخلل غربيه نحو البحر تلال ووديان منخفضة. استمر سيرنا باتجاه الجنوب الغربي، وعلى يسارنا هضبة من التلال. في الساعة 11 و25 دقيقة كانت قرية كفر ريش Kefr Rîsh على مسافة نصف ميل إلى يسارنا، وهنا قال مرشدنا أنها تشكل الحد بين منطقة الحصن وصافيتا.
في الساعة 11.50 إنحدرنا إلى السهل الأوطأ، فوجدته (ص 575) أحد أخصب وأغنى ما رأيت حتى الآن. أرضه من التربة السوداء الغنية، والسهل مغطى بالغلال الوفيرة من القمح والذرة البيضاء والقطن وبمساحات من العشب وهو ما يزال أخضر. في الثانية عشرة كان هناك جدول وقرية مصيده Mesaideh على مسافة ميل على يسارنا[15]. بعد 15 دقيقة شاهدنا، على يسارنا أيضاً وعلى مسافة ربع ميل، جدولاً آخر وقرية برج المكسور Burj el-Maksûr. بلغنا في الساعة 12.35 جدولاً أكبر يسيل في قناة عميقة وبجوارها نبات الدفلى وأشجار الدردار، حيث توقفنا ساعة لتناول الغداء وطلب الراحة. كانت زهور الدفلى كثيفة هنا، كما على طول الجدول. هنا، على مسافة ساعة وربع من جسر الأبيض Jisr el-Abyad، احتُجز بوركارد في آذار 1812، طيلة الليل بكامله بفعل الجدول الفائض بمياهه[16]. السهل هنا بعرض ميل ونصف، وهو متجه إلى الجنوب والجنوب الغربي نحو النهر الكبير. وإلى الغرب، نحو البحر يمتد سهل أعلى, على يسارنا تقع قرية كفر صاريد Kefr Sa’rîd على مسافة ميل على منحدر التلال؛ وعلى مسافة نصف ساعة في نفس الاتجاه، تقبع قرية سوس العفريت Suth el-Afrît، التي لا نراها بين التلال. لقد اجتزنا الآن منطقة صافيتا إلى منطقة أخرى تسمى الشعره esh-Shâreh، وتقع بين صافيتا وعكار.
انطلقنا مجدداً في الساعة 1.35، فكانت قرية سميكه Semikeh على يسارنا على بعد ميل ونصف، في الساعة 1.55. وفي الثانية و5 دقائق، على يسارنا بالضبط نبع صغير رائع، يُسمى نبع الشعره Neba’ esh-Shâreh. كان الحصاد في أوانه في هذه الحقول، والحنطة مكدسة هناك لتتم دراستها في الوقت الملائم. ثم رأينا الناس تحمِّل على ظهور الجمال والحمير مثل هذه الأكوام. في الثانية و15 دقيقة وصلت إلينا طريق حمص عبر البقيعة بالجسر الأسود. بعد فترة خرجت الطريق من السهل الغريني، وما أن طوينا منطقة حتى وصلنا إلى النهر الكبير يخرج من بين قمم موازية تقريباً لبعض الوقت للمسار الذي قطعناه. كانت قرية العريمة el-’Oreimeh على الضفة اليمنى، بعيدة مقدار نصف ساعة فوق الجسر. يتقاطع جسر الأبيض عمودياً مع الطريق، من الأسفل والأعلى على السواء. اجتزنا الجسر في الثانية و45 دقيقة، بعد أن مررنا بقافلة من الجمال توقفت هناك للراحة. الجسر حديث، يشبه جانبي سقف يستند إلى قنطرة مرتفعة[17]. تستمر الطريق إلى طرابلس، لبعض الوقت، على يسار النهر. وبعد نصف ميل من الجسر تقريباً، نصل إلى ولي الشيخ عياش Wely of Sheikh ’Aiyâsh، وخان كبير في حال من الخراب.
يُعرف الجسر الأبيض باسم جسر الشيخ عياش Jisr Sheikh ’Aiyâsh، وباسم الجسر الجديد Jisr el-Jedîd. مجرى النهر واسع وعميق؛ (ص 576) وبالرغم من أن كمية المياه الآن ليست كثيرة، فعناك علامات واضحة على أن النهر في الفصل الممطر يصبح سيلاً جارفاً يحفر طريقه إلى البحر. وفي الحقيقة، كانت القوافل قبل رفع هذا الجسر تعسكر لمدة أسابيع على ضفة النهر، قبل أن تتمكن من اجتيازه[18]. يشكل النهر الكبير الحدود الكبرى الفاصلة لبنان وفينيقيا عن المنطقة الأبعد شمالاً؛ وهو بحد ذاته يطابق بالكامل إلوتيروس Eleutherus القدماء، الذي يصفه سترابون بطريقة مشابهة باعتباره الحد الشمالي لفينيقيا وسورية المجوفة[19] Cœlesyria.
لقد كنا في رحلتنا حتى الآن نسير على طريق حماة طرابلس؛ وبها تلتقي، كما سبق ورأينا، الطريق الآتية من حمص عبر البقيعة حيث تتحد الطريقان عند الجسر الأسود. وجميع القرى التي صادفناها حتى الآن تقع في مقاطعة الحصن. كان النهر الكبير منذ القدم يفصل منطقة الحصن عن منطقة عكار في الجنوب؛ وتضم عكار القسم الشمالي من لبنان وتمتد إلى البحر؛ أما الحصن ففي غربيه منطقتا صافيتا والشعره.
كان هدفنا بلوغ قرية هيتلا Heitela، ومن هناك كنا نأمل، كما قيل لنا، أن نجد طريقاً مؤدية إلى الجبال. وهكذا تابعنا سيرنا على طريق طرابلس حتى الساعة الثالثة، حيث اتجهنا إلى الجنوب على الطريق المؤدية مباشرة إلى قرية الشيخ محمد Sheikh Muhammed. في ذلك الوقت كانت قرية جورة برشا Jûrat Bŭrsha على يسارنا مسافة 20 دقيقة. كانت الطريق متشعبة، فاتجهنا إلى الجنوب والجنوب الشرقي، نحو هيتلا حتى الثالثة و15 دقيقة، ثم اتجهنا جنوباً. في الثالثة و20 دقيقة تركنا قرية شير حميرين Sharahmarîn على يسارنا، وفي الثالثة و30 دقيقة قرية سرار Serâr، والقريتان بين جورة برشا وهيتلا، وقضينا حوالي العشرين دقيقة على التلال. ولما هبطنا منحدراً أدى بنا إلى سهل ضيق بدت لنا هيتلا على المنحدر المقابل. بلغنا في الثالثة و40 دقيقة مرتفعاً في السهل حيث كان العديد من أهل القرية منهمكين في العمل. ولقد أكد لنا هؤلاء جميعاً أنه لا توجد في القرية طريق تؤدي إلى الجبال العالية. وهكذا لم يعد لنا مناص غير الاتجاه إلى قرية الشيخ محمد.
اتجهنا الآن إلى الجنوب الغربي على طول السهل الضيق متنقلين بين الحقول دونما وجود طريق معينة، حتى التقينا بطريق هيتلا الشيخ محمد. في الرابعة وخمس دقائق (ص 577) كانت قرية سعدين Sa’dîn على يميننا على مسافة ميل واحد؛ وبعد 10 دقائق كانت قرية الجامع Jâmia’ على يسارنا بمسافة نصف ميل. هنا التقينا بالطريق المباشرة من الجسر إلى الشيخ محمد التي كنّا قد تركناها سابقاً. صار اتجاهنا الآن إلى الجنوب والجنوب الغربي، في الرابعة و45 دقيقة بدت لنا، على يميننا بمسافة نصف ميل، قرية تل عباس Tell ’Abbâs على تل في السهل تبدو فيه بعض الآثار. من نهر الكبير إلى الجنوب تتبع الطريق سفح التلال، أو بالأحرى امتدادات الجبل المسمى هنا جبل عكار Jebel ’Akkâr، والسهل الكبير على يميننا.
في الرابعة و55 دقيقة بلغنا نهر عكار الذي يخرج من وادٍ بين التلال على يسارنا ليتجه من هنا نحو الشمال. ثمة قناة ممدودة إلى جهة الشمال لأغراض الري. تابعنا طريقنا على الضفة اليسار للنهر لمسافة قصيرة حيث صادفنا سداً صغيراً أقيم لتحويل المياه إلى القناة. وجدنا هنا أيضاً بناءً للحرير بدولاب تحركه الماء. صناعة الدولاب غير متقنة بألواح تلعب دور السواعد. على مسافة ميل على يسارنا، عند مخرج الوادي، وعلى الضفة الجنوبية للنهر، تقع قرية خريبة الجندي Khureibet el-Jundy بقلعتها القديمة؛ يُعرف النهر هناك باسم نهر الخريبة، وعندما يبلغ الغرب في البعيد يُعرف باسم نهر الحيصا Nahr el-Hîsa، حيث توجد قرية بنفس الاسم[20] el- Hîsa. يُقال أن المياه التي تسقي الحقول تأتي من عكار على مسافة خمس أو ست ساعات[21].
مع تقدمنا إلى الأمام وبالتفافنا حول التلال، وصلنا في الخامسة والنصف إلى مسيل خفيف، على جهته الجنوبية فوق الهضبة وجدنا بلدة (قرية كبيرة) الشيخ محمد. لم نرغب بالتسلق إلى القرية، فعسكرنا في الوادي، بالقرب من عين ماء خفيفة. كان البحر على مرأى بصرنا على مسافة حوالي أربعة أو خمسة أميال. كنا نشاهد من خيمتنا بناءً مربعاً بأبراج على الزوايا، في السهل على مسافة حوالي نصف ساعة أو أكثر من البحر، ويُسمونه قليعات Kulei’ât، وموضعه على الخريطة 50 درجة غرباً[22]. وهي تقع على مسافة ساعتين شمالي نهر البارد. ربما تبعد عنا قرية سموينه Semmawîneh ساعة، في موضع على الخريطة 70 غرباً.
كل القرى القريبة التي عبرناها اليوم بيوتها مبنية بالحجارة البركانية السوداء، وذلك بحكم طبيعة المنطقة. لكن من هذه النقطة جنوباً، تعود المنطقة ثانية كلسية.
هناك بين الحدائق تحت خيمتنا (ص 578) بجانب الطريق شجيرة كبيرة، أو بالأحرى شجرة دفلى بيضاء. كانت جميلة للغاية ومليئة بالأزهار؛ شاهدنا شجيرة صغيرة من نوعها في باحة منزل القنصل البريطاني في دمشق؛ وكانت زوجته تعتبرها أمراً عظيماً لندرتها وصعوبة الحصول عليها. بينما هنا فأزهارها رائعة ووفيرة، ولا أحد يهتم بقيمتها.
الثلاثاء، 15 حزيران: لقد أحبط تماماً هدفنا بالذهاب مباشرة من الحصن إلى الأرز عبر جبال لبنان الشمالية. لم نكن قادرين لا على العثور على الطريق، ولا على السماع عنها من أحد. فكل من سألناه خلال طريقنا أكد لنا ما قاله الرهبان بأن الطريق الوحيدة إلى الأرز تمر عبر طرابلس.
وخطر لنا أن ننطلق من الشيخ محمد إلى بلدة عكار عبر قرية جبرايل، على الطريق التي سلكها تومسن. ولكن الوقت داهمنا لأنه يتوجب علينا أن نكون في بيروت يوم السبت على أبعد تقدير. ولقد علمنا أن الطريق من عكار إلى الأرز تستغرق ثلاثة أيام، بينما الطريق الأخرى تستلزم يوماً ونصف اليوم. وهكذا تراجعنا مرغمين عن تحقيق هدفنا عبر عكار، وقررنا البقاء ما أمكن بالقرب من سفح الجبال لنصل إلى طريق طرابلس الأرز، بعيداً ما أمكن عن المدينة، وذلك على أمل اختصار الطريق الطويلة. أسفنا لاحقاً لأننا لم نحاول على الأقل العبور من عكار، ولكننا وجدنا أننا كسبنا بعض الوقت بتحاشي طرابلس.
انطلقنا من معسكرنا تحت الشيخ محمد في السادسة و25 دقيقة، وتابعنا السير باتجاه الجنوب الغربي على طول سفح التلال؛ كان موضع تل عرقا منحرفاً قليلاً نحو الداخل ليشكل نوعاً من مدرج على يسارنا. ثمة أربع قرى بين هذه التلال، هي على التوالي تبعاً للوقت والمسافات: حلبا Halba في السادسة و35 دقيقة على بعد ربع ميل[23]؛ الشيخ طابا Sheikh Tâba في السادسة و45 دقيقة على بعد نصف ميل؛ الزواريب ez-Zawârîb في السادسة و55 دقيقة على بعد ثلاثة أثمان الميل؛ منيارة Menyârah في السابعة وخمس دقائق على مسافة ثلاثة أرباع الميل. والسهل على يميننا يلتف بالتفاف الخليج الممتد شمالي طرابلس، والمعروف باسم جون عكار[24] Jun ’Akkâr.
في السابعة و20 دقيقة بلغنا عرقة على التل المذكور. آثار المدينة قليلة. المدينة التي كانت قائمة إلى الشمال على الهضبة تشرف على السهل والجبل. أكوام البقايا التي رأيناها تتكون الآن بمعظمها من الأحجار العادية، ما يدعو إلى استنتاج أن المنازل القديمة بنيت من مثل هذه الحجارة. رأينا بين الركام (ص 579) أجزاءً مختلفة من أعمدة الغرانيت. التل على ارتفاع مائة قدم، سطحه منطقة مستوية من هكتارين أو ثلاثة، وهي محروثة ومزروعة. هناك آثار لحائط على الأجزاء الشرقية والجنوبية الغربية، وربما في أمكنة أخرى، وعثرت على أجزاء من عمود الغرانيت الرفيع، وصهاريج محفورة باتقان في الصخر. لم نلاحظ شيئاً غير ذلك على القمة، ما عدا أكوام الحجارة العادية مثل تلك التي لاحظناها تحت. في القاعدة الجنوبية للتل يجري نهر عرقة آتيا من الجبال فوقه ويسرع على طول قناته الصخرية نحو البحر[25]...
تقع قرية عرقة الراهنة شرقي التل؛ وإلى البعيد على يسار ضفة مجرى الماء قرية الحاكوره Hâkûrah، وأبعد بقليل إلى الأعلى على اليمين قرية كرم عصفور Kerm ’Asfûr.
(ص 581) كان د. شو Dr Shaw من أول الرحالة الحديثين الذي زار عرقة في العام 1722 ولفت النظر إليها[26]. مرّ بوكوك Pococke على هذه الطريق في العام 1738، ويذكر نهر عرقة ويفترض أن المدينة لا بد قد استندت عليه، ويظهر أنه لم يكن لديه فكرة أوسع عنها[27]. يبدو أن أحداً لم يسمع بعرقة قبل بوركارد من الرحالة الذين يتبعون اليوم طريقه، لكن ما وضعه عنها مختصر جداً[28]. زار السيد تومسون عرقة في العام 1846، وقدم وصفاً مفصلاً عنها[29].
(ص 582) قدم بوكوك Pococke بشكل صحيح ترتيب الأنهار الخمسة الأساسية التي تصب في البحر شمالي طرابلس[30]. على مسافة ساعتين وربع من طرابلس يقع نهر البارد؛ شمالي الموقع يوجد خان وفوقه آثار مدينة واسعة[31]. هي على الأرجح أرطوسية التي لا يصفها الجغرافيون القدماء بدقة، ولكن يبدو انها كانت بين طرابلس وعرقة[32]. النهر القادم بعد ساعة هو نهر عرقة, ويليه نهر عكار في ساعة ونصف، والنهر الكبير بساعة منه، وبعده بساعة واحدة النهر الأبرص[33].
تركنا جسر عرقة في الساعة الثامنة، صعدنا ضفة النهر الحادة والعالية إلى السهل. بقيت طريقنا على طول السهل بمحازاة التلال. في الثامنة و20 دقيقة، على يسارنا قرية دير دلوم Deir Delûm على تل، وهي تبعد مسافة نصف ميل. في الثامنة و35 دقيقة وصلنا إلى موضع تفترق فيه الطريق؛ يؤدي اليمين مباشرة إلى طرابلس؛ أخذنا مفرق اليسار لنجتاز المنبسط الأعلى الكائن شرقي جبل تربل Jebel Turbul. مباشرة بعد المفترق يوجد وادٍ وجدول صغير، يُعرف الوادي باسم وادي برقايل Bŭrkâil، وهي قرية على مسافة نصف ساعة إلى الأعلى على جوانب الوادي وغير مرئية. هذه القرية هي مقر السلطة في هذه الناحية. في التاسعة صادفنا جدولاً آخر، ينحدر من وادي الجاموس Wady Jâmûs، وصارت الجداول تتكرر منحدرة من الجبال ما جعلني أتوقف عن تسجيلها. في التاسعة و10 دقائق قرية ببنين Bibnîn قريبة على يسارنا، الطريق هنا تؤدي أيضاً إلى طرابلس. في التاسعة و25 دقيقة تركنا الطريق وانعطفنا باتجاه الجنوب و10 درجات إلى الغرب، على سفوح التلال. في التاسعة و40 دقيقة بلغنا طرف وادي نهر البارد العميق، واجتزنا مجرى الماء في التاسعة و45 دقيقة. كانت المياه عميقة وسريعة الجريان متدفقة على المجرى المبحص. وكاد الحمار الصغير لمرشدنا أن تبتلعه الماء، فخرج كالجرذ الغارق في المياه. يحيط مجرى الماء نبات الدفلى بكثافة، ويُقال أن كمية المياه في النهر فاقت هذه السنة في هذا الفصل أي كمية أخرى. الماء فيه مضاعف الآن، كما في النهر الكبير. ويُقال أنه ينبع من سفح أعلى قمة في لبنان فوق قرية صو[34] Sû. ها هو نبع غزير يُسمى النبع المسحور Neba’ el-Mas-hûr، تزوده الثلوج بزوبانها فيصبح غزيراً مبكراً في الربيع ومطلع الصيف. أبلغنا مرشدنا أنه قادر على أن يرى ويرينا مجرى الماء المزبد كما يخرج من (ص 583) النبع. في هذا الفصل نهر البارد يضاعف حجمه مرتين عن حاله في الشتاء والصيف. وهو يشكل الحدود الجنوبية لقضاء عكار[35]...
[1] المرجع: Later Biblical Researches in Palestine and in the adjacent regions, a Journal of Travels in the year 1852, by E. Robinson, E. Smith, and others, Berlin, 1856; Section XIII, “From el-Hosn by way of the Cedars to Beirut”.
[2] راجع: W. M. Thomson in Bibliotheca Sacra, 1848, pp. 21, 22. راجع في مكان آخر من "منتخبات التواريخ..." مقتطفات من رواية طومسن عن رحلته.
[3] عندما زاره بوركارد عام 1812، لم يكن فيه غير كاهن وثلاثة رهبان فقط. Burckhardt, Trav. In Syria, p. 159. راجع في مكان آخر من "منتخبات التواريخ..." مقتطفات عن هذه الرحلة.
[4] بوركارد، المرجع السابق، ص 159-160.
[5] راجع: Buckingham, Arab Tribes, p. 504.
[6] بوركارد، مرجع سابق، ص 160.
[7] لقد افترض أوكلي Ockley أن الدير العظيم الذي يسميه الواقدي دير أبي القدس Deir Abi'l Kodes هو نفسه دير مار جرجس الحالي. راجع: Hist. of the Saracens, Bohn's, edit I. pp. 164-168. كذلك: Lord Lindsay's Letters, 4th. Edit., p. 317, and note p. 436؛ و: Ritter, XVII, p. 844. يقول أوكلي نقلاً عن الواقدي أنه في زمن الخليفة عمر، حوالي منتصف القرن السابع، أقيم احتفال كبير في الدير المذكور، وفيه كانت ابنة حاكم طرابلس وعريسها هناك، مع مرافقة كثيرة، للزواج على يد كاهن الدير الجليل. لقد تم اعتقال الجميع من قبل 500 فارس مسلم، وتمت مصادرة كل ما في الدير ومعه العروس أيضاً. يُقال أن الدير يقع بين طرابلس وحران. في هذا الموقع مار جرجس موافق تماماً. ولكن عندما يُقال أن التعزيزات وصلت من دمشق في نفس اليوم، يصبح علينا البحث عن الدير في موقع آخر، أو اعتبار كل الحكاية أسطورة.
[8] خرج بوكنغهام الذي رأى مجرى الوادي في وقت جفاف النبع بالآتي: "النبع الأساسي كان جافاً أو مياهه تحولت إلى اتجاه آخر"؛ Arab Tribes, pp. 505, 606.
[9] مرجع سابق، ص 160.
[10] مرجع الحاشية ما قبل السابقن، ص 505.
[11] راجع: W. M. Thomson in Silliman's Journal of science, second- ser. Vol. II, nov. 1846, pp. 305-310.
[12] Jos. B. J. 7. 5. 1.
[13] Plin, H. N., 31. 18: “In Juduea rivus Sabbatis omnibus Siccatur” ". لا يعود الاسم إلى السبت اليهودي، ولا بالأحرى إلى الاسم العبري لساتورن، ولا على الأقل إلى أسطورة فينيقية؛ Phonizier, I, p. 666.
[14] راجع: Silliman's Journal, ib. p, 310.
[15] لعلها بصيدا Besaida الواردة في لوائحنا السابقة التي يقطنها التركمان. BibL. Res. 1st., edit., III, App., 182.
[16] Trav. p. 161.
[17] يوم مرّ عليه بوركارد، كان مجرد جسر مدمر؛ مرجع سابق، ص 161.
[18] المرجع السابق، ص 161.
[19] راجع: Strabo, 16. 2, 12. p. 753، و Comp. Plin, H. N. 5. 17: طرابلس... أرطوسية، نهر إلوتيروس". من المرجح أن نفس إلوتيروس وارد في "مكابيون 1، 12، 30. و Ritter, XVII, p. 819 et suiv.. يقترح موفرز Movers أن اسم الكبير "العظيم" ربما يكون مشتقاً من "كبيري" التي سادت عبادتها في فينيقيا، die Phönizier, I, p. 666. cop. 651 sq.؛ تبدو الأمور بهذه الطريقة على شيء من التكلف، فصفة "الكبير" ملائمة تماماً بدونه. يروي بلين ان نهر إلوتيروس يعج بالسلاحف في بعض فصول السنة، H. N., 9. 12.
[20] تقع قرية الحيصا على مسافة ساعة مباشرة على الطريق من جسر الأبيض إلى طرابلس: Dr. De Forest Ms. Letter.
[21] قام السيد تومسون بزيارة مدينة عكار المدمرة في العام 1846 (الأصح 1845)؛ وتم وصفها في Bibliotheca sacra, 1848, pp. 19-21. يخرج نهر عكار من جوارها، ويتدفق عبر وديانها.
[22] يذكرها أبو الفدا مع حلبا وعرقة في واحدة من حملات بيبرس بالقرب من طرابلس؛ راجع: A. D. 1266; Annales, ed. Reiske, V. p. 17. وكذلك: Tab. Syr. p. 204. Wilken de Bellor. Cruc. Hist. p. 238.
[23] مذكورة عند أبو الفدا، راجع الحاشية السابقة.
[24] يمتد هذا السهل الرائع على طول الساحل مقابل صافيتا وعلى مسافة ما من نهر الأبرص. راجع: Pococke, II, i. p. 204; Thomson in Miss. Herald, 1841, p. 98.
[25] لم نتوقف طويلاً في وصف سميث لعرقة، خصوصاً لأن الأبحاث الراهنة حول عرقة تجاوزت بكثير مجرد ملاحظات الرحالة السطحية غالباً. (المترجم).
[26] Travels, Lond. 1757, p. 270.
[27] Pococke II., p. 205..
[28] Burckh. Trav. p. 162. سمع بوركارد نهر عكار باسم نهر الخريبة فقط؛ وكتب نهر عرقة باسم وادي عكا.
[29] Biblioth. Sacra, 1848, pp. 15-17.
[30] Vol. II. i. p. 204, 206.
[31] W. M. Thomson, ib, p. 14.
[32] المدن الست الأساسية لأبرشية بيروت في ولاية تيودوسيس الأصغر هي بالترتيب الآتي من الجنوب: بيبلوس، البترون، طرابلس، أرطوسية، عرقة، أنتارادوس (طرطوس)؛ راجع: . Le Qnien Oriens Christ, II. 815. See above, p. 580
[33] W. M. Thomson, in Biblioth. Sacra, 1848, p. 14. أيضاً في: Miss. Herald, 1841, p. 97. يضع موندريل نهر الأبرص جنوبي النهر الكبير؛ Journ. Mrch 8 th.
[34] ما هي هذه القرية المكتوب اسمها Sû؟
back to Book |