back to Book

 

يوميات رحلة من حلب إلى دمشق[1]

عبر وادي العاصي وجبل لبنان، شباط وآذار 1812

المقدمة

جون لويس بوركار John Lewis Burckhardt (1784-1817) مستشرق سويسري، تعلم العربية واقام في حلب سنتين لتعميق لغته العربية وللتكيف مع حياة المسلمين. ويُقال أنه اعتنق الدين الإسلامي. مات بوركارد في ريعان شبابه وكان عالماً مستشرقاً واعداً. ومن أبرز خصوصيات تراثه أنه وضع أسماء المواضع باللغة العربية، وإن يكن البعض منها كتابته غير دقيقة[2]. لم يذكر الكثير عن عكار، وإن كان عمله الذي غطى الكثير من مناطق لبنان وسورية على كثير من التفصيل. ولكن القليل الذي وضعه عن مروره في عكار على قدر من الأهمية.

ترجمة النص

(ص 103) 14، شباط: تركت حلب ظهراً، وبعد نصف ساعة بلغت قرية الشيخ أنصاري Sheikh Anszary البائسة حيث ودعت الصديقين المحترمين: القنصل الإنكليزي السيد باركر Barker والقنصل الهولندي السيد فان ماسيك Van Masseyk. مررت بحوضين كبيرين معروفين باسم جب محاود Djob Mehawad وجب مبلط Djob Emballat؛ وبلغت بعد ساعتين ونصف الخان المعروف باسم تومان Touman بالقرب من بلدة بنفس الاسم قائمة على نهر كويك (قويق) (ص 104) أو نهر حلب. كان الخان بحالة سيئة فالباشا لا يهتم بترميم المنشآت العامة.

15، شباط: بعد مسير 10 ساعات ونصف بلغت سرمين Sermein... 16، شباط: بعد ساعتين ونصف من سرمين وصلنا بلدة أدلب التي تبدو رائعة المنظر لمن يقترب منها وهي واقعة على سفح جبل يقسمها قسمين، ما دفع رفيقي، مسافر إنكليزي، إلى مقارنتها بأثينا وجوارها... أحصيت منازلها فقارب عددها ألفاً. معظم سكانها من الأتراك، ولا يقطنها غير 24 عائلة من المسيحيين الروم الأرثوذكس، وثلاثة من الأرمن الأرثوذكس، وعندهم كنيسة وثلاثة كهنة، وهم يتبعون مباشرة لبطريرك دمشق الأرثوذكسي. تعتبر تجارة الصابون أهم تجارات ادلب، وفيها بعض مصانع القطن، وبعض المصابغ. أسواق البازار فيها حسنة البناء، وبعضها من الحجر. وفي المدينة عدد من الخانات، اثنان منها لاستقبال الغرباء. (ص 105) بيد أن أفضل بناء فيها هو بناء كبير مخصص لصناعة الصابون، المصبنة El Meszbane... مدينة جسر شغر، على مسافة ست ساعات من أدلب على الطريق إلى اللاذقية...

(ص 106)... 17، شباط: غادرنا ادلب بعيد الظهر، على طريق عبر حقول الزيتون الخصبة. بلغنا بعد مسير ساعة مقبرة الشيخ حسن؛ وبعد ساعة وربع بلغنا "تل ستمك"Tél Stommak  (ربما السماق) مع بلدة ستمك على منحدره الغربي... بعد ساعتين وأربعين دقيقة بلغنا ريحا التي لم نغامر بدخولها خشية من عصيان سيد آغا Seyd Aga المتمرد فيها...

(ص 107) بعد حوالي ساعتين جنوبي شرقي ريحا تقع قرية مرصاف Marszaf، وعلى مسافة ساعة إلى الجنوب منها تقع خراب بنين Benin. صعدنا الجبل انطلاقاً من ريحا، ودرنا حول زاويته الشرقية لنصل في مدى ساعة إلى قرية كفرلاتة Kefr Lata حيث تم الترحيب بنا في منزل شيخها الذي لم يكن يوجد فيه غير النساء... كانت كفرلاتة بتصرف ابن صياف  Ibn Szeyaf من أبرز عائلات حلب...

18، شباط (ص 109): غادرنا القرية في منتصف النهار باتجاه واتجهنا شمالاً حتى جبل الأربعين... ومنه تابعنا سيرنا باتجاه الحنوب والجنوب الغربي، على منحدر جبل ريحا. بعد نصف ساعة مررنا بنبع غزير اسمه المنبوع El Monboaa. على يميننا في السهل بدت لنا قرية كفر زبو، وبعد نصف ساعة إلى الغرب منها توجد قرية باسم عريم (أورم Ourim)؛ ولقد صادفنا على الطريق الكثير من المدافن. بعد ساعة وعشر دقائق بلغنا نحلة Nahle، بعد ساعتين وأربعين دقيقة قرية مغارة Meghara وفيها الكثير من الأبنية القديمة الداثرة. وصلنا بثلاث ساعات قرية مرعيان Merayan، بثلاث ساعات وعشرين دقيقة وصلنا قرية أحسين Ahsin، وبعد نصف ساعة إلى الغرب منها تقع قرية إبليم Eblim. المحصول الأساسي لكل هذه القرى هو العنب الذي يُباع في سوق حلب تقريباً بسعر 9 شلنات shillings للكنتال في الأيام العادية، أو يُصنع منه الدبس الذي حل مكان السكر في كل الشرق. بعد أربع ساعات ونصف وصلنا إلى قرية البارة (البارا El Bara) حيث أنهينا سيرنا لهذا اليوم، ولقينا ترحاباً فاتراً مع أني حرصت على حمل رسالة توصية إلى شيخ القرية من جانب سيده طالب أفندي من أرقى عائلة حلبية: شلبي أفندي طه زادة Tcheleby Effendi Toha Zade...

20 شباط (ص 112): غادرنا البارة غير المضيافة ظهراً، رفقة رجلين مسلحين لحمايتنا في وادي العاصي. اجتزنا بعد نصف ساعة جسراً من الحجر في وادٍ ضيق، وهو يستند إلى أعمدة من كيل صخرية كبيرة. بعد ساعة وعشرين دقيقة وصلنا إلى كون صفرا Kon Szafra في وادٍ خصب في أعلى الجبل حيث تعيش بضع عائلات في أكواخ بائسة وسط خرائب مدينة قديمة. بعد ثلاثة أرباع الساعة تقريباً إلى الشمال الغربي تقع قرية مزرعة Mezraa. بعد ساعة وأربعين دقيقة وصلنا إلى مدينة جرادة Djerada الداثرة، وبعد ساعتين ونصف قرية صغيرة هي كفر عويط Kefr Aweyt، وكفر بلغة العامة تعني خرائب. اتجهنا إلى الجنوب الغربي والجنوب حيث بلغنا بعد ساعة ونصف من كفر عويط قرية فطيري Feteyry. (بعد مسير ثلاث ساعات مررنا بمنطقة غنية بنبات سيريس Siris الذي يصنع منه نوع من الغراء).

إن قسم جبل ريحا الذي يمتد من كون صفرا إلى وادي العاصي يتجه من جهة نحو قلعة المضيق Kalaat el Medyk ومن الأخرى نحوى جسر الشغر Djissr Shogher، ويُسمى جبل شحسابو Djebel Shaehsabou. أما بقية الجبل المتجهة نحو ريحا فتحمل علاوة على اسم جبل ريحا اسم جبل الزاوية (زاوي Djebel Zaouy). بعد أربع ساعات وربع بلغنا السهل بالقرب من تلة منعزلة يبدو أنها اصطناعية وتعرف باسم تل عنقية Tel Aankye.

(ص 113)يُسمى الوادي المحصور بين جبل شحسابو وجبل النصيرية الغاب El Ghab. ويرويها العاصي Aaszy أو أورونطس Orontes... وسكانه خلاسيون من البدو والفلاحين يُسمون عرب الغاب Arab el Ghab...

تركنا عنقية باتجاه اليسار متابعين السير جنوباً في الوادي، فمررنا بالقرب من عين العنقية وعين الخربة وعين الحواش، وبعد أربع ساعات وثلاثة أرباع الساعة من البارة وصلنا إلى قرية  الحواش، حيث نزلنا في بيت شيخها (ص 114) محمد العمر Mohammed el Omar...

21، شباط: غادرنا الحواش في الصباح الباكر وسرنا بمحازاة الجبال الشرقية في هذا الوادي الجميل الذي يمكنني مقارنته بوادي البقاع بين سلسلتي جبال لبنان؛ بيد ان وادي الغاب يمتاز عن وادي البقاع بكونه يُروى بنهر كبير وبالعديد من الجداول، بينما لا يعرف الثاني صيفاً غير القليل من المياه، إن لم تجف. بعد نصف ساعة من الحواش صادفنا الكثير من قواعد (ص 115) الأعمدة على جانب طريق قديمة مبلطة. تابعنا هذه الطريق لأكثر من ساعة... ولقد افترضت أنها طريق رومانية والأعمدة هي نصب المسافات عليها، ولعلها على الأرجح امتدت على طول الوادي من أفاميا إلى جسر الشغر. بعد ساعة ونصف من الحواش نصل إلى عين حويت Ayn Houyeth الغزيرة. وهنا عرض الطريق الرومانية حوالي 16 قدماً. وعلى اليمين في السهل تقع قرية حويت، وبقربها قرية عين اقتل Ain Uktol. بعد ساعتين وربع نصل إلى عين الطاقة Ayn el Taka...

(ص 116) بعد ساعة من عين الطاقة... وصلنا إلى سفح تلة عليها قلعة المضيق Kalaat el Medyk... (ص 117) تبعاً لرغبتنا بمتابعة السير في وادي العاصي، اتجهنا إلى الجنوب الغربي على طول السهل، بدل اعتماد الطريق إلى حماة. بعد نصف ساعة من قلعة المضيق تقع عين جوفار Ayn Djoufar التي يخرج منها جدول يسيل في وادي جوفار... فوق هذه التلال باتجاه وادي جوفر، تقع قرى كفر امبودا Keframbouda قرناص (كورناص Kournas) شيخ حديد Sheikh Hadid جورنية Djournye، بعد قليل من عين جوفر مررنا في عين أبو عطوف Ayn Abou Attouf... بعد مسير لمدة ساعتين... اتجهنا يساراً... ووصلنا إلى قرية سقيلبية Sekeylebye... (ص 118) على مسافة ساعتين جنوبي سقيلبية يقع تل عشيرنة Tel el Shehryh، وبعد نصف ساعة منها تل شهرية Tel el Shehryh. وفي الوادي على مسافة ساعة ونصف جنوبي غربي سقيلبية تقع قرية الحوارة El Haourat...

(ص 119) 22، شباط: انطلقنا في الصباح الباكر باتجاه حماة، بعد مسير ساعة ونصف في السهل وصلنا إلى تل صبة Tel Szabba، مرتفع معزول في السهل، وعلى نصف ساعة منه تمتد بحيرة ترمسي (بحيرة تريمسي Behirat Terimsy) أو الترمسي El Terimsy فقط، تمتد البحيرة من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي بطول من 5 إلى 6 أميال وبعرض من ميلين إلى ثلاثة.

(ص 120) بعد ساعتين ونصف من سقيلبية، صادفنا على يسار الطريق دواثر جامع الجلام El Djelame، ساعتين ونصف تل الملاح Tel el Mellah على مرتفع وسط السهل. استمر سيرنا وسط حقول خصبة غير مزروعة. شرقي تل الملاح على مسير ساعتين هناك تل الصياد Tel Szeyad. بلغنا نهر العاصي بعد مسير ثلاث ساعات ونصف، بالقرب من ناعورة للمياه... بعد أربع ساعات وصلنا إلى جسر على النهر، تقع قلعة سيزر Seidjar على جانبه الثاني. يقوم الجسر، حسبما أذكر، على ثلاث عشرة قنطرة... جنوبي شرقي القلعة، على الضفة اليسرى للنهر يوجد قبر الشيخ أبي عبيدة الجراح (أبا عبيدا الجراح Aba Aabeyda el Djerrah)، وعلى الضفة المقابلة يقوم المصلى التركي، الخضر El Khudher. يقع على الجسر تماماً خان قديم البناء، لعله يعود إلى أيام الصليبيين، ويسكنه اليوم بضع مئات من الفلاحين... ولعله كما يبدو من الآثار الكثيرة العائدة إلى الهندسة اليونانية أنه كانت هنا مدينة يونانية قديمة.

(ص 121) اجتزنا التلال جنوبي سيجر ودخلنا سهل حماة. اتجهنا نحو الجنوب الشرقي... عبرنا بعد ساعة وثلاثة أرباع الساعة (من سيجر) جسراً صغيراً على جدول يرفد نهر العاصي، هو نهر السروج El Saroudj... بعد ساعتين شاهدنا على يسارنا (ص 122) على مسافة نصف ساعة تقريباً قرية هجم Hedjam على الضفة اليمنى للنهر، وبعد ساعتين وثلاثة أرباع الساعة قرية صغيرة الشيحي El Shyhy، وبعد ثلاث ساعات تجاوزنا قرية الجاجية El Djadjye الواقعة على مسافة ربع ساعة على يسار الطريق، وبالقرب منها قرية القسا El Kasa. بعد أربع ساعات وصلنا إلى حماة، حيث نزلنا في منزل سليم قبلان Selym Keblan أحد مساعدي المتسلم...

تقع حماة على صفتي العاصي، وقسم منها مبني على منحدر تلة، والقسم الآخر في السهل. أحياء السهل اسمها: الحاضر Hadher والجسر El Djissr، أما الأحياء المرتفعة فهي العليات El Aleyat والمدينة El Medine. يقيم المسيحيون في حي المدينة. تمتد مدينة حماة على مساحة شاسعة، ويبلغ سكانها ثلاثين ألف نسمة على الأقل، منهم عائلات أرثوذكسية تبلغ ثلاثمئة على حد معلومات الأسقف... ثمة أربعة جسور على العاصي داخل المدينة. تتغذى المنطقة العليا من المدينة بالمياه بواسطة النواعير... منها حوالي 12 ناعورة، أكبرها باسم ناعورة المحمدية Naoura el Mohammedye، قطرها حوالي 70 قدماً...

(ص 124) 27، شباط: بقينا خمسة أيام في ضيافة سليم... المسافة بين حماة وطرابلس، على الطريق المباشرة تبلغ أربعة أيام، أو ثلاثة أيام بمعدل 13 ساعة يومياً بين حماة والحصن، ولكننا كنا نود زيارة قلعة مصياد  ،مقر الإسماعيلية، الواردة على معظم خرائط سورية، والتي نادراً ما زارها الرحالة. غادنا في منتصف النهار تقريباً باتجاه الجنوب الغربي لنصل إلى القرية المسيحية كفر بهون Kefrbehoun بساعة ونصف، وبلغنا بعد ساعتين تل أفيون Tel Afyoun... بعد خمس ساعات ونصف بلغنا قرية بيصين Byszyn التي يسكنها النصرية، وحيث بتنا ليلتنا...

28، شباط: على مسافة ساعة ونصف من بيصين تقع قرية شيغاتة Shyghata... بعد ساعتين ونصف بلغنا جسراً مدمراً على مجرى ماء شتوي هو السروج El Saroudj...

(ص 125) اتجهنا انطلاقاً من الجسر باتجاه الشمال والشمال الغربي لنصل بعد ساعة وثلاثة أرباع الساعة، اجتزنا خلالها عدة مجاري مائية، قلعة مصياد Maszyad أو كما يرد اسمها في كتب الميري Miri مصياف Meszyaf...

(ص 128) الحرير هو الإنتاج الأساسي لمنطقة مصياد، ولهذا تكثر فيها زراعة التوت المروية بالعديد من الجداول التي تهبط من كافة جوانب الجبل...

تبدو من القلعة (مصياد) آثار دير صُليب Deir Szoleib إلى الغرب على مسافة ساعتين ونصف. قيل لي أن فيها أبنية ضخمة مبنية بحجارة ضخمة وعليها نقوش وثنية، بيد ان سكان المنطقة يعجزون عن تمييز اللغات المجهولة وسط الحروف المزخرفة، كما أن الرحالة خدعهم كبر الحروف فاعتبروها مجرد زخارف هندسية.

29، شباط: توجهنا نحو طرابلس، بعد أن فقدنا الأمل بالعثور على أمر مميز في قلعة مصياد. وبدأنا نخشى أن يؤدي هطول المطر المتواصل إلى فيضان المجاري المائية وبالتالي العجز عن اجتيازها. أرسل الأمير معنا أحد رجاله ليرشدنا ويحمينا في مناطقه. وبعد مسير لمدة ساعة ونصف... وصلنا إلى قرية سويدا Soeida بالقرب من مزار الشيخ محمد Mezar Sheikh Mohammed، وسط حقول التوت. على مسافة نصف ساعة إلى الشرق منها ثمة قرية داثرة هي خربة معينية Kherbet Maynye، وفي الجبل فوقها آثار قلعة الرصافة Reszafa وقلعة القاهر Kalaat El Kaher. ثمة الكثير من القلاع الداثرة في هذه المنطقة، ويبدو أنها جميعها تعود ببنائها إلى حوالي القرن الثاني عشر. على مسافة ساعتين ونصف هناك بياضين Beyadhein قرية يسكنها التركمان؛ وشرقيها بنصف ساعة تقريباً ثمة تل في السهل عليه بناء مقبب يُسمى قبة العدرا Kubbet el Aadera أو العذراء مريم... وعلى قمة جبل جنوبي القرية على مسافة ساعة توجد دواثر قلعة بعرين (بارين Barein). بعد ساعتين ونصف قرية كرتمان Kortouman المأهولة بالتركمان... (ص 129)... أمضينا ليلتنا في قرية شينين Shennyn النصيرية...

(ص 130) 1، آذار: انفرج الطقس قليلاً، فانطلقنا لنبلغ في ساعة ونصف قمة الجبل، حيث تمتعنا بمنظر جميل على كامل السهل إلى الشرق، وإلى الغرب والجنوب نحو الحصن ولبنان. ومن هناك تبدو حماة إلىالشرق والشمال الشرقي، وقلعة مصياد إلى الشمال. أما قلعة الحصن castle of Hossn فهي إلى الجنوب والجنوب الغربي. وهذا القسم من الجبل يُسمى مرج الدلب (مرج الضلب Merdj el Dolb) أو ضهرة حزور (ظهرة حاذور Dhaheret Hadsour). ثمة مراع ممتازة على التلة؛ إلى اليسار على مسافة نصف ساعة النقطة المرتفعة اسمها ضهرة (ظهرة) قصير Dhaheret Koszeir، حيث توجد قلعة مدمرة، ويبدو أن المكان هو أعلى منطقة في الجبل. القمة على الطرف الغربي معروفة باسم نير عين قدريح (كيدريح) Near Ayn Kydrih. بعد ساعتين وصلنا إلى قرية حزور Hadsour، حيث مزار الشيخ ناصر... هبطنا إلى وادي رويد Rowyd الرائع (الرومنسي)، سهل مليء بالتوت وبغيره من الأشجار المثمرة، وفيه جدول يجري في عمقه. بعد ثلاث ساعتين وثلاثة أرباع الساعة وصلنا إلى قرية دويرلين Doueyrellin، على الجانب الشرقي من الوادي؛ وعلى الجانب الغربي، في موقع أكثر ارتفاعاً هناك قرية الكيمة El Keyme. بعد ساعة إلى الجنوب وعلى نفس الجهة قرية الدغلة El Daghle. قطعنا الوادي وتابعنا على طول جانبه اليمين، على سفح الجبل، حيث الحقول المزروعة بالخضار، وذلك قبل أن نصل إلى سفح الجبل الذي تقوم عليه قلعة الحصن Kalaat el Hossn. كانت خيولنا منهكة فأرسلناها إلى دير مار جرجس Deir Djordjos، حيث قصدنا قضاء الليل، واقتربنا من القلعة البعيدة ست ساعات ونصف عن شينين Shennyn.

القلعة مبنية على رأس قمة معزولة تتصل من جهتها الغربية فقط بسلسلة الجبال التي اجتزناها. وتقع مدينة الحصن تحت أسوار القلعة لجهة الشرق، (ص 131) وهي من حوالي 150 منزلاً. القلعة من أفضل أبنية العصور الوسطى التي رأيتها. من الواضح أنها أوروبية الطراز، والأسود المنحوتة على الأبواب تعود إلى شعارات النبالة التي اعتمدها كونتات تولوز المذكورين دوماً في تاريخ الحروب الصليبية. يحيط بالقلعة خندق عميق خارج الأسوار التي تقوم عليها التحصينات والأبراج. جسم القلعة بالذات مبني بشكل متناسق ومزين في العديد من مواضعه بقناطر قوطية عالية... تبلغ القلعة من الداخل 60 خطوة عرضاً و120 طولاً، تحميها التحصينات. فيها سلم عريض في ممر تحت قنطرة عالية يؤدي إلى باب القلعة ويسمح بمرور الخيالة. لفت نظرنا في داخلها صالة كبيرة من أفضل نماذج الهندسة القوطية، بقناطر متقاطعة في السقف. وفي وسط الدار لاحظنا وجود رصيفاً دائرياً من الحجارة يرتفع قدماً ونصف عن الأرض، وهو بقطر 18 خطوة، لم نجد تفسيراً لاستخدامه، ويسمونه اليوم السفرة El Sofra أو الطاولة. ثمة الكثير من المنازل الصغيرة في القلعة وعدة غرف قوطية معظمها ما يزال محفوظاً بحالة كاملة. وخارج القلعة قناة ماء قائمة حتى الآن، تغذيها قنوات تأتي بالماء من الجبال، لتصب في الخندق الذي يشكل خزان المياه لحامية القلعة ويزيد في منعتها. ونرى على الجدران الخارجية الأسود المنحوتة في مواضع متفرقة، ونرى كذلك نقوشاً عربية عالية جداً بحيث تعذرت علينا قراءتها. وفي مواضع أخرى وجدنا نقوشاً ضاع نصفها ميزنا فيها اسم المالك الظاهر El Melek el Dhaher. لم أرَ فيها أي نقش يوناني أو اي أثر للهندسة اليونانية...

لو كتب على سورية أن تصبح من جديد مسرحاً لحرب أوروبية فلا بد أن هذه القلعة ستكون موقعاً هاماً؛ ففي جوارها ينتهي لبنان وتبدأ جبال سورية الشمالية. وهي تتحكم بالتالي بالمواصلات بين السهول الشرقية (ص 132) والساحل. الحصن عاصمة مقاطعة تابعة لسلطة حماة. والميري تلتزمه من باشا حماة عائلة الديب (أو دياب) El-Deib الأرثوذكسية، أكثر عائلة منظورة هنا. وتقيم في القلعة حامية من بضعة رجال بإمرة آغا.

بعد أن تفحصنا الحصن هبطنا إلى دير ما جرجس الكائن على مسافة ساعة ونصف إلى الشمال الغربي، حيث قضينا الليل. تحيط بالدير في الوادي أشجار الكستناء البري، واظن أنه لا مثيل لها في كل سورية، ولهذا يسميه العرب باسم "أبو فروة"، أي من له فروة.

2، آذار: دير مار جرجس الأرثوذكسي مشهور في كل سورية بالعجائب التي أحدثها. يقيم فيه رئيس الدير وثلاثة رهبان يعيشون حياة رغد. وبما أن دخل الدير وفير جداً، فجميع العابرين في تلك المناطق على طريق حمص طرابلس يأكلون فيه مجاناً. والطعام عادة هو البرغل والخبز والزيتون؛ كما يُقدم للمسيحيين الخمر الفاخر. للدير كروم كثيرة وحقول الزيتون في محيطه، وهو يجمع الصدقات من جميع أنحاء سورية والأناضول. كما أنه معفي من الضريبة بفرمان من الباشا. ولكن يوسف باشا والي دمشق فرض على الدير غرامة أربعين ألف قرش لأنهم بنوا خاناً على الطريق بدون اذنه. ينتخب الرهبان رئيس الدير لمدى الحياة وهو يرتبط مباشرة ببطريرك دمشق. يتدفق النبع المجاور للدير على مراحل، من يومين أو ثلاثة. وأخبرني رئيس الدير أن هذا الدير بني مع باء قلعة الحصن.

تركنا مار جرجس في ظل مطر عاصف وهبطنا الوادي لنصل بعد ساعتين إلى السهل بالقرب من نبع الخليفة Neba el Khalife الذي تحيطه بعض الجدران القديمة. فانفتح أمامنا سهل فسيح يجاور البحر إلى الغرب، ولكننا لا نستطيع تبينه بعد؛ وينفتح إلى الشمال على جبال طرطوس، وإلى الشرق جبال النصيرية وإلى الجنوب جبل الشعرة (شارة Djebel Shara) الذي يشكل امتداداً لجبل لبنان وجبل عكار. إلى اليمين، وبعد ثلاث ساعات رأينا قلعة صافيتا Szaffytta، عاصمة النصيرية حيث يقيم زعيمهم الفقر El-Fakker. تقوم القلعة (ص 133) على منحدر جبال النصيرية وبقربه برج قديم يُسمى برج مار مخايل Berdj Mar Mykhael. بعد سبع ساعات من صافيتا نحو قلعة مصياد هناك دواثر معبد يُسمى الآن حصن سليمان Hossn Soleiman؛ وهو يستحق، على ضوء تقرير أحد الرحالة، زيارة كما هي الحال مع كل جبال صافيتا وأرض النصيرية، حيث تقوم قلاع المرقب Merkab والخوابي Khowabe وقدموس Kadmous والعليقة El Aleyka والكهف El Kohf وبرج تقله Berdj Tokhle ويحمور Yahmour وبرج ميعار Berdj Miar وعريمة Areyme والكثير غيرها. وتستلزم زيارتها عشرة أيام.

تابعنا السير على سفوح التلال المكونة لجبل الشعرة والتي يقطنها التركمان والأكراد. واجتزنا عدة جداول واعترضتنا صعوبة اجتياز الأرض المغراقة. وبعد مسير خمس ساعات ونصف وصلنا إلى جدول فاضت مياهه بأمطار ليلة الأمس واليوم، فلم نغامر بعبوره. والتقينا بالكثير من الفلاحين الراغبين باجتيازه مثلنا ولكنهم لم يتمكنوا من دفع بغالهم فيه. وبعدما توقف المطر انتظرنا انخفاض المياه الذي يجب أن يحصل بسرعة كما هي العادة، ولكن هطول المطر عاد مجدداً على الجبال، وبالتالي أصبحت المياه أكثر ارتفاعاً. وكان علينا والحال هذه الاختيار بين العودة إلى الدير أو النوم بجوار النهر في الخلاء، فضّلنا الخيار الثاني، وأمضينا ليلة متعبة على الأرض الرطبة. ومع الصباح أصبحت المياه منخفضة فعبرنا النهر بدون أي حادث.

في عكار[3]

3، آذار: على الجانب الآخر صادفنا جدولاً آخر أوسع من الأول ويعود لنفس المجرى؛ وبعد ساعة وربع بلغنا النهر الكبير Nahr el Kebir (إلوتيروس القديم the ancient Eleutherus) بالقرب من جسر مدمر. وهو في مثل هذه الأيام من السنة يشكل حامولة خطرة بفعل سرعته. ولقد علمنا أن قوافل حماة تخيم على جنباته لأسابيع دون أن تتمكن من عبوره. وعلى الجانب الآخر منه هناك خان عياش، مع قبر الشيخ عياش Sheikh Ayash، وهو عادة محطة اليوم الثالث على طريق القوافل بين حماة وطرابلس. بعد أن اجتزنا النهر تابعنا السير عند آخر امتدادات جبل عكار الشمالية باتجاه جنوب غرب بحيث أصبح السهل بكامله على يميننا. بعد ساعة وربع من الخان، مررنا بعد نصف ساعة إلى الجنوب بتلة معزولة في السهل (ص 134) فيها بعض الأبنية المدمرة تسمى قلع Kella (يقصد القليعات)، وإلى الشرق منها بنصف ساعة تلة صغيرة أخرى هي تل عروس Tel Aarous (تل العروس)، وبنفس المسافة إلى الجنوب الشرقي قرية حيصا Haytha.

بعد ساعتين وربع من خان عياش اجتزنا جدول الخريبة Khereybe، الهابط من وادٍ بنفس الاسم؛ وعلى يسارنا، على مسافة ربع ساعة من الطريق قلعة وقرية الخريبة. بعد ساعتين وثلاثة أرباع الساعة، قرية حلبا Halbe على منحدر الجبل. بعد ثلاث ساعات ونصف، جامع قديم على الجبل فوق الطريق، وقرية باسم الجامع El Djamaa (the mosque). بالقرب من هناك، وعند نقطة التقاء الجبال في الشمال ثمة تلة اسمها تل عرقة Tel Arka الذي يبدو، تبعاً لشكله المخروطي بجوانبه الملساء، اصطناعياً. قيل لي أن على قمته توجد آثار أبنية وأسوار. وعلى مرتفع لجهته الشرقية وجوانبه الجنوبية التي تطل على منظر بديع على السهل والبحر وجبال النصيرية توجد أكوام من القمامة وبقايا المساكن القديمة وقطع الحجر المنحوت وبقايا الأسوار وقطع أعمدة الغرانيت؛ من الأعمدة أحصيت ثمانية، ستة منها رمادية اللون، والاثنان الباقيان من الغرانيت الأحمر الممتاز. هنا إذن يجب أن تكون مدينة عرقة Arca القديمة حيث وُلد اسكندر سفيروس Alexander Severus: كانت القلعة على الأرجح على التلة، حيث من الممكن أن يكون هناك معبد على القمة. إلى الجهة الغربية من التلة يتجه وادي عرقة[4] مع جدول بنفس الاسم اجتزناه على جسر بالقرب من مطحنة. من هناك تابعنا سيرنا باتجاه الغرب والجنوب الغربي. من بقعة مرتفعة نرى على بعد أربع ساعات ونصف باتجاه الشمال والشمال الشرقي قرية الشيخ عياش، بعد خمس ساعات وصلنا ساحل البحر. يشكل البحر هنا خليجاً يمتد من طرطوس حتى طرابلس.

عدنا الآن على طول ساحل البحر والجبال على يسارنا، اجتزنا عدة مخيمات للتركمان. بعد خمس ساعات ونصف، وعلى مسافة قريبة إلى اليسار هناك برج قديم على سفح الجبل يُدعى أبو حنين[5] Abou Hannein. خمس ساعات وثلاثة أرباع الساعة خان البارد Khan el Bered وجسر على نهر البارد. بعد ست ساعات ونصف قرية المنية Menny، إلى اليسار وعند قاعدة الجبل تسير الطريق في سهل منبسط بين الجبل المدعو تربل Torboul والبحر، هذا القسم القريب من البحر هو المزروع فقط. وصلنا بتسع ساعات إلى طرابلس، فقصدنا منزل الوكيل الإنكليزي السيد كاتزيفليس Catziflis.

(ص 135) تقوم هذه المدينة التي يدعوها العرب طرابلس Tarabolos، واليونان والطليان تريبولي Tripoli، على سفح التلال المنخفضة من لبنان، ويقسمها نهر قاديشا[6] إلى قسمين، الجنوبي هو الأكبر. على قمة تلة القسم الشمالي يوجد قبر الشيخ أبو ناصر Sheikh Abou Naszer، وفي التلة على الجهة المقابلة في القسم الجنوبي، تقوم القلعة المشهورة والمبنية في أيام الصليبيين، ولقد رمم بربر آغا هذه القلعة التي كانت مهدمة على الدوام. إن الكثير من مواضع طرابلس يحمل بصمات المرحلة الصليبية؛ من بينها القناطر العالية ذات الهندسة القوطية وتحتها الطرق المفتوحة. وعلى العموم فالمدينة حسنة البناء تزينها البساتين التي لا يقتصر على وجودها حول المنازل، بل يمتد على كامل السهل المثلث المحصور بين المدينة والبحر. تقع طرابلس في أفضل مواضع سورية، لكونها تمتاز بالسهل الساحلي والجبال المجاورة ما ينعم على سكانها بتنوع مناخي على مسافة قصيرة. إن وادي قاديشا الذي يرتفع كلما صعدنا في الجبال يجعل من طرابلس من أكثر الوديان التي رأيتها روعة. ثمة قناة ممدودة على نصف ساعة من المدينة في الوادي، وهي مبنية على قناطر يسميها السكان قنطرة البرنس Kontaret el Brins، ولعل الاسم تصحيف لعبارة Prince (الأمير). وهي تجلب ماء الشرب إلى المدينة بقناة على طول الضفة اليسرى لوادي قاديشا. وثمة جسر على علو بضعة ياردات فوق القناة.

أقدر عدد سكان طرابلس بحوالي 15 ألف، ثلثهم من المسيحيين الروم Greek Christians على رأسهم مطران. ولقد قيل لي أن الروم لديهم فرمان من الباب العالي يسمح لهم بمنع أي روم منشق من دخول المدينة. ولكن الواقع ليس على هذه الحال؛ بيد أنه من الثابت أنه كلما عُثر على منشق في المدينة، أودع السجن والحديد وتعرض لمعاملة سيئة. مثل هذا الكلام مُمكن تصديقه لأنهم الوحيدون الذين يحاطون علماً بالتعصب مع المسيحيين الشرقيين. ليس في المدينة بناية رسمية تستحق الملاحظة. فالسرايا تهدمت في تمرد بربر آغا. أما خان الصابون فموقع حسن البناء، يتوسطه حوض ماء.

ثمة صومعة للدراويش convent of Derwishes، على مسافة 10 دقائق فوق المدينة، في وادي قاديشا، في موضع رائع للغاية فوق النهر، ولكنها مهجورة الآن. وتقع الميناء El Myna على مسافة نصف ساعة تحت المدينة، في زاوية السهل المثلث، هذه المدينة الصغيرة تشكل مرفأ طرابلس؛ كانت المستنقعات تغطي السهل في ما مضى، ولكنه تم تجفيف معظمها (ص 136) وتحويله إلى بساتين. ويمكن بسهولة رسم معالم السور في السهل المثلث؛ ويبدو أن في جهته الغربية كانت تقوم المدينة القديمة؛ وحيثما حُفرت الأرض في هذا الاتجاه ظهرت أساسات المنازل والحيطان. وفي الحقيقة بهذه الحجارة المنبوشة هناك تم بناء منازل الميناء.

من الميناء إلى الشمال حتى فتحة وادي قاديشا ثمة سلسلة من ستة أبراج يبعد الواحد عن الآخر مسافة 10 دقائق سيراً. لا شك أنها كانت مخصصة لحماية المرفأ؛ وحول الأبراج وعلى الشاطئ وفي البحر ثمة الكثير من أعمدة الغرانيت الرمادي المطمورة. منها ثمانون بقطر قدم وربع القدم في البحر، والكثير الآخر كان موضوعاً في حيطان الأبراج للزينة. ولقد أعطى سكان المحلة لكل برج اسمه. الأبعد شمالاً هو برج راس النهر Berdj Ras el Nahr، وذلك لقربه من وادي قاديشا، والبقية إلى الجنوب هي: برج التكية Berdj el Dekye، برج السباع[7] Berdj el Sebaa، برج القناطر Berdj el Kanatter، برج الديون Berdj el Deyoun، برج المغاربة Berdj el Mogharabe.

يتكون مرفأ طرابلس من سلسلة من الصخور المنخفضة الممتدة شمالاً من رأس الميناء لمسافة ميلين في البحر تقريباً، ويسميها السكان المحليون فيلون[8] Feitoun. من الشمال فإن موقع طرطوس يخفف من حدة البحر، ولكن عندما تعصف الرياح الشمالية غالباً ما تندفع السفن نحو الشاطئ. وفي اتجاه الجنوب والجنوب الغربي من المرفأ يمتد خط من الجزر الصغيرة تصل أبعدها نحو عشرة أميال عن اليابسة. وهي تسمى على التوالي: البقر El Bakar وهي الأقرب إلى المرفأ؛ بلان Billan وهي على دائرة تبلغ نصف ميل وعليها بقايا أبنية قديمة والكثير من الآبار العميقة؛ ثمة العديد من الصخور الصغيرة المعروفة باسم عام هو مقاطيع El Mekattya، وهي: تاراس، طويله، لوقس، ذلله، غرقه، ارميله؛ يليها سننيه Sennenye، نخل Nakhle أو الأرانب El Eraneb وفيها شجر النخيل وكانت مليئة سابقاً بالأرانب، الرمكين El Ramkein، شعيشة القاضي Shayshet El Kadhi.

معظم سكان الميناء هم من الروم Greek البحارة أو من صانعي السفن، ولقد عثرت هنا على نصف دزينة من سفن البلاد قيد التصليح أو الإعداد. وفي الميناء خان جيد. وعلى الطرف الجنوبي للسهل المثلث ساحل رملي تكونت رماله في نفس المكان بفعل حركة الأمواج واصدامها بالصخور التي تنتشر فيها عدة آبار كبيرة. وداخل الخليج المتكون من السهل واستمرار الشاطئ نحو الجنوب ينفجر (ص 137) نبع ماء عذبة وبقربه رواب كبيرة من الرمل رفعتها إلى مستوى الشاطئ حركة الرياح الغربية. تكثر في البحر القشريات والأسماك؛ وإليكم أسماء أفضلها بالعربية والفرنسية كما زودني بها تاجر فرنسي أقام لمدة طويلة في طرابلس: قجيج Dorade، سلطان إبراهيم Rouget، براق Loupe، تراخور Severelle، لنتياس Leeche، بروي Mulaye، حفش Maire noir، قلوقس Maire blanc، شليق Vieille؛ ويتم جمعها في أقفاص صغيرة يوضع الطعم داخلها، بحيث أن السمكة التي تدخل من فتحة القفص لا تستطيع الخروج منه. ويُقال أنه لا يدخل القفص غير تلك الأنواع من السمك. أما أسماء غيرها من بعض السمك الصالح للطعام فهي: (قريدنه أو غزال، خنزير، اصفرني عريل) Pajot.

على مسافة نصف ساعة من طرابلس، على الطريق التي سلكناها في المجيء، يقع قبر الشيخ البداوي Sheikh El Bedawy، وبقربه فوارة ماء غزيرة في الحائط، وفيها كمية كبيرة من السمك يعتبره مسلمو (أتراك) طرابلس مقدساً، ويقدم له حراس القبر والطرابلسيون الطعام يومياً، ولا يتجرأ أحد على قتل أي سمكة منها. إنها كما يقول الأتراك هي وقف للقبر. نفس نوع السمك نجده في قاديشا.

تراجعت تجارة طرابلس في الأزمنة الأخيرة تماشياً مع كل تجارة سورية. ولا يوجد فيها أي مؤسسة فرنسية، والفرنسيون الباقون هنا على درجة كبيرة من البؤس. ومع ذلك يقيم هنا قنصل فرنسي، السيد غيز Guys، عالم ضليع بالآثار، ولقد كان مفيداً جداً لنا في معارفه الأدبية. ولديه مجموعة هامة من الميداليات السورية. أما السيد كاتزيفليس اليوناني فهو رجل محترم للغاية وقدم خدمات عظيمة إلى الجيش الإنكليزي أثناء الحرب في مصر. وهو بالغ الضيافة والترحيب بالرحالة الإنكليز.

تقوم تجارة طرابلس أساساً على الحرير الذي ينتجه الجبل، وتصدر منه سنوياً حوالي 800 كينتالاً، بسعر 80 ليرة استرلينية الكينتال. كان التجار الفرنسيون في السابق، يقايضون سلعهم بالحرير، لأنه كان من الصعب الحصول على المال في التجارة مع المشرق، وكان من الطبيعي أن يتم بيعه بخسارة في فرنسا، ومع ذلك لم تكن الخسارة أكبر مما لو أنهم اشتروه بالنقود لأنهم كانوا سيجرون عليه حسومات. وكان يتم بيع الحرير في مرسيليا لصالح التجار المغاربة merchants of Barbary الذين يحصلون عليه بسعر أقل مما يستطيعونه في طرابلس. بيد أن هذه التجارة توقفت إثر تراجع التجارة الفرنسية، ويأتي المغاربة Moggrebyns اليوم إلى طرابلس بأنفسهم سعياً وراء هذه السلعة (الحرير)، ويأتون معهم بمنتجات كالنيلة والقصدير التي يشترونها من مالطة. ولقد ازداد كثيراً بيع القهوة الآتية من غرب الهند في سورية في الأزمنة الأخيرة، بعد أن أجمع الأتراك على استهلاك هذه السلعة لأنها على سعر لا يزيد على نصف سعر قهوة موكا Mokha coffee، ما أدى إلى فتح سوق هائلة (ص 138) لصالح مزارعي غربي الهند...

تأتي سلعة الإسفنج في المرتبة الثانية في صادرات طرابلس؛ ويتم جمعها على شاطئ البحر، ولكن أفضل الأنواع يكون في الأعماق. كان الطلب على الإسفنج في السنتين الأخيرتين ضعيفاً، ولكنه قيل لي أنه يتم تصدير طرود من 12500 إسفنجة سنوياً، ويقارب سعرها حوالي 120 قرشاً للألف. ويتم تصدير الصابون نحو طرطوس ومنها إلى بلاد الأناضول والجزر اليونانية... أما باقي الصادرات فهي حوالي 100 إلى 120 كينتالاً من غدة العفص (قليح) من جبال النصيرية، وحوالي 120 كينتالاً من الشمع الصفر من لبنان بسعر 150 قرشاً للكينتال، وسلعة القوة Rubia tinctorum الذي ينبت في سهول حمص وحماة، بكمية تقارب 1400 كينتالاً، بسعر من 20 إلى 24 قرشاً للكينتال. والقليل من التبغ الذي يُصدر منه بضعة كينتالات إلى مصر.

يمتد إقليم طرابلس على معظم مناطق جبل لبنان . وهذه الباشوية مقسمة إلى عدة أقسام أو مقاطعات (مقاطع Mekatta) كما يسمونها: الزاويه El Zawye أو المنطقة السفلية من جبل لبنان على يمين قاديشا؛ جبة بشري Djebbet Bshirrai الكائنة حول قرية بنفس الاسم بالقرب من غابة الأرز Cedars؛ القلع El Kella؛ الكورة (القورة El Koura) أو المنطقة السفلية من جبل لبنان على يسار قاديشا؛ القاطع El Kattaa أو الجبال باتجاه البترون؛ البترون (باترون)؛ جبيل؛ الفتوح El Fetouh بعد جبيل نحو كسروان؛ عكار (أقار Akkar) المنقلب الشمالي لجبل لبنان، وهو قضاء يديره اليوم علي بك Aly Beg، رجل معروف بكرمه وسعة صدره ومعرفته بالأدب العربي؛ الشعرة (الشارة El Shara) تحت حكم علي بك أيضاً؛ الضنية (ظنيه El Dhannye) وهي الجبال شمالي وشمالي غربي بشري[9]؛ الهرمل El Hermel باتجاه بعلبك على المنحدر الشرقي للبنان؛ صافيتا (صافيته Szaffeita)؛ طرطوس (تارتوس Tartous). معظم أهل الجبال مسيحيون، في بشري جميعهم مسيحيون؛ في عكار والشعرة والكورة ثلاثة أرباعهم مسيحيون؛ للمتاولة Metawelis أملاك (ص 139) في جبيل والضنية والهرمل. منذ حوالي 80 سنة بات هؤلاء أحدث سكان قضاء بشري والزاوية والضنية وقسم من عكار، بيد أن الترك والمسيحيين المستائين من تصرفاتهم المسيئة استدعوا الدروز وطردوا المتاولة بمساعدتهم.

منذ ذلك الحين صار الدروز أسياد كل الجبل وقسم من السهل. ويدفع الأمير بشير لباشا طرابلس ميري الجبل المقدر 130 بورصة purses، بينما يجمع لنفسه أكثر من 600. ويتم احتساب الضريبة المفروضة على الفلاحين تبعاً لكمية أرطال الحرير Rotolas of silk التي من المقدر أن ينتجها الفلاح سنوياً من دود الحرير؛ ويتم احتساب الضريبة على شجر التوت أيضاً بالقياس إلى الضريبة على الحرير. ويُعادل تقريباً ما يتوجب على الفلاح العامل بالحرير دفعه بين 20 و25 بالمئة من دخله، بينما الذي يعيش من دخل حقله يدفع أكثر من 50 بالمئة.

حصلت على المعلومات الآتية المتعلقة بالتاريخ الحديث لباشوات طرابلس. فتاح باشا Fettah Pasha طرده سكان طرابلس حوالي العام 1768، بعد أن حكم لبضع سنوات. وحل مكانه عبد الرحمن باشا Abd-er-rahman Pasha، ولكن المتمردون حافظوا على سيطرتهم على المدينة. ولقد كان سابقاً كابيجي Kapydji (قائد) الجردة Djerde أو القافلة التي تنطلق سنوياً من طرابلس لملاقاة قافلة الحج العائدة من مكة. وكان قد جعل من مصطفى زعيم المتمردين تفكنجياً له Touenkdji، وخاضعاً لإرادته، إلى أن تَحَيّن الفرصة للتخلص منه فقتله في اللاذقية حيث كان يجمع الميري. ثم فاجأ المدينة، واستولى على القلعة وقتل جميع قادة التمرد. وحكم عبد الرحمن باشا لمدة سنتين.

وحكم يوسف باشا، ابن عثمان ياشا والي دمشق، ومن عائلة العظم، طيلة 8 أو 10 سنوات، ليحل مكانه أخوه عبدالله باشا الذي بقي في الإدارة 5 سنوات، وتم تعيينه بعدها والياً على دمشق، وهو اليوم والي أورفه Orfa.

بقي حسن باشا سنتين في الموقع. (ص 140) ولقد تم إرسال حسين باشا على رأس الجردة ليقتل الجزار العائد من مكة. ولكن الجزار قتله بالسم قبل أن يتمكن من تنفيذ خطته. ثم حكم درويش باشا لمدة سنتين، وخلالها استغل أحد قادة قواته، حسن يوسف، السلطة، إلى أن قُتل بأمر من الباشا. وحكم سليمان باشا، وهو اليوم والي عكا، حوالي العام 1792، بينما كان الجزار في دمشق.

عندما اجتاح الفرنسيون سورية طرد سكان المدينة خليل باشا، ابن عبدالله باشا. استولى مصطرا دلبي Mustara Dolby، أحد قادة التمرد، على القلعة وحكم لمدة سنتين. وحل مكانه إبراهيم سلطان الذي طرده مصطفى آغا بربر Mustafa Aga Berber، وهو رجل موهوب وعلى حمية فائقة. فرفض تسديد الميري إلى والي دمشق يوسف باشا الذي كان والياً لطرابلس أيضاً، وقام بتحصين القلعة وانتظر بشجاعة مع جماعته وصول يوسف باشا الذي اقترب من المدينة بقوات من خمسة أو ستة آلاف رجل. هرب جميع سكان المدينة إلى الجبال، باستثناء القنصل الفرنسي العدو السري لبربر. ما أن دخلت قوات يوسف باشا المدينة حتى بدأ النهب، وفي مدى بضعة أشهر تم تدمير كل شيء ولم يبقَ غير الجدران العارية، وتم سحب كل قطعة من الحديد، كما أن الأرصفة الرخامية تم اقتلاعها وبيعها. ولقد جمع ابن القنصل الفرنسي مبالغ كبيرة من بيع المنهوبات. وتم حصار القلعة، وبعض وحدات المدفعية الفرنسية المستقدمة من قبرص قصفت القلعة، وأًحدثت فيها ثغرة، ولكن لم يجسر أحد على مهاجمة القلعة المحمية جيداً من قبل 150 رجلاً فقط. بعد حصار دام خمسة شهور تدخل سليمان باشا والي عكا بين بربر آغا ويوسف باشا الذي سره حصول ذريعة لفك الحصار، فمنح القلعة كل التشريفات العسكرية، وتم بيع كل ما بقي في القلعة للباشا لقاء مال نقدي، وفي شباط 1809 غادر بربر آغا القلعة يصحبه ضباط سليمان باشا إلى عكا. وهناك عُين مجدداً والياً على طرابلس بينما كان سليمان باشا والي عكا ودمشق مكلفاً بباشوية طرابلس عام 1810. واستلم سليمان باشا عام 1812، نفس المهام.

(ص 141) خلال إقامتنا في طرابلس، كان بربر آغا بجوار اللاذقية يشن الحرب على النصيرية المتمردين، وكانت قلعة طرابلس في عهدة أحد أغوات الأرناؤط الذي لم يكن تابعاً لبربر. إنه لمن المرجح فعلاً أن بربر شخصية فذة عارفة بالشؤون السورية، لكونه شخصية نابغة وحازمة وعادلة. ولم تكن مدينة طرابلس بوضع أفضل مما كانت عليه تحت إمرته.

12 آذار: بع أن قضينا عشرة أيام رائعة في طرابلس... انطلقت مع مرشد باتجاه دمشق، قاصدين زيارة كسروان وتقديم آيات الاحترام لزعيم الجبل الأمير بشير في دير القمر Deir el Kammar. وودت في الطريق زيارة بعض خرائب الكورة التي سمعت عنها في طرابلس. فغادرت الطريق الأساسية التي تتبع الساحل حتى بيروت... ووصلت بمدة ساعة ونصف إلى دير كفتين (دير كيفتين Deir Keiftein) حيث أضينا الليل. تمر الطريق في غابة من الزيتون على الضفة اليسارية لقاديشا في المنحدرات المنخفضة للبنان. نقصد بذلك قسماً من قضاء الكورة، حيث الزيت هو الإنتاج الأساسي. والزاوية من الجهة الأخرى لقاديشا تنتج الزيت أيضاً، ولكنها تنتج من الحبوب أكثر من الكورة... صادفنا هناك بعض خيام عرب الزريقات Arabs Zereykat والهيب El Hayb الذين يرعون أغنامهم على جانبي الطريق حيث تكثر الأعشاب البرية.

على مسافة نصف ساعة على يميننا جبل القلع Djebel Kella المتجه من الشمال إلى الشرق نحو البحر، وهو تحت حكم طرابلس مباشرة، أما الأمير بشير الذي يحكم لبنان بكامله فلم يكن بمقدوره بعد الاستيلاء عليه. وهذه هي أهم قرى هذه المنطقة: دير سقوب Deyr Sakoub، دده Diddy، فيع Fya، قلحات Kelhat، بتوراتيج Betouratydj، راس مسقا Ras Meskha، برسا Bersa، نخله Nakhle، بطران Beterran، بيش Besh، ميسين Mysyn، عفص ديق Afs Dyk.



[1] المرجع: Journal of a Tour from Aleppo to Damascus, through the Valley of the Orontes and Mount Libanus, in February and march, 1812. وهذا النص مأخوذ من: John Lewis Burckhardt: Travels in Syria and the Holy Land, eBooks@Adelaide, 2004، ومنه اعتمدنا كتابته لأسماء المواضع، ولقد صححنا البعض منها، ووضعنا كتابته الأصلية بين هلالين. أما ترقيم الصفحات فهو مأخوذ عن الكتاب المطبوع الخالي من كتابة الأسماء بالعربية: John Lewis Burckhardt, Travels In Syria and the Holy Land, Published by the association for promoting the discovery of the interior parts of Africa, 1822.

[2] مؤلفاته: Travels in Nubia, African Association, Londres, 1819.

Travels in Arabia, African Association, Londres, 1829 .

Arabic Proverbs, or the Manners and Customs of the Mod. Egyptians, Afr. Ass., Londres, 1830.

Notes on the Bedouins and Wahabys, Afr. Ass., Londres, 1831.

[3] العنوان من وضعنا (المترجم).

[4] في النص وادي عكا Wady Akka، ولا بد في ذلك خطأ مطبعي (المترجم).

[5] لعل المقصود قرية بحنين (المترجم).

[6]  قاديشا باللغة السريانية تعني القدس، أما الاسم الخاص بالنهر فهو نهر أبو علي.

[7]  يقول سكان البلد أن الدرع المنقوش على العبارة المؤدية إلى هذا البرج كانت مرئية سابقاً. وكانت عبارة عن رمز الكونت دو تولوز. رأيت في طرابلس ختماً من الرصاص يعود إلى هذا الكونت وعليه برج ربما هو برج السباع.

[8] اللفظة الإنكليزية فيتون Feitoun بينما العربية فيلون! (المترجم).

[9] هكذا في النص، والصحيح شرقي بشري (المترجم).

 

د. جوزف عبدالله

 

back to Book