back to Book |
الفصل الأول: الرحالة
1- وصف الأرض المقدسة: بوركار دو مون سيون Burchard de Mont Sion
2- رحلة من حلب إلى القدس في عيد الفصح العام 1697: هـ. موندريل Henri Maundrell
3- رحلة ريشارد بوكوك: ريشار بوكوك Richard Pockocke
4- يوميات رحلة من حلب إلى دمشق: جون لويس بوركار John Lewis Burckhardt
5- عكار منذ حوالي القرنين: إيلي سميث Eli Smith
6- من الحصن إلى الأرز فبيروت: إيلي سميث
7- من بيروت إلى حلب في العام 1845: و. م. تومسن W. M. Thomson
8- بعثة إلى فينيقيا: إرنست رونان Ernest Renan
9- رحلة في سورية: رونيه دوسّو René Dussaud
10- ملاحظات في نقوش وطبوغرافيا منطقة حمص: هنري لامنس H. Lammens
"وصف الأرض المقدسة"[1]
الكاتب والكتاب
الرحالة بوركار دو مون سيون Burchard de Mont Sion راهب دومينيكي ألماني، غير معروف مكان ولادته، جاب في الأرض المقدسة في الربع الأخير من القرن الثالث عشر حيث أمضى حوالي العقد (1274- 1284) في ربوعها، خصوصاً بين عكا والقدس، وكان ذلك خلال ولاية السلطان قلاوون. عرض سيرة رحلاته في الأرض المقدسة (ومنها سورية) وفي أرمينيا في ظل سيطرة المغول، في مؤلف له بعنوان "وصف الأرض المقدسة" Descriptio Terrae Sanctae. تضمن مؤلفه تسجيلاً لطبيعة الأرض المقدسة وعمرانها ومدنها الأساسية وآثارها وخصوصاً فلسطين التاريخية ومعالمها المقدسة. وعلاوة عليه فإنه وصف نباتاتها وحيواناتها، كما قام بعرض لشتى الفرق الدينية فيها.
يُعتبر "وصف الأرض المقدسة" أول مبحث قروسطوي في الجغرافية الفلسطينية. وامتاز بمقاربة نقدية لواقع المملكة الصليبية في الشرق بالقياس على أزمنة المسيحية الغابرة. ومن ذلك مقولته الشهيرة "اللاتين يلوثون الأرض المقدسة"، وكان له تأثير في شيوع اتهام الداوية بالخيانة. واعتبرت كتاباته نموذجاً احتذى به الحجاج من بعده. ولقد لقي في حينه انتشاراً واسعاً في أوروبا الغربية والوسطى، في العصر الوسيط، وكان له تأثير كبير على أدب الأرض المقدسة وعلى الرأي العام الأوروبي. ولهذا عرف المؤلف 27 مخطوطة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، واستمر طبعاته تتالى حتى القرن السابع عشر.
لا شك بأن أفضل الكتابات في العصور الوسطى عن فلسطين وسورية هو مؤلف بوركار دو مون سيون "وصف الأرض المقدسة"، وقد ميز فيه بين ما لاحظه هو شخصياً وما اقتبسه عن غيره. وكانت كتاباته بمثابة دليل شامل للأرض المقدسة من شأن الحجاج اعتماده. ولكنه لم يُستفاد منه عملياً، لأنه في العام 1291 سقطت آخر مواقع الصليبيين في الشرق. وجاء بعدها تحريم البابوية القيام بالحج بغية الحؤول دون استفادة السلاطين المماليك من وارداته، وفرض الحصار على السلطنة. ومن الجدير ذكره أن بوركار دو مون سيون وضع خطة حملة صليبية، أوصى فيها باحتلال صربيا الأرثوذكسية والقسطنطينية كمقدمة ضرورية للنجاح.
ثمة شبه إجماع على وضع تاريخ "وصف الأرض المقدسة" في العام 1283.
الترجمة
(ص 28) على مسافة فرسخين من أنفة تقع طرابلس[2] هذه المدينة المشهورة جداً والقائمة كلها تقريباً على البحر، مثل مدينة صور. هي وافرة السكان حيث يقيم فيها الروم (اليونان Grecs) واللاتين والأرمن والموارنة والنساطرة وغيرهم الكثير من الأقوام. ويكثر فيها إنتاج الحرير، وهذا ما أعتبره مؤكداً بحكم وجود الكثير من مغازل الحرير والتجار وغيرها من الأعمال المشابهة.
ويمكننا القول أن هذه المنطقة هي جنة بفعل كرومها الرائعة للغاية وبساتين الزيتون والتين والقصب ما لا أذكر أني رأيت مثيله في أي مكان آخر.
تبعد هذه المدينة ثلاثة فراسخ عن جبل لبنان. وعند سفح هذا الجبل يخرج نبع الجنات[3] مندفعاً بسيول عارمة من لبنان كما جاء في "نشيد الأناشيد"[4]. يبدأ النبع ضعيفاً في مخرجه، ولكنه سرعان ما يتحول في هبوطه إلى نهر جارف وبالغ الحجم. وهو يروي جميع الحقول والسهل الكائن بين طرابلس والجبل، ما يجعل المنطقة على روعة عظيمة. مياهه من أعذب المياه وأطيبها، والعديد من المواضع الدينية والكنائس تقوم على ضفافه. وهو يخرج، كما يُقال، من سفح الجبل ويحيط جزئياً بجبل الفهود[5] (جبل تربل) لينطلق من ثم إلى الحقول فيرويها. ويتقدم نحو البحر مع ثلاثة أنهار كبيرة أخرى والعديد من الينابيع التي تتجه إلى البحر من مواضع شتى. ولعل ما قيل عن هذا النبع في "سفر أستير"[6] صحيح تماماً، لأن هذا النبع الصغير يتحول إلى نهر كبير وينبعث مجدداً في عدة مجارٍ مائية.
على مسافة فرسخين من طرابلس يقع جبل الفهود (جبل تربل) الذي يبدو دائرياً ومرتفعاً، وهو على مسافة فرسخ واحد من جبل لبنان. شاهدت عند سفحه الشمالي مغارة بداخلها مقام بطول 12 قدماً يقصده المسلمون بورع، لأنهم يزعمون أنه قبر يشوع؛ لا أعتقد أن هذا صحيح لأن الكتاب المقدس يروي أن قبره موجود في تامناتسار (تمنة سارح[7]) Thamnathsare بالقرب من شكيم (نابلس) Sichem على منحدرات جبل أفرائيم Effraym. وأظن بالأحرى أنه قبر كنعان بن سام، وهو نفسه ابن نوح، أو قبر أحد أحفاده الذين حسب النصوص سكنوا بالتأكيد بالقرب من هذا المكان، كما سيرد لاحقاً.
على مسافة ثلاثة فراسخ من هذه المغارة ولجهة الجنوب تقريباً نصل إلى نهاية كل من السلسلة الشرقية Antilibani والسلسلة الغربية Libani للبنان. وحيث تنتهي السلسلتان معاً تظهر لنا اليوم قلعة عرقة[8] Arachas التي (ص 29) بناها أركايوس Aracheus، ابن كنعان، وسمّاها باسمه، كما جاء في "سفر التكوين"[9] وفي "سفر الأخبار الأول[10] والثاني". وهي موضع رائع، جميل وخصب. وهنا ينتهي لبنان الذي سأتحدث عنه وعن طوله في مكان لاحق، عندما سأتناول قيصيرية فيليب والأردن.
على مسافة نصف فرسخ إلى الشرق من قلعة عرقة يقع حصن السن Syn الذي استمد اسمه من سينوس Syneus، ابن كنعان، واخ أركاديوس، الذي بناه بعد الطوفان على مقربة من عرقة، كما جاء في "سفر التكوين"[11]. ولقد أخبرني نسطوري مقيم هنا، لدى سؤالي له، أن هذا الحصن يُسمى سينوشيم Synochim؛ وحصلت على نفس الإجابة من أحد المسلمين.
ثمة تحت قلعة عرقة وحصن سينوشيم سهل[12] فسيح وبالغ الخصوبة، يمتد تقريباً من قبالة حصن الأكراد[13] Krach الذي كان مقراً للاسبتالية[14] حتى أنتيرادوم Anteradum المعروفة اليوم باسم طرطوس Tortosa. يبلغ هذا السهل 11 فرسخاً طولاً و6 فراسخ عرضاً. وهو عامر بالكثير من القرى، وبالحقول الرائعة المزروعة بالزيتون والتين وبغيرها الكثير من الأشجار المتنوعة وبالغابات. وهو غني بالجداول والمراعي الرائعة الجمال. ويقيم فيه التركمان والمديانيون Madianite والبدو Bodwini، يسكنون الخيم مع زوجاتهم وأبنائهم ودوابهم وجمالهم. ولقد رأيت قطعاناً كبيرة من الجمال التي أظن أن عددها يبلغ عدة آلاف.
تحيط الجبال[15] بهذا السهل، وهي غير مرتفعة لجهة الشرق، وتبدأ بالقرب من عرقة ممتدة حتى حصن الأكراد. وعلى هذه الجبال يعيش قوم معروف باسم فانيني[16] Vannini (العلويون) وهم قساة ومخادعون ومعادون للمسيحيين[17].
من قلعة عرقة وسينوشيم يمتد السهل حتى أنتيرادوم[18] (طرطوس) بطول عشرة فراسخ. نقول أنتيرادوم لأنها تقع تقريباً "أمام أراديوم"[19] Ante Aradium (جزيرة أرواد)، أي قبالة أرواد.
أرواد جزيرة في البحر على مسافة نصف فرسخ من اليابسة. وفيها اليوم المدينة المشهورة التي قيل فيها في "سفر حزقيال": "بنو أرواد مع جيشك كانوا على أسوارك"[20]. وفي المعجم Glossa: "مدينة أرواد تحيطها المياه من كل الجهات، وهي قبالة أنتيراديوم، وبالقرب من صور. صحيح أنها تبعد عنها مسير خمسة أيام. ولقد بنى أراديويس، ابن كنعان، هذه المدينة بعد الطوفان".
(ص 34) ... يعيش في لبنان العديد من الأقوام، كما قلنا سابقاً: الموارنة، الأرمن، الروم (اليونان)، النساطرة، اليعاقبة، الجيورجيون، جميعهم مسيحيون، ويخضعون لكنيسة روما كما يصرحون أنفسهم.
(ص 169)[21] "بعد أن استرحنا لبضعة أيام، انطلقنا على الأحصنة نحو كوليكات Culicath (القليعات) وماناكوزين[22] Manacusine, Manacusi قلعتين دمرهما المسلمون. ولقد وجدنا هناك حقولا يغطيها نبات الشمرة وأشجار مثمرة يغطيها زغب نسميه صوف الشجر.
تركنا على يميننا كراك Crac (حصن الأكراد)، قلعة للاسبتالية، هامة وشديدة التحصين، وبالغة الضرر على المسلمين. لم أغامر بوصف هذا الموضع وتحصيناته، لأني لم أشاهده شخصياً. ولكنه رائع على حد ما قيل لنا. كان يحرسه في زمن السلم ألفا جندي يزعمون أنهم من الاسبتالية الذين أقسموا اليمين.
وكنا نرى في نفس الجهة الحصن البيض[23] Casteblans، قلعة كبيرة ومحصنة في الجبل على حدود بلاد "شيوخ الجبل[24]" الذين على حد ما يُقال ذبحوا الكثير من أمرائنا[25]. ولقد سمعتم ما يكفي عن حياتهم وعن الجنة الموعودين بها، فلا حاجة بي إلى مزيد من الكلام عليها. هذه القلعة وملحقاتها من أكثرها ضرراً. ولقد تملكها فرسان الداوية وحصنوها".
[1] المرجع:Burchardi de Monte Sion, Descriptio Terrae Sanctae, in Peregrinatores Medii Aevi Quatuor, J. C. M. Laurent, Lipsiae, J. C. Hinrichs Bibliopola, 1864. – بوركارد دو مون سيون، "وصف الأرض المقدسة"، في مصنف "أربعة رحالة من العصور الوسطى"، إعداد: J. C. M. Laurent, 1864.
قام بترجمة هذه النصوص من اللاتينية إلى الفرنسية متطوعاً الاستاذ الفرنسي جان رييو Jean Riou بناءً لطلب من د. جوزف عبدو. وهذا ما يستحقان عليه الشكر الجزيل وعميق الامتنان من قبلنا.
[2] تبعد طرابلس مسافة أربع ساعات ونصف عن البترون، راجع: Ritter XVII (1), p. 588
[3] (fons ortorum) بالقرب من طرابلس هو نهر أبو علي، نهر قاديشا (النهر المقدس)...
[4] راجع "نشيد الأناشيد"، 4، 15.
نضع هنا النص الحرفي من "نشيد الأناشيد": "ينبوع جنات وبئر مياه حية وأنهار من لبنان"، الكتاب المقدس، العهد القديم، دار المشرق، 1989، صفحة 1386 (المترجم).
[5] جبل الفهود mons leopardorum معروف اليوم باسم جبل تربل Dschebel Turbul، راجع: Robinson N. F. p. 760. Ritter XVII, 910, p. 610.
[6] "سفر أستير"، 9، 3.
هنا استعارة من حلم مردكاي، وفيه أن أستير هي "الينبوع الصغير الذي أصبح نهراً... والمياه الغزيرة"، الكتاب المقدس، العهد القديم، مرجع سابق، ص 945 (المترجم).
[7] "... مات يشوع بن نون ... فدفنوه في أرض ميراثه، في تَمنَةَ سارح التي في جبل أفرائيم..."، الكتاب المقدس، المرجع السابق، "سفر يشوع"، 24: 29-30، ص 462؛ وكذلك في "سفر القضاة، 9: 2: "ودفن في أرض ميراثه في تمنة حارس (؟) (الأصح سارح)، في جبل أفرائيم"، ص 470 (المترجم).
[8] أراكاس Arachas، هي ارك Erek القديمة، قيصرية عرقة Arca Caesarea، عرقة ’Arka الراهنة؛ راجع: Ritter XVII (1), p. 610
[9] الكتاب المقدس، "سفر التكوين" 10: 15 و16، ص 83.
[10] المرجع السابق، "سفر الأخبار" 1: 13-16، ص 734-735.
[11] المرجعان السابقان.
[12] يُسمى هذا السهل اليوم البقيعة Bokeia (Bukei’a)، راجع: Ritter XVII (1), p. 836, 938. Robinson N. F. p. 730….
هذه الملاحظة غير صحيحة فسهل البقيعة في موضع آخر. بينما السهل الذي يتحدث عنه "بوركارد دو مون سيون" هو سهل عكار، المعروف باسم جون عكار (المترجم).
[13] يُعرف حالياً باسم قلعة الحصن Kal’at el-Hösn، الحصن Husn، حصن الأكراد Husn el-Akrad الذي دمره السلطان بيبرس عام 1271. راجع: Ritter XVII (1), p. 837
[14] حتى العام 1271.
[15] هو جبل الشعرة Jebel Scha’rah.
[16] فانيني: قوم غير معروفوفين، أم لعلهم النصيريون. راجع: Ritter XVII (1) 15, p. 979, 993
يعتبر ر. دوسو أن الرحالة بوركار دو مون سيون يذكر في Descriptio Terrae Sanctae النصيريين (العلويين) باسم لا تفسير له هو فانيني Vannini؛ راجع: René Dussaud, Histoire et Religion des Nosairîs, Librairie Emile Bouillon Editeur, Paris, 1900m p. xxv. (المترجم).
[17] المسيحيون المقصودون هم الصليبيون أو الفرنجة (المترجم).
[18] هي أنترادوس القديمة Antaradus، طورطوزا Tortosa، وحالياً طرطوس Tartûs.
[19] هي أرادوس Aradus قديماً، أما اليوم فهي جزيرة رواد Ruâd.
[20] الكتاب المقدس، مرجع سابق، "سفر حزقيال"، 27: 11، ص 1813.
[21] النص الآتي مأخوذ من رحلة ويلبراند دولدنبورغ Wilibrandi de Oldenborg، المرجع المذكور في الحاشية رقم 1: Peregrinatores Medii Aevi Quatuor, J. C. M. Laurent…
[22] كوليكات وماناكوزين موضع مجهول.
[23] Casteblans, Castiblans حالياً هي في صافيتا Safita؛ وهي الحصن الأبيض Castelblans, château blanc. راجع: Robinson N. F. p. 739.
[24] "شيخ الجبل" زعيم فرقة الحشاشين (المترجم).
back to Book |