back to Cobiath-Arabic Edition

Related Link: Cobiath sous les Croisés

"القبيات وناحيتها زمن الصليبيين"

 

الترجمة العربية

ترجمة

الدكتور فؤاد سـلوم

دكتوراه في التاريخ

إجازة في اللغة العربية وآدابها

 

وادي عــوديـن

 

 

وادي عودين

وادي عودين

مار سابا

مار لـيـان الى اليسار

       

مار لـيـان

مار لـيـان

مار الياس

مار ليان باسفل الصورة

 

وادي عودين

 

فذلكة:                                                                                                   

أيضاً، في إطار الإعلان عن قرب صدور الترجمة العربية لكتاب الأب الدكتور سيزار موراني بعنوان : "القبيّات وناحيتها في ظل الحكم الصليبي"، نودّ أن ننشر، كنموذج ثانٍ، جزءاً من فصل تحت عنوان "وادي عودين".                            

                            

في هذا النص تظهر شاعرية الأب موراني المرهفة التي استلهمها عشقه طبيعة بلادنا الجميلة التي طالما تجوّل فيها متوقّفاً أمام عظمة الجبال، وروعة التلال، وبهجة المروج، وموسيقى الأغصان، وبوح الوادي، وضحكة السواقي...

 

ويظهر كذلك، في هذا النص، التأمل العميق والدرس الذكي لما تبقّى من تراثنا المسيحي الغني، حيث عبد الآباء والأجداد، وسبّحوا، إلهاً قدّوساً، تعالى وتبارك شأنه في قدّيسه، هنا، مار سابا ومار الياس و مار ليان…

 

المترجم : د. فؤاد سلوم

 

 

النص:

 

من عندقت، البلدة الكبيرة الواقعة شمال شرق مدينة القبيّات، ننعطف صعوداً باتجاه جنوب شرق، الى وادي عودين.

 

مهلاً! سِر بنا هونا، لئلّا تعكّر هدأة المعبد! عناة، في مصيفها، تستجمّ بعد الجهود المضنية التي بذلتها لإنقاذ تموزها الوسيم. إنه وادٍ مقدّس!... كلّما توغّلت فيه اخذت بك روعة السكون. إنه السرّ، سرّ السكون القدسيّ الذي يلفّ المكان من كلّ جهة. في هذا الوادي نطأ أرضاً مقدّسة، مجبولاً ترابها بالعرق والدم: قدّيسو لبنان الاوّلون تركوا، هنا، علاماتهم التي لن تمحى. الغابة تبكي، لا تزال، عبق البخور الذي كان، ليل نهار، دائم الفوح. الأمكنة لا تزال تحتفظ بأسماء شفعائها القدّيسين...

   

ماذا يعني، بالضبط اسم عودين؟ هل هو اسم مستعار حمله معهم المهاجرون الأوائل من "العواصم"، على ما يشي به كلام الاب لامنس؟ أم هو جمع للاسم السرياني "عودو"، بمعنى الغابة المقدّسة؟ منطلق الاب لامنس كان في تفسير اللفظة على أنّه اسم لدير. لكن، هنا، يتعلّق الامر بمنطقة غابات حيث يتناسب معها الاسم أكثر. القمم والتلال المظلّلة باشجار الصنوبر التي تقي من هجير الصيف. والينابيع المبثوثة في الوادي تشفي غلّة العابر، وتهدهد بأغانيها الشجيّة أحلامه بينما هو يمشي على دروب الزمن الغابر. رائحة النرجس العابقة، الان، في أجواء الوادي، هل تكون فوح الباقات التي كان يجمعها العرّافون الاراميون، بالامس البعيد، من غابة عودين المقدّسة؟ لكن، حتى لو تركنا الرومانسية جانباً، فإنّ الامر قد لا يجانب الحقيقة، لا سيّما وأن الظاهرة يمكن استشفافها من خلال "الحجارة المنصوبة" في الجوار العندقتي المباشر.

      

حالياً يخترق الوادي طريق مزفّت. وعلى مسافة كيلومتر واحد من بيوت البلدة أجمة من السنديان العتيق إلى يمين الطريق، تلفت النظر. هي مسوّرة بالباطون، ويحتضن سورها موقع " مار سابا". لماذا تقوم، هنا، بين التلال المزروعة، هذه البقعة الداكنة؟ مثلها كثير يطالعك اينما توجّهت في هذه الناحية. لا، لا تسل ديّاراً! بل اعلم أن هذه الاجمة التي انهكها الزمان تظلّل مقاماً مقدّساً. إنه "ولي" أو "وقف"، فيمتنع، بالتالي، أن تمتدّ يد إليه.

 

 

مار سابا:

يجثم على مصطبة تنداح على خاصرة جبل. ينظر، أمامه، الى عندقت، وفي البعيد، الى "حصن الفرسان". الى شماله تتمددّ مدينة القبيات، والى يمينه يتثاءب وادي عودين، وصولاً الى البقيعة. وراءه، على قيد خطوات، يشمخ الجبل، ومنه تطلّ صخور متوحّشة، تشرئبّ برؤوسها البيضاء، من بين الاجمام، أو من بين شتول الصنوبر، وحيث تتوارى عن أعين الفضوليين، أشياء تخصّ المقام.

 

الكنيسة

كانت الخرائب مملوءة بجذوع السنديان فجاء أهل المكان وكنسوه، منذ سنة. فماذا بقي؟ المكان واسع، وممّا تبقّى من أثر نستدلّ على أنّه كان مجمّعاً للعبادة. الاساسات هنا، تدلّ على كنيسة مزدوجة أو على كنيسة بصحنين. توجّه الكنيستين من الشرق الى الغرب، وهو توجّه صحيح. من الشرق يضمّهما حائط واحد كواجهة، فتبدوان، من بعيد، وكأنهما بناء مدمج. سماكة الحائط تختلف بين مكان واخر، كأن يتألف، أحياناً، من ثلاثة أدوار. الدور الثالث، من الخارج، مبنى بحجارة كبيرة، منتظمة التقصيب. وجه الحجر متأكّل بفعل عوامل الزمن، مما يحول دون أية معرفة تُرضي.

 

هل يمكن نسبة الأطلال، هذه، الى معبد روماني؟ أم الى مركز مسيحّي من الحقبة الاولى؟ نحن نميل الى تبنّي الرأي الثاني، نظراً الى التشابه في الحجم الكبير للحجر والى طريقة قطعه، فهو يماثل الحجارة الموجودة في أماكن اخرى مثل كمّاع و كفرنون، ولأن الحنيتين تستندان الى الحائط القديم الذي يضمّهما، و يشكل وجهه الداخلي عمق الدائرتين فيها، بينما تختفي الزوايا التي يشكلها الحائط المشترك، مع جانبي الحائط الشمالي - الشرقي والحائط الجنوبي - الشرقي، تحت الركام.

 

الحائط القديم يتجه من الجنوب الى الشمال. زاويته الجنوبية - الشرقية لا تزال ظاهرة الى الان، بينما اساساته، التي تتجاوز بكثير عرض الكنيستين، تعود وتختفي في عمق الارض، فلا نعود نعرف مداها. هذا يدعونا الى الاعتقاد أن الكنيستين قد بنيتا، كلتاهما، داخل البناء القديم.

 

في حنية الكنيسة القديمة لا نزال نرى في مكان المذبح بلاطة كبيرة ممدودة فوق حامل لها.في البلاطة حزّ دائري يشكل حافة لها وفيه ثغرة، بينما في وسطها،في مركز الدائرة، ثقب. هل هي طاولة قديمة للأضاحي؟ أم كانت غطاء لضريح ميغاليتي ما؟ أم هي، على ما نعتقد نحن، منضدة لمعصرة زيتون؟ رأينا واحدة مشابهة، مرميّة داخل قبر ميغاليتي في منجز، وثانية في "غزراتا" قد أعيد استعمالها صدغاً لباب في بيت قديم، وثالثه في قرية فساقين نحتفظ بصورة لها.

 

المداميك الاولى للحائط الجنوبي في الكنيسة الجنوبية لاتزال ظاهرة، بينما غرق ما تحتها في الارض. لذلك تستحيل إقامة مخطط صحيح للأثر، لان قسماً كبيراً من اساساته مخفيّ. وكما يبدو لا تتقدّم إحدى الكنيستين على الاخرى على مثال ما هي الحال في كنيسة مار جرجس ودانيال في شويتا، أو في كنيسة سيّدة غزراتا، لكنّهما يضمّهما سور واحد كما في سيّدة كمّاع.

 

في الجوار بقايا أبنية كثيرة مخرّبة لا يمكن تحديد وجهة استعمالها الأصلية في مثل هذه الحال. وحجارة البناء يجب أن تكون قد أخذت من صخور الجوار، لاننا لا نزال نرى مقلعاً قديماً، في الجوار، الى الجنوب من الموقع. جدير بالذكر أن مار سابا ربّما كان ديراً وذلك لان بقايا برج لا تزال قائمة في الزاوية الجنوبية للموقع.

 

 

 

مار الياس:

نتقدّم باتجاه جنوب - شرق. الطريق طويل، والى يميننا يرتفع جدار الوادي عموديّاً. وكلّما تقدّمنا في مداه الضيّق، كلما انفسح امامنا ليأخذّ شكلاً بيضاويّاً. يبعد مار سابا عن مار الياس أقلّ من كيلومترين. "عين القبو" تظلّلها دلبة كبيرة. على بعد مئتي متر، شرقي النبع تقوم كنيسة، على بعض من الزهو، تعلوها قبّة الجرس، صافية الانتساب الى الطراز الماروني. البناء جديد، ولا يحتفظ بأيّة قرابة مع البناء القديم الذي حمل اسمه. لقد بنيت الكنيسة الجديدة في مكان ديّر ماروني تحوّل الى خراب. الرهبان الموارنة، بدورهم، كانوا قد أقاموا موطناً لهم في موقع خربة الكنيسة العائدة الى الفترة الإفرنجيّة، وكان ذلك في منتصف القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي شهدت ازدهاراً في إنشاء الأديرة، في هذه المنطقة. الآباء الكرمليون الحفاة كانوا قد احيوا دير مار ضومط في القبيّات، والآباء اليسوعيون رفعوا بنيان سيّدة القلعة في منجز، وبعد ذلك، بقليل، قام دير القدّيس يوسف في عندقت، في الوقت الذي كان فيه الرهبان الموارنة اللبنانيون قد أنشأوا ديرين في المنطقة، الأول لا يزال عامراً في دير جنين، والثاني المنطفئ منذ عقود في مار الياس عودين.

 

ماذا بقي من منشأة القرون الوسطى، هنا؟

لا شيء، على ما يظهر !

 

ربّما يظهر التنقيب بعض الأساسات. في ما يخصّنا، نعتقد أننا اكتشفنا بعض حجارة أعيد استعمالها في البناء الجديد، تعود الى الحقبة القديمة.

 

الموقع يقوم على جرف صخري مرتفع قليلاً، حفرت في حناياه عدّة مقابر، كما يوجد اخرى في كعب الجبل، قبالتها في الجهة الشرقية حيث مجرى المسيل، أسفل الجرف.

 

وعبرنا الوادي، لنعود أدراجنا على ضفّته اليسرى. بعد مسيرة كيلومتر ونصف، عند خاصرة الجبل، تحت أكروم، ينعطف ويبدأ بالاتساع. الحقول تنفسح باتجاه الشمال حيث، قبالة مار سابا، تقريباً، بقعة داكنة! إنها سنديانات وارفة، قديمة، تظلّل مار ليان.

 

 

 

مار ليان:

لا يشكل منظر مار ليان من مطلّ مار سابا إثارة ما. يبدو المعبد، من هناك، غارقاً في جوف الوادي، فيتساءل الناظر: لماذا اختاروا هذا الموقع غير الملائم نسبيّاً؟

 

المعابد القديمة التي اخذت مكان هياكل الفنيقين، أو الاراميين، احتلّت أكتاف التلال وقمم الجبال. ولم يكن اختيار تلك المواقع بالصدفة أو اتفاقاً، بل نتج عن تقاليد ومعتقدات. في القبيّات، لم يشذّ اختيار المواقع القديمة عن هذه القاعدة. حتّى لو صدف أن وجدت كنيسة ما في قلب الوادي، فإن اختيار موقعها يتمّ على مصطبة أو جرف. عند مار ليان الوادي واسع، والمعبد يقوم على كتف الجرف، عند أقدام المنحدر الغربي لجبل أكروم. وعلى بعد مئة متر، غربي المعبد، نجد بقايا أبنية موزّعة في المكان تحت حراسة سنديانة عتيقة منفردة. ليس من السهل التأكد من حقيقة هذه البقايا نظراً الى الحالة الرثّة التي هي فيها: إنها أشلاء كنيسة قديمة على اسم السيّدة العذراء. الى الجنوب نظنّ أننا تعّرفنا على ترسيمة منشأة زراعية قديمة، هي معصرة زيتون، على وجه التأكيد. المكبس الاسطواني الكبير لا يزال، هناك، مستوحشاً، وتحت ظلّ السنديانة جاروشة كبيرة.

 

المعبد

يتألف من كنيستين، وبالاحرى، من صحنين، وهو مبنيّ، بكامله، ضمن مجمّع ديني قديم. الكنيستان بحجم واحد تقريباً. الجنوبيّة أقصر بقليل، وتبدو، مع ما هي عليه من بِلى، الآن، أنها الكنيسة الرئيسية. الشمالية أطول من أختها، لكنها أقل عرضاً. بين الاثنتين باب مشترك يصل بينهما.

            

الاب د. سيزار موراني

المترجم: الدكتور فؤاد سـلوم

 

 

back to Cobiath-Arabic Edition