ألقى الأب المرشد العام العالمي ألويزوس ديني الكرملي هذه المحاضرة في أحد المؤتمرات العالمية للرهبانية الكرملية العلمانية، ومن ثمّ تحوّلت إلى نص في خدمة الجماعات والأفراد الذين يودّون التعمق بموضوعاتها خاصة الميزات الأساسية للموهبة العلمانية الكرملية، وهي تتلخّص بالنقاط الست التالية. فالبرنامج التربوي المعتمد للتنشئة في الجماعات، يحتاج دوماً للتطوّر وحسن الأداء، فالاختبارات ضرورية والإفادة من الاختبارات توفر على الكثيرين مصاعب جمّة: من هنا أهمية هذه المحاضرة للجماعات التي تود الإفادة من الخبرة العامة، وللمسؤولين الذين يرغبون بتمييز بعض الأمور المتعلقة بالأعضاء وبرنامج التنشئة، والحياة الروحية.

 

مع تحيات موقع

 ملاحظة: للراغبين في التعمق بهذا الموضوع، الكتابة على العنوان: ndcarmel@yahoo.com

 

النقاط الست Six M

 

من توطئة قوانين الرهبانيّة الكرملية العلمانية

"إنّ العائلة الكرمليّة التريزيانيّة الكبرى متواجدة في العالم بعدّة أشكال. تنطلق من أساسها، رهبانيّة الكرمليّين الحفاة المؤلّفة من الإخوة الكرمليّين الحفاة والراهبات المتوحّدات والعلمانيّين. إنّها رهبانيّة واحدة لها موهبة واحدة. تجد هذه الرهبانيّة نفسها في التقليد التاريخيّ الطويل للكرمل المحفوظ في قانون القدّيس ألبيرتس، وفي عقيدة الملافنة الكرمليّين الذين تعترف بهم الكنيسة وكذلك في باقي قدّيسي وقدّيسات الرهبانيّة."

 

"الهويّة، القِيَم والإلتزام"

"إنّ أعضاء الكرمل العلمانيّ، بالاتّحاد مع الإخوة الكرمليّين والراهبات المتوّحدات يؤلّفون أبناء وبنات سيّدة جبل الكرمل والقدّيسة تريزا ليسوع. فإنّهم يشاركون الرهبان ذات الموهبة علمًا بأنّ كلاًّ منهم يعيش وفقًا لنمطه الخاص في الحياة. إنّهم عائلة واحدة ولهم ذات الخيرات الروحيّة والدعوة للقداسة والدعوة الرسوليّة؛ ويعطي العلمانيّون للرهبانيّة الثروة الخاصة بعلمانيّتهم."

 

أعضاء الكنيسة

"إنّ أعضاء رهبانيّة الكرمليين العلمانيّة، هم مؤمنون في الكنيسة مدعوُّون "إلى العيش والتعلُّق بيسوع المسيح" من خلال الصداقة مع الذي نعرف أنّه يحبُّنا ومن خلال خدمة الكنيسة. فهم يسعون، بحماية سيّدة جبل الكرمل ووفقًا لإيحاء وتعليم أمّنا القدّيسة تريزا ليسوع وأبينا القدّيس يوحنّا الصليب، وضمن التقليد الكتابيّ للنبيّ إيليّا، إلى تعميق الالتزام المسيحيّ الذي مُنِحَ لهم في المعموديّة."

 

لقد تمّ تثبيت هويّتكم الآن في هذه القوانين التي وافق عليها الكرسي الرسولي. فلستم أعضاء مُلحَقين بالرهبانيّة ولستُم مساعدين لها. بل أنتم الرهبانيّة. إنّ الرهبانيّة العلمانيّة متواجدة في بلدان ليس فيها رهبان ولا راهبات. وهي تنمو بسرعة مدهشة. فثمّة 40.000 عضو مُنتَسِب إلى الرهبانيّة العلمانيّة في 90 بلدًا. وقد تطوّرت الآن ليصير لها حضور ضمن الرهبانيّة.

إنّ برنامج التنشئة هو أحد الأمور التي غالبًا ما يسألونني عنها. لكنّي أعتقد أنّ السؤال هو حاليًّا، "ماذا نفعل في السنة الأولى، والثانية، والثالثة، والرابعة، والخامسة؟" فبدلاً من برنامج تنشئة، يريدون أن يعرفوا ما هي المعلومات التي يُفْتَرَض بهم إعطاؤها. وقد طوَّرتُ برنامجًا لكنّي كنتُ متردّدًا بعض الشيء في تقديمه لأنّ مسألة برنامج التنشئة وماذا ينبغي أن يكون عليه ليست واضحة في ذهننا.

وإنّ أحد مواضِع الفراغ الفاضحة في معظم برامج التنشئة التي اطّلعتُ عليها هو عدم التشديد بقوّة في التنشئة على الأمر عينه الذي يجعلكم أعضاء في الرهبانيّة العلمانيّة: وهو الوعد. فالوعد هو ما يجعلكم أعضاء في الرهبانيّة العلمانيّة – وليس القدّيسة تريزيا ليسوع أو القدّيس يوحنّا الصليب ولا روحانيّة الصلاة أو كيفيّة استخدام الكتاب المقدّس للقراءة الروحيّة. فثمّة العديد من الأشخاص الذين يستخدمون هذه الأشياء كلّها وليسوا أعضاء في الرهبانيّة. ولأنّ هذه التنشئة على الوعد غير متوفّرة، لا يفهم الناس في الكثير من الأحيان أنّهم أعضاء في الرهبانيّة. فهم يعتبرون أنفسهم كرمليّين ولكن ليس أعضاء في الرهبانيّة. فأنا عضو في الرهبانيّة لأنّني أنتمي إلى إقليم استقبلني، وقمتُ فيه بإلتزامي، وبالتالي أنا كرمليّ، لأنّني مُندمِج.

وإنّ إحدى النقاط الأخرى غير المتوفّرة في برامج التنشئة هي نقلُ مفهوم صحيح لمعنى الجماعة. فأنتم أعضاء في الرهبانيّة لأنّكم تنتمون إلى جماعة – لأنّكم تتطابقون مع أشخاص آخرين يشاركونكم هويّتكم وفي هذه المشاركة يُعَزِّز الواحد الآخر.

ولإعطاء مثل توضيحيّ على هذه النقطة، أريد الإجابة على سؤال غالبًا ما يطرحونه عليّ. أريد الإجابة وإعطاء شرح وتقديم اقتراح. ويطرح عليّ السؤال الرؤساء أو أعضاء مجلس العمدة لكن يطرحه عليّ في الدرجة الأولى المسؤولون عن التنشئة: "أَبَتِ، ماذا نفعل بشأن الأشخاص الذين يأتون إلى الرهبانيّة العلمانيّة لكنّهم ينتمون إلى جمعيّات أخرى كثيرة – فهم يذهبون إلى اجتماعات حركة التجدّد بالروح القدس، وينتمون أيضًا إلى جماعات صلاة مديغورييه وإلى السيّدة العذراء تتكلّم مع أحبّائها الكهنة. كيف نشرح لهم أنّ الانتماء إلى الرهبانيّة العلمانيّة يختلف عن كلّ هذه الأمور؟"

 

أحاول أن أكون عمليًّا في الإجابة على هذا السؤال. ما هي الواجبات التي تتصوّرها هذه القوانين في حياة العضو في الرهبانيّة العلمانيّة؟ أرى ستّة واجبات هي جزء من نمط حياة الكرمليّ العلمانيّ. وتستغرق هذه الواجبات الستّة الوقت والطاقة.

 

التأمل Meditation

1- التأمُّل. يُعَرَّف عن الكرمل بالتأمُّل. وإنّي أستعمل كلمة تأمُّل meditation كنقيض لكلمة مشاهدة contemplation لأنّنا نعلم أنّ معظمنا ينتظر فترة طويلة قبل أن يعطيه الربّ هبة المشاهدة Contemplation . إذًا، نحن "نتأمّل" أو نقوم "بالصلاة العقليّة" إن شئتُم استعمال هذا المصطلح. وإنّ التأمُّل هو عبادتنا اليوميّة باستلهام سيّدة جبل الكرمل، سيّدة التأمُّل – وإنّ هذه الطريقة للارتباط بالله هي ما يختصّ به الكرمل وما يختصّ به حبّ الكرمل لله، وعبادته والعلاقة معه. أضع ذلك إذًا في المرتبة الأولى لأنّنا نستطيع القيام به مَهْما كُنّا. ونخَصِّص تقليديًّا حوالي ثلاثين دقيقة يوميًّا. قد تكون 15 دقيقة في الصباح و15 دقيقة بعد الظهر. أو قد تكون 30 دقيقة دفعةً واحدة. وقد تكون أحيانًا 10 دقائق ثلاث مرّات يوميًّا، وذلك وقفٌ على العمل أو برامج العائلة أو أمور أخرى. علينا أن نكون عمليِّين لكنّنا واعون إلى أنّه يجب علينا أن نقوم بذلك. ونحن واعون إلى أنّنا نريد القيام بذلك. الحكمُ الصائب – تلك هي الروحانيّة الكرمليّة. يأتي التأمُّل في الدرجة الأولى كأوّل واجب من واجباتنا اليوميّة ويستغرق 30 دقيقة من يومنا. إنّ القسم الثالث من قوانين الرهبانيّة: شهود اختبار الله، من 17 إلى 24، مُخَصَّص بكامله للصلاة.

 

Morning Prayer صلاة الصباح

2- صلاة الصباح، صلاة المساء، وإذا أمكن، صلاة الليل. إنّ صلاة الليل هي اختياريّة بحسْب القوانين. وتكون كلّ هذه الأمور مُلزِمَة عندما يكون بِوِسْعِكُم القيام بها. إذا كنتُم لا تستطيعون، فأنتم لا تستطيعون: إنّ عدم القيام بأيّ أمر من الأمور التي أذكرها لا يسَبِّب خطيئة، ما عدا ما توصينا به الكنيسة بأنّه خطيئة. لدينا، نحن الرهبان والراهبات، ساعتان من الصلاة العقليّة يوميًّا – ساعة في الصباح وساعة في المساء؛ فرض القراءات، صلاة الصباح وصلاة الساعة الوُسطى وصلاة المساء وصلاة الليل – ولدى الراهبات ساعتان إضافيّتان من الصلاة. لِمَ لدينا ساعات صلاة أكثر مِمّا لديكم؟ لأنّ لديكم عائلات أو أعمال وواجبات أخرى سيسألكم الله عنها أوّلاً.

وإليكم بسببين يُبَيِّنان لِما من المهمّ برأيي التشديد على ليتورجيا الساعات كصلاة. أوّلاً، عندما تلَوْنا صلاة الصباح هذا الصباح، تَلا بابا روما صلاة الصباح نفسها تمامًا قبل تسع ساعات. وتلاها أعضاء الرهبانيّة العلمانيّة في ماليزيا قبل ستّ ساعات من ذلك. وعندما تكونون في البيت وحدَكُم، وتَتْلون صلاة الصباح أو صلاة المساء أو صلاة الليل، لستُم تتلونها لوحدكم، فأنتم تنضمّون إلى أشخاص آخَرين.

والسبب الثاني هو أنّكم لا تختارون نصوصًا تروق لكم؛ فهذه ليست بصلاة بل تعزية ذاتيّة. كيف يسعكم أن تأملوا بالاهتداء إلى مشيئة الله إذا كنتُم تحوِّلون مشيئة الله إلى خدمة مشاعركم؟ تأخذون نصوصًا تتلوها الكنيسة، وتقدّمها وتعطيها، وتُكيِّفون روحكم وفقًا لها. إذًا، نستخدم ليتورجيا الساعات لنخرج من ذواتنا بواسطة كلمات الروح القدس في الكتاب المقدَّس والصلاة. لذا قد تستغرق صلاة الصباح وصلاة المساء وصلاة الليل 25 دقيقة من يومكم على الأرجح. أضيفوها إلى الدقائق الثلاثين من الصلاة العقليّة وتكون 55 دقيقة من النهار قد استُنْفِدَت.

Mass  القداس

3- القدّاس. إنّ القدّاس هو بالطبع أهمّ الأمور إطلاقًا في التراتبيّة. لكن علينا التوجُّه إلى مكان مُعَيَّن للمشاركة به. أمّا صلاة الصباح وصلاة المساء وصلاة الليل والتأمُّل، فيسَعُنا تلاوتها في الطائرة كما في المنزل، وفي طريقنا إلى العمل أيضًا. ليس علينا التوجُّه إلى الكنيسة للقيام بهذه الأمور. لكن إذا ذهبنا إلى القدّاس بشيء من التواتُر، أكثر من مرّة في الأسبوع، أي في يوم غير يوم الأحد، وهو يوم واجب، تستغرق عمليّة النهوض ومغادرة المنزل والتوجُّه إلى الكنيسة وسماع القدّاس والعودة إلى المنزل ما بين 45 دقيقة، كحدّ أدنى، وساعة أو أكثر. وتكون العمليّة قد استغرقت 30 دقيقة للصلاة العقليّة زائد 25 دقيقة لليتورجيا الساعات زائد 45 دقيقة للقدّاس أي ما يعادل ساعة وأربعين دقيقة.

 

Mary  مريم العذراء

4- مريم. نحن رهبانيّة مريميّة في الكنيسة، وقد يكون ثمّة طريقة نمارسها للتعبُّد لمريم كلّ يوم، إذا أمكن. غير أنّنا نعبّر عن تعبُّدنا الأوّل والأوّليّ لمريم في التأمّل: النظَر إلى حياة المسيح كما فعلتْ مريم، في إنجيل القدّيس لوقا مرّتين، والتأمّل في هذه الأشياء في قلبها. هذا هو تعبّدنا الأوّليّ لمريم. نحن نلبس الثوب. ويتلو الكثير من الناس صلاة الورديّة كلّ يوم. لِيُضِفْ إذًا من يتْلون الورديّة 15 دقيقة أخرى لتلاوتها. ليس الأمر إلزاميًّا. إنّ الورديّة هي شكل من أشكال التعبُّد. إذا تَلَوْتُموها، سيكون عليكم إضافة 15 دقيقة أخرى، ويكون لديكم إذًا ساعة و55 دقيقة يوميًّا، وما زال أمامنا واجبان!

إنّ هذا ما نحاول شرحه للأشخاص عندما يأتون إلى الرهبانيّة العلمانيّة أو للأشخاص المُنتمين إلى الرهبانيّة العلمانيّة. فنُبَيِّن لهم ما نحن عليه وما  الذي يفعلونه عند انضمامهم إلينا. ما هي واجباتهم؟ وإنّ هذه الواجبات الأربعة الأولى، أي التأمُّل وصلاة الصباح والقدّاس ومريم، تشكّل جزءًا من الحياة اليوميّة الشخصيّة للعضو الفرديّ المُنتَسِب إلى الرهبانيّة العلمانيّة. أمّا الواجبان الآخَران فهما مختلفان بعض الشيء لأنّهما لا يشكّلان جزءًا من الحياة اليوميّة بل هما جزءٌ من تدفُّق الطاقة لدى أعضاء الرهبانيّة العلمانيّة.

 

Meetings الاجتماعات

5- الاجتماعات. ثمّة أمور جمّة يمكن إدراجها في فئة الاجتماعات هذه: التنشئة، والمعلومات، والمرافقة. التنشئة – ليست تنشئة الأفراد وحسب بل أيضًا تنشئة الجماعة كجماعة. فهي ليست عبارة عن مجموعة من الأفراد الذين يحبّون السيّدة العذراء ويحبّون الروحانيّة الكرمليّة. بل هي جماعة من الأشخاص الذين قاموا بالإلتزام الواحد حيال الآخر. وإنّ الأمر بغاية الوضوح عندما تُبرزون وعودكم؛ تُبرزونها للجماعة. فأنتم تُدمِجون ذواتكم كأعضاء جماعة.

وثمّة أمرٌ آخر ينبغي فهمه، وقد وَرَدَ في القوانين، وهو أنّه لا يُعنَى بالمرشد المسؤولَ عن تنشئة الجماعة لأنّه ليس من صلبِ وظيفته تنشئة أعضاء فرديّين للجماعة. وإنّ وظيفته كما هي محدّدة في القوانين هي عبارة عن دعم ومساعدة الرئيس ومجلس العمدة والمسؤول عن التنشئة.

ويُعَدّ هذا جزءًا من تنشئة الجماعة لأنّه إذا فَهِم القادة في الجماعة مسؤوليّتهم ودورهم، تبدأ الجماعة باتّخاذ شكل ما وتصبح هويّتها كجماعة واضحة للعيان. على مجلس العمدة أن يقوم بوظيفته كما ينبغي وعلى الجميع أن يدركوا أنّ مجلس العمدة هو من يترأّس الجماعة وليس الرئيس. إنّ الرئيسَ الإقليمي هو رئيس مجلس العمدة، والرئيسَ العام هو رئيسُ هذا الأخير.

لكن لكي يقوم مجلس العمدة بوظيفته كما ينبغي، عليه العمل بطريقة معيّنة. عليه أن يكون قد تلقّى التعليم والتنشئة ليعمل على قيادة الجماعة. وعندما نتكلّم عن تنشئة مجلس العمدة، ينبغي فهم بعض الأمور المتعلّقة بالمجالس وبكيفيّة عملها. إنْ كنتَ عضوًا في مجلس العمدة، لديكَ واجب احترام سرّيّة مجلس العمدة تجاهَ أعضاء المجلس الآخرين وتجاهَ الجماعة.

إذا كَشَفَ أحد أعضاء مجلس العمدة للخارج عن قرارات اتُّخِذَت وتخصُّ المرشَّحين أو مسائل أخرى مهمّة، قد يؤدّي ذلك إلى انشقاقات داخل الجماعة ويُعيق الحرّيّة التي ينبغي أن يشعر بها أعضاء مجلس العمدة في اجتماعاتهم. أنّى للمجلس التوصُّل إلى قرار سليم إذا كان أعضاؤه المجتمعون يخشون الكلام، ويخشون التعبير عن ذواتهم لأنّهم يخشون أن يتمّ إفشاء رأيهم؟ إنّ الخصوصيّة هي نقطة عمليّة وضروريّة.

وثمّة حاجة أيضًا إلى المعلومات. نسمّيها دروس تنشئة لكنّي سأطلق عليها اسم "دروس المعلومات"، حيثُ تُمَرَّر المعلومات في شتّى مراحل من تتمّ تنشئتهم. تذكّروا وجود ثلاث مراحل في التنشئة الأولّية: أولئك من هم في مرحلة التعرّف على الرهبانيّة، وأولئك من يستعدّون خلال سنتين لإبراز الوعود الأولى، وأولئك من هم في فترة السنوات الثلاث قبل أن يُبرِزوا الوعود النهائيّة. أتمنّى أن يتمّ في السنتين الأوليين السابقتين للوعد الأوّل الإعداد بما يكفي لأهمّيّة الوعد ولما يعنيه. وليس لِما تعلّمه القدّيسة تريزيا ليسوع حول الصلاة وكيفيّة استخدام الكتاب المقدّس وحسب. أكرّر هذا لأنّه من المهمّ بمكان فهم النتائج المترتّبة عن إبراز الوعود. ثمّ في المرحلة الثالثة من التنشئة، التي تمتدّ على ثلاث سنوات، يتمّ الإعداد للوعود النهائيّة. إذًا، ثمّة مراحل ثلاث لإعطاء المعلومات. ولا يمكن إعطاؤها جميعًا دفعةً واحدة. لا يمكنكم ضمّ الأشخاص الذين يعيشون مرحلة التعرّف على الرهبانيّة إلى أولئك الذين يُعِدّون وعودهم النهائيّة.

في بعض الجماعات، وجدتُ أنّ الجميع، من الأكبر سنًّا إلى الأصغر سنًّا، بمن فيهم من أبرزوا الوعود النهائيّة، ينضمّون إلى برنامج التنشئة. وليس ذلك بالتنشئة السليمة. لا يسعكم ضمّ الأشخاص الذين يعيشون مرحلة التعرّف على الرهبانيّة إلى من هم في مرحلة الوعود النهائيّة. لو أنّي أستاذ لمادة الرياضيّات ووضعتُ من هم في الصفّ الأوّل مع من هم في الصفّ الثامن، من الجليّ أنّ الأمر لن ينجح. وينصّ بوضوح المقطع 36 من القوانين: أنّه ثمّة "انخراط تدريجيّ يتمّ على مراحل. إنّه انخراط تدريجيّ في بنية حياة الرهبانيّة العلمانيّة..." لذا من المهمّ الفهم أنّ هذا الأمر يتمّ على مراحل. فهو انخراط تدريجيّ في حياة الرهبانيّة العلمانيّة.

وييهدف التعرُّف على الرهبانيّة إلى إعطاء الجماعة فرصة القيام بتمييز مناسب للشخص الآتي. "بعد الفترة الأوليّة من الاتّصال، "من الممكن" أن يقبل مجلس عمدة الجماعة أن يتقدّم المرشَّح إلى فترة أكثر جدّيّة تدوم عادةً سنتين وتؤدّي إلى إبراز الوعود الأولى". ليست جماعاتنا مصانع لإنتاج الكرمليّين، حيثُ نَحزُم الأشخاص على جهاز الناقلة لتنشئتهم، وما أن يُنهي المرء فترة التعرّف على الرهبانيّة حتّى، يدخل الفترة الثانية بشكل آليّ. فكيف يكون ذلك بالتنشئة السليمة؟

إذًا، تحدِّد القوانين بشكل خاص أنّه يقع على عاتق مجالس العمدة أن تقرّر ما إذا كان الشخص مستعدًّا لبدء المرحلة التالية وقد لا يكون مجلس العمدة مستعدًّا أو قد لا يكون الشخص مستعدًّا. إذًا، أيعني ذلك أنّه على الأشخاص أن يخرجوا من الرهبانيّة أو أن يبدأوا المرحلة التالية؟ لا، قد يكون من الضروري إعطاء الشخص بعض الأشهر الإضافيّة. إذا كان لديكم مدّة محدَّدة، لِنَقُل ستّة أشهر أو اثني عشر شهرًا للتعرّف على الرهبانيّة مثلاً، تستطيعون إطالة هذه المدّة حتّى نصفها، أي إمّا إلى ثلاثة أشهر وإمّا إلى ستّة أشهر، وذلك وقفٌ على أجَل التعرّف على الرهبانيّة. والأمر سيّان بالنسبة إلى الفترة الثانية التي تمتدّ على سنتين، فتستطيعون إطالتها لسنة. أمّا الفترة الثالثة التي تمتدّ على ثلاث سنوات فيمكن إطالتها لسنة ونصف. سيكون ذلك مساعدًا لجماعاتنا لأنّها ستكون عندئذٍ بغاية الحرص في صنع القرارات وفي إعطاء المعلومات وتنشئة الأشخاص.

 

"وفي نهاية هذه المرحلة، ومع موافقة مجلس عمدة الجماعة، من الممكن أن يُدعى المرشَّح إلى إبراز وعوده الأولى". إذًا، مع الموافقة، "من الممكن" أن يُدعى المرشّح – انتبهوا إلى الأسلوب اللغويّ المُستَعمَل هنا – فليس من الضروري أن يُدعى المرشّح إلى إبراز الوعود بعد مرور سنتين.

و"في السنوات الثلاث الأخيرة من التنشئة الأوليّة، تجري دراسة أكثر تعمُّقًا للصلاة وللكتاب المقدّس ووثائق الكنيسة وقدّيسي الرهبانيّة والتنشئة على رسالة الرهبانيّة. في نهاية هذه السنوات الثلاث، من الممكن أن يدعو مجلسُ العمدة المرشّحَ إلى إبراز الوعود النهائيّة."

إنّ أحد الفوارق بين قوانين الرهبانيّة وقانون الحياة هو أنّه كان للمرشد في قانون الحياة حقّ نقض قرار مجلس العمدة لقبول شخص ما في مختلف مراحل التنشئة. وقد انتهى ذلك الآن. فإنّ مسؤوليّة صنع تلك القرارات وتنفيذها تقع على عاتق مجلس العمدة. فنحن لا نُنشئ أفرادًا وحسب، بل جماعات. هل هذا الشخص قادر على أن يكون عضوًا في جماعتك؟ لا نسأل إن كان قادرًا على الصلاة؛ ولا إن كان قادرًا على تلاوة الورديّة كلّ يوم، ولا إن كان أمينًا على سماع القدّاس كلّ يوم، لكنّنا نسأل إن كان قادرًا على أن يصبح عضوًا في جماعتك؟ هل هو قادر على إقامة علاقة مع أشخاص آخرين داخل الجماعة؟

إنّ هذا مجدّدًا هو خطوة إلى الأمام لفهم دعوة العضو في رهبانيّة الكرمل العلمانيّة الحافية. لديكم جماعة. وإنّ معرفة الروحانيّة الكرمليّة أمرٌ، وأن يكون الشخص عضوًا في الرهبانيّة أمرٌ آخر. فهما أمران مختلفان. لنأمل أنّ أعضاء الرهبانيّة يعرفون الروحانيّة لكن يوجد خبراء في الروحانيّة ليسوا أعضاء في الرهبانيّة ولا يعرفون ماذا يعني أن يكون المرء عضوًا في الرهبانيّة. قد يعرفون القدّيسة تريزيا والقدّيس يوحنّا الصلييب وقد يكونون قادرين على الاقتباس منهما أفضل من أغلبيّتنا، لكنّ ذلك لا يعني أنّهم يعرفون ما الذي يعنيه أن يكون المرء كرمليًّا. أنتم كرمليّون. نحن كرمليّون. والراهبات هنَّ كرمليّات.

إذًا، أن يكون المرء من ضمن جماعة، وأن يكون معنيًّا بتنشئة تلك الجماعة هو ما يحصل في الاجتماعات. لأنّكم أنتم، أعضاء الرهبانيّة العلمانيّة، لديكم اجتماعات تلتقون خلالها وتتحدّثون مع أشخاص آخَرين وتقرِّرون أمورًا تتعلّق بحياتكم الكرمليّة معًا، وأنتم مسؤولون عن تنشئة أنفسكم كأعضاء في العائلة الدينيّة. وعليكم الآن أخذ هذه المسألة على عاتقكم. في زياراتي للجماعات حول العالم، اكتشفتُ أنّ العديد من الجماعات في الرهبانيّة العلمانيّة ليس لديها أدنى فكرة عن الانتماء إلى الرهبانيّة.

ولا يعود الأمر إلى أنّ أولئك الكهنة الذين أنشأوهم لا يعرفون شيئًا عن الروحانيّة الكرمليّة، فقد كانوا على معرفة بالروحانيّة الكرمليّة لكنّهم كانوا يجهلون ما الذي يعنيه أن يكون المرء عضوًا في الرهبانيّة.

أعطي مثلاً عن تايلاندا. في هذا البلد جماعتان للرهبانيّة العلمانيّة – إحداهما كبيرة جدًّا وفيها حوالي 120 عضوًا. وأنا أوّل كاهن كرمليّ حافٍ رأوه كأعضاء للرهبانيّة العلمانيّة. وقد تطلّب الأمر منّي ثلاث زيارات قبل أن يبدأوا أخيرًا بفهم سبب مجيئي من روما وهو أنّهم ينتمون إلى ما أنتمي إليه. فلم يكونوا إطلاقًا على اتّصال بالرهبانيّة. لديهم كاهن أبرشيّ جيّد جدًّا. يدرس روحانيّتهم ويعرف الكثير عن الروحانيّة الكرمليّة. لكنّه لم يكن يعرف حتّى، أنّ الأعضاء في الرهبانيّة العلمانيّة هم أعضاء في الرهبانيّة.

إنّ التنشئة إذًا وإعطاء المعلومات والمرافقة هي الأمور الثلاثة التي تحصل في الاجتماعات. ومن دون هذه الاجتماعات تتفكّك رهبانيّتكم، وتتفكّك جماعاتكم. وإنّ الأشخاص الذين يأتون إلى الاجتماعات لا يبقون أعضاء. حتّى لو كانت أسماؤهم لا تزال مُدرَجَة في الوثائق الرسميّة.

 

الرسالة Mission

6- الرسالة. يتناول المقطع 25 من القوانين إدراك الرهبانيّات الدينيّة أنّه، بسبب الأحداث التي جرت عبر التاريخ، ثمّة حاجة إلى المشاركة ليس في الروحانيّة وحسب بل في رسالة الروحانيّة أيضًا. وقد استعملتُ كلمة رسالة mission بدلاً من كلمة إرساليّة apostolate، لأنّني عندما أستعمل كلمة إرساليّة ينتاب الأشخاص القلق. ويقولون "هل يُفتَرَض بنا أن نترك عملنا ونتخلّى عن عائلتنا؟" لذا أستعمل كلمة "رسالة".

للكرمل رسالة. وإنّ رسالة الكرمل هي أن نعرف الله وأن يكون الله معروفًا. إنّها هبة دعوتنا. وهذا ما نتلقّاه عندما نصبح كرمليّين، نتلقّى معرفة الله، ولكن ليس لأنفسنا وحسب، بل لكي يعرفه الجميع. ثمّة كتاب جديد نوعًا ما، ومؤلَّف من جزئين، لفهارس كتابات القدّيسة تريزيا بالإسبانيّة. وجاء في الفهرس أنّ القدّيسة تريزيا استعملت الفعل "خدم" بالإسبانيّة 810 مرّات لتصف حياة الصلاة. نحن كرمليّون تريزيانيّون. ولا تكن لدينا صورة وهميّة عن القدّيسة تريزيا تبعدها عن الخدمة – أي عن العمل للآخرين لأجل الله.

عندما دخلتُ الكرمل، خلتُ أنّي سأكون في دير منعزل أصلّي في مكان ما. لم أكن أعلم من سيَجلي الصحون لكنّي كنتُ واثقًا من أنّي سأصلّي. وثمّة اقتباس للقدّيسة تريزيا أنّ "الأفعال يا بناتي، الله يريد الأفعال". وقالت ذلك للراهبات الحبيسات. وإنّ السبب الذي يعطينا الله من أجله نعمة معرفته من خلال حياة الصلاة هو لفعل شيء ما. ولا نستطيع فعله من دون صلاة. في القوانين، يُخَصَّص الفصل الثالث بكامله للصلاة.

وإنّ الفصل الرابع هو "في خدمة تدبير الله". وإنّ كلمة الخدمة قد استُعمِلَت عن قصد فهي كلمة تريزيانيّة وتُستَعمَل عند التطرُّق إلى حياة الصلاة. وإذا استعملتها القدّيسة تريزيا 810 مرّات في الكتابة حول حياة الصلاة، فهذا يعني أنّ ثمّة ما يميّز هذه الكلمة بشكل خاص للغاية. وإنّ الرسالة التي تشاركون فيها هي لمعرفة الله – الحياة الكرمليّة الداخليّة – لكي يصبح الله معروفًا. هذه هي رسالتنا (إرساليّتنا) الكرمليّة. وعندما أتكلّم عن رسالة الرهبانيّة العلمانيّة، أتكلّم عن فعل شيء كجماعة، بشكل خاص جنبًا إلى جنب مع الرهبان لجهة المساعدة في نشر الروحانيّة الكرمليّة.

 

إذًا:

التأمُّل

صلاة الصباح – صلاة المساء – صلاة الليل

القدّاس

مريم

الاجتماعات

الرسالة

هذه الواجبات الستّة هي جوابي للناس الذين يريدون أن يصبحوا كرمليّين وينتمون في الوقت نفسه إلى جماعات أخرى عديدة. إنّ هذا ما يلزَم إذا كانوا يريدون أن يصبحوا كرمليّين. وإنّها لتضحيّة أن يقوم المرء بهذه الأمور كلّ يوم وأن يتبع نمط الحياة هذا. فذلك يستغرق الوقت ويتطلّب الإلتزام ويسمح بتخصيص وقت قصير لمجموعات أخرى إنّ كنتَ ستؤدّيه على أفضل وجه. لدى بعض الناس ذهنيّة النادي في ما يتعلّق بالمنظّمات الدينيّة. لكنّ الرهبانيّة العلمانيّة ليس بنادٍ. فأنتم لا تنضمّون إلى نادٍ عندما تصبحون أعضاء في الرهبانيّة.

وأودّ تقديم اقتراح لإدراج تعليق في النظام الإقليميّ. "إنّ الجميع هم على الرحب والسعة ليصبحوا أعضاء في الرهبانيّة العلمانيّة ما عدا أولئك الذين ينتمون إلى رهبانيّات علمانيّة أخرى، و/أو إلى منظّمات أخرى تمنع أعضاءها المنتسِبين إليها من الاشتراك في ملء حياة الرهبانيّة العلمانيّة". وإنّ هذا تريزيانيّ؛ وأقول مجدّدًا، إنّ التقدّم في هذه القوانين هو التقدّم في فهم الرهبانيّة العلمانيّة كأعضاء في الرهبانيّة. وينبغي تطوير هذا التقدّم في الجماعات. يجب أن نكافح لتطوير فهم هويّتنا المشتركة، ولتطوير فهم انتمائنا إلى جسم الرهبانيّة هذا. لكنّ البُنية المعطاة في قوانين الرهبانيّة العلمانيّة تعتبركم الآن أعضاء يترتّب عليكم مسؤوليّات وواجبات تجاه توجيهكم الخاص وقراراتكم الخاصة وتنشئتكم الخاصة. ويشكّل ذلك جزءًا من طريقة عمل الروح القدس في الكنيسة.

وقد كرَّرتُ مرارًا عديدة عبارة "عضو في الرهبانيّة" لأنّي أريد التشديد على أنّكم كرمليّون لأنّكم أعضاء في الرهبانيّة. وليس الانتماء إلى الرهبانيّة بمثابة الانضمام إلى نادٍ. وقد قلتُ مرارًا عديدة من قبل: "أن تكون كرمليًّا ليس امتيازًا، بل مسؤوليّة!" وينطبق هذا القول عليّ وعليكم. ولا تعني المسؤوليّةُ العبءَ – بل القدرة على الاستجابة. وُهِبْنا، ككرمليّين، نعمة دعوتنا من خلال هذه الوسائل الستّ لنستجيب لله الذي يدعونا، ولنستجيب للعالم الذي يحتاج إلى معرفة الله.

 

الأب ألويزروس ديني الكرملي

المرشد العام العالمي لرهبانية الكرمل العلماني التريزياني