الحوار الإسلامي المسيحي المسائل الأساسية العقائدية

المتعلقة بنظرة القرآن الى المسيحية

(يعتمد على آيات من القرآن)

مقدمة

اخي الكريم، أختي الكريمة،

نلتقي بأخوة لنا وأخوات في الخليقة والانسانية. هم ليسوا من ديننا، وذلك من غير إدارة منهم أو منا. فعلينا والحالة هذه، إما أن نلزم الصمت جميعاً، أو أن نتجاذب أطراف الحديث بالسؤال والاستفسار والاستفهام لنتقارب ونتعارف عقلاً وقلباً بدل إنطواء كل منا على نفسه في ريبٍ مرير أو شكٍّ أليم وكأنه صندوق مختوم.

وبما أنَّ لكل من المسيحي والمُسلم كتاباً يؤمن به ويقدِّسه ويسلِّم به، فإنَّ المعرفة المتبادلة بالكتب التي تعدّها ديانتنا سماوية لهي مُفيدة ويجب ان تتم حسب الاصول عن طريق العِلم والنزاهة الأدبية والعِلميَّة والتاريخية لا على سبيل السمع والظنّ.

وإننا معشر المسيحيين، وإن كنّا لا نؤمن بكتاب مقدس بعد كتابنا اذْ أنّ السيد المسيح هو كمال الوحي والالهام، لا نجد مع ذلك مانعاً في دراستنا للقرآن والتعرّف إلى أسس الدين الإسلامي. وإنَّ القرآن نفسه يعترف بأن محتوياته موجودة في الصحف الأولى أي الكتب المقدّسة عند اليهود والنصارى (سورة الاعلى - 19  صحف إبراهيم وموسى. وفي 26 الشعراء 196)”وانه لفي زبُر الاولين”(جمع زبور أي كُتب) وفي تفسير الجلالين: كالتوراة والانجيل.

الغاية من هذا المؤلِّف أن نضع بين أيدي أخوتنا المؤمنين، من مسيحيين ومسلمين، ردوداً قرآنية واضحة تجعل الحوار بين الدينين أكثر سهولة والمودّة والمحبّة أكثر عُمقاً.

وهكذا تتهيأ العقول والقلوب لتجاهد سوية في محاربتها للالحاد، وقد جمعها الإيمان بالاله الواحد القهّار الذي له المجد والكرامة والقوة والقدرة والتسبيح والمديح الى ابد الدهور. آمين.

غ.ح. س.


 

نتطرق في هذا السياق الى المواضيع التالية:

·        القواعد الأولى في الجِدال

·        هل نَسَخَ القرآن التوراة والانجيل

·        هل من تحريف في الكتاب المقدس؟

·        القرآن الواحد والأناجيل الأربعة

·        هل النصارى كُفَّار مُشركون ؟

·        معنى لفظة”المشركين”

·        المسيح” إبن الله” أي كلمته

·        وفاة السيد المسيح

·        تفسير نواحي الضعف في المسيح الانسان

·        الديانة المسيحية هي الكَمال والتَمام

·        تثليث المسيحيين (الثالوث الأقدس)

·        “الخطيئة الأصلية”في القرآن

·        أمِّية محمد

·        هل تنبأ المسيح عن محمد؟

·        “انجيل”برنابا المُزيَّف

·        معتى لفظة”برقليط”أو”براكليتس

·        نبوّة كتاب تثنية الاشتراع ومحمد.

·        خاتمة

 

 


القواعد الأولى في الجِدال

نصائح قرآنية للمسلمين في جدالهم مع النصارى وتتلخّص بحُسن الكلام وبتغيير الموضوع لئلا يحتدم النقاش. يُترَك الحُكم على الانجيل لأهل الإنجيل:

(29 عنكبوت 46):”ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن -  إلا اللذين ظلموا منهم (أي اليهود) وقولوا: آمنّا بالذي أُنزِل الينا وأُنزل اليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مُسلمون."

(2 البقرة 136):”قولوا: آمناً بالله وما أنزل الينا وما أنزل الى إبراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب ولأسباط وما أوتي موسى وعيسى، وما اوتي النَّبِيّون من ربِّهم لا نفرِّق بين أحد منهم ونحن له مُسلمون."

(5 المائدة 47):”وَلْيَحكم أهل الانجيل بما انزل الله فيه. ومَنْ لم يحكُم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون".

"لكلِّ جعلنا منكم شِرْعَةً ومنهاجاً"

"ولو شاء الله لجعلكم أمَّة واحدة".

(10 يونس 99):”ولو شاء ربُّك لآمن مَنْ في الأرض كلُّهم جميعاً. أفأنْتَ تُكرِه الناسَ حتى يكونوا مؤمنين؟".

(10 يونس 100):”وما كان لنَفسٍ أن تؤمنَ إلا بإذن الله"

 

فالإيمان هبة ونعمة من الله: فلن يكون بالإكراه.

(2 البقرة 256):”لا إكراه في الدين".

(28 قصص 56):”إنك لا تهدي مَنْ أحبَبْتَ، ولكن الله يَهدي مَنْ يشاء".

(2 البقرة 272):”ليس عليكَ هُداهم، ولكن الله يَهدي مَنْ يشاء”.

(17 الإسراء 97):”ومَنْ يهدِ الله فهو المُهتَدِ”.

(4 النساء 140):”وقد نَزَّلَ عليكم في الكتاب أنْ: إذا سمعتم آيات الله يُكفرُ ويُستهزأُ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره”.

(6 الإنعام 68):”وإذا رأيتَ الذين يخوضون في آياتِنا فأعرِض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره".

واذا قال قائل أن كل النصوص السابقة منسوخة أي ملغيّة بآية السيف في سورة التوبة 9:5 و 29 فإنَّ ذلك النصّ لا يذكر الجدال بل ضرورة القِتال.

 


هل نَسَخَ القرآنُ التوراةَ والانجيل؟

يقول بعضهم:”جاء القرآن ناسخاً للتوراة وللإنجيل"!

الجواب:

هذا كلام غير صحيح بل على خِلاف ذلك يا أخي: لن تجد في القرآن نصّاً يقول ذلك: وكيفَ ينسخ القرآن التوراة والانجيل وقد جعلها أساساً له ؟ فمَن نَسَخ أساسه سقط بناؤه.

واليك البيان:

(5 المائدة 68):”قُلْ: يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تُقيموا التوراة والانجيل وما أنزل إليكم من ربّكم”.

(5 المائدة 47):”وليحكم أهل الانجيل بما انزل الله فيه(ولم يقل أهل القرآن) ومَنْ لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون".

(5 المائدة 43):”وكيف يُحَكّمونك (يا محمد "صلعم") وعندهم التوراة ، فيها حُكم الله ؟".

(10 يونس 94):”فإنْ كنتَ في شكّ مما أنزلنا اليك فاسألِ الذين يقرأون الكتاب منْ قبْلكَ".

(16 النحل 43):”وما أرسلنا من قبلكَ إلا رجالاً نوحي اليهم فاسألوا أهل الذِكر إن كنتم لا تعْلَمون".

(26 شعراء 192- 195):”وإنه لَتنزيلُ ربَ العالمين نَزَلَ به الروح الأمين على قلبك لتكون من المُنذرين بلسان عربي مُبين".

(في نظر محمد ما القرآن إلا تعريب للتوراة والانجيل).

قضية النسخ:

إنْ كان لا بُدَّ من نسخ فإنه يتم على بعض نصوص من القرآن نفسه وليس الموضوع نسخ كتب مقدسّة سابقة للقرآن يوصي بها وبالعمل بموجبها. واليك التأكيد:

(2 بقرة 106):”ما ننسخ من آية أو نُنْسِها نأتِ بخيرٍ منها أو مِثلِها”.

(42 شورى 13):”شَرَعَ لكم من الدين ما وَصَّى به نوحاً والذي أَوْحَينا اليك وما وَصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه".

يذكر القرآن أنَّ الإنجيل هو مصدّق للتوراة ويؤكد أن القرآن هو مصدّق للتوراة والانجيل.

(4 نساء 26):”يريد الله لِيُبَيِّنَ لكم ويَهْدِيَكم سُنَن الذين من قبلكم".

(2 بقرة 89):”ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدّق لِما معهم”.

(2 بقرة 101):”ولما جاءهم رسول من عند الله مصدّقٌ لما معهم”.

فالقرآن يقول أنه يستند الى التوراة والإنجيل فإذا بطُلت بَطُلُ وإذا قامت قام.

(3 آل عمران 81):”ثم ججاءكم رسول مصدّقٌ لما معكم..."

(4 النساء 47):”يا أيها الذين أُوتوا الكتاب آمنوا بما نَزّلنا مصدِّقا لما معكم”.


هل من تحريف في الكتب المقدسة أي التوراة والإنجيل؟

يقول بعضهم: قد حرَّف اليهود والمسيحيون كتَبهم المقدّسة!

الجواب: أما نحن فندعو المُعترضين الى المثول أمام القرآن وسماع قراره إذا كانوا به يؤمنون:

(5 المائدة 47):”وليحْكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه”

(لو حرّفوه لما صحَّ أن يأمرهم القرآن بالحُكم به، وهو الإنجيل الذي بين يديهم في عهد القرآن !).

(5المائدة46):”وآتيناه (أي عيسى ابن مريم)  الإنجيل. فيه هُدىً ونور ومصدّقا لما بين يديه من التوراة وهدىً وموعظةً للمتَّقين".

(10 يونس 94):”فإنْ كنتَ في شك مما أنزلنا اليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قَبلك"

لو كان كتابهم مُحرَّفاً لما صحَّ أن يُؤمَر محمد - حسب  هذا النص -  بأن يستفسر من الذين”يقرأون الكتاب من قَبْلِه”أي اليهود والنصارى وهو أي الكتاب المقدس بين أيديهم في عصره.

(16 النحل 43):”وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي اليهم. فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون”

أي”اسألوا أهل الانجيل والتوراة”(الجلالان). لاحظ يا أخي انه لا يقول:”اسألوا الذكر”بل”أهل الذكر”مما يدلّ أنهم كانوا يُطالعون الذكر أي الكتاب على حقيقته وذلك في عهد القرآن. وإلاّ لما كان شَهِد لهم ولا استشهد بهم لو كانوا قد حرّفوه.

(15 حِجر 9):”إنّا نحن نزَّلنا الذِكرَ وإنَّا له لَحافظون".

وكلمة الذكر في القرآن تعني الوحي المُنزَل في التوراة والإنجيل وأيضاً القرآن على السواء. وليس معقولاً ولا مناسباً للعزّة الالهية ولا لِقدْرة الله ولا لحكمتِه تعالى، أن تَحفَظ قِسماً من الذكر، أي القرآن، وتسمح بالتحريف للقسم الآخر، أي التوراة والإنجيل. أما أن لفظة”الذكر”في القرآن تشير ايضاً الى التوراة والإنجيل، فهذا بيانه.

(21 أنبياء 48):”ولقد آتينا موسى وهارون الفُرقان وضياءً وذِكراً للمُتَّقين".

(21 أنبياء 50):”وهذا ذِكر مبارك أنزلناه أفأنتم له مُنكِرون؟”.

(21 انبياء 105):"ولقد كتبنا في الزبَّور من الذِكر (أي بعد التوراة) أن الأرض يرثها عِبادي الصالحون”.

“قل: يا أهل الكتاب، لستم على شيء حتى تُقيموا التوراة والإنجيل وما أُنْزِلَ اليكم من ربَِكم”.

وهل يجوز أن يحيلهم الى كتاب مُحرَّف أي التوراة والإنجيل؟ ويفسِّر قومٌ العبارة”وما أنزل اليكم من ربِّكم”بمعنى القرآن. إنَّ هذا التفسير لا يحذف ما سبق أي أنَّ الله، حسب هذا النص، يؤكد صحة التوراة والانجيل، ثمَّ القرآن. إذا طعن أحد في صحّة التوراة والإنجيل، وجب أن يطعن في صحة القرآن نفسه.

(2 البقرة 121):“الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقَّ تلاوته”(أي”كما أُنزل”-  حسب تفسير الجلالين أي كما أنزل على حقيقته بالتمام ودقة النصوص).

صحيح أَنَّ القرآن يمدح الأمة الاسلامية بقوله في 3 آل عمران 110:”كنتم خيرَ أمة أُخرِجَت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المُنْكَر وتؤمنون بالله”. إلا أنَّ القرآن يكيل للنصارى هذه الصفات عينها ويزيد عليها ويمدح الرهبان على تلاوتهم الكتاب المقدس -  من توراة وانجيل -  وعلى مسارعتهم وسائر النصارى في الخيرات. أقرأ بنفسك:

(3آل عِمران 113 -  114): “ليسوا سواءً. من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات الله في الليل وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المُنكَر ويُسارعون في الخيرات. أولئك من الصالحين“.

لو حرّفوا كتابهم لما صحَّ أن يمدحهم بأنهم يتلون آياته التي هي آيات الله.

(2 بقرة 101) “ولمّا جاءهم رسول من عند الله مصدّق لما معهم...”

أي مصدّق لِما أهل الكتاب من كتب مقدّسة وشاهدَّ بعدم التحريف.

وأكّد أن القرآن بمضمونه موجودٌ في الصُحف الأولى وهذا دليلٌ على عدم التحريف.

(26 شعراء 196):"وانه (أي القرآن) لفي زُبُر الأولين”.

أي في كتب الأولين ولذلك لم يجد الأولون ضرورة لإضافته الى كتبهم.

(46 أحقاف 12):“ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمةً وهذا (أي القرآن) كتاب مصدِّقَ”

أي تعريب لنسخة أصلية سبقته أو تأكيد لِما سبق.

 

لساناً عربياً ليُنذِر الذين ظلموا وبُشرى للمُحسينين:

(39 زُمَر 28):“قرآناً عربياً غير ذي عِوجٍ لعلِّهم يتَّقون”.

(26 شعراء 195):“بلسان عربي مُبين”.

(41 فُصّلت 43):“ما يُقال لك إلا ما قد قيل للرُسل من قبلك”.

(41 فُصّلت 44):“ولو جعلناه قرآناً عجمياً لقالوا: لاُُصِّلَت آياتُهُ أعجميٌّ وعربيٌّ”.

(2 بقرة 53):“وإذْ آتينا موسى الكتابَ والفرقانَ لعلَكم تَهْتَدون”.

(21 أنبياء 48):“ولَقَدْ آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذِكراً للمُتقين”.

ولكن هل هنالك تناقض في القرآن الواحد القائل في 2 بقرة 121:”الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقَّ تلاوته”وفي 4 نساء 46:”مِن الذين هادوا (أي بعض اليهود) يحرِّفون الكلم عن مواضعه ويقولون: سَمِعنا وعَصينا”. أي يحرِّفون الكلم عمّا وضعه الله فيه وعليه.

لا،لا تناقض بل القصة تأويل وتبديل في المعنى لا في النص واللفظ، كما أن الكلام عن بعض اليهود لا جميعهم. هذا رأي البيضاوي ورأي الرازي القائل في رصانته المعهودة عن التحريف:”هو تفسيره بما يشتهون”.

عودة إلى القرآن لا ثبات هذا الرأي الصائب:

2 بقرة 75:”أفتطمعون أن يُؤمِنُوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله (أي كما هو) ثم يحرِّفونه من بعد ما عَقلُه (أي فهموه) وهم يعلمون؟”.

“الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه (أي الكتاب) كما يعرفون ابناءهم وأنَّ فريقاً منهم لَيَكْتُمُونَ الحقَّ وهم يعلّمون”.

يوضّح القرآن أنَّ فريقاً منهم فقط -  لا جميعهم -  يكتم المعنى -  فمن هو هذا الفريق الذي”يعرف ويحرِّف”؟ هو من اليهود. والقرآن يقدِّم الدليل:

4 نساء 46:"مِنَ الذين هادوا يحرِّفون الكلم عن مواضعه ويقولون: سَمِعنا وعَصينا”.

5 المائدة 41:"ومن الذين هادوا (أي بعض اليهود) سمّاعون للكذب لقوم آخرين لم يأتوك. يُحَرِّفون الكلم مِنْ بَعْد مواضعه”أي يحرِّفون معنى الكلام -  لا النص -  على الأقل في قضية تحويل رجم الزاني الى الجَلد (سورة المائدة 14 و 44).

2 بقرة 101:“ولما جاءهم رسول من عند الله مصدّقٌ لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم، كأنهم لا يعلمون”.

5 المائدة 13 -  14:“ولَقَدْ أخذ الله ميثاق بني اسرائيل (أي اليهود) فبما نَفْضِهِم ميثاقهم لهنَّاهم وجعلنا قلوبهم قاسِيَّةً، يُحَرِّفون الكلم عن مواضعه”.

واذا قَاَل قائل أنَّ التحريف تمَّ بعد عصر القرآن، أفما كان يجدر بالقرآن أن يتنبأ عن أمر خطير كهذا؟ ومن ناحية أخرى يبدو أَنَّ النص القراني”إنّا نحن نزَّلنا الذكر وإنا له لحافظون”يقضي نهائياً على كل امكانية تحريف وإلا لَكانت القدرة الإلهية -  حاشى وكلا -  غير قادرة على حفظ التوراة والانجيل وهما من الذكر. ويبدو من صيغة التوكيد”لَحافظون”ان حفظ الله دائم لكَلمته المكتوبة.


القرآن الواحد والأناجيل الأربعة !

يقول بعض القوم: القرآن واحد والأناجيل أربعة. وشهادة واحد أثبت وأفضل!

الجواب:

هو حديث أورده أبو جعفر النحَّاس: قال محمد:”إنَّ القرآن أُنْزِلَ على سبعة أحرف. فاقرأوا ما تيَّسر منها. وإنَّ الله أمَرَني أن أقرأ القرآن على سبعة أحرفٍ”. وقد كتب الطبري إمام المفسّرين للحديث: “إِنَّ اختلاف الأحرف السبعة هو اختلاف الألفاظ باتفاق المعاني”. وهذا يا أخي عين ما حصل في الإنجيل. فهو قد أنزل على اربعة أحرف أي أربعة نصوص متفقة المعاني. والقرآن الحالي هو مُصحف عثمان فكأننا بعثمان بن عفَّان بين سبعة شهود اختار شاهداً واحداً فقط لا غير بينما حفظ الإنجيل شهوده الأربعة.

وأَنًّ شهادة أربعة متفقين لها وزنها وثقلها. وتجدر الاشارة إلى أنَّ انجيل يوحنا (13/16) ومرقس (15/16) يسندان العصمة للرُسل (أي الحواريين) بينما لا يسند القرآن العِصمة إلى أي من الصحابة ولا جامعي المصاحف.


هل النصارى كفَّار مُشرِكون ؟

إعتراض: يقول بعض القوم أنَّ النصارى مُشركون!

الجواب: المتكلمون بهذه الأفكار لا يعلمون أنهم بها يُهينون القرآن نفسه ويخالفونه وهو الذي نزَّه النصارى عن كل كُفر وشرك وقد نصَّبهم القرآن نفسه مُرشدين وهُداة للمُسلمين. واليك البُرهان:

(6 أنغام89-90): “أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحُكم والنبوّة... أولئك الذين هدى الله فبِهداهم اقتده”.

(10 يونس 94): “فإنْ كنتَ في شكّ مما انزلنا اليك، فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبِلك”.

(16 النحل 43): “وما أرسلنا من قبلك إلا رِجالاً نوحي اليهم. فاسألوا أهل الذِكر إن كنتم لا تعلَمون”.

أهل الذِكر هم أهل الإنجيل والتوراة حسب النصّ والسياق، انهم اهل الرجال المرسلين قبل محمد.

وكيف يكون النصارى كفَّاراً وقد جعلهم الله”فوق الذين كفروا الى يوم القيامة”؟ فلا مجال لنسخ هذا النصّ لأنه يتكلم عن وضع قائم دائماً أبداً ...”إلى يوم القيامة”.

(3 آل عِمران 55): “اذْ قال الله: يا عيسى”إني مُتَوقّيك ورافعك اليَّ ومطهَرك من الذين كفروا وجاعلُ الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة”

وهذا ضمان لاستمرارية التوحيد في المسيحية وتأكيد على عدم تدهوره وتحوّله الى شرك.

أما قول المسيحيين بوجود آب وابن وروح قدس فهم يقصدون بالعبارة الله تعالى وكلمته وروحه.

القرآن يجمع الموحّدين في صفٍ واحد:

(2 بقرة 62): “إنَّ الذين آمنوا (أي المسلمون) والذين هادوا (أي اليهود) والنصارى (أي المسيحيين) والصابئين (في سورة المائدة: الصابئون) مَنْ آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً، فلهم أجرهم عند ربهم (معناها أنَّ لجميعهم الهاً واحداً ورباً واحداً) ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون”.

(5 المائدة 69): “إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى مَنْ آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هُم يحزنون.

(6 الأنغام 89-90): “أولئك الذين آتيناهم الكتاب (أي النصارى واليهود) والحُكم والنبوّة ... أولئك الذين هدى الله فبداهم اقتده”. (وهل يصحّ أن يُؤمر محمد والمسلمون بالاقتداء بكفَّار أو مُشركين؟).

(22 الحج 40): “ولولا دَفْعُ الله الناس بَعضهم ببعض لَهُدِّمَتْ صوامع وبيَع وصلوات ومساجد يُذكرُ فيها اسم الله كثيراً”.

بهذا النصّ ساوى القرآن بين كنائس النصارى ومساجد المسلمين. ففي كل منهما يُذكر اسم الله كثيراً -  بِخِلاف هياكل المشركين.

(5 المائدة 82): “لتَجِدَنَّ أشدَّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود الذين أشركوا. ولتجدَنَّ أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا: إنّا نصارى. ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأَنهم لا يستكبرون”.

بهذا النصّ فصلَ القرآن بكل وضوح اليهود والمُشركين من جهة، عن النصارى من جهة أخرى.

(22 الحج 17): “إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا، إنَّ الله يفصل بينهم يوم القيامة. إنَّ الله على كل شيء شهيد”.

ورُبَّ سائل يسأل: وَما العمل عندما ورد في آل عِمران 19 ”إنَّ الدين عند الله، الاسلام”؟

غاب عن ذهن المُعترض أن ”الاسلام”في القرآن دين مُنْزَلٌ على كل الانبياء. واليك البرهان من القرآن:

(3 آل عِمران 83 و 84): “أفغيرَ دين الله يَبْغُون وله أسلَم مَن في السموات والأرض طَوْعاً وكَرْها واليه يُرجَعُون؟ قل آمنّا بالله وما أُنزل علينا وما أُنزل على ابراهيم واسماعيلَ واسحاقَ ويعقوبَ والاسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيّون من ربِّهم لا نُفرِّق بين أحد منهم ونحن له مُسلمون”.

هذه الآية تلزم المسلمين أنفسهم بما أنزل على الانبياء من قبلهم. فبرهان أهل الكتاب هُوَ الاسلام الاسبق والامثل والاهدى.

“أولئك الذين اتيناهم الكتاب... فبهداهم اقتده”(أنعام 89-90).

ويستنتج بعض القوم الهلاك لغير المُسلمين وذلك اعتماداً على ما ورد في:

(3 آل عِمران 85): “ومن يَتْبَع غير الاسلام ديناً فلن يُقبَلَ منه وهو في الآخرة من الخاسرين”.

ولكن غرُب عن أذهانهم، يا أخي، أن نص آل عمران 85 ما هو إلا تعقيب على 84 وهو النص الذي يسبقه مباشرة وفيه نفس”الاسلام”أي الايمان بالله واليوم الآخر والقيام بصالح الاعمال وتجنب المنكرات. لذلك ضمن الفوز والفرح لغير”المسلمين”بمعنى المؤمنين بمحمد وبالقرآن، وقد ورد في سورة المائدة (ولعلها وردت في آخر حياة محمد)

(5 المائدة 69):“إن الذين آمنوا (أي المسلمين بالمعنى الحصري المحمديين القرآنيين) والذين هادوا (أي اليهود) والصابئون والنصارى، مَنْ آمن بالله واليوم الآخر وعمِل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون”.

وفي سورة البقرة 62: “فلهم أجرهم عند ربِّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون”.

إعتراضات أخرى:

يعترض بعض القوم أن القرآن يقول بكُفْر المسيحيين ويوردون بعض النصوص:

(5 المائدة 17 و 72): “لقد كفر الذين قالوا إنَّ الله هو المسيح ابن مريم”ويتابع في 72: ”وقال المسيح: يا بني اسرائيل أعبدوا الله ربّي وربكم. إنه من يُشرِك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار”.

وفي 73: “لقد كفر الذين قالوا إنَّ الله ثالثُ ثلاثة، وما من إله إلا إله واحد وإن لم يَنْتَهُوا عمّا يقولونَ لَيَمَسَّنَّ الذَِين كفروا منهم عذاب أليم”.

(4 النساء 171): “يا اهل الكتاب لا لا تَغْلُوا في دينكم ، ولا تقولوا على الله إلا الحقّ: إنما المسيح ابنُ مريم رسول الله وكلمتُه ألقاها الى مريم وروحٌ منه. فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا: ثلاثة أنتَهُوا، خيراً لكم. إنما اللهُ الهٌ واحد سُبحانه ان يكون له ولدٌ. له ما في السموات وما في الارض وكفى بالله وكيلاً.

“لن يستنكفَ المسيحُ أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقرّبون. ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعاً”.

الجواب: (5 المائدة 78): “لُعن الذين كفروا من بَني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عَصَوا وكانوا يعتدون”.

لقد رأينا نص 5 المائدة 82 حيث يميّز النصارى عن المُشركين. أما النصوص السابقة من المائدة والنساء فإنها لا تنتقد الدين المسيحي بل بعضَ البِدَع العاصية المتعدّية المعتدية:

1- لا تقول المسيحية بثلاثة آلهة بل بإله واحد وهذا ما نقوله في قانون الإيمان:”أُومِن بإله واحد”!..

أما ”الآب والابن وروح القدس”فاِّلآب كناية عَنِ الله ويقول أحد الأحاديث: ”نحن عيال الله”. والابن هو كلمة الله (كما ورد في سورة النساء 171) أما روح القدس -  في المسيحية - فهو روح الله القدوس.

2- ليست طبيعة يسوع البشرية الهية بل فيها يحل كل ملء اللاهوت. لذا لا يجوز القول بأن المسيح وُلد كإله ولا توفي كإله.

3- المسيح الانسان عبد للطبيعة الالهية (راجع فيلبي 2:5 وتابع).

4- توافق المسيحية على ما ورد في النساء 171 أن المسيح الانسان هو رسول الطبيعة الالهية وأنه من روح الله وأنه كلمة الله.

اعتراض آخر: ورد في سورة المائدة 5: 116:”وإذ قال الله: يا عيسى ابن مريم، أأنت قلت للناس إتخذوني وأمّي اليه من دون الله؟ قال: سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنتُ قلته فقد علمتَه. تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك: إنك أنت علاّم الغيوب“. ألا يعني ذلك النص شِرْكاً؟.

الجواب: لا تقول المسيحية أن المسيح وأمه إلَهَان بل أنَّ الله وكلمته وروحه إله واحد وربٌ واحد. ولا تقول المسيحية بوجود إلهين ”من دون الله” ولا ”مع الله” بل هو الله الأحد الأوحد. ولكن المسيحية تعلِّم أنَّ: ”الكلمة صار جسداً وسكن بيننا” (يوحنا 1: 14). وأن في المسيح يسكن كُلُّ ملء الطبيعة الالهية جسدياً (كولسي 2: 9) من غير أن يكون هناك إلهان أو ربّان!

اعتراض آخر: يعترض بعض القوم أن النصارى مُشركون، وذلك إستناداً الى

 سورة التوبة 9: 29: “قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر (وهذا الكلام لا ينطبق على المسيحيين) ولا يحرَّمون ما حرَّم الله ورسوله (والواقع إن المسيحيين يُحرَّمون كل ما يحرِّمه الاسلام من ناحية الوصايا العشر) ولا يدينون دين الحقّ من الذين أُتوا الكتاب”في نفس السورة 9: 4”فإذا إنسلخ الأشهر الحُرُم فاقتلوا المُشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعُدوا لهم كلَّ مَرْصَد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وَأتَوُا الزكاة فخلّوا سبيلهم إنَّ الله غفور رحيم...”).

ويتابع (9 التوبة 29): “قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يُحرِّمون ما حرَّم اللهُ ورسولُه ولا يَدينون دينَ الحقّ من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعْطوا الجزية عن يد وهم صاغرون”.

“وقالت اليهود: عُزَيْرٌ ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله. ذلك قولهم بأفواههم، يُضاهِئون قولَ الذين كفروا من قبْل. قاتلهم الله أنّى يُؤْفكون”!

باقي الجواب: لا تقول المسيحية بأن يسوع هو ”إبن الله” بمعنى الولادة الجسدية، حاشى وكلا. وتوافق المسيحية مع الاسلام بأن الله ”لم يَلِد ولم يولَد” جسديا. وأنَّ المسيحية تعتبر الكلام عن إنجاب جسدي في الله كفراً وتجديفاً.

القرآن يؤكد وحدانية الدين المسيحي الصحيح وينتقد بعض التصرفات المخالفة لأصول المسيحية:

(9 التوبة 31): “إتخذوا (أي النصارى) أحبارَهم ورُهبانَهم أرباباً من دون الله والمسيحَ ابن مريم. وما اُمِروا إلا لِيَعْبُدوا الهاً واحداً لا إله إلا هُوَ سُبحانه عمّا يُشركون”.

فالمسيحية دين توحيد. وإن الكنيسة تنتقد وترفض أن يتخذ أناسٌ الاحبار والرهبان أرباباً من دون الله.


معنى لفظة”المُشركين”

يبدو أنَّ العالم العربي كان يعرف الله قبل مجيء محمد، بدليل أن والد محمد كان يُدعى”عبد الله”ورُبما كانوا”يُشركون”معه آلهة أخرى. وهذه نصوص قرآنية:

(28 قصص52-53): “الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون”(أي اليهود والنصارى والصابئون).

(28 قصص 53): وإذا يُتلى عليهم قالوا: آمنّا به، انه الحق من ربِّنا.أنَّا كنا من قبله مسلمين”أي أنهم كانوا يعرفون الله قبل محمد.

كان من غير أهل الكتاب أيضاً مَنْ يؤمنون بالله واليك البرهان من القرآن

(29 العنكبوت 61 و 63و 31 لقمان 25 و 43 زخرفُ 87 .)

(39 زُمَر 38): “وَلَئِن سألتَهم مَن خلق السماوات والأرض، لَيَقُوُلنَّ الله”.

(10 يونس 31): “قُل مَنْ يَرْزِقُكم من السماء والأرض أم مَنْ يملك السَمْعَ والأبصار. ومَنْ يُخرج الحيَ من الميِّت ويُخرج الميِّت من الحيّ؟ ومَنْ يدبِّر الأمر؟ سيقولون: الله فقُل أفلا تّتقون؟”

هناك ايضاً براهين تاريخية خارج القرآن:

1  - اسم والد محمد هو ”عبد الله”، واسم أبي بك ر”عبد الله”. ومعروف أن الأسماء المركبة تعني مذهب حامليها من ناحية العبادة. وقد ورد حديث كما يلي:

“إذا سميّتم فعبّدوا” أَو”خير الأسماء ما حُمِّد وعُبِّد”.

2- العقود والعهود: كانت تُستفتح ”باسمكَ اللهم” أي باسم الله. في صُلح الحُديبية بين محمد وسهيل بن عمر، ممثِّل أهل مكة، أمر محمد كاتبه أن يبدأ ”باسم الله الرحمن الرحيم” فاعترض سهيل قال: ”لا أعرف هذا. ولكني أكتب: باسمك اللهم”. واعتراض سهيل ليس على التوحيد، على ما يبدو، بل على إضافة ”الرحمن الرحيم” إذْ ان اسم الجلالة الوحيد كان ”لله” فقط. ويظهر أنَّ إسم الله في الجنوب كان ”الرحمن” وكان في الشمال ”الرحيم”. والقرآن دمج هذه الاسماء كلَّها في الصيغة المعروفة. (وربما لا يوافق بعض القوم على هذه النظرية).

يبدو أن كلمة ”اللهمَ” مأخوذة من العبرية إذْ لا مُنادى في العربية بالميم.

قال القرآن في التوحيد مع شجب الإنحراف في إكرام مَنْ هم دون الله مثل الملائكة والأولياء:

(12 يوسف 106): “وما يؤمنُ أكثرُهم بالله إلا وهم مُشركون”أي ما يوحدونني الا جعلوا معي شريكاً في خلقي-حسب تفسير الجلالين والبيضاوي .

وينقل لنا القرآن دَهَشَ العرب من إتهامهم بالشِّرك: 6 أنعام 23:”والله ربِّنا ما كان مُشرِكين”(وما كان تَعَبُّدُهم للملائكة أو الشهداء أو الانبياء إلا زُلفى لا شِرْكاً في الله ولا مُشاركة في حقيقته وعبادته تعالى ! تبيَّن ذلك من 39 زمر 3:”ما نعبدهم (أي نكرّمهم) إلا ليقرِّبونا الى الله زُلفى”(ومعنى”زُلفى”هو قُرْبىَ أو درجة أو منزلة”).
المسيح”ابن الله”أي كلمته

يعترض على المسيحيين بعض القوم مُستشهدين ببعض النصوص القرآنية. ولكي لا يكون هنالك حوار بين أناس صمٌ، فإننا سنعود الى القرآن لنتبيّن أننا على إتفاق أكثر مما يظنّون!

فالنصوص القرآنية المستخدمة للاعتراض على عبارة ”المسيح ابن الله” هي:

(112 الاخلاص 1): “وقالت النصارى: المسيح ابن الله _ ذلك قولهم بأفواههم. يضاهئون (أي يشابهون) قول الذين كفروا مِن قبْل. قاتلهم الله أنّى يؤفكون”؛ ويتابع “قل: هو الله أحد، الله الصَمَد، لم يَلِد ولم يولَد ولم يكن له كُفْواً أحد”.

(6 أنغام 101): “بديعُ (أي خالق) السموات والأرض، أنّى يكونُ له وَلّد ولم تكن له صاحِبة؟ وخَلَق كل شيء وهو بِكلِّ شيء عليهم”.

(5 المائدة 116): “واذ قال الله: يا عيسى ابنَ مريم، أأنت قلت للناس: إتخذوني وأمّي إلهَين من دون الله ؟”.

يظهر جلياً مما سبق أن القرآن يحارب فكرة ”المسيح ابن الله” لأنه يفهم بالولادة والنبوّة غير ما تفهم المسيحية وغير ما تقصد.

في مفهوم القرآن إنَّ الولادة والانجاب تناسلية جسدية جنسية، من ذكرٍ وأنثى. ربما يَدْحَضُ القرآن كَون فلان ”إبن الله” كأنه حاشى وكلا -  ضمّ مخلوقٍ إلى الخالق.

والحق نقول: القرآن مُحق في محاربة هذه الافكار ونحن معشَر المسيحيين أيضاً نحاربها ونرفضها وننفيها بشدة وننبذها؛ وما كانت يوماً في صُلب عقيدتنا المسيحية القويمة- إلا عند بعض المُبدعين (أي البدع) الذين أدانتهم الكنيسة.

(6 أنْعَام 101): “أنّى يكون له ولَد ولم تكن له صاحِبة؟”

(19 مريم 35): “ما كانَ لله أن يتّخذ من ولد”.

في المفهوم المسيحي: الولادة والإنجاب في الطبيعة الالهية ليسا جَسَديَين ولا تناسُلِيِّين بل هي عمليّة روحانية، أي ولادة فكرة في مفكِّر. نقول عن الأفكار ”بنات العقل” وعن الكلمة ”بنت شَفَة” وعن الدمعة ”بنت العين” وليس في نيّتنا زيجة ولا تناسل!

فالولادة الالهية تفاعلٌ جوهريّ في ذات الله وحده لا في طبيعة الله مع خلائقه.

ونقول مع القرآن أنه لو تهيّأ لمحمد أن يطّلع على هذه الفِكرة النَّقية السماوية السامية، لكان أوّل المؤمنين العابدين.

واليك البرهان من القرآن:

(43 زخرف 81): “قُل إن كان للرحمن وَلَد، فأنا أول العابدين”.

من ناحية أخرى، دعا القرآن المسيح وحده دون سواه ”كلمة الله” كما دعاه الانجيل ”في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله... والكلمة صار جَسَدًاً وسكن بيننا" (يوحنا 1:1و14).

نقرأ في القرآن:

(3 آل عمران 45): “إذْ قالت الملائكة: يا مريم إنَّ الله يبشِّرك بكلمة منه (أي من الله لا من غيره) اسمه (لفظة ”كلمة” هنا مذكر لا مؤنث) المسيح عيسى ابنُ مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرَّبين”بدليل قوله: ”اسمه لا إسمها”.

(4 النساء 171): “...إنما المسيحُ عيسى ابنُ مريم رسولُ الله وكلمتُه القاها الى مريم وروحٌ منه” (كما يُرسِلُ ضوء الشمس الى الأرض من غير أن يفارق قرص الشمس).

راجع ايضاً إنجيل يوحنا 1:3.

ويبدو أنَّ القرآن لا ينسب الخلق إلا الى الله والمسيح (كما ورد في انجيل يوحنا الفصل الأول:”كل شيء به كُوِّن وبغيره ما كان شيء”.)

(3 آل عِمران 49): “...أني (أي عيسى) أخْلُقُ لكم من الطين كهيئة الطَّيْر فأنفٌخُ فيه فيكون طيراً بإذن الله”

ولم ينفخ الحياة سابقاً إلا الخالق. يُلاحظ استخدام عيسى الصبي لفعل ”خلق” في الكلام عن نفسه. طبعاً يحللها الفقهاء والعلماء بمعنى مخفف بسبب الزيادة ”بإذن الله” ولكن الفعل لا يخلو من الغرابة في القرآن الذي يَعْرِف أنَّ الله وحده هو الخالق بديع السمواَت والارض.

الخلاصة:

عبارة ”ابن الله” تعني الكلمة الالهية بغير تناسل ولا زواج، كما أننا مع المسلمين نقول ان الله ”يرى” مع أنَّ لا عيون له، وأنه تعالى ”يسمع” من أنَّ لا آذان له، وأنَّ ”الرحمن على العرش استوى” من أنَّ لا جسد لله.

وإذا كانت هنالك صعوبة في هذا الموضوع فذلك بديهي وخلاف ذلك هو الغريب المُستهجَن إذْ أنَّ الطبيعة الالهية تسمو فوق إدراكنا البشري المحدود الذي لا يُحيط خَالقه علماً. والحيوان لا يقدر أن يفهم الانسان! ونحن بالمقابلة مع الطبيعة الالهية أقل من الحيوانات بشكل لا يفي به وصف!


وفاة السيد المسيح

يقول بعض القوم أنَّ المسيح لم يَمُتْ أو لم يمت صلباً ويستندون إلى:

(4 النساء 157): “وقولهم: إنَّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، وما قتلوه وما صلَبوه ولكن شُبِّه لهم (ولم يقل: شُبَّه له) وما قتلوه يقينا بل رفعه الله اليه”.

اليك أولاً ملحوظة الرّازي:”إنَّ النصارى على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدَّة محبَتهم للمسيح وغلوَهم في أمره، أخبروا أنهم شاهدوه مقتولاً ومصلوباً. فلو أنكرنا ذلك ، لَكَانَ طعناً فيما ثبت بالتواتر، والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوَة محمد وعيسى وسائر الانبياء”.

إنَّ هذه الملحوظة لصائبه إذ لا يجوز منطقياً تكذيب خبر على مسافة 610 سنين بعد حدوثه، فأهل الدار أدرى بما فيها! والواقع أنَّ القرآن نفسه يذكر أكثر من مرة موت المسيح. طالع بنفسك، أخي الكريم:

(19 مريم 33): “والسلامُ عليّ (أي عيسى) يوم وُلِدتُ ويوم أموتُ ويوم أُبْعَث حيّا”(ولا يُبعث حياً إلا مَنْ سبقَ ومات).

قابل النصّ الذي يتكلم عن يحيى أي يوحنا المعمدان الذي توفي في الدنيا وسيقوم في الآخرة:

(19 مريم 15): “وسلام عليه (أي على يحيى)... يوم وُلِد ويوم يموت ويومَ يُبعَث حيّاً”.

لماذا يصرُّ بعضهم أن يرفض في عيسى ما يسلِّم به يحيى؟ تابع التحقيق وأقرأ

(19 مريم 31): “وجعلني مباركاً (أي عيسى) أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دُمت حياً”.

“إذ قال الله: يا عيسى إني مُتوفيكَ ورافعك اليّ...”

يختلف العُلماء في تفسير ”متوفيك” من أنَّ المَعنى واضح. للتأكيد راجع معاجم اللغة العربية تجد: توفاه الله أي قبض روحه. وقد ورد الفعلُ نفسه في 10 يونس 104:”ولكن اعبدوا الله الذي يَتَوفّاكم”. (يفسرها الجلالان: الذي يقبض ارواحكم).

والآن ما معنى ”شُبّه لهم” ولم يقل ”شُبه له”؟ معناه:

خُيّلَ اليهم أي تَوَهِّموا أنهم قضوا عليه قضاءً مبرماً قاطعا بالصلب والقتل ولكن هذه الفرحة لم تدُم لهم إذ بُعث حيّاً بقيامته وارتفاعه كأنه ما قُتل ولا صُلِب، فأصبحوا في شكّ منه وحيرة، لا يقين عندهم (سورة النساء 157) بحيث يتم فيهم النص: “ومكروا ومَكرَ الله، والله خير الماكرين”وايضاً 8 الأنفال 30.

والتعبير القرآني ”شُبّه لهم” يذكّرنا بتعبير مماثل في الانجيل الكريم يقول المسيح، له المجد، عن موت لعازر أنه نوم أو رُقادِ: إنجيل يوحنا 4/11 ”لمّا سمع يسوع قال: ليس هذا المرض للموت بل لأجل مجد الله لكي يمجَّد ابن الله به”. من أنَّ لعازر كان قد مات. ولكن الموت لم يفرح به طويلاً بل "شُبه له" أنه فرح وسعد. والموت أمام المسيح كالنوم. والمسيح يُنهضه ويوقظه. ورد في انجيل مرقس 5/39 ”قال لهم يسوع: إنَّ الصبية لم تمُت ولكنها نائمة. فضحكوا منه”. مع أنها كانت ميتة فِعلاً. إلا أنه أقامها من بين الاموات. فكأنها كانت نائمة فقط.

قال بوفاة السيد المسيح كل من الرازي والبيضاوي وابن العبّاس ومحمد بن اسحق.


تفسير نواحي الضعف في المسيح الانسان

يقول بعضهم: إنَّ المسيح كلمة الله (أو ”ابنه”) فكيف تفسّرون وجه الضعف في أَكلِه الطعام أو شربه أو موته وما الى ذلك؟

الجواب: الطبيعة الالهية لا تأكل ولا تشرب ولا تتألم ولا تموت ولا تصلّي ولا تتعب ولا تُقتَل.

ولكن حسب عقيدتنا المسيحية وبشهادة القرآن نفسه أيضاً نقول: إنَّ كلمة الله الكائن قبل مريم أخذ جسماً من مريم العذراء فهذا الكائن المُعجِز هو:

1- الكلمة ذات الطبيعة الالهية وروحِّ منه تعالى.

2- له نفس وجسد بشريّان. وهذا الجزء الثاني خاضع لأعْراض البشر ما خلا الخطيئة.

وكلمة الله لا يمسُّه أذى فهو الذي استطاع أن يجمع النفس بالجسد في اليوم الثالث، حين بُعث الجسد والنفس الانسانيان يوم قيامة السيد المسيح من القبر. فالضعف البشري فيه، لكونه ابن مريم، والاعجاز فيه لكونه كلمة الله وروحاً منه.

(ورد في 4 النساء 171): “...إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه...”

وإذا ما زال بعضهم يصرّ على أنَّ السيد المسيح رُفع ولم يمُت فهذا منهم اعتراف غير مباشر بتفوقه، كما ورد في القرآن:

(2 بقرة 253): “تلك الرسل فضَّلنا بعضهم على بعض: منهم من كلَّم اللهُ وَرَفَعَ بعضهم درجاتٍ. وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات وأيَدناه بروح القدس...”


الديانة المسيحية هي الكمال والتام

في اعتقادنا نحن المسيحين أنَّهُ لن يأتي وما أتى بعد السيد المسيح مَنْ يُتمم الشريعة إذْ لا تَكمِلَة بعد الكمال ولا تَتِمّة بعد التّمام. وفي القرآن وحده المسيح يُوصَف بأنه كلمة الله وروح منه ونفحة من روح الله، فلا حاجة لأحد بعده بما انه فريد كامل.

1- السيد المسيح جاء لينفِّذ جميع ما يحصّه من النبوّات كما فسَّر ذلك لتلميذّي عماوس (لوقا 24/27) ”ثمَّ أخذ يسوع يفسِّر لهما من موسى ومن جميع الأنبياء ما يختص به (أي: ما قيل فيه) في الاسفار كلَّها” (أي في جميع الكتب المقدسة). وهو كامل فريد خصوصاً في مولده وبعثه حيَّا.

2-أوصل المسيح الديانة والشريعة الى الكمال لأن للديانة مراحل كمراحل التعليم فهنالك ترفيع ولكن من غير تناقض جوهري بين المرحلة الدُّنيا والمرحلة العُليا. والكمال الديني في العقائد والاخلاق. واذا قال احد ان المسيحية ناقصة من ناحية تشريع الارث والدولة والزواج والنظافة، نجيب ان هذه امور دنيوية مادية رأى المسيح انها من تخصص قيصر أي الدنيا لا الدين، وهي تتغيّر حسب الزمان والمكان.

 


تثليث النصارى

اعتراض: لماذا تعتقدون بالثالوث الآب والابن والروح القدس؟

الجواب: نعتقد بالثالوث لأنه جاء في كتاب مُنزَل هو الانجيل. تثليثنا هو غير التثليث الذي يرفضه القرآن والذي يجمع بين الله والمسيح وأمِّه وهذا تثليث مرفوض لدينا أيضاً.

وردَ في 5 المائدة 116: “وإذ قال الله: يا عيسى ابنَ مريم ! أأنت قلت للناس: اتَّخذوني وأمّي الهين من دون الله...؟”

أما نحن النصارى فإننا من هذا ”الثالوث” براء اذْ يجمع الخالق سبحانه وتعالى مع بعض مخلوقاته مثل انسانية المسيح وشخصية أمّه البتول مريم، حاشى وكلاَ.

تثليثنا عبارة عن صفات جوهرية ثلاث غير مخلوقة في الله وهي كائنة في طبيعة الله الواحدة وتعكس حياته تعالى الداخلية المتدفقة وهذا الثالوث نعتقد انه ورَد ذكره في 2 البقرة 253: “وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات وَأيِّدْناه بروح القدس"؛ ففي هذا النصّ مؤيِّد ومؤيَّد به. المؤيِّد (الفاعل) هو هنا الله المتكلِّم القائل: أيّدناه. المسيحية تدعو الله أباً. المؤيََّد (أي المفعول) هو هنا عيسى الانسان الذي يدعوه القرآن نفسه كلمة الله (النساء 4: 171). أما المؤيَّد به فهو روح القدس والمسيحية تدعوه بالاسم نفسه.

خلاصة:

ربّما يفسّر مسلمون النصوص المذكورة بغير التفسير الذي عرضناه هنا. وقد يرى بعضهم ان”روح القدس”هو جبريل. على أي حال، ما يُسمَى بالثالوث الأقدس او الاب والابن وروح القدس اله واحد في العقيدة المسيحية. وكلمة ”ثالوث” غير موفقة لأنها تُشير الى ثلاثة. الكلمة اللاتينية ترينيتاس (Trinitas) والانكليزية (Trinity) أفضل، اذ تشير الى وحدة ثلاثية (Trine-unity).


”الخطيئة الأصلية”في القرآن

إليك البيان عن إيراد القرآن ”للخطيئة الأصلية”:

(95 التين 4 – 5): “لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم (أي في النعمة والبرارة) ثمَّ أسفلَ سافلين”(ذلك بعد ارتكابه الخطيئة الأولى)

وجاء في 2البقرة: 36: “فأزلَّهما الشيطان عنها (أي الجنة) فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا: إهبطوا، بعضكم لبعض عدّو ولم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين”.

- وجود البشرية في الأرض جاء كنتيجة لخطيئة آدم الأصلية. أخذ الانسان فعلاً، بطبعه يميل الى الخطيئة، فاختلَّ النظام الأدبي بين الخالق والخليقة، وبين الخلائق بعضها مع بعض.

وقد أوضح القرآن ذلك:

(12 يوسف 53): “وما أُبريءُ نفسي. إنَّ النفسَ لأمّارة بالسوء...”

واستثنى القرآن السيد المسيح ووالدته من هذه الخطيئة:

(3 آل عِمران 36): “... وأني أُعِيذُها (أي الطفلة مريم) بك ودُريَتها (أي المسيح) من الشيطان الرجيم”.

فَسَّرها البيضاوي في حديث نقله أبو هريرة: ”ما من مولود يولد الا والشيطان يَمُّهُ حين يولد فيستهل صارخاً من مسِّه إلا مريم وابنها”، وأوضح هذا الحديث كل من البخاري ومُسْلِم: ”فذهب الشيطان ليطعن فطعن في الحِجاب فلم تنفذ اليها (أي الى مريم) الطعنة”.

وجدير بالذكر ان المرأة الوحيدة التي ذُكر اسمها في القرآن هي مريم العذراء. ورد ذكرها 33 مرّة!


أميَّة محمد

يقولون: يظهر اعجاز القرآن لأن محمداً كان أميّاً، على ما جاء في سورة الاعراف 157-158”.  ما معنى”الأمّي”؟

- لغويا:”الذي لا يقرأ ولا يكتب، أو الذي يقرأ ولا يكتب”.

- اصطلاحاً: مأخوذ عن اليهود ومعناه: ”كل مَنْ ليس بيهودي”، ”من الأمم”، أمَمي.

- في القرآن: يبدو أنَّه يعني كل مَنْ ليس عِنده كتاب مُنزل.

تأكد بنفسك:

(3 آل عِمران 20): “...وقل للذين أوتوا الكتاب والأميّين...” (أي الذين ليس لهم كتاب).

(3 آل عِمران 75): “ومن أهل الكتاب... قالوا: ليس علينا في الأميّين سبيل...”(المتكلمون هم اهل الكتاب).

(2 البقر 78): “ومنهم أميّون لا يَعْلمون الكتاب (أي الكتاب المُنْزَل) إلا أمانيَّ وإن هم إلا يظنّون”.

ويوضح القرآن أنَّ محمداً كان منهم.

(42 شورى 52): “...ما كنتَ تدري ما الكتاب ولا الإيمان...”

(93 الضحى 7): “ووجدكَ ضالاً فهدى”.

(29 العتكبوت 48): “وما كنتَ تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك...”

أي لم تكن تقرأ ولا تكتب الكتاب المقدس قبل القرآن. ولم تكن من أهل الكتاب.

ونحن بدورنا ننزّة محمداً عن أميّة الكتابة ونعتمد في ذلك على القرآن نفسه إذ يُدعى فيه محمد فجأة للقراءة:

(96 العَلق 1 و 3:و 4):

1:"اقرأ باسم ربِّك الذي خلق... "

3:"اقرأ وربّك الأكرام الذي علَّم بالقلم"

ليس من المنطق أن يدعو الله للقراءة من يجهلها. مجرّد الطلب -خصوصاً أنَّ الطالب هو الله -يفرض إمكانية تلبيته. وإذا اعترض محمد: "ما أنا بقارىء" فالمقصود أنه لا يتجاسر ويقرأ".

(16 نحل 98): “فإذا قرأت القرآن... فاستعِذ بالله من الشيطان الرجيم."

أي قُل قبل قراءته: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".

(62 جمعة 2): “هو الذي بعث في الأميّين (أي من ليس لهم كتاب) رسولاً منهم”(أي أميًّا ليس له كتاب من قبل) يتلو عليهم آياته ويزكِّّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة...”

أمّا اعتبار القرآن مُعجزة واعجازاً فهو أمر غير مألوف عند أي من الانبياء ولم يُسمَع قط أنَّ الفصاحة كانت يوماً علامة للوحي أو القداسة ولا رمزاً للصِدق. فقد يكون كافر أبلغ فصاحة أي اكثر بلاغةً من مؤمن متعبِّد:

(2 البقرة 204): “ومن الناس مَن يُعجبك قولُهُ في الحياة الدُنيا ويشهِد الله على ما في قلبه وهو ألدَّ الخصام”.

وبُرهان الإعجاز نفسه عَجَزَ عن إقناع عرب مكة والحجاز بل قالوا:

(8 الأنفال 31): “وإذا تُتلى عليهم آياتنا قالوا: قد سَمِعنا لو نشاء لقُلنا مثل هذا...”

وأخيراً: اذا جاز الاعجاز على العرب فأي بُرهان فيه لباقي الناس وهم لا ينطقون بالضّاد كأهل اليابان أو الصين؟ هل يفهمون العربية؟ وهل عليهم أن يدرسوها ليتذوّقوا القرآن؟ إنّ فصاحة القرآن تختفي عند نقله الى لغة أخرى.

أما السيد المسيح والانجيل فقد كلَّما العالم بلسان المُعجزات واللطف والتواضع والوداعة وبالتضحية التي هي أكبر دليل على المحبة. والله محبّة، الله وئام لا كلام ولا حُسام. ولغة المعجزات تقنع كل انسان من أي لسان.

أما الرسول بولس فقد حذّر المؤمنين الأولين من الّذين ”بحلو الكلام والدعاء بالبركات يخدعون قلوب السلماء”(رومية 16: 18). ويحذِر بطرس الرسول أيضاً من الانبياء الكذبة والمعلمين الذين ”بزخرف الكلام يجعلون من الناس تجارة” (2 بطرس 2: 1 وتابع).

وكتب ابو السعيد يعقوب بن يحيى: لو كان الإعجاز إعجازا لما حلّ الجهاد ولا جازَ .


هل تنبأ المسيح عن محمد؟

نسمع أنَّ السيد المسيح في الانجيل الطاهر تنبأ عن محمد، ويستشهد اشقاؤنا المسلمون بسورة الصف 61: 6: ”وإذْ قال عيسى ابن مريم: يا بني اسرائيل، إني رسول الله اليكم مصدِّقا لما بين يدَي من التوراة ومُبشِّراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد...

ملحوظات:

1- اسم ”محمد” لا ”أحمد” فباختلاف الصيغة يختلف الأشخاص. هناك محمد وأحمد وحمَد ومحمود وحمدان وحمادة وحميد وعبد الحميد وغيرها...

2- لا نجد أي ذكر لاسم ”محمد” أو ”أحمد” في أي من الاناجيل بأحرفها الأربعة المتداولة بين أيدي جميع المسيحيين منذ أكثر من خمسمائة سنة قبل ظهور الاسلام والى أيامنا.

3- إنَّ السيد المسيح قرر وطلب تعميم دينه على جميع البشر، وحتى نهاية العالم: ”إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم...” (متى 28: 18 وتابع، مرقس 16: 15 وتابع). فلا مجال لنبوّة ولا لوحي بعد أن أتى السيد المسيح الذي كلَّمنا أخيراً (راجع عبرانيين 1: 1).

4- يدلّ النص القرآني نفسه على موقف ضعيف: فاليهود لا يقبلون السيد المسيح، فكيف يقبلون نبوءته عن غيره؟

5- إنَّ الانجيل الذي أعلنه السيد المسيح هو تمام الوحي وكمال الأخلاق. فليس من المعقول ان يتنبأ السيد المسيح عن امرىء لن يكون تعليمه اسمى من تعاليم المسيح ولا أرفع، خصوصاً في قضايا العفة الكاملة والزواج والطلاق وعدم الانتقام واللاعنف وغيرها...

ولم يصنع محمّد اعجوبة واحدة بل اعتذر عن صنع العجائب.

(17 اسراء 59): “وما منعنا ان نرسل بالآيات الاّ ان كذّب بها الاولون”.


”إنجيل برنابا” المزَيّف

استفسار: ما رأيكم في إنجيل برنابا؟ أليس هو الانجيل الصحيح الذي يشهد لمحمد؟

الجواب: انجيل برنابا المزعوم هو مناقض للانجيل وللتوراة وللقرآن نفسه! واليك الدليل:

ظهرت نسخته الأولى سنة 1709 بغلاف شرقي الطراز وعلى هوامشها شروحات باللغة العربية، ويُستدل من فحص الورق والحبر أنها كُتبت في القرت السادس عشر الميلادي في اللغة الايطالية. والنّص الأصلي محفوظ في مكتبة بلاط فيينا.

اما كاتبه فهو على الأرجح رَجُل اعتنق الاسلام. واحتمى وراء اسم برنابا الذي لم يكن اصلاً من صحابة المسيح بل يهودياً إهتدى الى الدين المسيحي ورافق بولس الرسول في بعض رحلاته. وكرّز بالانجيل في قبرص مع قريبه يوحنا مرقس.

ويروي لنا كتاب اعمال الرسل أنه بشّر بالمسيح حسب تعاليم الدين المسيحي بخلاف ما يرويه”انجيل برنابا" المحوّر. كان برنابا الحقيقي قد علّم أنَّ المسيح صُلِبَ ومات وقام من بين الأموات. بخلاف رواية ”الشبه” التي يسردها الكتاب المزيّف المُشار اليه.

يتلاعب كتاب برنابا المزوّر بالنصوص المقدسّة بحيث يناقض التوراة والانجيل، كما يناقض القرآن نفسه. ومن الواضح أنَّ الكتاب اصطناعي يريد أن يشهد لمحمد بكل الطرق.

ليس لهذا الكتاب أي ذكر في وثائق المسيحيين ولا مشاهير المسلمين. ولو وُجِدَ لماَ توانوا عن ذِكره واستخدامه والاشارة اليه.

ويُسْتَشف من قراءة الكتاب أنه طافح بالحقد على دين كاتبه السابق أي المسيحية، ويظهر ذلك من طعنه المرير بالكهنة!

يزعم كتاب ”برنابا” في44/10-11 ”تكلَّم الله مع ابراهيم قائلاً: خذ إبنك بكرك اسمعيل واصعد الجبل لتقدِّمه ذبيحة...”. ملحوظة: إنَّ اسمعيل كان إبن الأمة أي الخادمة واسحق ابن الحرّة.

يقول الكتاب المقدس في تكوين22/2، ”قال الله لإبراهيم: خذ إبنك وحيدك الذي تحبّه اسحق، وامضِ الى أرض مورية واصعده هنالك مُحرقة...” ملحوظة: وحيدك أي الحُرّ بخلاف ابن الأمَة هاجر.

يقرأ المرء في القرآن 29 العنكبوت 27:

“ووهبنا له (لابراهيم) اسحق ويعقوب وجعلنا في ذريِّته النبوَة والكتاب...”

يكتب برنابا المزوَّر في70/7-11: ”أجاب يسوع: وما قولكم أنتم فيَّ؟ أجاب بطرس أنت المسيح ابن الله! فغضب يسوع وانتهزه بغضب قال: إذهب، انصرف عنّي لأنك أنت الشيطان وتحاول أن تسيء اليَّ!”. هذا كلُّه يُخالف ما ورد في إنجيل متى 16: 13 وتابع. إنَّ المسيح مدح بطرس على اعترافه بأنه أي يسوع هو المسيح ابن الله الحي.

1- وإنَّ كتاب ”برنابا” المزوَّر يخالف الانجيل والقرآن في هوية المسيح، ففي حين يتفق الانجيل والقرآن على أنَّ المسيح هو يسوع عيسى ابن مريم، يزعم كتاب ”برنابا” المزيَّف أن المسيح هو محمد! وفي أماكن أخرى (مثل بداية ذلك الكتاب المزوَّر) يقول أن يسوع هو المسيح ويدعوه ”ابن داود”.

ما السبب في ذلك ؟

الواضح أنَّ ”برنابا” المزوَّر يتوهم أنَّ ”كريستو” أي ”المسيح” هو شخص و ”مسيَا” أي "المسيح" ولكن اللفظة منقولة عن الآرامية والعبرية) هو شخص آخر. فيعترف كتاب ”برنابا” المزوَّر أن يسوع هو ”كريستو” ولكنه ليس مسّيَا! نعود الى النصوص:

ورَد في كتاب برنابا المزيَّف: ماذا يُسمى المسيح؟ وما هي العلامة التي تُعلِن مجيئه؟ “أجاب يسوع: إنَّ اسم مسيّا عجيب... إنَّ اسمه لمبارك، محمد! حينئذ رفع الجمهور أصواتهم قائلين: يا الله أرسِل لنا رسولك. يا محمد، تعال سريعاً لخلاص العالَم”.

على فكرة: القرآن يجهل فكرة الخلاص على يد انسان، إنْ كان المسيح أو غيره!!!

ورد في كتاب ”برنابا” المُزوَّر في96/1-16: “الكاهن الأعظم يسأل يسوع: هل أنت مسيح الله (مسيّا) الذي ننتظره؟ أجاب يسوع: حقاً إنَّ وَعدَ الله هكذا، ولكني لست إيّاه لأنه خُلِق قبلي وسيأتي بعدي... فيأتي من الجنوب ويبيد الاصنام وعِبادتها وسيكون مَنْ يؤمن بكلامه مُباركا”.

هنا أجرى ”برنابا” المُزوَّر تعديلاً وتحريفاً وتشويهاً في الأدوار: أغَفَلَ يوحنا المعمدان، يوحنا بن زكريا، وأعطى دوره ليسوع وجعل من يسوع ممًهِداً لمحمّد.‍

يقول انجيل لوقا1/30-31، أنَّ المسيح سيُدعى يسوع وسيكون المُخلِّص. والقرآن يعرِف ويؤكِّد أن هوية المسيح هي يسوع عيسى ابن مريم (راجع أيضاً يوحنا 4: 25 -  26 في أقوال المرأة السامرية التي التقاها يسوع عند بئر يعقوب).

وَرَدَ في القرآن 3 آل عِمران 45 ما يُخالف كتاب ”برنابا” المزوَّر: إذْ قالت الملائكة يا مريم، إنَّ الله يُبَشِّرك بكلمة منه اسمه عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرَّبين”.

(وفي 4 نساء 171): ... إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه...”

(5 المائدة 75): “ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خَلَت من قبلِه الرسل...”

2- عن طبيعة المسيح

يكتب ”انجيل” برنابا المزوَّر في96/1-16: “قال الكاهن الأعظم بصوت عالٍ: قف يا يسوع، لأنه يجب علينا ان نعرف مَنْ أنتَ تسكينا لأمَّتِنا. أجاب يسوع: أنا يسوع ابن مريم من نسل داود، بشر مائِت ويخاف الله. وأطلُب أن لا يُعطى الإكرام والمجد إلا لله!”.

3-  عن موت المسيح

ورَد في كتاب ”برنابا” المنحول في 220/10-11: “أجاب يسوع مُعانقاً أمّه: صدِّقيني يا أمّاه لأني أقول لك بالحقِّ أني لم أمُتْ قطّ لأن الله قد حفظني الى قُرب انقضاء العاَلَم ثمَّ قصَّ الملائكة الأربعة على العذراء كيف أنَّ الله أرسل الى يسوع وغيَّر يهوذا ليُكابد العَذاب الذي باعَ له آخر (أي يسوع)”. وفي221/1 “واكتب أيضاً يا برنابا ما حلَّ بيهوذا ليزول انخداع المؤمنين ويصدِّق كل أحد الحق”

ولكن ورَد في القرآن 3آل عِمران 55 قول الله لعيسى ”أني متوفيك ورافعك اليّ” وقول يسوع ”ولما توفيتني” في الماضي.

(المائدة 5 المائدة 117): “وكنت عليهم شهيداً ما دمتُ فيهم (أي عندما كنتُ حيّا بينهم) فلّما توفيتني كنتَ أنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شيء شهيد.”

4- في ميلاد يسوع:

يقرأ المرء في كتاب ”برنابا المنحول3/5-10: “بينما كان يوسف مقيماً هناك في مأوى للرُعاة تمَّت أيام مريم فأحاط بالعذراء نور شديد التألق وولدت إبنها بدون ألم...”

أما القرآن فيناقض هذا الكلام في 19 سورة مريم 22 -23: “فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً فأجاءها المخاض (وهو ألم الولادة) إلى جذع النخلة قالت: يا ليتني مِتُّ قبل هذا وكنت نسيا منسياً...”

5- في الزواج

كتبَ ”برنابا” المزيف في16/1-18: “فليقنع الرجُل بالمرأة التي أعطاه ايّاها خالقه ولينسَ كل امرأة أخرى...”.

هذا يُناقض ما وَرَدَ في القرآن 4 نساء 3: ”وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورُباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما مَلَكت أيْمانُكم ذلك أدنى ألا تعدلوا”.

أغلاط تاريخية وجغرافية فظيعة في كتاب ”برنابا” المنحول. هذه الاغلاط غير معقولة عند مُعاصر للسيد المسيح أو للرسل وهي معقولة جداً عند كتاب اوروبي غير نزيه من القرون الوسطى.

من أغلاطه التاريخية:

1- يدّعي (في 3:2) أن يسوع وُلد حين كان بيلاطس حاكماً، في زمن رئاسة حنَّان وقيافا الكهنوتية. أما التاريخ فيؤكد أن بيلاطس أصبح والياً منذ سنة 26 م إلى سنة 36م، في أواخر حياة يسوع.

2- يقول”برنابا”المزيَّف أنَّ يسوع من نسل اسماعيل لا من نسل داود (وفي هذا مُخالفة للتاريخ وللانجيل وهو مخالفة للقرآن نفسه أيضاً).

3- يقول ”برنابا” المزيَّف أنه كانت هنالك -في ظلِّ الاحتلال الروماني لفلسطين- ”ثلاثة جيوش مسلحة لكل منها مئتا ألف رجل متقلِّد وسيوف” (92: 10) ويزعم في 91: 11 أنه كانت لهيرودس سلطة عسكرية! وأنه كان مع الوالي الروماني لواء من الجيش مكوَّن من خمسة الى ستة آلاف رَجُل في عهد بيلاطس! (فصل 214) ولكن اللواء العاشر تمركز في القدس بعد حرب سنة 70م! ومن غير المعقول (بخلاف ما أورده برنابا في فصل 155) أن السلطات الدينية أو الرومانية سمحت للجنود الرومانيين الوثنيين بدخول الهيكل وجِدال يسوع في الدين!

ومن اغلاطه زعمه أنَّ يهود فلسطين كانوا يضعون الخمر في براميل من خشب، في حين أنهم كانوا يضعونها في خوابي من فخَّار(راجع 152: 25) وما كان الشَنْقُ معروفاً في اليهودية زمن المسيح (53: 8).

وما بقي للكنعانيين وجود مستقل في زمن المسيح، بخلاف ما يزعم ”برنابا” المزوَّر الذي يقول أنهم وصلوا الى بحيرة طبريا (21:10و22 ثمَّ 217: 35).

من أغلاط”انجيل برنابا” الجغرافية:

1-              يفرض أو يلمّح أنَّ الناصرة تقع على شاطىء البحر، في20: 1و9 و147-151: ”وذهب يسوع الى بحر الجليل ونزل في مرْكِب مُسافراً الى الناصرة مدينته. ولما بلغَ مدينة الناصرة أذاع النوتية (أي: البخارة) كل ما فعله يسوع...”

2-              نينوى: يفرض أنها تقع على البحر أيضاً، في 62: 5-8: ”فحاول يونان الهرب الى طرسوس خوفاً من الشعب فطرحه الله في البحر فابتلعته سمكة وقذفته الى مقربة من نينوى”.

سؤال: ما سبب تمسّك بعض المسلمين بما يُسمى ”انجيل برنابا”؟

جواب: توهّمهم أنه يدعم القرآن في ثلاثة أمور:

1-            التوحيد

2-            إنكار صلب المسيح.

3-            تأكيد نبوّة محمد.

وينسون أنه يُناقض القرآن في أمور عديدة جوهرية منها هويّة المسيح ونسَبه ومولده ووحدة الزواج وحريّة الانسان.


معنى لفظة”برقليط”أو”بركليتس”

السؤال: ما معنى ”برقليط” وهل المقصود فيها محمد؟ (Paracletos)

الجواب: معنى اللفظة الواردة في العهد الجديد أي الاناجيل والرسائل تشرحه المعاجم اليونانية: باركليتس =المدعو للدفاع، المُعزّي، المُدافع، السَنَد، المُشير. وهي تختلف عن ”بيريكْلِيتُس” فإنها تعني: المشهور، لا الممدوح.

لذا، هنالك تقارب في اللفظ وتباعد في المعنى. وتوهّم بعض القوم أن ”باراكليتس” هي ”بيريكليتس” وأنَّ المقصود منها محمد. ولا أساس لهذه الأوهام في المخطوطات ولا في المعاجم.

أما الكتاب المقدس في عهده الجديد- أي الاناجيل والرسائل- فانه يستخدم لفظة ”باراكليتس” في الكلام عن روح القدس، وقد حلَّ على الرسل والعذراء بعد صعود المسيح وارتفاعه بعشرة أيام، لا بعدَ ستمائة سنة، اذْ أنَّ يسوع أوصى تلاميذه أن لا يغادروا اورشليم حتى مجيء الباركليتس (أي بضعة ايام) وإلا لوجب أن يبقوا أحياء في اورشليم مدة نحو ستمائة سنة أي الى مجيء محمد الذي أتى من شبه الجزيرة العربية. راجع أعمال الرسل 1: 5 وتابع.

وأي تعزية وتشديد للرُسُل بعد نحو ستمائة سنة؟

وفي رسالة يوحنا الأولى، يصف الرسول يسوع نفسه أنه ”باراكليتس” أي المدافع المُحامي الشفِّيع (2: 1).

لم يُوصف محمد -في الكتابات المسيحية- بأنه ”المشهور” ومن ناحية أخرى ”المشهور” لأسباب إيجابّية ومن هو مشهور لأسباب سلبية. فالشهرة ليست مرادفة للمدح وهما مدلولان قد يجتمعان وقد يفترقان.


نبوّة كتاب تثنية الاشتراع ومحمد

استفسار: ما قولك في تثنية الاشتراع 18: 15 و 18:”  يُقسم لك (يا شعب)  الرب الهك نبياً من بين اخوتك مثلي (أي مثل موسى) له تسمعون”. ألا يقصد به محمداً؟

الجواب: لا يقصد به محمداً إذْ يقول:”يُقيم الله نبياً من بينكم” بالمخاطب أي من بين بني اسرائيل. ومحمد لم يكن من بني اسرائيل. اسرائيل هو يعقوب ولم يكن محمد من نسله. ويقول الله في تثنية 17: 15 أن سيُقام مَلِك ”من أخوتك” وأكيد أن ذلك المَلِك لن يكون عربياً على العبرانيين.

الذي يرجع بنزاهة الى نصوص من هذا الفصل وغيره من التكوين يفهم من عبارة ”اخوتك، ومن بينكم” العبرانيين نسل اسرائيل أي يعقوب.

مكتوب في تكوين 21: 10 -  11 فقالت سارة لابراهيم: ”أطرد هذه الأمة (أي هاجر) وابنها (أي اسمعيل) لأن ابن هذه الخادمة لا يرث مع ابني اسحق”.

(إقرأ الآيات التالية ايضاً حيث أمر الله ابراهيم ان يسمع لسارة اذْ انه باسحق سيُدعى لابراهيم نسل). ونقرأ في تكوين 49: 10 ”لا يزول صولجان من يهوذا ومُشترع من صُلبه حتى يأتي شيلو (أي المنتظر) وتعاينه الشعوب”. هذه الآية تشير الى السيد المسيح لا الى محمد لأن يسوع من نسل يهوذا. اما محمد فلم يكن من نسل يهوذا. وهو نفسه ولمدة طويلة لم يكن على علمٍ بنفسه وقد جاء في 12 يوسف 3: ”وان كنتَ من قبله (أي من قبل القرآن) لمن الغافلين”. وفي 93 الضحى 7:”ووجدك ضالاً فهدى”.


الخاتمة

هذا المؤلِّف المتواضع لا يَدَّعي اعطاء إجابة شافية كاملة علمية مُستفيضة على جميع الأسئلة ولكنها تبقى في متناول اليد، في خدمة التقارب والمحبَّة والجِدال، ”بالتي هي أحسن” بين المُسلمين والمسيحيين. وربما لا يروق هذا الاسلوب لبعض القوم الذين يجدون أنه يبالغ في التقريب بين المسيحية والاسلام. ولكن النقاط التي أُثيرت هنا هي وجهات نظر مُتقاربة فعلاً، والاختلافات العقيدية تبقى قائمة. الهدف من هذه السطور زيادة المحبَّة، والتعاون على الإلحاد واللامُبالاة الدينية والفساد التي هي كلها من آفات عصرِنا. لنتعاون على البِّرِ والتقوى.

وأكرمُنا عند الله أتقانا.