الأيقونة من محفوظات أبرشيّة قبرص المارونيّة

زمن الميلاد المجيد

 

الأحد الثالث - أحد زيارة العذراء لأليصابات
(3 كانون الأول 2017)

::: مـقدّمــة :::

في هذا الأَحَد، وَبَعْدَمَا تَأَمَّلْنَا بِرِسَالَتَينِ حَمَلَهُمَا المَلاكُ إلى زَكَرِيَّا وَمَريَم، وَبَعْدَمَا رَأَيْنَا كَيفَ كَانَ رَدّ إبنُ الشَّريعَة على المُبَادَرَة الإلهِيَّة، وَكَيْفَ رَدَّتْ بِنْتُ الوَعد على هذه المُبَادَرَة. فإبنُ الشَّريعَةِ وَضَعَ فِكرَهُ حاجِزًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الله، وَإبْنَةُ الوَعْدِ لَمْ يَكُن أَمامَهَا سِوَى الإنفِتَاح عَلَى فِكرِ الله. هذا الإنفِتَاح يُتَرجَم بِمَشْهَدَين:
- سَمَاع كَلِمَة الحَق، وَالإيمان، وَالخَتم بالرُّوح القُدُس، لِيُصبِحَ كُلُّ مُؤمِنٍ بالوَعدِ إبنًا للآب، وَأَخًا لِيَسوع، وَمَسْكِنًا للرُّوح القُدُس. هذا ما جاءَ في رسالة القِدِّيسِ بولُس إلى أَهْلِ أَفَسس.
- قُبُول أليصابات السَّلامَ من مريم، إمتلائِهَا مِنَ الرُّوح القدس، مُبارَكَتها للرَّب يَسوع وَهوَ بَعدُ في الحَشَا. فإبنَةُ الوَعدِ تَرْجَمَت إيمانَهَا خِدْمَةً وَمَحَبَّة. هذا ما رَوَاهُ لوقَا الإنجيلي.
فَأَيْنَ نحنُ مِنْ هذَيْن المَشهَدَيْن في حَيَاتِنَا المَسيحيَّة؟ 

:::::: صـلاة :::

المَجْدُ لَكَ يَا أَبَانَا السَّماوي، لأَنَّكَ إخْتَرْتَنَا بإبنِكَ لِنَكونَ مِيرَثًا لَكَ بِحَسَبِ الوَعدِ الّذي قَطَعْتَهُ لَنَا بإبراهيم.
الشُّكرُ لَكَ أَيُّها الإبن، يا وَحيدَ الآب، يا مَنْ تَجَسَّدْتَ وَصِرْتَ إنْسَانًا، فإجْتَمَعَ فيكَ كُلُّ ما في السَّماء وَما على الأَرْض، لِتَصيرَ الكُّل في الكُلّ.
السُّجُودُ لَكَ أَيُّها الرُّوح القُدُس، يا مَنْ طَبَعْتَنَا بِخَتْمِكَ، لِتَجْعَلنا بِكَ شُهُودًا للكَلِمَة التي من خِلالِهَا نَكتَشِف أَنَّنَا أَبْناءٌ لإبراهيم، آمين. 

::: الرسالة :::

1 مِنْ بُولُس، رَسُولِ الـمَسِيحِ يَسُوعَ بِمَشِيئَةِ الله، إِلى القِدِّيسِينَ الَّذِينَ هُم في أَفَسُسَ والأُمَنَاءِ في الـمَسِيح يَسُوع:
2 النِّعْمَةُ لَكُم والسَّلامُ مِنَ اللهِ أَبِينَا والرَّبِّ يَسُوعَ الـمَسِيح!
3 تَبَارَكَ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيح، الَّذي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ في السَّمَاوَاتِ في الـمَسِيح؛
4 فإِنَّهُ إخْتَارَنَا فيهِ قَبْلَ إِنْشَاءِ العَالَم، لِنَكُونَ في حَضْرَتِهِ قِدِّيسِين، لا عَيْبَ فينَا؛
5 وقَدْ سَبَقَ بِمَحَبَّتِهِ فَحَدَّدَنَا أَنْ نَكُونَ لَهُ أَبْنَاءَ بِالتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الـمَسِيح، بِحَسَبِ رِضَى مَشِيئَتِهِ،
6 لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا في الـحَبِيب؛
7 وفيهِ لَنَا الفِدَاءُ بِدَمِهِ، أَي مَغْفِرَةُ الزَّلاَّت، بِحَسَبِ غِنَى نِعْمَتِهِ،
8 الَّتي أَفَاضَهَا عَلَيْنَا في كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْم؛
9 وقَدْ عَرَّفَنَا سِرَّ مَشِيئَتِهِ، بِحَسَبِ رِضَاهُ الَّذي سَبَقَ فَجَعَلَهُ في الـمَسِيح،
10 لِيُحَقِّقَ تَدْبِيرَ مِلْءِ الأَزْمِنَة، فَيَجْمَعَ في الـمَسِيحِ تَحْتَ رَأْسٍ وَاحِدٍ كُلَّ شَيء، مَا في السَّماوَاتِ ومَا عَلى الأَرْض؛
11 وفيهِ أَيْضًا إخْتَارَنَا مِيرَاثًا لَهُ، وقَدْ سَبَقَ فَحَدَّدَنَا بِحَسَبِ قَصْدِهِ، هُوَ الَّذي يَعْمَلُ كُلَّ شَيءٍ بِقَضَاءِ مَشِيئَتِهِ،
12 لِنَكُونَ مَدْحًا لِمَجْدِهِ، نَحْنُ الَّذِينَ سَبَقْنَا فجَعَلْنَا في الـمَسِيحِ رجَاءَنَا؛
13 وفيهِ أَنْتُم أَيْضًا، بَعْدَ أَنْ سَمِعْتُم كَلِمَةَ الـحَقِّ، أَي إِنْجِيلَ خَلاصِكُم، وآمَنْتُم، خُتِمْتُمْ بِالرُّوحِ القُدُسِ الـمَوعُودِ بِهِ،
14 وهُوَ عُربُونُ مِيرَاثِنَا، لِفِدَاءِ شَعْبِهِ الَّذي إقْتَنَاه، ولِمَدْحِ مَجْدِهِ.

(الرّسالة إلى أهل أفسس - الفصل 1 – الآيات 1 إلى 14) 

::: تـأمّــل من وحي الرسالة :::

في هذا المَقطَع من الرِّسالَة إلى أَهل أفسس، يُرَكِّز بولس الرَّسول على جَانِبٍ مُهِمٍّ من حَيَاة المُؤمِن الرُّوحِيَّة، مُشَدِّدًا على أَنَّ يَسوع هُوَ المِحوَر. ونحن فيهِ بَعدَمَا:
- سَمِعْنَا كَلِمَة الحق أَي إنجيل خَلاصِنَا: فالحَقّ لَمْ يُنقَلْ إلَيْنَا عَبْرَ رَسول، بَل، قيلَ لَنَا وَسَمِعْنَاهُ مِنْ فَمِ صاحِبِهِ، يَسوع، الإله المُتَجَسِّد. وَلَمْ يَقُلْهُ فَقَط، بَل عاشَهُ وَجَسَّدَهُ. فَتَألَّمَ وَمَاتَ وَقُبِرَ، وَقَامَ من المَوت، مِنْ أَجْلِ خَلاصِنَا.
- آمَنَّا: أَمَامَ هذا التَّجْسِيد للحَقّ، وَأَمامَ تَبيَان الحَقيقَة، الَّذي تَكَلَّمْنَا عَنْهُ أَعْلاه، يَنْتَظِر مِنَّا الله مَوقِفًا. هذا المَوْقِف مَا هُوَ إلاَّ الإيمان بِأَنَّ اللهَ الآب هُوَ أَبٌ للجَميع، وَبِأَنَّ يَسوع الإبن صارَ أَخًا لَنَا في بَشَرِيَّتِنَا لِيَقودَنَا صَوْبَ الآب. وَكَمَا أَعطَى الآب إبنَهُ يَسوع كُلَّ شَيء، أَعطاهُ روحَهُ، هكذا أَعْطَى كُلّ مَنْ آمَنَ بِهِ كُلَّ شَيء، أي الرُّوح القُدُس.
- خُتِمْنَا بالرُّوح القُدُس: هذا الخَتم هُوَ عَطِيَّة لِكُلّ مُؤمِنٍ بالحَقّ. لِذلِكَ يُؤَكِّد بولُس الرَّسول أَنَّهُ "عُربون ميراثنا" أي به نَعلَمُ أَنَّنَا وَرَثَة لِمَلَكوت الآب، "هُوَ عُربون ميراثنا (لِفِدائِنَا نحنُ الشَّعب الَّذي إقْتَنَاه)" لأَنَّ هذه العَطِيَّة طُبِعَت بِدَم يَسوع، وَهوَ الَّذي قَبِلَ الرُّوحَ مِنَ الآبِ في نَهر الأردن، وَرَدَّهُ لَهُ وَهوَ مُضَرَّجٌ بِدِمَائِهِ فَوْقَ الصَّليب.

ونحن:
- هَلْ نَعلَمُ مَا هُوَ الحَقّ؟ أَهُوَ مَوْقِفٌ سِياسِيّ؟ أم تَبَادُل مَصَالِح؟ أم مَوَاقِف مُتَحَجِّرَة وَقُدرَة في إقناع المُحاجِجِين؟ هذا هُوَ الحَقّ بالنِّسبَةِ لَنَا إن لَمْ نَعرِف أَنَّنَا أبناء الله الآب وَإخوَةً لِيَسوع. فَإن لَمْ نُؤمِن بِذلِكَ، يَصيرُ الحَقُّ بالنِّسبَةِ لَنَا مُناسَبَة لِنُخضِعَ الآخَر. أَمَّا إذا آمَنَّا يَصيرُ الحَقُّ مُنَاسَبَة لننحني آمامَ الآخَر كَمَا حَنَى الإبنُ يَسوع على بَشَرِيَّتِنَا، لِنَخْدُمَ الآخَر كَمَا خَدَمَتْ مَريَم أليصابات وَهيَ التي حَمَلَت بِيَسوع، إبن الآب.
- هَل نَسْمَع الكَلِمَة، إنجيل الخَلاص؟ فالإيمان يَأتي من السَّماع، على ما يَقول بُولُس الرَّسول. فَمَا هُوَ مَوقِفنا من الكَلِمَة؟ هل نَسمَعها وَنُصَادِقها وَنُدخِلها فِي حَيَاتِنَا لِتُزهِرَ وَتَعكُسَ للآخَرين مَجْدَ الآب الَّذي نِلنَاهُ بالمَعمودِيَّة؟
نحنُ مَختومونَ بِالرُّوح القُدُس، إذ نِلنَاهُ بالعِمَاد. فَهَل يَظهَر هذا الخَتم في قَولِنَا الحَقّ في وَجهِ البَاطِل، في وَقفَةِ إيمانٍ بِوَجهِ الكُفر؟ قَول الحَقّ وَوَقفة الإيمان، هُمَا خِدمَة كُلّ مَن فَقَدَ رَحمَة الله في حَيَاتِهِ، وَتَجْسِيد مَحَبَّة الله أَمامَهُ... فَأَيْنَ نحنُ من الحَقّ وَالإيمان؟  

::: الإنجيل :::

39 وفي تِلْكَ الأَيَّام، قَامَتْ مَرْيَمُ وَذَهَبَتْ مُسْرِعَةً إِلى الـجَبَل، إِلى مَدِينَةٍ في يَهُوذَا.
40 ودَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا، وسَلَّمَتْ عَلَى أليصَابَات.
41 ولَمَّا سَمِعَتْ ألِيصَابَاتُ سَلامَ مَرْيَم، إرْتَكَضَ الـجَنِينُ في بَطْنِها، وَإمْتَلأَتْ مِنَ الرُّوحِ القُدُس.
42 فَهَتَفَتْ بِأَعْلَى صَوتِها وقَالَتْ: "مُبارَكَةٌ أَنْتِ في النِّسَاء، وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ!
43 ومِنْ أَيْنَ لي هـذَا، أَنْ تَأْتِيَ إِليَّ أُمُّ ربِّي؟
44 فَهَا مُنْذُ وَقَعَ صَوْتُ سَلامِكِ في أُذُنَيَّ، إرْتَكَضَ الـجَنِينُ إبْتِهَاجًا في بَطْنِي!
45 فَطُوبَى لِلَّتي آمَنَتْ أَنَّهُ سَيَتِمُّ ما قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبّ!".

 (الإنجيل بحسب القدّيس لوقا – الفصل 1 - الآيات 39 إلى 45) 

::: تـــأمّل من وحي الإنجيل :::

في هذا الإنجيل، تَطبيق للمَبدَأ الَّذي شَرَحناه في الرِّسالة:
- سَمِعَت أليصابات كلمة السَّلام، أي كلمة الخلاص، من فَم مَريَم التي تحمل في أحشائها يَسوع: "فَهَا مُنْذُ وَقَعَ صَوْتُ سَلامِكِ في أُذُنَيَّ، إرْتَكَضَ الـجَنِينُ إبْتِهَاجًا في بَطْنِي!". فَكَم هُوَ عَظيمٌ الفَرَح الَّذي دُعِينا إلَيْه، عِندَمَا نَسمَع الكَلِمَة، كَلِمَة السَّلام وَنَقبَلها في قُلوبِنَا، وَعِندَمَا نَحمِل كلمة السَّلام نفسها للمُحيطينَ بِنَا وَنُدخِلها إلى قُلوبِهِم.
- طَوَّبَتْ أليصابات إيمان مَريَم: "فَطُوبَى لِلَّتي آمَنَتْ أَنَّهُ سَيَتِمُّ ما قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبّ!". هذا التَّطويب أتى بِوَحيٍ من الرُّوح القُدُس، إذ آمَنَت مَريَم بَعدَ سَماعِها الكَلِمَة، وَتَرْجَمَت هذا الإيمان بالإتيان إلى أليصابات لخدمتها.
- "ولَمَّا سَمِعَتْ ألِيصَابَاتُ سَلامَ مَرْيَم، إرْتَكَضَ الـجَنِينُ في بَطْنِها، وَإمْتَلأَتْ مِنَ الرُّوحِ القُدُس": لَنَتَأمَّل بالرّوح القُدُس الَّذي بِخَتْمِهِ يَكتَمِلُ المَشهَد، فَيُعلَى الحَقّ، وَيَكتَمِل الفَرَح.
ونحن، لِنَتَأمَّل بهذه الوَقائِع الثلاثة ونحاول تَطبيقها:
- حامل الكَلِمَة يَخدُمُ أخَاه وَيُقيمُهُ من ضُعفه، وَلا يُظهر ضُعف الآخَر لِيَكون هُوَ على حقّ.
- حامل الكَلِمَة يُؤمِن بالله، فَيُتَرجِم هذا الإيمان بِأَعمال الرَّحمَة.
- حامل الكَلِمَة يَحمِلُ خَتمَ الرُّوح القُدُس، فَهوَ مَصدَر فَرَح لجميع المُحيطينَ بِهِ.
فهل نحنُ من حامِلي الكَلِمَة؟! 

::: قراءة آبـائية :::

قِراءة من مار أفرام السّرياني (أناشيد الميلاد، النَّشيد الثامن، الأبيات 14-16)

راحيلُ صَرَخَتْ بِزَوْجِهَا قالَت: "هَبنِي بَنين"
طوبَى لِمَريَم، وَهِيَ مَا سَأَلَتْ
حَلَلْتَ بِحِضْنِهَا بِقَدَاسَة.
يا للموهِبَةِ التي أَلْقَتْ بِنَفْسِهَا على آخِذِيْهَا!

حَنَّةُ بِدُمُوْعٍ مُرَّةٍ سَأَلَتْ وَلَدًا
سَارَة وَرَفقا بِنُذُورٍ وَكَلِمَات
وَأليصاباتُ أَيضًا بالصَّلاة
وَإذ تَعَذَّبْنَ مَدًى طَويلاً، تَعَزَّيْنَ

طوبَى لِمَريَم، فَإنَّهَا بِلا نُذُوْرٍ وَلا صَلاة
بِبَتولِيَّتِهَا حَبِلَتْ وَوَلَدَتْ
سَيِّدَ جَميعِ أَبْنَاءِ رَفيقَاتِهَا
الَّذينَ كَانوا وَيَكونونَ أطهارًا وَأَبْرَارًا، كَهَنَةً وَمُلوكًا 

::: تــــأمّـل روحي :::

دع نفسك تندهش

في كلّ مرّةٍ أدخل مسكن الروح في أعماقي، أختلي في منزلي الداخلي حيث أرتاح وحيث الله العليّ الّذي أعبده حلّ متصاغرًا لأجلي، تقودني إليه تلك العظمة المتواضعة الصامتة الوديعة، المشعّة بالطهر والبرارة والحنوّ، فأندهش في كلّ مرّةٍ وبرفقة جنين نفسي، التي لطالما سبحته (الله) بهزيز الروح، أغوص في العمق لأرى سمات الخالق، أشعر أن ذاك المكان هو سماء كياني التي يسكنها الله منذ إعتمدت على إسمه فأبتهج.
هناك يلتقي فيها هذا الجنين- الحاضر المنتظر- بالكلمة المتجسّد في أحشاء القلب، هناك الإندهاش، وهناك يرتكض فرَحًا وتنطلق تسابيح المجد لإلتقاء السماء بالأرض ويأخذ السلام مكانه في الأعماق ليملأها ويفيض من حولها مرنّمًا بأناشيد الفرح والشكران.
أليس هذا ما حدث مع أليصابات حين إلتقت مريم، وإرتكض الجنين في بطنها؟
يا لروعة هذا اللقاء، يا لِعَظَمة هذا السرّ، يا لِجمال هذه الحالة التي قلّما نشعر بها رغم إشتياقنا لها ورغبتنا لو تكون دائمة ولكن:
أين نحن من جهوزيّة نفسنا لهذا اللقاء؟
أين نحن من الإنتظار المسيحي اليوم؟
أين نحن من الإندهاش لحضوره وعمله المستدام فينا لحظة بلحظة بكلّ هدوء؟
أين نحن من الإيمان بحملنا لهذا الجنين الشخصيّ رغم عقمنا الروحي في أغلب الأحيان؟
ربّما الضيقات والشدائد التي تعصف بحياتنا في هذا الزمن هي متنوّعة الوجوه وكثيرة، وتلهينا عن تغذية علاقة الحبّ التي تربطنا بالله فتأخذنا بواقعها من حميميّتنا مع الله وتنسينا إلتزاماتنا تجاه هذا الحبّ، غير منتبهين إلى حضوره الدائم الّذي يشعرنا بالإرتياح وأنّه دائمًا هو الأقرب منّا إلى نفسنا.
رغم صعوبة ذلك فهي لا تُقارَن بزمن الـ"صِفْر"، زمن التجسّد حين أحرق هيرودس المدينة بكاملها وقتل أطفال بيت لحم خوفًا على مُلكِه من "ولادة طفلٍ مخلّص" سيكبر ويحكم ويقضّ مضجعه، زمنٍ كانت فيه الكلمة الفصل للإستعباد والجزية والإستغلال وغيرها...
زمن كانت الحروب والمسافات والقوانين الجائرة تأخذ من تعب الإنسان ووقته وراحته ودخله لتلهيه بلقمة عيشه وأحيانًا تلقي به تحت سقف الفقر، زمنٍ أقلّ ما يُقال فيه أنّه قسّى قلوب الكثيرين وغيّب صورة الله الحقيقيّة عن حياتهم، إذ لم يروا فيه سوى ذاك الإله الّذي ينتقم ويعامِل على أساس "العين بالعين والسنّ بالسنّ" مجازيًا الشرّ بالشرّ فيضرب بالأمراض والعاهات والكوارث وغيرها... وظلّ إنتظارهم متعلّقًا بالأرض فإنتظروا إلهًا يأتيهم بالخلاص من حكمٍ بشريًّ رومانيّ لا من الموت الأبدي.
أمّا القلّة الباقية فظلّ إنتظارها رجاءً وإيمانًا بتحقيق الله الحنان والحبّ لوعده، فحملت وديعة الإيمان وإختبار رحمته لشعبه عبر الأجيال، لأنّ الكلمة أقوى من أي شرٍ وظلم وأمضى من أيّ سيفٍ يجوز في عمق النفس.

اليوم، فرصة جديدة يعطيها لنا زمن الإنتظار. فرصة جديدة لندخل مسكننا في أحشاء النفس بصمتٍ مقدّس ونجعل إشتياق جنيننا المكبوت والمغمض العينين يلتقي الله ويعاينه بإبنه يسوع بالروح. فهلمّوا نحثّه على النظر إليه بشجاعة، يتأمّله في كلّيته بلاهوته وناسوته ويشتاق ليغْتذي بما تركه لنا من زادٍ في سرّ الإفخارستيّا، حينها لا بدّ له (للجنين) من أن يرتكض مع يوحنّا ويفرح به وبأمّه البتول مريم فينطلق بنا بإندهاشٍ كبير وفرحٍ عارم بلقاء من أحبّنا بالمجّان وأتى بنفسه لا لزيارتنا وحسب بل للسكن فينا ليلِدَنا للحياة أبدا.
 

::: تـــــأمّـل وصلاة :::

ربِّي وإلهي ... يا مَن جعلت مِن خلقك وسائل لنقل محبتك للجميع وبالأخص لمَن كانوا بعيدين عنك في ظلمةٍ، أشكرك.
ربِّي وإلهي ... يا مَن أفرح البشرية بعطاياه، أشكرك.
ربِّي وإلهي ... يا مَن أحبنا بكل كيانه وقوته المجد لك، أشكرك.
ربِّي وإلهي ... يا مَن رأى تعانق الياسمين مع ورد الجوري الصغير محبّةً فكان متعةً لعينك فسخاءً من روحك علامة رضاك، وفرحةً لمَن بأحشائهما، أشكرك.
ربِّي وإلهي ... إنتظرت أليصابات زمنًا طويلاً لتفرح بحسب الجسد، وحين نالت فرحتها غطّى عليه فرحٌ من نوعٍ آخر، فرحٌ بالروح ملأ كيانها وأنساها فرحتها وبدَل من أن تنشر فرحتها أخذت تُنشد فرح روحها. أعطنا يا رب أن نُدرك أن هذا الجسد سيفنى بأحلامه وأفراحه وأحزانه ولن يدوم سوى الروح وفرحه، ولَك الشكر على الدوام، آمين. 

::: نـوايا وصلاة شكر للـقدّاس :::

نوايا للقدّاس

1- (المحتفل) نضع أمامك الكنيسةَ السائرة بحَسَبِ الوعدِ مع رُعاتِها، وخاصَّةً مار فرنسيس بابا روما، ومار بينيديكتوس السادس عشر، البابا، الفخري، ومار بشارة بطرس بطرِيَركِنا الأنطاكيّ، ومار نصر الله أبينا، ومار جورج مُطراننا مع الأساقِفَة والكَهَنَة والمُكَرَّسينَ، كَي يَبقى رَجاءُهم بالمسيحِ يسوع، الّذي به وفيه ومعه تمّ الخلاص والانتصار على كلِّ حِقدٍ وشَرّ، نسألك يا رب.
2- مع ابراهيم، صُدِّقَ الوعد، مع زكريا، ابتدأ التنفيذ، ومع مريم كانَ التجاوُب المثالي بالطاعةِ والاسراعِ إلى الخِدمة، أعطنا، أن نتابعَ المسيرةَ بحبٍّ وإخلاص، فنستعدَّ لاستقبالِ وِلادةِ المسيحِ في قلوبِنا لِتَنعَكِسَ على حياتِنا، فرحًا وخِدمة، نسألك يا رب.
3- ختمتَنا جميعًا بروحِكَ القدّوس، وجعلتَنا ميراثَا لك بالمسيحِ يسوع، لم تنظُر إلى ضُعوفاتِنا، بل إلى ما وهبتَنا مِن نِعَمٍ تُدهِشُ العالم؛ أعطنا أن نؤمنَ بمواهبِكَ فينا وبعَطاياكَ الغزيرةِ لنا، فننالَ الطوبى الّتي نالتها مريم، نسألك يا رب.
4- جميعنا مَرضَى، وجميعُنا بحاجةٍ إليكَ لِتَشفي جراحاتَنا النفسيَّة والجسديَّة، باركنا، وحَوِّل آلامَنا بِنِعمتك لِتكونَ حافزًا لنا للتقدّمِ وإثباتِ الذّات، فنتشارك مع ابنك بِتَمجيدِ اسمكَ، نسألك يا ربّ.
5- (المحتفل) بِرجاءٍ عظيم، نستودعك جميعَ الّذين فارقونا، استقبلهُم بِرَحمتك، وأجلِسهم على مائدَتك بِحَسَبِ وعدك، فيعاينوا نورك البهيّ، غافِرًا لنا ولهم الخطايا والزلاّت.

 

صلاة شكر للقدّاس

نُباركُكَ لأنّك باركتَنا بكلِّ بركةٍ روحيّة في السماوات،
نمدحكَ لأنّك اخترتنا من قبلِ إنشاءِ العالم، لِتجعلَنا قدّيسين،
نُحبّك لأنَّك بِمَحبَّتِكَ، حدّدتَنا وصقلتَنا لِنُصبحَ أبناءً لك بالمسيحِ يسوع،
نشكرك لأنَّك جعلتنا ميراثًا لك، ونحمدُكَ لأنّك ختمتنا بالروح القدس عربون هذا الميراث،
نسجد لك لأنّك وسمتَنا بِجسد ابنِك ودمهِ الأقدَسَين،
نباركُكَ، ونمدحك، نحبّك، ونشكرك، نحمدُك، ونسجد لك، لأنّك تثق بنا رغمَ كلِّ شيء،
أيّها الآب مع ابنك وروحك القدّوس من الآن وإلى الأبد، آمين.

الأيقونة
من محفوظات أبرشيّة قبرص المارونيّة


المراجعة العامّة

من إعداد
الخوري نسيم قسطون
nkastoun@idm.net.lb
https://www.facebook.com/pnassim.kastoun

 

المقدّمة، الصلاة، أفكار من الرّسالة وأفكار على ضوء الإنجيل وقراءة آبائية

من إعداد
الخوري يوحنا-فؤاد فهد
fouadfahed999@gmail.com
https://www.facebook.com/fouad.fahed.902?fref=ts

 

 تأمّل روحي

من إعداد

السيدة جميلة ضاهر موسى
jamileh.daher@hotmail.com

https://www.facebook.com/jamileh.daher?fref=ts

 

تأمّل وصلاة  - تدقيق

السيّدة نيران نوئيل إسكندر سلمون
niran_iskandar@hotmail.com 

https://www.facebook.com/nirannoel.iskandarsalmoon?ref=ts&fref=ts

 

نوايا وصلاة شكر للقدّاس
من إعداد
السيدة مادلين ديب سعد

madeleinedib@hotmail.com

https://www.facebook.com/madeleine.d.saad?ref=ts&fref=ts