الأيقونة من محفوظات أبرشيّة قبرص المارونيّة

زمن الميلاد المجيد


أحد بشارة العذراء
(26 تشرين الثاني 2017)

::: مـقدّمــة :::

بَعْدَمَا تَأَمَّلْنَا بإيمان إبراهيم وَأَهَمِّيَتهُ في حَيَاتِنَا، وَبَعْدَمَا تَأَمَّلْنَا ببشَارَةِ زَكَرِيَّا الّذي أَظهَرَ عَدَم إيْمَانَهُ بوَعدِ الله لإبراهيم، فَأَسْكَتَ الله لِسَانَهُ لِيَفْتَحَ قَلْبَهُ وَيَقبَلَ عَطِيَّة الإيمان؛ يَأتِي هذا الأَحَد لِيَضَعَ أَمامَنَا مَشْهَدًا آخَر: مَريَم المُؤمِنَة باللهِ وَقُدْرَتِهِ.
- في الرِّسالَة إلى أَهلِ غَلاطِيَة يُشَدِّد بُولُس الرَّسول على أَهَمِّيَّة الوَعد الإلهِي. فالله لَمْ يُعطِ الإنسانَ الخَلاص بِناءً على شَريعَة، بَلْ بِنَاءً على وَعْدٍ مُرتَكِزٍ على قَسَمٍ قَطَعَهُ الله لإبراهيم: "بِنَفْسِي حَلَفتُ، يَقولُ الرَّبّ، بِمَا أَنَّكَ فَعَلْتَ هذا وَلَمْ تُمْسِكْ عَنِّي إبْنَكَ وَحيدَكَ، لأُبَارِكَنَّكَ وَأُكَثِّرَنَّ نَسْلَكَ كَنُجُومِ السَّماءِ وكَرَمْلِ البَحر" (تكوين 22: 16-17). وَمِنْ هذا النَّسل، وَعَدَ الله بِأَنْ يُرْسِل المُخَلِّص.
- في الإنجيل، يَظهَر لَنَا كَيفَ بَدَأَ الآب بِتَحقيقِ الوَعد: سَيَتَجَسَّد مَولودًا من إمْرَأَة. فَأَرْسَلَ مَلاكَهُ إلى عَذراءَ مَخطوبَة من رَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاود، مِنْ بَيْتِ المَلِكِ الّذي هُوَ بِحَسَبِ قَلْبِهِ، المَلِك الّذي إخْتَارَهُ لِيَقودَ الشَّعب، المَلِك الّذي سُمِّيَ "مَسيحَ الرَّب".
• لَمْ يَنْسَى الله تَاريخَ الإنسان. بَلْ ظَلَّ حَاضِرًا فيهِ بالرُّغمِ من عَدَم إحساس الإنسان بِقيمَة هذا الحُضُور؛ وَظَلَّ أَمينًا لِوُعودِهِ، بالرُّغمِ مِنْ عَدَمِ أَمَانَةِ الإنْسَان. 

:::::: صـلاة :::

أَيُّها الآب السَّماوِي، مِثلَمَا أَرْسَلْتَ مَلاكَكَ إلى مَريَم يُهديها سَلامَك، إزرَع سَلامَكَ في ضَمَائِرِنَا لِيُثمِرَ أَمَانَةً لَكَ وَمَحَبَّةً لإخوَتِنَا.
أَيُّها الإبنُ المَحبوب، مِثلَمَا نَزَلْتَ في حَشَا البَتولِ طِفلاً، إجعَل أَحشَائَنَا مَوطِنًا لَكَ، إذ تَدخُلهَا تحتَ شَكلَي الخُبز وَالخَمْر. حَوِّل أَحْشَائَنَا إلى هَيَاكِلَ تَعكُسُ للعالَمِ نُورَكَ الإلهي.
أَيُّها الرُّوحُ القُدُس، يَا كَاشِفَ أَعْمَاقَ الضَّمائِر، نَوِّرنَا بِشَريعَةِ المَحَبَّة، فَنَعْرِفَ أنَّ اللهَ مَحَبَّة، وَأَنَّ عَلَيْنَا أَنْ نُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا كَمَا أَحَبَّنَا. لَكَ المَجدُ مَعَ الآبِ وَالإبن إلى الأَبَد. آمين. 

::: الرسالة :::

15 أَيُّهَا الإِخْوَة، كَبَشَرٍ أَقُول: إِنَّ الوَصِيَّة، وإِنْ كَانَتْ مِنْ إِنْسَان، إِذَا أُقِرَّتْ، لا أَحَدَ يُبْطِلُهَا أَو يَزِيدُ عَلَيْهَا.
16 فالوُعُودُ قِيْلَتْ لإِبْراهِيمَ وَلِنَسْلِهِ. ومَا قِيْلَتْ: "ولأَنْسَالِهِ"، كأَنَّهُ لِكَثِيرِين، بَلْ "وَلِنَسْلِكَ"، كَأَنَّهُ لِوَاحِد، وهُوَ الـمَسِيح!
17 فأَقُولُ هـذَا: إِنَّ وَصِيَّةً سَبَقَ اللهُ فأَقَرَّهَا، لا تُلْغِيهَا شَرِيعَةٌ جَاءَتْ بَعْدَ أَرْبَعِ مِئَةٍ وثَلاثِينَ سَنَة، فَتُبْطِلُ الوَعْد.
18 وإِذَا كَانَ الـمِيرَاثُ مِنَ الشَّرِيعَة، فَهُوَ لَمْ يَعُدْ مِنَ الوَعْد؛ والـحَالُ أَنَّ اللهَ بِوَعْدٍ أَنْعَمَ بِالـمِيرَاثِ على إِبرَاهِيم.
19 إِذًا فَلِمَاذَا الشَّرِيعَة؟ إِنَّهَا أُضِيفَتْ بَسَبَبِ الْمَعَاصِي، حَتَّى مَجيءِ النَّسْلِ الَّذي جُعِلَ الوَعْدُ لَهُ. وقَدْ أَعْلَنَهَا مَلائِكَةٌ على يَدِ وَسِيطٍ، هُوَ مُوسى.
20 غيرَ أَنَّ الوَاحِدَ لا وَسيطَ لَهُ، واللهُ واحِد!
21 إِذًا فَهَلْ تَكُونُ الشَّرِيعَةُ ضِدَّ وُعُودِ الله؟ حاشَا! فَلَو أُعْطِيَتْ شَرِيعَةٌ قَادِرَةٌ أَنْ تُحْيي، لَكَانَ التَّبْرِيرُ حَقًّا بِالشَّرِيعَة.
22 ولـكِنَّ الكِتَابَ حَبَسَ الكُلَّ تَحْتَ الـخَطِيئَة، لِكَيْمَا بالإِيْمَانِ بيَسُوعَ الـمَسِيحِ يُعْطَى الوَعْدُ للَّذِينَ يُؤْمِنُون.

(الرّسالة إلى أهل غلاطية – الفصل 3 - الآيات 15 إلى 22) 

::: حـــول الرسالة :::

في هذا المَقطَع من الرِّسالَة إلى الغَلاطِيين، يَضَعُ بُولُس الرَّسول نُصبَ أَعيُن الكَنسيَة وَعدَ الله الّذي عَلَيْهِ بُنِيَ الخَلاص، وَيُشَدِّد على نُقطَة أَسَاسِيَّة وَهيَ: إنَّ الله قَطَعَ لإبراهيمَ الوَعد مُرفَقًا بِوَصِيَّة (هُوَ يَكونُ إلهًا وذريَّة إبراهيم تَكونُ شَعبًا). المُشكِلَة هُنَا أَنَّ الله بَقِيَ أَمينًا لِوَعدِهِ، فَأَعْطَى الإنسَانَ كُلَّ شَيء... وَلَكِنَّ الإنسانَ أَخَلَّ بالأمَانَة وَلَمْ يَكُن دَائِمًا لله. بَل تَرَكَهُ في أَوْقَاتٍ كَثيرَة وَخَانَ الوَعد. وَبِسَبب خِيَانَتِهِ للوَعد فَتَرَت المَحَبَّة في قَلْبِهِ. فَأَعطاهُ الله الشَّريعَةَ لِيَضَعَ مِنْ خِلالِهَا حَدًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخيهِ الإنسَان فَلا يُؤذِيه. فالوَعد هُوَ صِلَة مُبَاشَرَة بالله وَإتحاد الإنسان بِأَخِيهِ الإنسَان. أَمَّا الشَّريعَة فَهِيَ نَتيجَة خَطيئَة الإنسان الّذي تَبِعَ ذاتَهُ وَأَنْكَرَ الله بعدم ثقته به وبكلامه.
ونحن:
- هَلْ نحنُ أَبْنَاءَ الوَعد أمْ أَبْنَاءُ الشَّريعَة؟ إن كُنَّا أبناءَ الوَعد فَنحنُ لله، وَاللهُ فِي قُلوبِنَا. أَمَّا إن كُنَّا أبْنَاءَ الشَّريعَة فنحنُ لِذَوَاتِنَا، ضِدَّ إخوَتِنَا البَشَر، وَاللهُ غائِب.
- هَلْ نُتَرْجِمْ إيْمَانَنَا بالوَعدِ الإلهِي لنا مِنْ خِلالِ مَحَبَّتِنَا لإخوَتِنَا البَشَر؟ فَإن آمَنَّا بِأَنَّ اللهَ يُحِبُّنَا فَحَقَّقَ لَنَا وَعدَهُ إذ أَرْسَلَ إبْنَهُ الوَحِيد لِيَغسِلَ بِدَمِهِ خَطَايَانَا، نُصبِح قادِرين على مَحَبَّةِ إخوَتِنَا، فَنَخرُج مِنْ أَنانِيَّتَنَا، وَننظُر إلى الآخَر بِعَينِ الله.
لِنَكونَ أَبْنَاءَ الوَعد، عَلَيْنَا أَنْ نَحيَا للهِ أَوَّلاً، وَأَنْ نَكونَ للهِ دونَ سِوَاه. 

::: الإنجيل :::

26 وفي الشَّهْرِ السَّادِس، أُرْسِلَ الـمَلاكُ جِبْرَائِيلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِلى مَدِينَةٍ في الـجَلِيلِ أسْمُهَا النَّاصِرَة،
27 إِلى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاودَ أسْمُهُ يُوسُف، وإسْمُ العَذْرَاءِ مَرْيَم.
28 ولَمَّا دَخَلَ الـمَلاكُ إِلَيْهَا قَال: "السَّلامُ عَلَيْكِ، يَا مَمْلُوءَةً نِعْمَة، الرَّبُّ مَعَكِ!".
29 فَإضْطَربَتْ مَرْيَمُ لِكَلامِهِ، وأَخَذَتْ تُفَكِّرُ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هـذَا السَّلام!
30 فقَالَ لَهَا الـمَلاك: "لا تَخَافِي، يَا مَرْيَم، لأَنَّكِ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ الله.
31 وهَا أَنْتِ تَحْمِلينَ، وتَلِدِينَ إبْنًا، وتُسَمِّينَهُ يَسُوع.
32 وهُوَ يَكُونُ عَظِيمًا، وإبْنَ العَليِّ يُدْعَى، ويُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ عَرْشَ دَاوُدَ أَبِيه،
33 فَيَمْلِكُ عَلى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلى الأَبَد، ولا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَة!".
34 فَقالَتْ مَرْيَمُ لِلمَلاك: "كَيْفَ يَكُونُ هـذَا، وأَنَا لا أَعْرِفُ رَجُلاً؟".
35 فأَجَابَ الـمَلاكُ وقالَ لَهَا: "الرُّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وقُدْرَةُ العَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، ولِذلِكَ فالقُدُّوسُ الـمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى إبْنَ الله!
36 وهَا إِنَّ إِلِيصَابَاتَ نَسِيبَتَكِ، قَدْ حَمَلَتْ هيَ أَيْضًا بإبْنٍ في شَيْخُوخَتِها. وهـذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الَّتي تُدْعَى عَاقِرًا،
37 لأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى اللهِ أَمْرٌ مُسْتَحِيل!".
38 فقَالَتْ مَرْيَم: "هَا أَنا أَمَةُ الرَّبّ، فَلْيَكُنْ لِي بِحَسَبِ قَوْلِكَ!". وإنْصَرَفَ مِنْ عِنْدِها الـمَلاك.

( إنجيل القدّيس لوقا – الفصل 1 - الآيات 26 إلى 38) 

::: تـــأمّل من وحي الإنجيل :::

مِثالاً حَيًّا عَن الّذي تَكَلَّمْنَا عَنْهُ في الرِّسالَة: مَريَم. إنَّها إبنَة الوَعد، تَحيَا للهِ أَوَّلاً، وَهِيَ للهِ دُونَ سِوَاه. عِنْدَمَا أَكَلَت حَوَّاء من الشَّجَرَة التي نَهاها الله عَن أنْ تَأكُلَ مِنْهَا، قامَتْ بِذلِكَ لأَنَّ الحَيَّةَ أَقْنَعَتْهَا بِأنَّهَا سَتَصيرُ وَآدَم آلِهَة، بِأَنَّهَا سَتَتَخَلَّى عَنْ خالِقَهَا لِتَجْعَلَ مِنْ نَفْسِهَا إلهًا. تِلكَ هِيَ الخَطيئَةُ الأصلِيَّة: أن نُسَاوِي أنْفُسَنَا أو أي شَيء آخَرَ بالله، وَأنْ نَجْعَلَ الله خَيَارًا بَيْنَ عِدَّة خَيَارات. فاللهُ لَيْسَ خَيَارًا! إنَّهُ الخالِقُ الّذي أَوْجَدَنَا وَأَوْجَدَ لَنَا كُلَّ شَيء. فَإمَّا أنْ نَقْبَلَهُ حَاضِرًا في حَيَاتِنَا أَوْ أنْ نَحجُب حُضُوْرَهُ.
أَتَى المَلاكُ إلى مَريَم، يُبَشِّرُهَا بالمَشروع الإلهِي لِخَلاص البَشَر. لَمْ يَكُن اللهُ خَيَارًا بَيْنَ خَيَارات، وَلَمْ يَكُن مِنْ أُوْلَوِيَّة في حَيَاتِهَا سِوَى الله. فَآمَنَت بِمَا قيلَ لَهَا وَهَتَفَتْ: "ها أَنَا أَمَةُ الرَّب، فَلْيَكُنْ لِي بِحَسَبِ قَوْلِكَ".

ونحن:

- مَفَاعيل الخَطيئَة الأصلِيَّة مُتَعَدِّدَة الظَّواهِر في حَيَاتِنَا! فنحنُ نحتار بين: القدّاس أو نزهة الصَّيد؟ القدّاس أو النّوم حتّى منتصف النَّهار؟ الصلاة أو الـ"ديوان"؟ حُضُور سَهرَة إنجيليَّة أم الجُلوس أمام التِّلفاز؟ وَقَد تَصِل هذه المَفَاعيل إلى ما هُوَ أَعْظَم، فَتَمَسُّ إرادَةَ الحَيَاة التي لله: نَحمل مَسؤولِيَّة طفل أم إجهاض؟ نَتَزَوَّج أمام الله والكَنيسة أم نَزني؟ ...إلخ. فَمَاذا يَكونُ مَوقِفنا؟ هَل نُصِرّ على جَعل الله وَمَا أوصانا بِهِ خَيَارًا ضِمْنَ خَيَارات أُخرَى أَقَلّ قيمَة؟ أمْ نَضَعُ اللهَ أَوَّلاً في حَياتِنَا، وَنَفهَم أَنَّ كُلّ مَا عَلَيْنَا فِعْلُهُ هُوَ قِراءة مَشروعه في حَيَاتِنَا، وَالعَمَل عَلَى تَحقيقِهِ لِننالَ الخَلاص؟
- مَن هِيَ مَريَم في حَيَاتِنَا؟ أَلا يَجِب أنْ تَكونَ لَنَا المِثال، وَهِيَ البَريئَة من دَنَس الخَطيئَة الأَصْلِيَّة؟
فَلنَهتِف لِمَريَم دائِمًا: "يا مَريَم البَريئَة من دَنَس الخَطيئَة الأَصلِيَّة! صَلِّي لأَجْلِنَا نَحْنُ المُلتَجِئِيْنَ إلَيْكِ!"، آمين. 

::: تــــأمّـل روحي :::

"يا ممتلئة نعمة"
في بيتٍ كسائر بيوت الناصرة، فتاة يانعة أسمها مريم، لم تأخذها الأعمال المنزلية اليوميّة من الصلاة والغوص في الكتاب المقدّس، فقلبها كان يقودها دومًا إلى المكان الّذي تحبّه، إلى حضرة الله لتتحاور معه بترنيم المزامير وقراءة الأسفار التي غرفت منها كلّ معرفةٍ، وعمّقت علاقتها به، وملأت قلبها بالسلام، متأمّلةً بالنبؤات الممهِّدة لمجيء يسوع المخلّص، مؤمِنةً بالوعد المنتظر.
هناك في عمق سرّ ذلك البيت الصغير وهدوئه، حديثٌ من بضع كلماتٍ تكلّلت بالـ"نعم" تبادلها الملاك مع تلك الصبيّة، كان كافيًا لإعلان السرّ العظيم ودخول البشرية في تاريخ الخلاص: إنّ الله آتانا.
آتانا وكشف لنا كم أنّ الحبّ لا يحتاج إلى الهياكل والقصور ولا إلى المخمل والحرير، ولا إلى الماس والحواشي من الناس، ولا إلى كمال الأجسام وسطحية الحياة والآنية والماديّة...، هو فقط يبحث عن قلبٍ صغيرٍ يعرف كيف يكون حرًّا، يستقبل ويَهَب دون قياس.

هذه أنتِ يا مريم يا عروسة الروح القدّوس وإبنة الآب، هذه أنتِ التي آمنت دون أن تعرف شيئًا، فكنتِ حاضرة حين بشّرك، وحلّ في حشاك كلمته ليهبك نعمة الأمومة الفائقة وأنتِ بتول.
وثقتِ لأنّك تعلمين أن الله صادقٌ في وعوده وأمينٌ. وثقتِ ولم تغلقي ولو لمرّةٍ باب إنتظاره لأنّ قلبك كان ملتهبًا بحبّه، فما أن سلّم عليك وناداك ذلك اليوم بإسمك الجديد: "يا ممتلئة نعمة"، حتى شعرت بحضورٍ ليس ببشريّ، وحين عرفته أدركت، بتواضعك الكبير، أن العريس المنتظر قد أتى، فـ"ظلّلتك نعمة العليّ" وبحلوله لم يعد حضوره بالروح فقط بل أصبح حاضرًا بالجسد أيضًا.
إبتهاجك الوديع يا مريم فتح قلبنا على جمال الأمومة (الأمومة الجسدية بالزواج كما الأمومة الروحية بالتكرّس) وما تحمله من مسؤوليّة رسوليّة وأسمًا جديدًا لكلًّ منّا. إبتهاجك أعلن ويعلن عن حضور الله بيننا ويضفي لمسة حنانٍ على حياتنا المترنّحة بين الأحزان والمصاعب. إيمانك فاض فيك إبتهاجًا ("ها أنا أمة للربّ") وجعلك تتولّين مسؤولية حياتك وحياة الرسل والبشرية جمعاء وتسيرين معها يومًا بيوم ولحظةً بلحظة.

بالظاهر بقيتِ كما أنتِ يا مريم، لكنّ النور الّذي ملأك أضاء أعماقك بإدراكٍ مختلف على ضوء الكلمة، ورسالة السماء لك أدخلتك في تأمّلٍ عميق من نوعٍ جديد لتتجلّى مفاعيلها في حياتك يومًا بعد يوم، وحظيت بأمومة طفلٍ لا يشبه أيًا من أطفال الأمهات قاطبةً، جاعلاً منك أمًا إختبرت فرحًا لا يوصف، فرحًا لم تختبره أيًا من أمهات العالم: أمًا- عذراء ووالدة الإله.
أنتِ التي لم تنظري إلى ذاتك يا بتول إلاّ من خلال الله وعلى ضوء الإيمان فتواضعت حتى الثمالة، ساعدينا اليوم لِنفهم عطيّة هذا النور الّذي لبسناه في المعموديّة كي لا تتعثّر خُطانا في مسيرتنا نحو الآب. ساعدينا أن نتعلّم كيف ننظر إلى ذواتنا من خلال الله مثلك بدل أن نقف أمام مرآة ذاتنا حيث لا نرى إلّا الّذي نرغب في أن نراه، ونتجاهل ما يشوّه قلبنا ونفسنا.
أنتِ التي خوفك لم يكن خوف الجبان بل خوفًا يتدفّق تواضعًا، ساعدينا كي ندرك أنّه بالتواضع نستطيع أن نكتشف الحبّ الّذي وهب لنا ذاته بالمجّان بكلّ ما له. علّمينا يا فائقة القداسة كيف نفهم أنّ نوره يكشف لنا أنّنا لسنا أشخاصًا نتمتّع بكرامةٍ كبيرة فقط، بل وأكثر من ذلك بكثير: إننا أبناء الله بيسوع المسيح.

فيا أمّنا، إستمدّي لنا كلّ نعمة ترفعنا من تراب العالم وتُحوّل خوفنا من اللحظة إلى ثقة وإيمانٍ ثابت بحنان الله، وتزيّننا بالتواضع حتّى إذا ما باغتنا "الملاك" يجدنا منتظرين مستعدّين حاضرين. 

::: تـــــأمّـل وصلاة :::

ربي وإلهي ... ما أكثر ما كُتب عن خطيئة حواء وآدم وضعفهما أمام حِيَل الشيطان والإستجابة لرغباتهم الداخلية حين طلبتَ منهم أن لا يأكلوا من شجرة مُعيّنة. ولقد كانت "المعصية لكلمتك" هي "الخطيئة"، وعلى هذا التعريف أُعتبر كلَّ مَن يُخالف أي وصيّة من وصاياك هو إنسان خاطيء. ولقد وضع آباء الكنيسة عمقًا أكبر لمفهوم الخطيئة وبالتالي تعريف "التوبة" و"الإيمان" ليتسنى للإنسان التصرف الصحيح. وهذا العمق جاء نتيجة فهم الكنيسة لك "الله المحبة الآب الضابط الكل"، فإن تساءلنا "ما هو الّذي آلمك، أهو عدم الطاعة أو شيئًا آخر؟"، سنجد أن "عدم الطاعة لكلامك" سببه الرئيسي هو "عدم الثقة بك"، وهذا هو تعريف الخطيئة. ولذلك نرى الربّ يسوع، إبن الإنسان، الكليّ الصلاح (الّذي أراد أن يُعوّض عن كل الإهانات التي أصابتك مِن قِبل الإنسان) في بداية رحلة الآلام، في جبل الزيتون، يوثّق بدمه العهد بين الإنسان وبينك قائلاً "لتكن مشيئتك، لا مشيئتي"، وفي نهاية الرحلة قال "بين يديك أستودع روحي"، ومضمون هذه الكلمات جاء على لسان العذراء مريم، أم الرّب يسوع المُخلّص، إذ قالت: "هَا أَنا أَمَةُ الرَّبّ، فَلْيَكُنْ لِي بِحَسَبِ قَوْلِكَ!".

ربي وإلهي ... حواء، المرأة الأولى، أرادت أن تتذوّق أمورًا تجهلها لتنال الألوهية (التكوين 3: 4)، بينما مريم العذراء، المرأة الثانية، إنصاعت لمشيئتك وقالت لك بكلِّ حواسها وفي كلِّ الأوقات: "لِتكُن مشيئتُك، فحبُّك وَحْدهُ يكفيني". حواء سمحت للشيطان أن يغزو قلب أبنائها ويبثّ السم في قلوبهم فيموتوا، في حين أن نسل مريم العذراء هو مَن سحق رأس الشيطان وأزال سمومه مِن قلوب كثيرين ليحيوا (التكوين 3: 15). حواء أبعدت الإنسان عن وجهك، بينما مريم العذراء ولدت "الله المُتجسّد" لتراك البشرية أجمع وتنعم بدفء محبتك. لك الشكر الجزيل على الدوام، آمين. 

::: نـوايا وصلاة شكر للـقدّاس :::

نوايا للقدّاس

(سبق نشرها في 2014)

1- (المحتفل) في الأسبوعِ الثاني مِن زَمَنِ الميلاد، نُصَلِّي من أجلِ البيعة المُقَدَّسة، والمسؤولين فيها، خاصَّةً مار فرنسيس بابا روما، ومار بينيديكتوس السادس عشر، بابا روما الفخري، ومار بشارة بطرس بطرِيَركِنا الأنطاكيّ، وأبينا مار نصرالله، ومار جورج مُطراننا مع الأساقِفَة والكَهَنَة والمُكَرَّسينَ على إسمِكَ القدّوس، كَي يَعيشوا، على مِثالِ مَريَم، الأمانةَ للنَعَم الّتي أعلَنوها، نسألك يا رَب.

2- أعطِنا أن نَنالَ الوَعدَ الّذي وَعَدتَهُ لإبراهيمَ ولِنَسلِه، رُغمَ ضُعوفاتِنا وكَثرةِ آثامِنا، فنثِقَ بِأنَّك قادِرٌ أن تُقَدِّسَنا، فنَهتفُ مع مريَم: نحنُ أمتُكَ، فليَكُن لنا بِحَسَبِ قَولِك، نسألك يا رب.

3- لأنَّهُ ليسَ علَيكَ أمرٌ مُستحيل، وفي زمنِ الخصوبةِ هذا، نضَعُ أمامكَ كلَّ مَن يتوقُ للإنجابِ، أحلَّ عليهم روحَكَ المُحيِي، فتحيَا أحشاءَهُم، وتلدَ البنينَ والبنات، نسألك يا رب.

4- نضَعُ أمامكَ جميعَ المَرضَى، وخاصَّةً مَن طالَ مَرَضُهُم وفقدوا الأمل، إستَجِب طِلبَتَهُم بالشِفاءَ، وإمنَحِ الصَبرَ والتَفَهُّم لِمَن يُحيطُ بِهم، فيُعاملوهُم بِحُبٍّ ورأفة، نسألكَ يا رب.

5- (المحتفل) نُصَلّي مِن أجلِ مَن فارقونا في هذه الحياة، إستقبِلهُم بِنعمتِكَ، وأدخِلهُم المنازلَ المُعَدّة لهم، وإمنحِ العزاءَ لِمَن يَفتقِدَهُم، وإغفِر لنا ولهُم الخطايا والزلاّت.  

 

صلاة شكر للقدّاس

(سبق نشرها في 2014)

منذُ البَدءِ خَلَقتَنا، وَحَسُنَت في عَينَيكَ خَليقتُكَ،
وعدتَ إبراهيمَ ونسله بالميراثِ الأبديّ،
وما نَسلُهُ إلاّ المسيحَ ومَن يؤمنُ به،
ولِتَحقيقِ وَعدِكَ، مَنحتَ العاقِرَ ولدًا، والعذراءَ طِفلاً،
فما مِن مُستَحيلٍ لَدَيكَ،
نشكرك، على ثِقَتِكَ بنا، وعلى حُبِّكَ لنا،
نشكرك على جسدِ إبنِكَ ودمِهِ،
نسجدُ أمامكَ، ونحمدُك مع إبنك وروحِكَ القُدّوس، من الآن وإلى الأبد، آمين.  

الأيقونة
من محفوظات أبرشيّة قبرص المارونيّة


المراجعة العامّة

من إعداد
الخوري نسيم قسطون
nkastoun@idm.net.lb
https://www.facebook.com/pnassim.kastoun

 

المقدّمة، الصلاة، أفكار من الرّسالة وأفكار على ضوء الإنجيل

من إعداد
الخوري يوحنا-فؤاد فهد
fouadfahed999@gmail.com
https://www.facebook.com/fouad.fahed.902?fref=ts

 

 تأمّل روحي

من إعداد

السيدة جميلة ضاهر موسى
jamileh.daher@hotmail.com

https://www.facebook.com/jamileh.daher?fref=ts

 

تأمّل وصلاة  - تدقيق

السيّدة نيران نوئيل إسكندر سلمون
niran_iskandar@hotmail.com 

https://www.facebook.com/nirannoel.iskandarsalmoon?ref=ts&fref=ts

 

نوايا وصلاة شكر للقدّاس
من إعداد
السيدة مادلين ديب سعد

madeleinedib@hotmail.com

https://www.facebook.com/madeleine.d.saad?ref=ts&fref=ts