الأيقونة من محفوظات أبرشيّة قبرص المارونيّة

زمن الصوم

أحد شفاء المخلّع
(26 آذار 2017)

::: مـدخــل :::

• تَضَعُ الكنيسَةُ هذا النصَّ الإنجيلِيّ في سلسلةِ نصوصِ الآحادِ التي تَسْبِقُ عيدَ الفصح؛ فبَعْدَ شفاءِ الأبرَص والمرأةِ النازفَة وبَعْدَ مَثَلِ الإبنِ الشّاطِر نَصِلُ اليوم إلى أحَدِ الـمُخَلَّع.
• يقدم لنا الرسول بولس صور حيَّة عن العلاقات الإجتماعية خاصة بين العبيد والسادة في الرب، وإنطلاقًا منها نتأمّل في عبوديّاتنا المتعدّدة الأسباب.
• نتأمّل، من خلال الإنجيل، في شفاء المخلّع، متأمّلين فيما يسبّب التخلّع في حياتنا الرّوحيّة.
• في هذا الأحد، نضع أمام الربّ تخلّعاتنا كلّها وكلّ ما يودي بنا أحيانًا إلى العبوديّة ويُبعدنا عن الحريّة التي حبانا بها الربّ! 

:::::: صـلاة :::

أيّها الربّ يَسوع، يا مَن رَأيتَ إيمانَ الرِّجالِ الأربَعَةِ مِن خِلالِ أفعالِهِم، فَغَفَرْتَ خَطايا المُخَلَّعِ وشَفَيْتَهُ بِكَلِمَةٍ واحِدَة، عَلِّمْنا أن نجلسَ دَومًا عِندَ أقدامِكَ لِنُصْغِيَ إلى كَلِمَتِكَ، فَنَفْعَلَ مَشيئَتَكَ بِكُلِّ إيمانٍ ونَنْدَهِشَ بِعَظائِمِكَ ونُسَبِّحَكَ إلى الأبَد، آمين.  

::: الرسالة :::

24 مِنَ الـنَّاسِ مَنْ تَكُونُ خَطَايَاهُم وَاضِحَةً قَبْلَ الـحُكمِ فِيهَا، ومِنهُم مَنْ لا تَكُونُ واضِحَةً إِلاَّ بَعْدَهُ.
25 كذلِكَ فَإِنَّ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ هِيَ أَيضًا وَاضِحَة، والَّتي هيَ غَيرُ واضِحَةٍ فَلا يُمْكِنُ أَنْ تَبْقَى خَفِيَّة.
1 على جَمِيعِ الَّذِينَ تَحْتَ نِيرِ العُبُودِيَّةِ أَنْ يَحْسَبُوا أَسْيَادَهُم أَهْلاً لِكُلِّ كَرَامَة، لِئَلاَّ يُجَدَّفَ عَلى إسْمِ اللهِ وتَعْلِيمِهِ.
2 أَمَّا الَّذِينَ لَهُم أَسْيَادٌ مُؤْمِنُونَ فلا يَسْتَهِينُوا بِهِم، لأَنَّهُم إِخْوَة، بَلْ بِالأَحْرَى فَلْيَخْدُمُوهُم، لأَنَّ الـمُسْتَفِيدِينَ مِن خَدْمَتِهِم الطَّيِّبَةِ هُم مُؤْمِنُونَ وأَحِبَّاء، ذلِكَ مَا يَجِبُ أَنْ تُعَلِّمَهُ وتَعِظَ بِهِ.
3 فَإِنْ كَانَ أَحدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيمًا مُخَالِفًا، ولا يَتَمَسَّكُ بالكَلامِ الصَّحِيح، كَلامِ ربِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيح، وبِالتَّعْلِيمِ الـمُوَافِقِ للتَّقْوى،
4 فهُوَ إِنسَانٌ أَعْمَتْهُ الكِبْرِيَاء، لا يَفْهَمُ شَيْئًا، بَلْ مُصَابٌ بَمَرَضِ الـمُجادلاتِ والـمُمَاحَكَات، الَّتي يَنْشَأُ عَنْهَا الـحَسَدُ والـخِصَامُ والتَّجْدِيفُ وسُوءُ الظَّنّ،
5 والـمُشَاجَرَاتُ بينَ أُنَاسٍ فَاسِدِي العَقْل، زَائِفِينَ عَنِ الـحَقّ، يَظُنُّونَ أَنَّ التَّقْوى وَسيلَةٌ لِلرِّبْح.

(الرّسالة الأولى إلى طيموتاوس - الفصل 5 الآية 24 إلى الفصل 6 الآية 5) 

::: تأمّل من وحي  الرسالة :::

بعد أن تحدث القدّيس بولس عن التنظيمات الكنسية موضحًا علاقة الراعي بفئات الشعب من شيوخ وأحداث وعجائز، ومسؤولية الكنيسة نحو الأرامل والكهنة، وسيامة الكهنة ... يقدم لنا الرسول صور حيَّة عن العلاقات الإجتماعية خاصة بين العبيد والسادة في الرّب.
إهتم الرسول في كتاباته بالعبيد الّذين قبلوا الإيمان المسيحي، مقدمًا لهم وصايا يلتزمون بها كما قدم للسادة المسيحيين وصايا تجاه العبيد. إن كان الرسول لم يقم بثورة علنية ضد نظام العبيد، لكنه بالحب والإيمان كان يهدم النظام من جذره. لقد رفع من معنوية العبد، وقدم له رسالة إيمانية خلال حياته التقوية حتى تجاه سيده القاسي.

بهذا المنظار الروحي يرفع الرسول الإنسان فوق كل الظروف المحيطة به، فيحقق غايته حتى وإن كان عبدًا لسيدٍ عنيفٍ.
لقد رفع يسوع روح العبيد، فإنه وهو إبن الله الكلمة جذب إليه البشرية لا بالكشف عن أمجاده الإلهية، وإنما بقبوله "العبودية". فجاء يغسل الأقدام بيديه كعبدٍ والقلوب بدمه الطاهر. لهذا أعلن مار بولس أنه قد إستعبد نفسه لكثيرين، حتى يرفعهم من حالة العبودية للخطية إلى البنوة الحرة لله.

إذًا في حبنا للغير هل نتهرّب من خدمهتم، أم نستعبد بكل فرح أنفسنا لهم في المسيح يسوع، نحبهم ونطيعهم ونخضع لهم في الرّب، حتى نأسر عنفهم وقسوتهم وندخل بهم إلى حرية الحب الإلهي؟ 

::: الإنجيل :::

1 وبَعْدَ أَيَّامٍ عَادَ يَسُوعُ إِلى كَفَرْنَاحُوم. وسَمِعَ النَّاسُ أَنَّهُ في البَيْت.
2 فتَجَمَّعَ عَدَدٌ كَبيرٌ مِنْهُم حَتَّى غَصَّ بِهِمِ الـمَكَان، ولَمْ يَبْقَ مَوْضِعٌ لأَحَدٍ ولا عِنْدَ البَاب. وكانَ يُخَاطِبُهُم بِكَلِمَةِ الله.
3 فأَتَوْهُ بِمُخَلَّعٍ يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةُ رِجَال.
4 وبِسَبَبِ الـجَمْعِ لَمْ يَسْتَطِيعُوا الوُصُولَ بِهِ إِلى يَسُوع، فكَشَفُوا السَّقْفَ فَوْقَ يَسُوع، ونَبَشُوه، ودَلَّوا الفِرَاشَ الَّذي كانَ الـمُخَلَّعُ مَطْرُوحًا عَلَيْه.
5 ورَأَى يَسُوعُ إِيْمَانَهُم، فقَالَ لِلْمُخَلَّع: "يَا إبْني، مَغْفُورَةٌ لَكَ خطَايَاك!".
6 وكانَ بَعْضُ الكَتَبَةِ جَالِسِينَ هُنَاكَ يُفَكِّرُونَ في قُلُوبِهِم:
7 "لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هـذَا الرَّجُلُ هـكَذَا؟ إِنَّهُ يُجَدِّف! مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ الـخَطَايَا إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ؟".
8 وفي الـحَالِ عَرَفَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُم يُفَكِّرُونَ هـكَذَا في أَنْفُسِهِم فَقَالَ لَهُم: "لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهـذَا في قُلُوبِكُم؟
9 ما هُوَ الأَسْهَل؟ أَنْ يُقَالَ لِلْمُخَلَّع: مَغْفُورَةٌ لَكَ خطَايَاك؟ أَمْ أَنْ يُقَال: قُمْ وَإحْمِلْ فِرَاشَكَ وَإمْشِ؟
10 ولِكَي تَعْلَمُوا أَنَّ لإبْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا أَنْ يَغْفِرَ الـخَطَايَا عَلَى الأَرْض"، قالَ لِلْمُخَلَّع:
11 "لَكَ أَقُول: قُم، إِحْمِلْ فِرَاشَكَ، وإذْهَبْ إِلى بَيْتِكَ!".
12 فقَامَ في الـحَالِ وحَمَلَ فِرَاشَهُ، وخَرَجَ أَمامَ الـجَمِيع، حَتَّى دَهِشُوا كُلُّهُم ومَجَّدُوا اللهَ قَائِلين: "مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هـذَا البَتَّة!".

(إنجيل القدّيس مرقس – الفصل 2 – الآيات 1 إلى 12) 

::: تـــأمّل من وحي الإنجيل :::

يُقَدِّمُ لنا الإنجيلِيُّ مَرقُس السيّدَ المسيح صاحِبَ السُّلطانِ الّذي متى حَلَّ في بيتٍ إمتَلأَ مِنَ الجماهيرِ وفاض. وهذهِ الجَماهيرُ جاءَت لا لتنتظِرَ مَكْسَبًا إجتماعيًّا أو ماديًّا، إنما تَتَرَقَّبُ الكلمةَ الخارجةَ مِن فَمِهِ لِتُشْبِعَ أعماقَهُم، وتَشْفِيَ جراحاتِهِم الدّاخِلِيَّة. هذا هوَ المَسِيّا خادِمَ البَشَرِيَّةِ بِكَلِمَةِ محبَّتِهِ وخدمَتِهِ غَيْرِ المَنقَطِعَة! وتِجاهَ كَلِمَةِ الحياةِ هَذِهِ، نَرى مَوْقِفَيْنِ مُتُناقِضَيْن: مَوْقِفِ الرِّجالِ الأربَعَة ومَوْقِف مُعَلِّمي الشَّريعَة.
الرِّجالُ الأربَعَة هُم مِنَ الّذينَ أصغَوا إلى الكَلِمَة، فآمَنوا بيسوعَ وبقُدرَتِهِ على الشِّفاءِ مِن كُلِّ عِلَّة؛ فَالإيمانُ هُوَ مِنَ السَّماع، كَما يَقولُ بولُس الرَّسول (روما 10/19)، والإيمانُ يوحي الأعمال. إنَّ قلوبَ هؤلاءِ الرِّجالِ المُتواضِعَةِ سَمَحَت لِكَلِمَةِ الرَّبِّ بالدُّخولِ إلى أعماقِها وجَبْلِها بِالحُبّ. فَمِن إمتَلأَ إيمانًا وحُبًّا، لا يَقْدِرُ إلاّ وأن يَخْرُجَ مِن ذاتِهِ ويَنْفَتِحَ صَوْبَ الآخَر. وقَد ظَهَرَت ثِمارُ الكَلِمَةِ في عَمَلِ الرِّجالِ الأربَعَة. فَهُم لَم يَستطيعوا إلاّ وأن يَتَذَكَّروا أنَّ هُناكَ شَخصًا يَعْرِفونَهُ يُعاني مِن تَخَلُّعٍ واضِح، فَإندَفَعوا وذَهَبوا إلَيهِ وحَمَلوه، وتَحَدَّوا كُلَّ الحواجِز لِيَضَعوهُ عِنْدَ أقدامِ المُخَلِّص. مَدَحَ القِدّيس يوحَنّا الذَّهَبِيّ الفَم هَؤُلاءِ الرِّجالِ، قائِلًا: "بإيمانِهِم ورجائِهِم ومحبَّتِهِم وَضَعوا المَريضَ أمامَ المَسيحِ ولَم يَنْطِقوا بِشَيء، بَل تَرَكوا كُلَّ شَيءٍ لَهُ".

أمّا في المَقلَبِ الآخَر، نَرى مَوْقِف مُعَلِّمي الشَّريعَة الرّافِضِ للإصغاءِ إلى كَلِمَةِ الحَياة. مَعرِفَتُهُم لِلكُتُبِ المُقَدَّسَةِ لَم تُوَلِّد عِندَهُم الإيمان لأنَّ كَلامَ اللهِ ظَلَّ عالِقًا في عُقولِهِم المُتَحَجِّرَةِ في كِبرِيائِها، ولَم يَقْبَلوه في قُلوبِهِم المُغْلَقَةِ عَلى النِّعمَة. فَهُم فَضَّلوا التمسُّكَ بِشَريعَةِ الحَرْفِ التي تَقْتُل ورَفَضوا شَريعَةَ الرّوحِ التي تـُحـْيي. وهَذا جَعَلَ نُفوسَهُم مُكتَفِيَةً بِذَواتِها، ما مَنَعَهُم مِن أن يَنطَلِقوا نَحْوَ الآخَر فَيَرَوا حاجاتِه. فَكانَ يَليقُ بِهِم، بَعْدَ أن سَمِعوا تـَعْليمَ يَسوع، أن يَفْرَحوا بِتَنَعُمِ المُخَلَّعِ بِغُفرانِ خَطاياه وشِفاءِ نَفْسِهِ وجَسَدِهِ. وقَد وَصَفَ قَداسَةُ البابا فرَنسيس هَذِهِ الحالَةِ بِداءِ عَدَمِ الإكتِراثِ لِلآخَرين.

إخوتي الأحِبّاء! هذانِ المَوْقِفانِ المُتناقِضانِ تِجاهِ كَلِمَةِ الله، إنَّما نَراهُما في مَواقِفِ حياتِنا اليَومِيَّة. هَل مَوْقِفُنا يُشْبِه مَوْقِفَ الرِّجالِ الأربَعَة، مَوْقِفَ الإصغاءِ لِلكَلِمَةِ التي نَحْمِلُها في قُلوبِنا وتَجعَلُنا نَنْطَلِق صَوْبَ الآخَر؟ أو مَوْقِفُنا يُشْبِهُ مَوْقِفَ الفَرّيسِيّين، بـِحَيثُ أنَّنا نَتْرُكُ كَلِمَةَ اللهِ عِندَ بابِ الكَنيسَة ولا نَحْمِلُها في قُلوبِنا، فَنَخْضَعَ لِكِبرِيائِنا وأنانِيَّتِنا؟

إذًا، نَحْنُ مَدعُوّونَ، أيُّها الإخوَة، بَدءً مِن هَذا الصَّومِ المُقَدَّس، لِمُحارَبَةِ اللاّمُبالاةِ تِجاهَ كَلِمَةِ الله وبالتّالي اللاّمُبالاةِ تِجاهَ القريب. نَحْنُ مَدعُوّونَ لِنَرى تَخَلُّعَ إخوَتِنا الّذينَ يَعيشونَ مَعَنا، لا لِنَدينَهُم ولا لِنَفعَلَ الخَيرَ مِن أجْلِ فِعلِ الخَيرِ فَقَط، بَل لِنُساعِدَهُم لِلِقاءِ يَسوع.

في النِّهايَةِ فَلْنَسْأَل أنفُسَنا: إن رَأينا تَخَلُّعَ أحَد، هَل سَنَحْمِلُهُ في قُلوبِنا وصَلاتِنا وسَنحاوِلُ بِكُلِّ رَجاءٍ أن نَضَعَهُ أمامَ الربِّ بإيمانٍ، لأنَّهُ الشّافي الأوَّل والوَحيد؟ أم سِنِحْمِلُهُ عَلى ألسِنَتِنا، في صُبحِيّاتِنا وزِياراتِنا، لِنُثْبِتَ أنّنا مُهِمّونَ ومُطَّلِعونَ عَلى آخِرِ الأخبار؟ هَل سَنَحنو عَلَيهِ ونُساعِدُهُ؟ أم يَكْفي التَّشهيرُ بِهِ عَلى طاوِلاتِ المَقاهي؟ وَقْفَةٌ مَعَ الذّاتِ هِيَ ضَرورِيَّة، فَالرَّبُّ جَعَلَنا لِلعَمَلِ لا لِلكَلامِ وهُوَ الّذي سَيُقَوّينا. 

::: تــــأمّـل روحي :::

عبور
لطالما جذبتْ حياة يسوع الكثيرين، فولّدت كلمته فيهم الحياة بطرقٍ شتّى، وعبروا من حالةٍ إلى حالة، ومن الموت إلى الحياة بكلمةٍ منه. أين نحن اليوم من كلمته القدّوسة، العابرة بنا من الظلمة إلى النور في عالم اليوم؟

حقيقة العالم
ينطلق يسوع من الأساسات: يطهّر النفس قبل أيّ شيء لتكون به الحياة للجسد كلّه بعدها، بالتالي يساهم في صحّة الجماعة المؤمنة، أعضاء جسد المسيح السرّي. لذلك يرغب يسوع في أن يدرك الإنسان مدى أهمّية الشفاء الروحي، طريق العبور إلى ذاته العميقة حيث مسكن الله.
فهل يقبل العالم هذه الحقيقة؟ من الصعب ذلك وبخاصّةٍ من يعتبر نفسه منزّهًا عن الخطيئة وهو متحجّر القلب لا يستطيع أن يتلمّس رحمة الله ولا حنانه، لأنّه قد تمرّس الإدانة لأخيه من خلال الظاهر الّذي يتناسب مع ما تمليه عليه مصلحته الشخصيّة. بل وأكثرمن ذلك، فهو لا يستطيع أن يرى ما هو خارج إطار محدوديّة شريعته، وإن تقبّل، فلا يتقبّل بسهولةٍ ما يراه من شفاءٍ يحصل، تمامًا كالّذي يضع برقعًا على وجهه ليبقى في ظلمته خوفًا من أن يكشف له النور حقيقته وتُفْتَضح أعماله، نواياه، وهشاشة إيمانه...، يخاف أن يعترف بسلطان الحبّ الّذي يغلب الشر والشرّير الّذي لا سلطة له على النفس المؤمنة، إذ إنّ الله وحده من يهتمّ بها ويرعاها.

بشرى مختلفة
في شفائه للمخلّع، ضرب يسوع كلّ ما يؤمن به الكتبة والفرّيسيّين ونظرتهم للّه المنتقم من الخاطيء. هذه المعجزة كانت "بشرى حسنة" من نوعٍ جديد للمخلّع، للجمع ولنا نحن اليوم أيضًا. في كلّ يومٍ يحدث لنا "بشرى سارّة" لتفتح أمامنا طريقًا جديدًا، تخلقنا من جديد لتصبح حياتنا ولادةً دائمةً متجدّدةً إلى أن يحين يوم دخولنا ردهة العرس الحقيقي للقاء العريس. كلّنا في قلب الله وفي صلب إهتماماته التي نتلمّسها في كلّ تفصيل من إنجيله المقدّس، لذلك يحثّنا دون توقّفٍ لإنطلاقةٍ أكثر حيويّةً وتحرّرًا من روتين حياتنا اليوميّة، ومن شرائع العالم الضاغطة وثقل الواجبات الفارغة من أيّ علاقة نابعة من القلب على حساب سعادتنا وفرحنا الحقيقي، وراحتنا، ولقائنا به مع الجماعة حول وليمة المصالحة والشكر، حول مائدة الإفخارستيّا. في قلب كلّ يومٍ يجد لنا أرضًا خصبة لنثمر فيها الأطيب. ما علينا فعله هو التحرك لننموَ مرتقين صوبه أفرادًا ومع الجماعة.

مع الجماعة؟
صحيح. وهنا أرغب في الإضاءة على الجماعة وفاعليتها في الكنيسة من خلال نصّ شفاء المخلّع (مر 1: 2-12).
يبرز دور الجماعة المؤمنة المتكاتفة لنصرة من هو بحاجة: صرخة المخلّع المؤلمة وحاجته للشفاء، لا بل من الموت النفسي المفروض عليه، دفعت جماعة الرجال الأربعة ليحملوه بثقة كبيرة، بتأنٍّ وتناغمٍ كاملٍ، وبالقوّة نفسها كي لا يختل التوازن فَيَقع المخلّع من على سريره أرضًا، ولم تنقصهم الحكمة ليجدوا الوسيلة ويحضروه أمام يسوع. كلّهم إيمان وَجَدٌّ وثبات. بهذا يظهر دور الجماعة المسيحيّة جليًا الشمس: يتعاضد أعضاؤها ويعملون بإيمان كبير على حاجات الآخرين في الكنيسة، يعرفون كيف يتخطّون بثباتٍ الصعوبات والعوائق التي تحاول إيقاف مسيرتهم أو إبطائها أو إفشالها (جموعٌ غفيرة كانت تعيق دربهم صوب يسوع)، فبإصرارهم ومثابرتهم يكملون رسالتهم حاملين "إخوتهم الصغار" بالصوم والصلاة والعمل في جميع وجوهه ("كشفوا السقف... ونبشوه" (مر 1:2-12).
("ثمّ دلّوه أمام يسوع"): الجماعة تعرف فيمن تضع ثقتها ومن هو صاحب القدرة والسلطان. هي تدرك أن مريض الخطيئة لا يشفيه إلاّ الحبّ حيث يجد الغفران. هي تدرك تمامًا أهميّة المخاطر التي تعترضها وكم يلزمها من طول الأناة والوحدة بين أعضائها، وكم أنّ ذلك يتطلّب من الإلتزام ومن التخلي عن أثمن ما نملكه: حياتنا، ولكنها تدرك أيضًا أنّ ذلك بهدف ربحها جديدة مطهّرة به (بيسوع) من كلّ تخلّع، دون مطامع أو مكاسب، بل بمجّانيّة كاملة لا شائبة فيها.

اليوم، ورغم ضجيج العالم ما زال صدى الكلمة يتردّد في أعماق النفس. هي نفسها ما زالت تعمل في وسط الجماعة المؤمنة لتبقى ذلك النور الّذي يشير إلى الطريق القويم طريق الحقّ والحياة. تعالوا نصغي لها بكلّ جوارحنا ملتفّين حول أمّه مريم، ناظرين إليه بعينيها، ودون أن نتكلّم سوف نراه يأمرنا بأن نقوم، نحمل سريرنا ونمشي في إثره، عابرين به ومعه نحو الحياة الجديدة. 

::: تـــــأمّـل وصلاة :::

ربّي وإلهي... مَن الّذي لا يستطيع السير بخطى ثابتة في طريق الرّب ويسقط سوى الإنسان العاصي بإرادته (هوشع 14: 10) الّذي بكبريائه يُمجِّد أسمه؟ هذا هو الإنسان الكسيح الّذي أحملْهُ في قلبي وأضعهُ أمامك لتغفر له خطاياه وتشفي قلبه العليل الّذي سار على هواه بدل السير بحسب قلبك (إرميا 7: 23-28). أحمِلْهُ وجزءً من قلبي يقول له "قد غفرتُ لك خطاياك التي فعلتها تجاهي"، وجزءً آخر يُشيد برحمتك وبحبك له وغفرانك، وجزءً آخر يُعلِّمه كلمتك لتبقى محفورة في قلبه، وجزءً آخر يُلازمه بالمشورة الصالحة لحين يستردَّ كامل عافيته ويبقى حبّه لك ثابت إلى الأبد، فأشفِهِ يا رب، ولك الشكر على الدوام، آمين. 

::: نـوايا وصلاة شكر للـقدّاس :::

نوايا للقدّاس

1- (المحتفل) في أحدِ شفاءِ المُخلَّع، نصلّي من أجلِ الكنيسة والمسؤولين فيها، خاصَّةً مار فرنسيس بابا روما، ومار بينيديكتوس السادس عشر، البابا الفخريّ، ومار بشارة بطرس بطرِيَركِنا الأنطاكيّ، ومار نصرالله أبينا، ومار جورج مُطراننا مع الأساقِفَة والكَهَنَة والمُكَرَّسينَ، كَي بِحَياتِهم وَحُسنِ سيرَتِهِم، يدلّون الشّعوبَ على المسيح، نسألك يا رَب.
2- بإيمانِ مَن حملَ المُخَلَّع إلى المسيح، نحملُ إلَيك جميعَ البُلدان، وخاصَّةً لبنانُنا الحبيب، لُبنانُ المُخلّع بالغِشِّ والكَذِب والطّائفيّة والمَطامعِ الشَّخصيَّة، إغفِر خطايا شَعبِهِ وحُكّامِه، وآمُرهُ بِأن يَمشيَ من جديد، نسألك يا رب.
3- من أجلِ الشّعوبِ الّتي تقفُ مَكتوفةَ اليدَينِ تُشاهِدُ وتَشهدُ على تخلُّعِ الشّعوبِ الأخرى وهُجرَتِها مِن بلدانِها، إمنَحها نِعمةَ الإصلاح والدّعمِ البنّاء والمُساهمة بالخَيرِ العام، نسألك يا رب.
4- نضع أمامك كلَّ إنسانٍ خلّعتهُ الحياةُ بِقساوتِها، أو أوقعهُ المرضُ تحتَ رحمةِ الآخرين، قوِّهِ بِنِعمتِك وإشفِهِ بِكلِمَتِك، نسألك يا رب.
5- (المحتفل) كما أشفَقَ المسيحُ على المُخلَّع، ورَضَخَ لإيمانِ مَن يَهتمُّ لأمرِهِ، أشفِق على كلِّ الّذينَ إنتقلوا من هذه الحياة، وإقبَل صلاتَنا مِن أجلِ خلاصِهم، فنَلتَقيَ جميعًا على مائدتِك السّماويَّة، غافِرًا لنا ولهُم الخطايا والزلاّت.

 

 

صلاة شكر للقدّاس

تحبُّنا، تقبل شفاعة بعضِنا لِبَعض،
تحبّنا، تريد لنا كلَّ الخَير، ولا شيءَ إلاّ الخَير،
تعرفُ خَيرَنا، وتمنحنا إيّاه في حينه،
تحبّنا، تريد لنا الشِّفاء الدّاخليّ والخارجيّ،
تعرف داءنا، وتمنحنا الدّواءَ في حينه،
نشكرك، نحمدك، ونعبدكَ مع أبيكَ وروحِك القدّوس إلى الأبد، آمين.
 

الأيقونة
من محفوظات أبرشيّة قبرص المارونيّة


المراجعة العامّة

الخوري نسيم قسطون
nkastoun@idm.net.lb
https://www.facebook.com/pnassim.kastoun

 

 

المقدّمة، الصلاة، أفكار من الرّسالة وأفكار على ضوء الإنجيل

من إعداد

الخوري جوزيف بيسري
joseph_baissary@hotmail.com
https://www.facebook.com/joseph.baissary
 

 

 تأمّل روحي

من إعداد

السيدة جميلة ضاهر موسى
jamileh.daher@hotmail.com

https://www.facebook.com/jamileh.daher?fref=ts

 

تأمّل وصلاة  - تدقيق

السيّدة نيران نوئيل إسكندر سلمون
niran_iskandar@hotmail.com 

https://www.facebook.com/nirannoel.iskandarsalmoon?ref=ts&fref=ts

 

نوايا وصلاة شكر للقدّاس
من إعداد
السيدة مادلين ديب سعد

madeleinedib@hotmail.com

https://www.facebook.com/madeleine.d.saad?ref=ts&fref=ts