الأيقونة من محفوظات أبرشيّة قبرص المارونيّة

زمن الميلاد المجيد

رأس السنة 2017
عيد ختانة الربّ يسوع
(1 كانون الثاني 2017)

::: مـدخــل :::

• في هذا اليَوم، نَحتَفِلُ بِعِيد خِتَانَة الرّب يَسوع، هذا العَمَل الديني الّذي يُقيمُهُ اليَهود لِكُلّ رَضيعٍ أتَمَّ اليَوم الثامن. هذه المُمَارَسَة تُدخِل الإنسان في إطَار العَهد مَعَ الله، وَيَكون الخِتَان هُوَ عَلامَة العَهد التي حَمَلَهَا كُلُّ مُؤمِنٍ من إبرَاهيمَ إلى اليَوم.
• في الرِّسَالَة يُذَكِّر بُولُس الرَّسول أهلَ رومَا بِأنَّهُم كانوا مَكروهين من أهل الخِتَانَة (اليَهود) وَالسَّبب هُوَ أنَّهُم لَمْ يَخضَعوا لِشَريعَة الخِتَانَة التي هِيَ شَرط أساسي للدُّخول في جَمَاعَة المُؤمِنين. وَلَكِن، بِدَمِ يَسوع الّذي خَضَعَ لِشَريعَة الخِتَانَة، أُزيلَت العَدَاوَة بَينَ المُؤمِنين وَغَير المُؤمِنين، وَصَارَ الإيمان عَيشٌ وَحَيَاة، وَلَيْسَ شَعائِر مَيتَة تُكَبِّل الإنسَان.
• في الإنجيل، تَشديدٌ على حَدَثٍ أساسِيّ في حَيَاة يَسوع: خُضوعَهُ للشَّريعَة التي أتت بِهَا الخَطيئَة! هذه الشَّريعَة خَضَعَ لَهَا مَن وَضَعَهَا لِيَكونَ بَينَ النَّاسِ مِنهُم وَمِثلَهُم...
• نحنُ مَدعوون في هذا العيد أن نَتَأمَّل بِهذا السّر العَظيم، سِرّ الحُب، الّذي جَعَلَ مِنَ الله إنسانًا خاضِعًا للشَّريعَة، كَي يَرتَفِعَ الإنسَان فَوقَ كُلِّ عَدَاوَةٍ، لِيَصيرَ إبنًا لله. 

:::::: صـلاة :::

المَجدُ لَكَ أَيُّها الآب، الّذي أرسَلَ إبْنَهُ لِخَلاصِ البَشَر، فَصَارَ اليَومُ الثَّامِن من ميلادِهِ يَومٌ جَديدٌ فيهِ أُزِيلَت العَدَاوَة بينَ النَّاس، وَإرْتَقَى المُؤمِن من مُستَوَى العَبد إلى مُستَوَى الإبن الحَبيب.
المَجدُ لَكَ أَيُّها الآب، الّذي أرْسَلَ إبْنَهُ حُبًّا بالبَشَر، فَخُتِنَ لِيَحمِلَ إسْمَكَ إلَيْنَا: يَسوع ("الله يُخَلِّص")، فَفَهِمنَا أنَّكَ تُريدُ خَلاصَنَا لا مَوْتَنَا.
المَجدُ لَكَ أيُّها الآب، الّذي أرسَلَ إبْنَهُ بَحثًا عَنَّا، نحنُ البَشَر، فَوَجَدَنَا مُشَتَّتينَ مُتَخَاصِمِينَ يُدَمِّرنا البُغض، فَصَارَ سَلامَنَا بِدُخُولِهِ إلَى بَشَرِيَّتِنَا وَضُعفِنَا وَشَريعَتِنَا.
لَكَ المَجدُ مَعَ إبْنِكَ وَروحِكَ القُدُّوس إلى الأبَد. آمين. 

::: الرسالة :::

11 لِذلِكَ تَذَكَّروُا، أَنْتُمُ الوَثَنِيِّينَ في الـجَسَدِ سَابِقًا، الـمَدعُوِّينَ أَهْلَ عَدَمِ الـخِتَانَةِ عِنْدَ الـمَدعُوِّينَ أَهْلَ الـخِتَانَة، بفِعْلِ اليَدِ في الـجَسَد،
12 تَذَكَّرُوا أَنَّكُم كُنْتُمْ في ذلِكَ الوَقْتِ بِدُونِ مَسِيح، مُبْعَدِينَ عَنْ رَعِيَّةِ إِسْرَائِيل، وغُرَبَاءَ عنِ عُهُودِ الوَعْد، لا رَجَاءَ لَكُم في العَالَمِ ولا إِلـه؛
13 أَمَّا الآنَ فَفِي الـمَسِيحِ يَسُوعَ أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُم مِنْ قَبْلُ بَعِيدِين، صِرْتُم بِدَمِ الـمَسِيحِ قَرِيبِين.
14 فَإِنَّهُ هُوَ سَلامُنَا، هُوَ جَعَلَ الإثْنَيْنِ وَاحِدًا، وفي جَسَدِهِ نَقَضَ الـجِدَارَ الفَاصِلَ بَيْنَهُمَا، أَي العَدَاوَة،
15 وأَبْطَلَ شَريعَةَ الوَصَايَا بِمَا فِيهَا مِنْ فَرائِض، لِيَخْلُقَ الإثْنَينِ في شَخْصِهِ إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، بإِحْلالِهِ السَّلامَ بَيْنَهُمَا،
16 ويُصَالِحَهُمَا مَعَ الله، كِلَيْهِمَا في جَسَدٍ وَاحِد، بِالصَّليب، قَاتِلاً فيهِ العَدَاوَةَ بَيْنَهُمَا.
17 فلَمَّا جَاءَ بَشَّرَكُم بِالسَّلامِ أَنْتُمُ البَعِيدِين، وبَشَّرَ بالسَّلامِ القَرِيبين،
18 لأَنَّنَا بِهِ نِلْنَا نَحْنُ الإثْنَينِ في رُوحٍ وَاحِدٍ الوُصُولَ إِلى الآب.
19 إِذًا فَلَسْتُم بَعْدُ غُرَبَاءَ ولا نُزَلاء، بَلْ أَنْتُم أَهْلُ مَدِينَةِ القِدِّيسِينَ وأَهْلُ بَيْتِ الله،
20 بُنِيتُمْ على أَسَاسِ الرُّسُلِ والأَنْبِيَاء، والـمَسِيحُ يَسُوعُ نَفْسُهُ هُوَ حَجَرُ الزَّاوِيَة.
21 فيهِ يَتَمَاسَكُ البِنَاءُ كُلُّه، فَيَرْتَفِعُ هَيْكَلاً مُقَدَّسًا في الرَّبّ،
22 وفيهِ أَنْتُم أَيْضًا تُبْنَونَ معًا مَسْكِنًا للهِ في الرُّوح.

 (الرّسالة إلى أفسس – الفصل 2 - الآيات 11 إلى 22) 

::: تأمّل من وحي  الرسالة :::

في هذا المَقطَع مِنَ الرِّسَالَة إلى أهل أفسس، يُرَكِّز بولُس الرَّسول على أمر مُهِمّ، وَهوَ أنَّ يَسوع ألغَى العَداوَةَ بَيْنَ الّذينَ لَم يَدخُلُوا العَهدَ مَعَ الله بالخِتَانَة، وَبَيْنَ الّذينَ دَخَلوه. فَيُذَكِّر الّذينَ لَم يَدخُلوا العَهد بالخِتَانَة، أي الوَثَنِيين الّذينَ إهتَدَوا للمَسيحيَّة:
- بِدَم المَسيح كُنتُم بَعيدين وَصِرْتُمْ قَريبين: البُعد هُنَا يَقصد فيهِ بولُس الرَّسُول الوَثَنِيَّة، الغَرَق في الصَّنَمِيَّة، عَدَم مَعرِفَة الله، الضَّلال، الوقوع في الخَطيئَة...إلخ. وَلَكِن، بِدَم المَسيح الّذي خَرَجَ مِنْ جَنْبِهِ على الصَّليب، صارَ البَعيدون أقْرَبون، إذ إمْتَزَجَ بِدَمِهِمْ لِيَصيرُوا مَعَ المَسيح أبْناءً للآب السَّماوي.
- بِجَسَد المَسيح إنْفَصَلَ جِدَار العَداوَة بينَ البَعيدين والقَريبين: فالقَريبين، هُم الّذينَ خَضَعوا لِشَرِيْعَةِ الخِتَانَةِ وَعَرَفوا شَرَائِعَ وَفَرائِضَ الرَّب، فَفَصَلوا أنْفُسَهُمْ عَنِ البَعيدين، وَإعتَبَروهُم أعداء. وَلَكِنَّ المَسيح، لَمْ يُقَدِّم مِثلَ القَريبين الحِملان وَالعُجول ذَبيحَةً لِمَغفِرَة الخَطَايا، بَلْ قَدَّمَ جَسَدَهُ هُوَ على مَذْبَح الصَّليب، فَكَانَ هُوَ "الحَمَل الّذي كَانَ كاهِنَ قُربَانَهُ" (صلاة رفع الكَأس في القدّاس)، فَأتَمَّ مَرَّةً وَاحِدَة بِهذا الجَسَد خَلاصَ كُلّ البَشَر، وَثَنيين كانوا أم يَهودًا، قَريبينَ كَانوا أم بَعيدين، فَصَارَ كُلّ مَن يَتَّحِد بهذا الجَسَد هُوَ أخٌ لِيَسوع وَإبْنٌ لله الآب.
- بِيَسوع المَسيح نالَ الجَميع (القَريبين والبَعيدين) السَّلام بِالرُّوح الوَاحِد: فالسَّلام (سَلام الخارِج وَالدَّاخِل) هُوَ عَطِيَّة إلهِيَّة، وَفي الوَقتِ عَيْنِهِ عَمَلاً بَشَرِيًّا. فالرُّوحُ الوَاحِد الّذي أعطاهُ الله للإنسان يُوَحِّد جَميع البَشَر في عَلاقَةِ أُخُوَّةٍ لا تَمحوها الفُرُوْقَات. هذه العَلاقَة يُمْكِن أنْ تَتَدَمَّر إذا قَرَّرَ الإنسان إسكات روح السَّلام الّذي فيه، وَيُمْكِن أنْ تَزْدَهِر إذا مَدَّ يَدَهُ لِجَميع النَّاس، خاصَّةً المُختَلِفينَ عنهُ.
ونحن:
- كَثيرًا ما نَكونُ بَعيدين... فَهَل نُقبِل إلى دَمِ المَسيح لِنَصيرَ قَريبين؟
- كَثيرًا مَا نَكونُ أعداءً للنّاس... فَهَل نُقبِل إلى جَسَد المَسيح لِيَتَّحِدَ بِأجْسَادِنَا فَنَتَّحِد بِجَميعِ الّذينَ يُحيطونَ بِنَا لِنَصيرَ إخوَة؟
كَثيرًا ما نَفقد السَّلام... فَهَل نُعلي صَوت الرُّوح الّذي وَهَبَنَا إيَّاهُ الله، لِنَصيرَ دُعاةَ وَبُنَاةَ سَلام، فَنُدْعَى أبْنَاءً لله؟ 

::: الإنجيل :::

21 لَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيُخْتَنَ ٱلصَّبِيّ، سُمِّيَ «يَسُوع»، كمَا سَمَّاهُ المَلاكُ قَبلَ أَنْ يُحْبَلَ بِهِ في البَطْن.

(إنجيل لوقا – الفصل 2 – الآية 21 ) 

::: تـــأمّل من وحي الإنجيل :::

هذا هُوَ أصغَر مَقطَع من الإنجيل يُقرأ عَلَى مَسَامِعِنَا هذه السَّنَة... وَلَكِن بالرُّغمِ مِنْ صِغَرِهِ، هُوَ يَحْمِلُ أفْكَارًا كَثيرَة...
- لَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَة أيّام لِيُخْتَنَ الصَّبِيّ: هذا اليَوم الثَّامِن، اليَوم الجَديد، اليَوم الّذي يَرمُزُ في الجَمَاعات المَسيحيَّة إلى يَوم الرّب، يَوم القِيَامَة، يَوم العَهد الجَديد الّذي بَدَأ بالبُشرَى السَّارّة الأولَى، البُشرَى التي أسَّسَت الإنجيل: "المَسيح قام!". هذا اليَوم الّذي يَتَخَطَّى اليَوم السَّابِع حَيثُ إسْتَرَاحَ الرّب من عَمَل الخَلق، هذا اليَوم الّذي فيهِ أوصَى الرّب إبراهيم بِخِتَانَةِ الرُّضَّع، أي أَقامَ العَهدَ القَديم مع إبراهيم وَنَسْلِهِ، وَفيهِ قامَ يَسوع، فَكَسَرَ المَوت وَأقَامَ الله مِن خِلالِ ذلِكَ العَهدَ الجَديد. وَفي هذا اليَوم بالذَّات، خُتِنَ يَسوع لِيَصيرَ بالإيْمان من نَسل إبراهيم، أي لِيَخْضَعَ للشَّريعَة، وَيَنْتَمِي للبَشَرِيَّة.
- سُمِّيَ يَسوع: هذا الإسمُ الّذي يُعلِن رِسَالَتَهُ: الخَلاص لِكُلّ النَّاس. فالله لَمْ يُعطِي شَريعَتَهُ للإنسَان وَتَرَكَهُ لِمَصيرِهِ يَتَخَبَّط لِيُطَبِّقَهَا، وَيَنْتَظِر بالنِّهَايَة جَزَائَهُ... الله يَعمَل في كُلِّ حين لِخَلاص الإنسَان، وَيَعتَنِيْ بِهِ وَيُرَفِقُهُ في مَسيرَتِهِ، وَإنْ تَعَثَّرَتْ، يَنْزِل شَخْصِيًّا وَيُخَلِّصهُ، لأنَّهُ مُحِبٌّ رَحيمٌ لا يُريدُ مَوْتَ البَشَر أَحِبَّائِهِ!
- كَمَا سَمَّاهُ المَلاكُ قَبْلَ أَنْ يُحْبَلَ بِهِ فِي البَطن: لَمْ يُسَمَّى يَسوع بِجُهدٍ بَشَرِيّ، بَلْ أَتَى الإسمُ بِأمْرٍ إلهِيّ من خِلال المَلاك، فَتُعْلَنَ مِنْ خِلال هذا الإسم إرادَة الله التي هِيَ السَّلام بينَ الأرضِ وَالسَّماء، وَالسَّلامُ في الأرضِ بَيْنَ جَميع النَّاس... فالمَلاكُ بَشَّرَ مَريَم بالحَبَل الإلهِيّ وَأتَى من لَدُنِ اللهِ بِهذا الإسم بَعْدَمَا أعطَى السَّلام: "السَّلامُ عَلَيْكِ يا مملوءَةً نِعْمَةً"؛ وَالمَلاكُ أيْضًا بَشَّرَ الرُّعَاة بالتَّجَسُّد الإلهِيّ وَأعلَنُوا مَعَ هذه البُشْرَى السَّلام: "المَجْدُ للهِ في العُلَى وَعَلَى الأَرْضِ السَّلام.


نستَنْتِجُ إذًا أنَّ لِهذا النّص إرتِباطًا كَبيرًا بالمَبدَأ الّذي عَرَضَهُ بُوْلُس في المَقطَع الّذي دَرَسْنَاهُ سَابِقًا:
- بِدَم المَسيح، دَم العَهد الجَديد، الدم الّذي سُفِكَ على الصَّليب، وَتَلى ذلك القِيَامَة في اليَوم الثَّامِن، صِرْنَا قَريبين بَعْدَمَا كُنَّا بَعيدين... وَلَكِن، مِن خِلال الإنجيل هذا، نَفهَم أنَّ الله إقْتَرَبَ مِنَّا أكثَر مِمَّا إقْتَرَبْنَا مِنْهُ.
- بِجَسَد المَسيح إنْفَصَلَ جِدَارُ العَدَاوَةِ بَيْنَ القَريبين وَالبَعيدين؛ وَلكن مِن خِلال الإنجيل نَفهَم أنَّ هذا الجِدَار سَببه جِدَارٌ أكبر بين الله والإنسان... هذا الجِدَار كَسَرَهُ الله الإبن، فَصَارَ إنْسَانًا وَلَمْ يَعُدْ عَنَّا غَريبًا!
- بالرُّوح المُعطَى مِنَ الله صارَ السَّلامُ في الأرض؛ وَلَكِن، نَرَى في الإنجيل أنَّ هذا السَّلام هُوَ عَطِيَّة سَمَاوِيَّة وَطَاعَة بَشَرِيَّة...
ونحن:
- هَل نعْمَل لِنَصِلَ إلى يَوْمِنَا الثَّامِن، يَوم قِيَامَتِنَا، فَنُزِيلَ من قُلُوبِنَا كُلَّ بُعدٍ وَجَفَاءٍ يَفْصِلُنَا عَنِ الله وَعَنِ الآخَر؟
- هَل نَعمَل على مَدّ الجُسُور بَيْننا وَبَيْنَ الآخَر، حَتَّى نَصِيرَ قَادِرينَ على كَسر الجِدَار بَيْننا وَبَيْنَ الله؟
هَل نُطِيع وَصَاَيَا الله لِنَنْعَمَ بِعَطِيَّة السَّلام؟ 

::: تــــأمّـل روحي :::

(بمناسبة عيد السّلام العالمي – سبق نشره في 2015)

سلامي أعطيكم
يولد الإنسان وهو يبحث عن صدر أمّه ويداها ليشعر بالسلام والطمأنينة.
يكبر وتكبر معه الحاجة إلى من يطمئنّ إليه شخصه ويرتاح له قلبه، فيتمسّك به. وينضج مستمرًا بالبحث عن سلامٍ يحمله له شخصٌ يلجأ إليه في الضيق والحزن واليأس والصعوبة... شخصٌ يبادله الحبّ إياه، يصغي إلى شكواه ويتفهّم مشاعره. شخصٌ يقدّر هذا الإنسان ويعني له بقدر ما هو بنفسه يعنيه له هذا الشخص ووجوده بجانبه. شخصٌ أمينٌ وصديقٌ صدوق يعطيه القوّة ليبقى ثابتًا في المحن. فأيّ سلامٍ هذا ومن أين يأتينا؟

لا كَمَا يُعْطِيهِ العَالَمُ أَنَا أُعْطِيكُم

ما أكثر ما تتكلّم الألسن والأمم اليوم عن السلام بين الشعوب، ولكن، كيف سيكون هناك سلامًا ما دامت شعلة الإيمان بقدرة معطيه مُنطفئة في القلوب؟ أفلا يبقى الكلام كلامًا والقنديل مجرّد أداةٍ للزينة مهما كان ثمينًا ومهما حوى من زيت إن لم يُشعل أحدٌ الفتيل فيه؟ كلّنا نرغب بحياةٍ هانئة مستقرّة حتّى في أصعب الأوقات، وهذا لن يحدث دون اللجؤ إلى الّذي يضرم شعلة الحبّ في أعماقنا. هذه الشعلة النابعة من الإيمان بقدرة الله على إضرامها هي السلام الحقيقي، سلام القلب في العمق، السلام الّذي لا أحد يعطيه سواه لأنّه مختلف عن ذاك الّذي يعطيه العالم.
هذا السلام الّذي لا يعرف التقوقع على الّذات بل يتخطّاها نحو الآخر، من أصغر دائرة نعيش فيها حتّى أكبرها. هذا السلام الّذي لا يولد في البنوك ولا في القصور، لا في التسلط ولا في القوّة وفرض الأنظمة على الشعوب. هذا السلام الّذي لا يستطيع التنفّس في الأقبية السوداء حيث الجريمة الصامتة تقبع ولا تُرى، ولا تحت الطاولات حيث تمرّر الصفقات في أوقات الخلافات والحروب والمصالح.
هذا السلام هو كالطفلِ، يولد مع قربانةٍ سماوية عند الطفولة، ويكبر، وينمو ويستمرّ حتّى إكتمال نضجه في لقاء وجه الحبيب يومًا. إنّه مسيرة طويلة تحفظ فينا جوهرة الرجاء وتقوّينا على إحتمال المشقات على أنواعها فيرى مَن حولنا تلك الشرارة الصغيرة، فيتساءل ، فيقبل، فيتعرّف إليها، فيحبّها، فيطلبها. وهنا يتجلّى جمال يسوع في شهادتنا الصامتة لوجوده فينا يعمل بروحه القدّوس.
اليوم، كلنا مدعوّون إلى الصلاة كي يضرم يسوع قلوبنا الصغيرة بالحبّ لتمتلئ بالسلام، فتُهدم أسوار الحقد والحسد والغيرة، وتُحرق كل الحواجز بين الإنسان وأخيه الإنسان لتعود النفوس إلى التلاقي، فتصفح عن بعضها البعض وتشدّ أواصر المحبة فتعود أرضها خصبةً تُنبِتُ سلامًا آتيًا من عَلو ما بعده سلام. 

::: تـــــأمّـل وصلاة :::

ربّي وإلهي ... قبل اليوم لم يكن لي أسمًا أُنادى به أو علامة أُعرفُ بها وبها تُميّزني أنتَ؛ كنتُ قد وُلِدتُ ولكنني كنتُ غير معروفًا للآخرين، هم ينتظرون هذا اليوم كما أنتظره أنا. أجل، أنتظر اليوم الّذي أتَّحد بك وبالخليقة أجمع كإخوة لي وأبناءً لكَ بالتبنّي، أنتظر اليوم الّذي تُناديني بإسمٍ إخترتَهُ لي أنتَ، الإسم الّذي منه سأستدل على أعمالي: "إبن الله"، الإسم الّذي فيه سيُنقّى قلبي ويُكَوَّن قلبًا منتصرًا على شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظّم المعيشة إذ يعيش شريعة المحبة: حبّ الله وحب الآخر.
ربّي وإلهي ... كثيرون لم يُدركوا حبُّك للإنسان، ولربما حبًّا بأنفسهم فقط إعتقدوا بأنك تُحبّهم فقط، هم لم يفقهوا حكمتك التي دعوتهم لمعرفتها والنهل منها، حكمتك التي تحتضن الخليقة أجمع دون تمييز، حكمتك التي إرتأت أن تختار شعبًا ومنه تصل لبقية الأمم، حكمتك التي إختارت "الخدمة" و"الألم" و"التضحية" سبيلاً لتقول لنا "أحببتكم" ولنقول بها نحن للآخرين "أحببتكم" فنقول لك "نُحبّك ولقد خصّصنا ذواتنا وقلوبنا لك".
ربّي وإلهي ... في هذه السنة الجديدة، أُقدّم لك قلبي هيكلاً لك تعيش فيه وتُشكِّله كما تشاء، ولك الشكر على الدوام، آمين.  

::: نـوايا وصلاة شكر للـقدّاس :::

نوايا للقدّاس

(سبق نشرها في 2015)

1- (المحتفل) أيها الآب القدُّوس، قُد خُطى المسؤولين في الكنيسة، قداسة البابا فرنسيس، ومار بينيديكتوس السادس عشر، البابا الفخريّ، ومار بشارة بطرس بطريركنا الإنطاكي ومار نصرالله أبينا ومار جورج مطراننا، مع سائر الأساقفة والكهنة والشمامسة، كي يكونوا في إعلانهم للإنجيل وفي شهادة حياتهم، صانعي سلام، فَتَقْرُبَ المسافة بين الشعوب، ويشهد الكل، بشفافيَّةِ المحبَّة، لفرح الخلاص بالمسيح وعمقِ سلامِهِ. نسألك يا رب.
2- أيها الآب ضابطُ الكون وكاتب التاريخ، في بداية هذه السنة الجديدة، نضعُ تحت أنوار روحك القدّوس، ذاكرتنا وكل ما ترسَّب فيها من الأيام الماضية كي تطهّرها برحمتك، كما نضع تحت أنظارك، الأيام الآتية، فأعطنا أن نتَّحد بك بالصلاة والأعمال الصالحة، فنشترك مع صانعي السلام في العالم ومع جميع القدّيسين، في كتابة تاريخ الكون الخلاصيّ، نسألك يا ربّ.
3- إبقَ أيها الآب، في عالمنِا، في عيون المحبّين، في حنان الأُمهات، في إلتزام الآباء، في إهتمام الأبناء، في عدل الحكام والقضاة، في تضحيات الجنود والمبشرين والممرِّضات، في كَدِّ العلماء وتعبهم. رافق يا ربّ، عالمنا بإلهامات روحك، حتى يبقى معك وتبقى أنتَ فيه، فيتحوَّلَ كل شيء ويتسامى، حتَّى يتألهَ الإنسان ويتجلَّى في هذا الكونِ جمال وجهِكَ القدوّس. نسألك يا ربّ.
4- يا أبانا السماويّ، نُصَلِّي مع قداسة البابا والكنيسة جمعاء، من أجل أن يُتيحَ لنا إختبارُ الألم أن نتفهَّم الضيق والعذاب اللذين يختبروهما الأشخاص الوحيدون والمرضى والمسنون، ويحثنا كلنا على الذهاب للقائهم بسخاء، نسألك يا ربّ.
5- (المحتفل) من قلب القدُّوس خرجنا، وإلى قلبه يعود الأبرار، أنعم يا ربّ، على كلّ موتانا الّذين إعتمدوا بإسمك، وشهدوا لسلامك، بغفران الخطايا. أغمر نفوسهم بحنانك، وأدخلهم ديارك، فيكونوا واحدًا مع أهل بيتك، يسبحون ويمجّدونَ مع الملائكة والقدِّيسين عظمة رحمتك، ويشاركونك مائدة فرح السماء، مع أمِّنا مريم وجميع القدِّيسن، فيكون لنا بشفاعتهم غفران خطايانا وخطاياهم. 

 

صلاة شكر للقدّاس

(سبق نشرها في 2015)

على بداية سنة جديدة تدفعنا فيها إلى انطلاقة جديدة، نعملُ فيها على إزدهار عالمنا، فتصيرُ شعوبُنا برقيّ تشريعاتِها وعدالةِ قوانينها، إنعكاسًا لمحبَّتِك وعدلك، نحن نشكرك أيها الآب.
على تجسّدك العجيب الّذي جمع الألوهة والناسوت، فصار السلام منطقًا مقدَّسًا، نُقايضُ فيه الكبرياء بالتواضع، والعظمة بالخدمة، والمحبَّة بالإضطهاد، فيصيرُ إنتشارُ السلام ربحًا للنفوس، نحن نشكرُك أيها الإبن.
على قوَّة فعلك الملهم والمقدِّس، ضمانةً لحضور الله في الكون وفي قديِّسيه، وإستمرارًا لبشارة المسيح الغافرة، والموحِّدة لكلّ النفوس والطاقات بالمسيح، نحن نشكرك أيها الروح القدس.
على دعوتك لنا لنُصبح شركاءك في كتابة تاريخ هذا العالم، نشكرك أيها الثالوث القدُّوس إلى الأبد. آمين. 

الأيقونة
من محفوظات أبرشيّة قبرص المارونيّة


المراجعة العامّة

الخوري نسيم قسطون
nkastoun@idm.net.lb
https://www.facebook.com/pnassim.kastoun

 

المقدّمة، الصلاة، أفكار من الرّسالة وأفكار على ضوء الإنجيل

من إعداد
الشدياق فؤاد فهد
fouadfahed999@gmail.com
https://www.facebook.com/fouad.fahed.902?fref=ts

 

 تأمّل روحي

من إعداد

السيدة جميلة ضاهر موسى
jamileh.daher@hotmail.com

https://www.facebook.com/jamileh.daher?fref=ts

 

تأمّل وصلاة  - تدقيق

السيّدة نيران نوئيل إسكندر سلمون
niran_iskandar@hotmail.com 

https://www.facebook.com/nirannoel.iskandarsalmoon?ref=ts&fref=ts

 

نوايا وصلاة شكر للقدّاس
من إعداد
السيدة مادلين ديب سعد

madeleinedib@hotmail.com

https://www.facebook.com/madeleine.d.saad?ref=ts&fref=ts