الأيقونة من محفوظات أبرشيّة قبرص المارونيّة

زمن العنصرة

 

الأحد الثامن من زمن العنصرة
(12 تمّوز 2015)

 

 

 

In order to better view this page, kindly install the following fonts:
 AAR - AAI - AAB - AABI

::: مـدخل :::

• في هذا الأحَد، وَبَعدَمَا تَأمَّلْنَا بِإرْسالِ يَسوعَ للرُّسُل الإثنَي عَشَر، وَالرُّسُل الإثنَيْنِ وَالسَّبعين، ها نحنُ اليَومَ نَتَأمَّلُ بِمُقَوِّمات رِسالَة المَسيح التي نَحْمِلُها للنّاس.
• في الرِّسالَة إلى أهلِ روما، يَضَعُنا بولُس أمامَ أمْرٍ عَجيب: أضْعَفَ الجَسَد البَشَرِي الشَّريعَة، وَبِهِ صارَ الإنْسانُ خاطِئ... الله تَجَسَّد، لِيَغْلِب بالجسد البَشَرِي نفسه الخطيئَة، فَيُصبِح كُل مؤمن بيسوع قادِرًا أنْ يَغلِبَ بِجَسَدِهِ المَوتَ الذي كَسَرَهُ يَسوع.
• في الإنْجِيل يَذكُر مَتَّى ضُعف الظَّاهر الذي حَمَلَهُ يَسوع، الذي من قلبه تَخْرُجُ قُوَّة قِيامَتِهِ.
• نحنُ مَدعوونَ في هذا الأسبوع إلى التَّأمُّل بِقَداسَة الرِّسالَة التي إلَيْهَا نحنُ مَدعوون: أنْ نَطَأ المَوتَ بالمَوت على مِثالِ مُعَلِّمِنا. 

::: صـلاة :::

يا أبانا السَّماوي، نُعَظِّمُكَ لأنَّكَ لَمْ تَتْرُكنا نَموت بِخَطايانا، بَلْ كَأبٍ كَثيرِ المَراحِم بالأنبِياءِ هَدَيْتَنا وَأدَّبْتَنا، وَفي آخِرِ الأزْمِنَةِ أرْسَلْتَ لَنَا إبْنَكَ الوَحيد رَبَّنا يَسوع المَسيح، فَلَبِسَ جَسَدَنَا وَصارَ مِثلَنا في كُلِّ شَيء ما عَدا الخَطيئَة لِيَرْفَعنا إلَيْك.
أيُّها الإبْنُ الوَحيد، حَرَّرتَنا من شَريعَة الخَطيئَة والمَوت، لا بالقُوَّة وَالتَّحذير، بَل بالوَداعَةِ وَاللُّطف. فَلَمْ تُواجِه أحَدًا بِخَطاياه، بَلْ حَمَلتَ الجَميعَ بِنَظْرَةِ حُبِّكَ لِيَسيرُوا نَحوَ الآبِ السّماوي بالرُّغم من الضُّعف.
أيُّها الرُّوح القُدُس، أنْتَ الذي جَعَلَكَ الآبُ على إبْنِهِ، فَصارَ الإبْنُ صَوْتَ الحَقِّ في هذا العالم. عَلِّمنا أنْ نَسيرَ بِهَدْيِ ذلِكَ الصَّوتَ لِنَصِلَ للآب. لَكَ السُّجود مَعَ الآب والإبن إلى الأبَد. آمين. 

::: الرسالة :::

1 إِذًا فلاَ حُكْمَ بِالْهَلاكِ بَعْدَ الآنَ على الَّذينَ هُم في الـمَسِيحِ يَسُوع؛
2 لأَنَّ شَرِيعَةَ رُوحِ الـحيَاةِ في الـمَسِيحِ يَسُوع، قَدْ حَرَّرَتْني مِنْ شَريعَةِ الـخَطِيئَةِ والـمَوت.
3 فإِنَّ مَا عَجِزَتْ عَنْهُ الشَّرِيعَة، وقَد أَضْعَفَهَا الـجَسَد، أَنْجَزَهُ الله، حينَ أَرْسَلَ إبْنَهُ في جَسَدٍ يُشْبِهُ جَسَدَ الـخَطِيئَة، تَكْفيرًا لِلخَطِيئَة، فقَضَى في الـجَسَدِ عَلى الـخَطِيئَة،
4 لِكَي يَتِمَّ بِرُّ الشَّرِيعَةِ فينَا، نَحْنُ السَّالِكينَ لا بِحَسَبِ الإِنْسَانِ الـجَسَدِيِّ بَلْ بِحَسَبِ الرُّوح؛
5 لأَنَّ السَّالِكِينَ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ الـجَسَدِيّ، يَرْغَبُونَ في مَا هُوَ لِلجَسَد، والسَّالِكينَ بِحَسَبِ الرُّوحِ يَرْغَبُونَ في مَا هُوَ لِلرُّوح.
6 فرَغْبَةُ الـجَسَدِ مَوْت، أَمَّا رَغْبَةُ الرُّوحِ فَحَيَاةٌ وَسَلام.
7 لِذلِكَ فَرَغْبَةُ الإِنْسَانِ الـجَسَدِيِّ عَدَاوَةٌ لله، لأَنَّهَا لا تَخْضَعُ لِشَريعَةِ اللهِ ولا تَسْتَطيعُ ذلِكَ.
8 وإِنَّ السَّالِكينَ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ الـجَسَدِيّ، لا يَسْتَطيعُونَ أَنْ يُرْضُوا الله.
9 أَمَّا أَنْتُم فَلَسْتُم أُنَاسًا جَسَدِييِّنَ بَلْ رُوحِيُّون، إِنْ كَانَ حقًّا رُوحُ اللهِ سَاكِنًا فيكُم. وَلـكِنْ مَنْ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الـمَسِيح، لَيْسَ هُوَ لِلمَسِيح.
10 أَمَّا إِذَا كَانَ الـمَسِيحُ فيكُم، فَبِرَغْمِ أَنَّ الـجَسَدَ مَيْتٌ بِسَبَبِ الـخَطِيئَة، فَالرُّوحُ حيَاةٌ لَكُم بِفَضْلِ البِرّ.
11 وإِذَا كَانَ رُوحُ اللهِ الَّذي أَقَامَ يَسُوعَ مِنْ بَينِ الأَمْواتِ سَاكِنًا فيكُم، فالَّذي أَقَامَ الـمَسِيحَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ يُحْيي أَيْضًا أَجْسَادَكُمُ الـمَائِتَةَ بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُم.


(الرّسالة إلى أهل روما – الفصل 8 – الآيات 1 إلى 11) 

::: أفكار من وحي الرسالة  :::

يُشَدِّد بولُس الرَّسول فِي رِسالَتِهِ هذه إلى أهْلِ روما أنْ لا هلاك للذينَ هُم في المَسيح يَسوع. لأنَّ الهَلاكَ هُوَ مِنَ الشريعَة التي تَعرض الجيّد وَتَحُثُّ عَلَيْه، وَتَعرُض بالمُقابِل السّيء وَتُعَدِّد العُقوبات في حال لَمْ يَمتَثِل المُؤمِن. هذا المَبدَأ يُريحُ الإنْسان، إذ يُوضِح لَهُ المَسموح والممنوع، وَلَكِنَّهُ في الوَقتِ عَيْنِهِ سبب دَينونَة لأنَّهُ ما مِنْ أحَدٍ يَسْتَطيع أنْ يُطَبِّق الشَّريعَة كُلَّها بِحَرفِيَّتِها، حَتَّى إنَّ صاحِب المَزامير يَقول: "إنْ كُنتَ يا رَبّ تَرْصُدُ الآثامَ فَمَنْ يا رَبِّ يَصْمُد؟" (مزمور130: 3). إذًا، يَسْتَنْتِج بولُس أنَّ الشَّريعَة تُؤَدِّي حَتمًا للمَوت، لأنَّها بالأساس أتت نَتيجَة الخَطيئَة التي يَقْتَرِفها الإنْسان: لِماذا تُوضَع شَريعَة تَمنَعُ خَطَأً لَمْ يُقْتَرَف أصلاً؟ لِذلِكَ يَقولُ بولس بِأنَّ التَّبرير ليسَ من خِلال الشَّريعَة، بَلْ مِنْ خِلال الإبن الذي أخَذَ جَسَدَنا المائِت، وَبِهِ ذاقَ المَوت، وَبِهِ كَسَرَ المَوت، لِيَقولَ لَنا أنَّنَا إنْ سَلَكْنَا بِحَسَبِ الرُّوح الذي هُوَ مِنَ الله، لا يُمْكِن إلاَّ أنْ نَعْتَرِف بِيَسوعَ مُخَلِّصًا أتَى إلى العالَم لِيَشْفِيَنَا وَيُعيدَنا إلى حالِ النِّعمَة. فالخَطيئَة يَرْتَكِبُها الإنْسَانُ بِجَسَدِهِ، وَيَسوع أخَذَ ذلِكَ الجَسَد لِيُؤَكِّدَ لَنا أنَّ أجْسادَنا لَمْ تُخلَقْ للمَوت في الخَطيئَة، بَلْ للحَياةِ بالنِّعمَة، بِقُوَّة الرُّوح القُدُس.
ونحن:
- كَثيرًا ما نَتَعامَل مَع إيْماننا على أنَّهُ مَجموعَة شَرائِع نُطَبِّقها "على مَضَض"، نَحمِلُ ثِقْلَها "خَوفًا من الجَحيم وَطَمَعًا بالنَّعيم"... هَلْ هذه هِيَ حَقيقَة إيْماننا؟ بالتَّأكيدِ لا! لَقَدْ خُلِقْنَا لِنَكونَ سائِرينَ مَعَ يَسوع نَحوَ بَيْتِ الآب بِقُوَّة الرُّوح القُدُس الذي نِلناهُ بالعِماد!
ما هِيَ القيمَة التي نُعطِيها لأجْسادِنَا؟ هَل نَتَعامَل مَعَها كَسِلعَة نَسْتَرسِل في خدمَتِها من خِلال الشَّراهَة، وكثرة الشُّرب وَقِلَّة الحِشمَة؟ أمْ نَتَعامَل مَعَها على أنَّها هَياكِل مُقَدَّسَة، أخَذَهَا يَسوع لِيُحَقِّقَ مِنْ خِلالِهَا خَلاصَ العالَم؟  

::: الإنجيـل :::

14 وخَرَجَ الفَرِّيسِيُّونَ فَتَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِيُهْلِكُوه.
15 وعَلِمَ يَسُوعُ بِالأَمْرِ فَإنْصَرَفَ مِنْ هُنَاك. وتَبِعَهُ كَثِيرُونَ فَشَفَاهُم جَمِيعًا،
16 وحَذَّرَهُم مِنْ أَنْ يُشْهِرُوه،
17 لِيَتِمَّ مَا قِيْلَ بِالنَّبِيِّ آشَعيا:
18 "هُوَذَا فَتَايَ الَّذي إخْتَرْتُهُ، حَبِيبِي الَّذي رَضِيَتْ بِهِ نَفْسِي. سَأَجْعَلُ رُوحي عَلَيْهِ فَيُبَشِّرُ الأُمَمَ بِالـحَقّ.
19 لَنْ يُمَاحِكَ ولَنْ يَصيح، ولَنْ يَسْمَعَ أَحَدٌ صَوْتَهُ في السَّاحَات.
20 قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لَنْ يَكْسِر، وفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لَنْ يُطْفِئ، إِلى أَنْ يَصِلَ بِالـحَقِّ إِلى النَّصْر.
21 وبِإسْمِهِ تَجْعَلُ الأُمَمُ رَجَاءَها".

(إنجيل متى – الفصل 12 – الآيات 14 إلى 21) 

::: أفكار من وحي الانجيل :::

في الإنجيل، نَرَى رَدَّة فِعل يَسوع عَلَى تَآمُر الفريسيين لِيَقْتُلُوه: لقد إبتَعَدَ عَنْهُم وَإنْسَحَب... فَمَنْ هُوَ ذلِكَ الذي نعتَبِرُهُ مُخَلِّصًا لَمْ يَجْسُر على مُواجَهَة المُتَآمِرينَ عَلَيْه؟! لَقَدْ تَآمَرَ الشَّعب وقادَتَهُ على قَتْلِ الأنْبِياء، وخَيْرُ مِثالٍ تَآمُرهم على يوحنّا المعمدان... لَمْ يَكُن مِنَ الآنْبِياء إلاَّ أنْ مَثَلوا أمامَ المُتَآمِرين، مُوَاجِهينَ إيَّاهُم بِخَطاياهُم، صارِخينَ في وُجوهِهِم، فَقوبِلوا بالغَضَب المُتَصاعِد الذي قَتَلَهُم في النِّهايَة. إنَّ يَسوع لَيْسَ نَبِيًّا، وَما يُؤَكِّد ذلِكَ أنَّهُ لَمْ يَتَصَرَّف كَسائِر الأنْبِياء. إنَّهُ إبْن الآب، حَبيب الآب الذي أعطاه روحهُ، إخْتارَهُ وَأعْطاهُ كُلَّ شَيءٍ لِيُبَشِّرَ بالحَقّ... فَكَيْفَ يُبَشِّر مُختار وَحَبيب الآب؟
- لن يُماحِك: أمامَ التَّهديد تَأتي المُمَاحَكَة لِتَمَلُّق العَنيف وَإزاحَتِهِ عَنْ قَرارِهِ بِتَصفِيَة المُعارِضين... المُختارُ مِنَ الله لَنْ يَتَمَلَّق أحَد...
- لن يَصيح: الصُّراخ هُوَ عَلامَة الإعتراض الشَّديد، الغَضَب، المُواجَهَة التي لا رُجوعَ عَنْها... المُختار من الآب لَنْ يَصرُخ لِيُعلِنَ الحَقيقَة...
- لَنْ يَسْمَع أحَد صوته في السّاحات: كانَ الأنبِياء يَقِفونَ في السَّاحات وَيَصرُخونَ لإعلان كَلِمَة الله. بينَما مُختار الآب يَبتَعِد عَن هذه الطَّريقَة...
- لَنْ يَكسِر قَصَبَةً مَرضوضَة: القَصَبَة المَرضوضَة تَنحَني لِتَعتَرِضَ طَريق المارَّة فَتَكون سَبب تَعَثُّرِهِم وَسُقوطِهِم. إنَّها تُشبِه الذينَ يَقِفونَ سَبب عَثَرَة أمامَ النَّاس... حَتَّى هَؤُلاء لَنْ يَكسِرهُم مُختار وَحَبيب الآب.
- لَنْ يُطفِئ سِراجًا مُدَخِّنًا: السِّراج المُدَخِّن يُلَطِّخ بِسَواد دُخانِهِ البيت، وَيُخفف بِدُخانِهِ النُّور، وَيُزعِج بِرائِحَتِهِ السّاكِنين في البيت... يُشبِهُ أصواتَ النَّشاز وأصحابَ البِدَع الذينَ يَدَّعونَ حَملَ الحَقيقَة... حَتَّى هَؤلاء، لَنْ يُسْكِتهُم مُختار الآب...
فَماذا سَيَفعَل إذَا؟!! سَيَعْتَصِم بالحَقّ الذي هُوَ مِنَ الآب، وَيَكون بِجَسَدِهِ جِزءً منَ الحَقّ، حَتَّى يُصبِح كُلّ مَن يَتَّحِد بِذلِكَ الجَسَد شُعاعًا مِنْ ذلِكَ الحَقّ، وَشاهِدًا حَقيقيًّا لَهُ...
ونحن، أمامَ تَهديدِنا بِسَبب إيْماننا:
- هَل نُماحِك، وَنُراوِغ في إيْماننا حِمايَةً لأنْفُسِنا؟
- هَلْ نَحمي أنْفُسَنا بالصُّراخ، فَنُواجِه النّاس وَنُؤذِيْهِمْ بِكَلامِنا حَتَّى لَوْ كانَ صَحيحًا؟
- هَلْ نُنادِي في السّاحات مُعلِنين كَلِمَةَ الله؟ أم نَعيشُها بِحَياتِنا الخَفِيَّة وَنَتْرُكها لَها انْ تُظْهِرَ نَفْسَها للنَّاس بالطَّريقَة التي يُريدُها الله؟
- هَل نُنَصِّب أنْفُسَنا دَيَّانينَ للنَّاس فَنَدُلّ على خَطاياهُم وَنَكسِرهُم أمامَ الآخَرين لِنَظهَرَ أنَّنا على حَقّ؟ أمْ نَترُكهُم بِسَلام لِيُظهِرَ الله من خِلالِهِم ما يُريد مِنْهُم وَمِنَّا؟
هَل نَعيش على إظهار الخَطَأ في ما يَقولُهُ الآخَرون؟ أم نَقبَلهُم بِفَرَحٍ وَسَلام مُطَبِّقينَ ما يَقولُهُ بولُس في الرِّسالَة "فرَغْبَةُ الـجَسَدِ مَوْت، أَمَّا رَغْبَةُ الرُّوحِ فَحَيَاةٌ وَسَلام."؟ 

::: تـــــأمـــل روحي :::

بين الخير والشرّ

هل تقبّلت يومًا عدوًا لك؟ هل إستطعت مجازاة الشرّ بالخير؟ هل غفرت يومًا لمن إفترى عليك وقادك إلى المحاكم وجعلك مرذولاً ومرفوضًا من أقرب الناس إليك؟ هل وهل... والأسئلة كثيرة في قبول فعل الخير أم الإنجراف وراء فعل الشرّ.
بين الخير الّذي يسكن قلب الإنسان والشرّ الّذي يستحوذ عليه هناك حياة تتأرجح، ونفسٌ تتمزّق، وفكرٌ يحاول تغليب المنطق البشري على منطق الله في تقييم الأمور وصوت خفيّ في أعماقنا يحاول أن يدير دفّة خيارنا. لكن الكلمة الفصل هي حياة المسيح بيننا وموته وقيامته.

لَنْ يَصيح

مضت ألفا سنةٍ على مجيء الميسح بيننا ولم نسمع صوته يضجّ في الساحات ولا يدوّي على المفرق ولا ينادي على السطوح، لكنّه بات يهمس في قلوبنا بلطفٍ وحنان، يلامس بحبٍّ حنايا الأضلع المنفتحة على سماعه. سلام ذاك الصوت الداعي إلى الوحدة، عَبَرَ قرنين وما زال حيًّا يجمعنا، لأنّه صوت الله، صوت الحبّ الكامل، صوت الحياة الأبدية المقدّسة.
هذا الصوت الدافئ هو من يعطي حياتنا حياة ويوقظ فينا أجِنّة الخير لتولَد أعمالاً صالحةً تصدح بصمتٍ مرئيّ في الأزقّة والطرقات، في المنازل والمكاتب والساحات، في مراكز العمل والنزهات، شاهدةً على حبّه الكبير لنا، معلنة أن ملكوت الله بات قائمًا في أعماق كلّ الإنسانٍ ليحرّرنا من شرّنا، لذاتنا وللآخر، الشرّ الموروث بفكرنا البشريّ.
هذا الصوت النابض فينا والّذي يسَلّمنا رسالة المسيح يسوع، يدعونا كي لا نكسر القصبة المرضوضة ولا نطفئ الفتيل المدخن، بل أن نجبر كل إنكسارٍ في النفوس الضعيفة التي فقدت إرادتها في إختيار الحقّ لسلوك الطريق السليم، ونسعى جهدنا لإزالة رماد التحجر عن شعلة الحبّ في القلوب اليائسة، والمعنّفة النازعة إلى الإنتقام أو إلى الإنزواء لجرحها الكبير، والموبوءة بالغيرة والحسد والأنانية والمريضة بالكبرياء...
هذا الصوت هو صوت الحياة فينا الّذي لا يزول حتى لو زالت السماء والأرض، صوت الإبن المتواضع القلب الّذي يتناغم مع أفراحنا ويتعاطف مع أحزاننا ويشددنا في مِحننا، هو الّذي يقودنا نحو الآب حيث الحقيقة الكاملة، حقيقة الحبّ المتجرّد والحياة الأبدية. إنّه وعد الله لِبَنيه.

رجاء الأمم أعجوبة الخير

كلّنا نعرف كيف يقطف العسل، ونعرف أيضًا أن إبر النحل اللاذعة تؤذي أحيانًا حتّى التسمّم، لكنّ النحّال العارف بمشكلة قطف المحصول، لا يكره النحل ولا يتراجع أمام أذيّة الإبر. هو مدركٌ لوجودها، صحيح أنّه يفضِّل لو لم تكن، لكن لا مفرّ، لذلك نراه دومًا يبحث عن الطرق الأنسب لتفاديها فيكسب العسل دون أن يقتل النحل.
إن حال النحل هذه كثيرًا ما تشبه حالنا. كلّنا نرى في الشرّ مشكلة بينما في الواقع إنّ الخير هو الصعب وليس الشرّ (والأمثلة الحاضرة اليوم في بلداننا لا تعد ولا تحصى)، لأنّ فعل هذا الأخير هو من أسهل ما يكون وأخاف أن أقول لربّما هو فطري عند الإنسان، فَفي أي ظرفٍ متأزمٍ ولو بعض الشيء، ينْسَلّ منك دون أن تدري وينكبّ على الآخر نارًا مشتعلة غالبًا بسهولةٍ كبيرة ودون تفكير لرغبةٍ فيك أن يتألّم كما تألّمت أو لتستردّ كرامتك: تغضب وتصفع أحدًا مثلاً، تطاول عليك، لا يأخذ منك أكثر من ثانية. أمّا الخير فهو المشكلة لأنّه يتطلّب منك وقتًا كافيًا للقيام به، فبدل الصفعةِ تصمت، تنظر إلى من آذاك، تفكّر بالكلمة التي بها سترد بتهذيبٍ على الأذية، ثمّ، تتصرّف بهدوء. أمام أبسط الأمثلة هناك ما يجعلنا نرى في الخير قدرة خفيّة أشبه بالمعجزة تجعلك تواجه الشرّ بكل ثقة وتخرجك من الأزمة منتصرًا، راكمًا جمرًا مطهّرًا منبّهًا على رأس فاعل الشرّ. إنّها قدرة إلهيّة لا يمكننا فهمها.
في النهاية، لنجعل رجاءنا به وحده ("بِإسْمِ يسوع تجْعَلُ الأمم رَجَاءَها") ولندرك أنّنا مولودون من الله بنعمة الروح القدس. وكما أنّه لا يكره الإنسان فاعل الشرّ، بل يكره الشرّ في الإنسان، الّذي يمسكه من طرف أذنيه كالمقصّر، علينا نحن أيضًا أن نتبنّى منطقه ونقتفي خطاه، لأنّه وحده الخير بالذات، ووحده كل الحب والحنان ووحده الحياة. 

::: تـــــأمـــل وصلاة :::

ربّي وإلهي ... مَن أنا؟ أنا الّذي في العماذ قد غيّرتُ إسمي إلى إسم إبنك الحبيب فلبستُ روحه ونلتُ نعمة لا مثيل لها، نِلتُ محبتك لي كإبنًا لك، نلتُ جسدًا روحيًّا يصرخ إليكَ "أبتاه".
ربّي وإلهي ... كم أود أن أبقى طفلاً صغيرًا في عينيك؛ أُخطئ فتسامحني، أَبكي فتمسح دمعتي وتُطمئنني، ولكنني أعلم بأن عليَّ أن أكبر وهذا لا يعني بأنك ستعتبرني كذلك وتُعاملني بشدة فمعاملتك لي لن تتغيّر، ولكن عليّ أنا أن أُدرك معنى أن تكون أنت أبي فأضع عليكَ إتّكالي وفيكَ ثقتي، وأحمِل في قلبي حبّك للجميع، وألبس تواضعك ووداعتك وقدسيّتك في تعاملي مع الآخرين. أبي السماوي ... أني أُحبك وأشكرك على تربيتي.
ربّي وإلهي ... أنا لا أعلم إن فهم التلاميذ حين أرسلتهم لشعبك كما أرسلت الإبن الحبيب بأن مِن خلالهم تقول لشعبك بأنك تُحبّهم، فهم لم يعودوا أجسادًا فقط تشتهي ما تريد بل إمتلاءً من الروح أرواحًا تعمل مشيئتك فتُظهر وتُشع محبتك للآخرين.
ربّي وإلهي ... أنا لا أعلم إن كنتُ أنا أعيش على الأرض بالروح ولكني أود ذلك، لذلك ألتجئ إليك يا أيها الرَّبّ القدير وأطلب منك مثلما صلّى القديس ألفونس دي ليجوري ومن بعده الكثيرين: "يا يسوع الوديع المتواضع القلب إجعل قلبي مثل قلبك القدّوس"، فأنعم عليّ بما أحتاج مِن نِعم لأكون كما كان كثيرون: رُسل سلام ومحبة، ولك الشكر على الدوام، آمين. 

::: نـوايا وصلاة شكر للـقدّاس :::

نوايا للقدّاس

1- (المحتفل) مِن أجلِ كنيسة السلام والمسؤولين فيها، خاصَّةً مار فرنسيس بابا روما، ومار بشارة بطرس بطرِيَركِنا، وأبينا مار نصرالله، ومار جورج مُطراننا مع الأساقِفَة والكَهَنَة والمُكَرَّسينَ على إسمَك القدّوس، إجعل حضورَهُم في العالمِ صورةً لإبنك الذي لم يكسر قصبة مرضوضة ولم يطفئ فتيلة مُدخِّنة، علامة رجاءٍ، وسُعاةَ سلامٍ، نسألك يا رَب.
2- نصلّي من أجل الرؤساء المدنيين والروحيّين، كي يدركوا الحق الذي لبسوه بالعماد، فيبتعدوا عن الضلال، والتسلّط، والمصالح الفرديَّة الضيّقة، نسألكَ يا رب.
3- نصلّي من أجل شبيبة لبنان كَي يُدركوا أصلهم وتقاليدهم وعاداتهم الشرقيَّة الطيّبة في العلاقة مع بعضهم البعض، ويتميَّزوا بِروح العفاف في معاشرتهم، وروحِ الكرم والإحترام في إنفتاحهم على الآخَرِ، في هذا الوطن الذي يَسَعُ الجميع، نسألك يا رب.
4- نَضَعُ أمامكَ مَرضَى الجسد والروح، مرضى اليأس والسلبيَّة، إمنَحهُم الشفاءَ، لأنَّك سيِّدُ الرجاءِ والأملِ والصَّبر، نسألكَ يا رب.
5- (المحتفل) لأنَّك غفورٌ رَحوم، نضعُ أمامكَ جميعَ مَنِ إنتقلَ مِن هذه الحَياة، إستقبِلهُم في دِيارِكَ، وأسكِنهُم ملكوتَكَ، غافِرًا لنا ولهم الخطايا والزلاّت. 

 

صلاة شكر للقدّاس

نشكرك يا من جبلتنا منذ القديم دون شرط، وفديتنا بإبنك حين رَفَضْنا حبَّك دون قيد، وما زلتَ تجدّدنا عند كلّ سقطة، وتمسح دموعنا في كل ألم يعترض نفوسنا وأجسادنا، وتعزيِّنا مع كلّ موت لأحبائنا، وتغذّينا في الكنيسة من قوتك السماوي، وكلمتك المحييَة، وتلهمنا بروحك عند كل خطوة وأخذ قرار وتعتني بنا وترافقنا دون أن نشعر بإرتباك، فكيف لا نشكرك أيها النسيم العليل الذي يرفّ في حياتنا ويظلّلنا ليحمينا من كل ما يسرق منَّا الحياة؟ نشكرك مع إبنك وروحك القدوس من الآن وإلى الأبد، آمين.

 

الأيقونة
من محفوظات أبرشيّة قبرص المارونيّة


المراجعة العامّة

من إعداد
الخوري نسيم قسطون
nkastoun@idm.net.lb
https://www.facebook.com/pnassim.kastoun

 

المقدّمة، الصلاة، أفكار من وحي الرّسالة و أفكار على ضوء الإنجيل

من إعداد

الشدياق فؤاد فهد
fouadfahed999@gmail.com
https://www.facebook.com/fouad.fahed.902?fref=ts

 

  التأمّل الروحي

من إعداد

السيدة جميلة ضاهر موسى
jamileh.daher@hotmail.com

https://www.facebook.com/jamileh.daher?fref=ts

 

تأمّل وصلاة  - تدقيق

السيّدة نيران نوئيل إسكندر سلمون
niran_iskandar@hotmail.com 

https://www.facebook.com/nirannoel.iskandarsalmoon?ref=ts&fref=ts

 

نوايا وصلاة شكر للقدّاس
من إعداد
السيدة مادلين ديب سعد

madeleinedib@hotmail.com

https://www.facebook.com/madeleine.d.saad?ref=ts&fref=ts