back to Book

رحلة من حلب إلى القدس في عيد الفصح في العام 1697[1]

هنري موندريل Henri Maundrell

هنري موندريل (1665- 1701) كاهن أنغليكاني كان مرشداً لكنيسة المشرق ومركزها في حلب. قام بزيارة إلى فلسطين عام 1697. وسجل كصحفي دقيق الملاحظة مشاهداته ومعاناته. ومن الجدير ذكره أنه لم يبذل أي محاولة لتعلم العربية أو لفهم الإسلام.

ترجمة النص: (ص 1) أربعة عشر شخصاً من كنيستي[2]، من مواطني، شكلوا مجموعة لزيارة الأرض المقدسة بمناسبة أعياد الفصح؛ ومع أني وصلت حديثاً إلى حلب، لم أرغب بتفويت مناسبة ملائمة لهذه الدرجة. وبما أني قد صممت سابقاً القيام بهذا الحج قبل عودتي إلى انكلترا، فقد اعتبرت أني لن أقوم بالحج بأقل إساءة ممكنة لرعيتي، ولا بأكثر الرضى نحوي، بغير هذا الزمن الذي أكون فيه برفقة قسم كبير من هذه الكنيسة.

(ص 2) انطلقنا[3] من حلب يوم الجمعة الواقع فيه 26 شباط 1697، في الثالثة من بعد الظهر، على اعتبار أننا لن نبعد كثيراً في هذا اليوم، ولنعرف إن كان لدينا كل ما هو لازم لرحلتنا. قضينا ليلتنا في خان العسل Kan de Miel (Honey-Kane) على مسافة فرسخ ونصف غربي حلب، وذلك بكثير من الضيق.

لا يتوفر للمسافر في هذا البلد، كما هي الحال في انكلترا، بلدات وحانات ليبيت فيها ليلاً. وافضل مأوى يمكنك العثور عليه هنا هو في ظل خيمتك، عنما يسمح الطقس، أو في بعض الأبنية العامة المبنية لاستعمال المسافرين على سبيل أعمال البر. يسمي الأتراك هذه الأبنية خانات. ونجدها في المدن والبلدات وعلى الطرقات الأساسية موزعة على مسافات ملائمة. هذه الخانات مبنية على شكل رواق حول فناء مربع من ثمانين أو ستين قدماً، تبعاً لقدرة أو لكرم مؤسسه. ومن المسموح لجميع المارة اللجوء إليه، مقابل القليل الذي يُعطى لمن يسهر على إدارته، وفي الكثير من الحالات قد لا يدفع المسافر شيئاً. ولكن غالباً ما لا نجد فيه غير حيطانه الأربعة، بحيث يتوجب على المسافر أن يحضر معه (ص 3) الطعام والشراب والسرير والنار والغطاء.

السبت 27 شباط: انطلقنا باكراً باتجاه الغرب لنصل بعد ساعة ونصف إلى عُريم (أو-ريم) Oo-rem، بلدة قديمة ليس فيها ما يلفت النظر غير دواثر كنيسة صغيرة. على مسافة نصف فرسخ منها عثرنا على قرية كفر Keffre، بعد ثلاثة أرباع الفرسخ موضع باسم إصوين Essoyn. ثم ولجنا سهول كفتيين Keftéen (Kefteen)... وقرية بنفس الاسم. لم نقطع إلاّ حوالي خمسة فراسخ في هذا اليوم، ونحن نتقدم باتجاه الجنوب الغربي...

(ص 4) الأحد 28 شباط: لما كان علينا اجتياز مسافة طويلة خرجنا من قرية كفتيين في الصباح الباكر، وتقدمنا دوماً في هذا السهل الخصب... (ص 5) وبلغنا في ثلاثة أرباع الساعة حربنوز Harbanoose، قرية صغيرة على طرف السهل... ودخلنا وادياً جميلاً باسم روج Rooge... بعد أربع ساعات من السير فيها وصلنا إلى تجمع للماء يُسمى البحيرة، أو تبعاً للغة الشرقيين بحر الروج... على مسافة فرسخ منها بلغنا تي-ني-ريه Te-ne-rée (Te-ne-ree)، حيث دفعنا أول كفارة Caphar لنا.

الكفارة نوع من الضريبة يتوجب على المسافرين دفعها في (ص 6) عدة ممرات، حيث يقيم موظفون لجبايتها. هذه الضرائب كان يجمعها المسيحيون سابقاً بغية صيانة الطرق الأساسية وتأمين الكلفة اللازمة لوقف غزوات العرب واللصوص. واستمر الأتراك على نفس المنوال... وهم يجبرون المارة، وخصوصاً الفرنجة، على دفع مبالغ اعتباطية، وغير معقولة... نزلنا في وادٍ آخر موازٍ للأول ولا يفصله عنه غير سلسلة من الجبال. في مدخل الوادي صادفنا قرية بل-معاز Bell-Maez، وبعد ساعتين منها وصلنا إلى مدينة الشغل Shoggle. كنا نتابع سيرنا معظم النهار نحو الغرب والجنوب الغربي، واجتزنا ما قدره عشرة فراسخ... (ص 7) نزلنا في خان جميل (في مدينة الشغل) يتجاوز بكثير جميع الخانات المشابهة...

(ص 8) الاثنين 1 آذار: انتقلنا من الشغل باتجاه الغرب لنجتاز الجبل من هذه الجهة من الوادي... استغرق اجتياز الجبل ساعتين... ثم هبطنا في وادٍ ثالث شبيه بسابقيه. وكانت قرية بي-دا-م Be-da-me عند مدخله ومنها استمد الوادي اسمه. بعد مسير مسافة فرسخين دخلنا في منطقة مليئة بالغابات والجبال، حيث تنتهي باشوية Bassalique (Bashalick) حلب وندخل باشوية طرابلس...

(ص 10) وصلنا... إلى موضع صغير يُسمى حجر السلطان Hadyar ib (il) Sultane حيث نصبنا خيامنا لقضاء الليل... الثلاثاء 2 آذار: غادرنا مخيمنا باكراً... وصلنا بعد ساعة من انطلاقنا إلى كفارة كروسيا Caphar de Crusia بالقرب من خان بنفس الاسم... بعد ساعة وصلنا إلى سفح جبل يُسمى العقبة Occaby... (ص 11) استلزمنا بلوغ قمته ساعة. ومن هناك لم نعد نرى لا الغابات ولا الجبال بل مناطق جميلة مزروعة جيداً وملؤها البساتين. تركنا على يميننا قرية الست غاله Citte Galle... التي لا يسكنها غير الموارنة، وبعد ساعة وصلنا إلى قرية بلولكا Bellulca. وقصدنا خان القرية المستخدم كمنزل للآغا، وحيث قررنا أن نأوي ليلتنا لأن هطول المطر كان شديداً...

(ص 13) الأربعاء 3 آذار: غادرنا بللولكا... وصلنا بعد أربع ساعات... إلى سلفتيا Sholfatia، قرية فقيرة على حافة جدول كان علينا اجتيازه. (ص 14) نصبنا خيامنا هناك...

(ص 17) الخميس 4 آذار: شاهدنا البحر Ocean للمرة الأولى، ومدينة اللاذقية Latichez (Latichea) على مسافة فرسخين (ص 18) إلى الغرب. وهي تقع في منطقة سهلية بالغة الخصوبة على الساحل. ولقد بناها سلوقس نيكاتور Seleucus Nicator، وسماها تيمناً باسم أمه... ثم هبطنا من الجبل إلى سهل فسيح تقدمنا فيه إلى الجنوب والبحر على يميننا وسلسلة من الجبال على يسارنا...

(ص 19) فاجأنا في سيرنا هطول البرد بكثافة وأعقبه مطر شديد ما دفعنا للإسراع نحو جبلة Jebilée (Jebilee)، (ص 20) بينما أمتعتنا تتبعنا ببطء. لم نقطع غير ستة فراسخ في هذا اليوم، كنا نتقدم في الصباح نحو الغرب ثم اتجهنا نحو الجنوب، والبحر على يميننا، وعلى يسارنا سلسلة من الجبال تبعد عنا مسافة فرسخين. وكنا نتابع سيرنا على هذا المنوال طيلة عدة أيام دونما أي فرق في المواضع، أللهم إلاّ أن الجبال كانت في بعض المواضع أقرب إلى البحر من غيرها. ولهذه الجبال أسماء تختلف في العديد من المواضع على الساحل، وتسكنها أقوام بربرية مختلفة الأسماء. ويطلق الأتراك على قاطني المنطقة فوق جبلة اسم نصيريين Neceres. هم قوم من طابع خاص...

(ص 21) الجمعة 5 آذار: بقينا طيلة اليوم في جبلة لنستريح من عناء الأمس. نزلنا في خان جديد بناه عثمان Ostan، باشا طرابلس اليوم، عند مدخل المدينة إلى الشمال.

تقع جبلة على شاطئ البحر ويحيطها من باقي الجهات سهل بالغ الخصوبة. ليست اليوم على شأن كبير، ولكنها تحتفظ بطابع المدينة، ونرى فيها آثاراً تكشف أنها كانت في ما مضى على وضع أفضل... ليس فيها ما يلفت النظر غير جامع بجانبه مستشفى، بناهما السلطان إبراهيم Sultan Ibrahim، وجثمانه يرقد في الجامع حيث يدل اسمه على قبره، وهو موضع إجلال كبير عند الأتراك. (ص 22) نعثر بالقرب من الجامع على حمام جميل وعلى حقل شاسع من الليمون اعتاد المسافرون على نصب خيامهم في ظلال أشجاره صيفاً...

(ص 25) بيد أن أقدم وأهم معلم في جبلة يعكس ما كانت عليه سابقاً هو آثار مسرح جميل عند مدخلها الشمالي. وهو بنظر الأتراك مجرد قصر قديم... ولكن ما تبقى من هذا البناء الكبير لا يتجاوز ارتفاعه 20 قدماً... (ص 26) لم يبقَ منه اليوم غير نصف دائرة قطرها 300 قدم، فيها 17 فتحة دائرية على مستوى الأرض تقريباً... ونرى في جهته الغربية مقاعد المشاهدين... وسوره الخارجي بسماكة 12 قدماً ومبني على صخور صلبة. لقد انقذته قوته من عاديات الأيام حتى الآن...

السبت 6 آذار: بعد أن اكتفينا من ملاحظة جبلة تركناها في الصباح الباكر على أمل أن يكون الطقس أفضل (ص 27) مما كان عليه سابقاً. تبعنا شاطئ البحر فوصلنا في مدى ساعتين إلى ضفة نهر عميق يسميه الأتراك نهر الملك Nahr-il-Melech. رأينا على جانبيه أكوام الآثار وغيرها من دواثر الأبنية الضخمة. على مسافة نصف فرسخ اجتزنا نهراً آخر باسم جوبر Jobar، شاهدنا عليه بقايا جسر من الحجر كان حسن البناء سابقاً. ونرى على الجانب الآخر من النهر في الأرض المزروعة برجاً كبيراً مربعاً تحيطه دواثر الكثير من الأبنية. كما رأينا أيضاً خلال كل يومنا الكثير من دواثر القلاع والمنازل التي تشي بأن هذا البلد المهمل اليوم كان في مضى بأيدي شعب عرف قيمته فاهتم بتحصينه. يسمي سترابون كل المنطقة بين جبلة وأرواد بلد الأرواديين الذين سنتحدث عنهم في حينه. ويسمي أيضاً كثرة من المواضع التي كانت قديماً على طول هذا الشاطئ: بالتوس Paltus، بالانيا Balanea، كارانوس Caranus، إنيدرا Enydra، ماراتوس Marathus، سيميرا Xymira. ولكنه من الصعب معرفة إذا كانت الآثار التي نصادفها اليوم هي آثار (ص 28) هذه الأمكنة، بفعل فارق الزمن، لا سيما وأن الكاتب يكتفي بتسمية الأماكن دون تقديم علامات كافية للتعرف عليها. يُظن أن بالانيا سترابون ما تزال قائمة في نفس الموضع الذي يسميه الأتراك بانياس Baneas، إذ لم يفعلوا غير تصحيف الاسم قليلاً. يقع هذا الموضع على مسافة أربعة فراسخ من جبلة. وهي تقوم على منحدر خفيف على مرحلة من البحر ويرويها من الجنوب جدول صغير وسريع. هي خالية من السكان اليوم. ولكن من الواضح تبعاً لوضعها وآثارها أنها كانت في ما مضى مدينة جميلة يمكنها خليجها من ممارسة التجارة. وهناك طًلبت منا كفارة جديدة.

لدى خروجنا من بانياس تابعنا سيرنا على طول الشاطئ، وبعد ربع فرسخ صادفنا قلعة قديمة على قمة جبل عالٍ. وهي تبدو بمظهر مثلث متساوي الأضلاع. واحدة من الزوايا باتجاه البحر. يسميه الأتراك المرقب[4] Merchab، ويتحدثون مطولاً عن حصاره: ولكن مهما كانت قوته سابقاً، فهو اليوم مجرد مكان لإقامة فقراء الفلاحين.

(ص 29) على مسافة فرسخ ونصف من بانياس صادفنا جدولاً صغيراً صافي المياه، فقررنا قضاء ليلتنا بجانبه. نصبنا الخيام في السهل على مرحلتين أو ثلاث من البحر، ومن هناك كنا نرى على الجبال المحيطة بنا قرية اسمها صوفيا Sophia يقطنها الموارنة فقط[5]، وبعدها بقليل بزاق Besack قرية أخرى يقطنها الأتراك، وأبعد منهما بقليل مرقيه Merakiah (Merakia) التي يقطنها مسيحيون ومحمديون. لم نسِر هذا اليوم غير ست ساعات.

الأحد 7 آذار: غادرنا الموقع باكراً، لنجد بعد ثلاثة فراسخ جدولاً جميلاً وعميقاً باسم نهر حسين Nahor Hussine. عليه جسر من قنطرة واحدة كبيرة وحسنة البناء. بعد ساعة ونصف وصلنا إلى طرطوس Tortose (Tortosa) ونحن نسير دوماً على الشاطئ. كان هذا الموضع يُسمى قديماً باسم أرطوسية Orthosie (Orthosia). وكانت مدينة أسقفية في مقاطعة صور. ويذكرها الكتاب الذين تناولوا الحروب الدينية مراراً (ص 30) كموضع محصن، وهذا ما يبدو من آثارها.

تقع على شاطئ البحر ويحيطها السهل من جهاتها الأخرى. ما تزال فيها قلعة قديمة كبيرة ومسكونة. تبللها من جهة أمواج البحر ومحصنة من الأخرى بسور مزدوج من الرخام غير المنحوت، ومبنية بطريقة غير متقنة. يفصل خندق بين السورَين، ويحيط خندق آخر بالسور الخارجي... كانت المدينة في السابق تحيط بالقلعة من الجنوب والشرق. وكانت محاطة بسور حصين وبخندق ما تزال بقاياه الضخمة واضحة. ولكن لا يبدو فيها أي بناء غير كنيسة على (ص 31) مسافة مرحلة من القلعة إلى الشرق. ويبلغ طولها 130 قدماً وعرضها 93 وارتفاعها 61...

عملنا في طرطوس على أن تتقدمنا امتعتنا نحو طرابلس بحيث نتمكن من بلوغها صباح الغد. ثم تبعناها بعد قليل، فبلغنا بعد ربع ساعة ضفة نهر جاف تقريباً، مع أنه يبدو، بحكم عرض مجراه، نهراً كبيراً، كما يبدو من بعض الاثار أنه كان عليه جسر من الحجر لعبوره.

بعد مسافة نصف فرسخ وجدنا أنفسنا قبالة جزيرة صغيرة تبعد فرسخاً عن اليابسة. يسميها الأتراك رواد Ru-ad، ونفترض أنها أرفاد Arvad القديمة، أو Arphad، أو Arpad؛ أسماء مختلفة لنفس الموضع الذي نجده في سفر الملوك الثاني[6] 19: 13، والتكوين[7] (ص 32) 10: 18، وحزقيال[8] 27: 11؛ وأرادوس Aradus اليونان والرومان. تبدو للنظر أنها لا تتجاوز طول مرحلتين أو ثلاث، وهي مليئة بالمنازل الكبيرة الشبيهة بالقلاع. كان سكان هذه الجزيرة القدماء مشهورين كبحارة، وكانوا يسيطرون على المنطقة حتى جبلة.

بلغنا مكاريتنا على مسافة ربع فرسخ من هنا، حيث نصبوا الخيام مع أننا طلبنا منهم التقدم أكثر ذلك. ولكن ذلك لم يكن مدعاة أسفنا لأننا اكتشفنا في المكان الكثير من العاديات التي لربما لم يكن سيتسنى لنا ملاحظتها لولا ذلك. كان ذلك في حقل على مسافة فرسخ من طرطوس جنوبي أرواد وعلى بعد حوالي ربع فرسخ من البحر. عثرنا هناك على نبع حسن ولكنه سيء الاسم لأنه يُدعى نبع الحية fontaine du serpent (Serpent Fountain).

الأثر الأول الذي عثرنا عليه كان عبارة عن سد كبير بعرض 90 قدم منحوت في الصخر القاسي. تهبط جوانبه عبر مدرج منحوت في الصخر من الأعلى إلى الأسفل. يتجه السد شرقاً وغرباً (ص 33) على مسافة مرحلة، ويحتفظ بنفس عدد الدرجات المستقيمة على طوله. وينتهي بأرض مغراقة ومسطحة تقع على مسافة حوالي مرحلتين بينه والبحر...

يقع هذا السد شمالي نبع الحية: اكتشفنا على الجهة الأخرى مباشرة أثراً آخر لفت نظرنا. هو عبارة عن فناء مربع محفور في الصخر ضلعه 165 قدماً. أما جوانبه المحفورة في الصخر فبعلو تسعة أقدام وهي تشكل سوره. إنه محاط من ثلاثة جوانب، بينما جانبه الرابع ينفتح على الشمال. وفي وسط الفناء قطعة مربعة من الصخر بعلو تسعة أقدام وبضلع من 16 قدماً. وهو يشكل قاعدة عرش مرفوع عليه. يتألف العرش من أربعة حجار كبيرة، يُشكل اثنان منها جانبيه بينما يشكل الثالث مسند الظهر، في حين أن الرابع يُعتبر قبته. ويبلغ ارتفاعه الكلي حوالي 20 قدماً، بمواجهة موضع (ص 34) الفناء المفتوح. يبلغ ضلع الحجر المربع الذي يلعب دور القبة حوالي 17 قدماً ونصف القدم، وهو مثبت على شكل إفريز. لم نتمكن من تصور ما الفائدة من هذا العرش، أللهم إلاّ إذا كان الفناء بمثابة معبد لصنم ما، بحيث يكون العرش مكرساً له: وهذا ما يبدو أكثر احتمالاً لا سيما وأن هرقل Hercules، أي الشمس، الذي يشكل الصنم الأفضل لدى الفينيقيين كانت تتم طقوس عبادته في معبد مفتوح... ثمة برجان على مساففة نصف ميل جنوبي هذه الآثار. ولكن اقتراب الليل ألزمنا على تأجيل التدقيق فيها إلى الغد...

الاثنين 8 آذار: بعد قضاء ليلة مزعجة نهضنا باكراً لتفحص البرجين المذكورية أعلاه. فوجدناهما عبارة عن قبرين يقومان فوق (ص 35) مقبرة قديمة. كان الواحد منهما يبعد عن الآخر مسافة ثلاثين قدماً، ونرى شكلهما وبنيتهما في الصورة أ والصورة ب.

يبلغ ارتفاع البرج أ 33 قدماً. وارتفاع قاعدته المربعة عشرة أقدام وضلعها 15 قدماً. وفوق القاعدة حجران كبيران الأول أسطواني الشكل، بينما الثاني مخروطي.

البرج الثاني ب ارتفاعه 30 قدماً وإصبعان. وقاعدته المربعة علوها ستة أقدام وضلعها 16.5. وهو مدعم بأربعة أسود كل منها منحوت على واحدة من الزوايا. النحت فظ، ولم تؤثر فيها عوامل الزمن. أما القسم العلوي فمؤلف من حجر واحد على الشكل المبين في الصورة ب.

الصورة أ

 

الصورة ب

يوجد تحت كل واحد من النصبين عدة قبور مدخلها إلى الجنوب. ولقد دخلناها بصعوبة لأن المداخل مسدودة بالعليق وغيره من النبات والقمامة. ولكننا تغلبنا على هذه العقبات يشجعنا الأمل (ص 36) بالعثور فيها على كنوز مخفية...

كانت الغرف تحت البرج أ كما هو مبين في الصورة. فبعد سبع أو ثمانية درجات نصل إلى مدخل القبر حيث ندخل متقدمين على أيدينا وأرجلنا، ونصل إلى الغرفة (1) وهي بعرض 9 أقدام وإصبعين عرضاً، و11 قدماً طولاً. ونتجه إلى اليمين فنجتاز ممراً ضيقاً منه نلج إلى الغرفة (2) وهي بعرض 8 أقدام و10 طولاً. في كل غرفة سبعة مواضع للجثامين... منحوتة في الصخر. أخذنا قياس العديد منها فوجدناها بطول 8.5 أقدام، وعرض ثلاثة أقدام وثلاثة أصابع. لم استنتج (ص 37) من ذلك أن الجثامين يجب أن تكون على هذا المقاس، مع أن حفر مثل هذه الأنفاق في مثل هذا الصخر القاسي، يكون من الإفراط القيام به دونما ضرورة ملزمة له.

رسم الغرف والأنفاق

من الجهة الأخرى للغرفة (1) ثمة ممر ضيق بطول سبعة أقدام يؤدي إلى الغرفة (3) وهي بطول 12 قدماً وعرض تسعة أقدام. وفيها 11 موضع للجثامين، أصغر قليلاً من السابقة، وموزعة بشكل متساوٍ... (تتوزع باقي الأنفاق كما هو مبين في الرسم الآتي).

(ص 38) على مسافة مرحلة من هنا اكتشفنا برجاً آخر شبيهاً بالبرج الأخير الموصوف أعلاه... وبما أنه كان علينا السير لبلوغ طرابلس اليوم، فلم نتوقف عنده طويلاً...

(ص 39) يجب ألا يفوتنا ذكر أننا عثرنا حوالي نبع الحية وحتى بالقرب من البرج الأخير، على العديد من المقابر الأخرى، وأبنية قديمة وغيرها من العاديات، ما يدفعنا إلى استنتاج أنه كان هنا سابقاً مكان لإقامة كبيرة. ولكني أترك للمهتمين بتقدير ما إذا كان هنا موضع سيميرا Ximyra التي جعلها استرابون Strabon في هذه المنطقة، كما سماها بلين Pline في (Histoire Naturelle, Liv. 5, chap. 20) Simyra، والتي قد تكون بلد الصماريين Zemarites المذكورين في سفر التكوين (10: 18) مع الأرواديين Arvadites.

في عكار[9]

بعد أن تركنا هذه الآثار (على الساحل قبالة جزيرة أرواد) دخلنا في سهل فسيح وعريض للغاية يقع بين البحر والجبال. ويمتد طولاً حتى يبلغ طرابلس. يسميه أهل البلاد جونيه Junia، أي السهل بامتياز وذلك بحكم اتساعه. استلزمنا اجتيازه سبع ساعات. (ص 40) وجدنا هذا السهل بالغ الخصوبة، لكثرة ما فيه من الجداول والمياه التي ترويه. أول هذه الأنهار على مسافة ستة فراسخ قبل طرابلس. عليه جسر من الحجر مبني بثلاث قناطر. وهو أكبر الأنهار التي تروي السهل ما اسبغ عليه اسم النهر الكبير Nahor il kibber. على مسافة نصف فرسخ منه، ثمة نهر آخر اسمه نهر الأبرص Nahor Abrosh نسبة إلى البرص. بعد ثلاثة أرباع الفرسخ منه، هناك نهر ثالث باسم نهر عكار Nahor Acchar، عليه جسر حسن بقنطرة واحدة من الحجارة. وعلى بعد فرسخين منه ثمة نهر رابع اسمه[10] ... أو المياه الباردة، وعليه أيضاً جسر بقنطرتين. ومن هذا النهر إلى طرابلس المسافة فرسخين كاملين. توقفت لأصف كل هذه الأنهار بغية إلقاء بعض الضوء على ذلك الاختلاف بين الجغرافيين حول موضع نهر إلوتيروس la Rivière Eleutherus. يجمع الجغرافيون المحدثون على إطلاق هذا الاسم على نهر يقع بين صور وصيدا، الذي يطلق عليه الأتراك اسم قاسميير Casimeer (القاسمية). ولكن هذا يتعارض مع إجماع شهادة (ص 41) القدماء الذين يضعون هذا النهر في موضع أبعد إلى الشمال. جعله استرابون في موضع ما بين أرطوسية Ortosia وطرابلس، كحد يفصل بين سورية Sirie وفينيقيا. أما بلين Pline فيضعه بالقرب من أرطوسية، ويجعله ينتهي في البحر مقابل أرواد Aradus، Hist. Nat., Liv.5, C. 20. أما واضع سفر المكابيين-1 Maccabées I, Macc. 12. 25. 30 فيجعله في بلاد حماة، ما يعني أنه بالتأكيد خارج حدود إسرائيل، كما يبدو استناداً إلى نفس المؤلف. يتفق معه جوزيف Joseph بوضع إلوتيروس شمالي صيدا، كما يبدو من الكتاب 14 من مؤلفه Antiq. Jud., Chap. 7. 8، حيث يقول في معرض كلامه على هبة مارك أنطوان Marc Anthoine إلى كليوبترا Cleopatre: أن هذا العاشق السخي أعطاها جميع المدن الواقعة بين إلوتيروس ومصر، باستثناء صور وصيدا. وبطليموس Ptelomée، على حد زعم تيرانيوس Terranius، فيجعله أبعد إلى الشمال، بين أرطوسية وبلانية Balania (بانياس). يثبت كل ذلك بوضوح أن النهر الذي يزعم المحدثون أنه نهر إلوتيروس، ليس هو ذاته أبداً. بل يبدو لي أن الظواهر تدفع أكثر إلى الاعتقاد بأن إلوتيروس هو اسم أحد أنهار جونية[11]. أو إذا أخذنا بقول بلين، هو النهر الجاف اليوم الذي ذكرته (ص 42) سابقاً وهو قبل طرطوس بقليل، حيث يكون مصبه مقابل أرواد تقريباً. لن أكون حاسماً في هذا الصدد، بل أكتفي بما رويته عن هذه الأنهار، بمناسبة اجتيازنا لها.

الثلاثاء 9 آذار: باقترابنا من طرابلس تردد المكارية عن المتابعة خشية مصادرة بغالهم لصالح الأعمال العامة، كما حصل لاحقاً مع أسفنا الشديد، على الرغم من كل حرصهم[12]. تركناهم في سهل جونية، وتابعنا السير حتى طرابلس التي وصلنا إليها مع المغيب. لقد سرنا 10 ساعات هذا اليوم.

أمضينا ثمانية أيام لنرتاح في طرابلس حيث استضافنا بسخاء السيد فرانسوا هاستينغز François Hastings قنصلنا، والسيد جان فيشر Jean Fisher، تاجر ويمثل البيت الإنكليزي الوحيد في طرابلس. تقع طرابلس على مسافة نصف فرسخ من البحر. يقع القسم الأساسي للمدينة بين تلتين، واحدة إلى الشرق حيث توجد قلعة تطل على الموضع، والثانية إلى الغرب بين (ص 43) المدينة والبحر. ويُقال أن التلة الثانية تكونت بداية وهي تكبر يومياً بفعل أكوام الرمل التي ينقلها الهواء من الشاطئ...

الأربعاء 10 آذار: هذا اليوم، استضافنا جميعاً السيد فيشر في الجبل. ولقد تناولنا الغداء في وادٍ ضيق ورائع إلى جانب نهر، على مسافة ميل شرقي المدينة. تقطع عبر هذا الوادي قناة ماء على قنطرة جميلة، وهي تجتاز الوادي من جبل إلى آخر، وفيها تسيل كمية من المياه كافية لتلبية حاجات المدينة. ويُسمونها جسر البرنس Pont du Prince ويُفترض أن بانيها غودفروا دو بويّون Godefroi de Bouillon.

(ص 44) الخميس 11 آذار: تناولنا جميعاً الغداء في منزل القنصل هاستينغز، وبعد ذلك قمنا بزيارة عثمان، باشا طرابلس، وذلك بعد أن كنا قد قدّمنا له إكرامياتنا، هذه الوسيلة الوحيدة للحصول على استقبال لائق من قبل الأتراك...

(ص 45) الجمعة 12 آذار: قمنا بعد الظهر بزيارة دير البلمند الأرثوذكسي Belmont Couvent Grec (Bell-Mount a convent of Greeks)، الكائن على مسافة مرحلتين[13] جنوبي طرابلس. وكان قد أسسه أحد كونتات طرابلس، وهو يقع على جبل صخري بالغ الارتفاع يطل على البحر، والصعود إليه صعب للغاية، ولكن جهد الرهبان الفقراء جعل الوصول إليه ممكناً. لقد وصلنا إليه بينما كانوا منصرفين إلى خدمة المساء. كنيستهم كبيرة ولكنها مظلمة، وكان المذبح محصوراً كيلا يتمكن من الاقتراب منه أحد غير الكاهن تبعاً لطقوس الكنيسة الأرثوذكسية. وكانوا يجمعون رعيتهم بنوع من الصوت تصدره مطرقتان خشبيتان تصدمان لوحاً يتدلّى على باب الكنيسة، وذلك لأن الأتراك يمنعون استخدام الأجراس المعدنية.

تكمن خدمتهم في تلاوة بعض الصلوات والتراتيل بسرعة وبدون أي احترام، وتوجه إلى فادينا والطوباوية العذراء، وفي بعض الطقوس المبهمة. أما الكاهن الذي يقيم القداس فيصرف ثلثي وقته في الدوران حول المذبح وتبخيره بالمبخرة؛ ومن ثم يدور حول المصلين وهو يهز مبخرته إلى الأمام (ص 46) والوراء ليعطر بهزات ثلاث كل واحد من الحضور. وعند نهاية الخدمة توضع داخل الكنيسة طاولة صغيرة يغطيها شرشف أبيض وعليها خمس قطع من الحلوى، أو الخبز تتوزع على شكل صليب، وفي وسط كل قطعة حلوى شمعة صغيرة مضاءة موضوعة في ثقب فيها.

شكل الصليب[14]

وفي هذا القداس يقرأ الكاهن مقطع الإنجيل المتعلق بقيام فادينا المسيح بتكثير الخبز انطلاقاً من بضعة أرغفة من الخبز. بعد ذلك ينقل الخبز إلى السكرستيا[15] حيث يُقطع إلى قطع صغيرة ويُوزع على جميع المشاركين ليأكل كل واحد قطعة صغيرة. وبعدها يُعطي الكاهن البركة وتنتهي الخدمة. يوجد في صدر الكنيسة، على الجانبين "مواضع" مخصصة للرهبان، كما هي الحال في المعاهد في أوكسفورد؛ ولكل موضع" ركيزة على كل من جانبيه. هذه هي الطريقة المعتمدة في معظم كنائس هذه البلاد. وعلى هذه المواضع يستند الكهنة، وهم غير مسموح لهم بالجلوس، وبما أن خدمة القداس تكون أحياناً طويلة فيصعب متابعتها للنهاية بدون (ص 47) ذلك. كما أن الكهنة الشباب الذين يستطيعون الاستغناء عنها يستعملونها...

يبلغ عدد رهبان هذه الدير الأربعين. وجدناهم في غاية الطاعة والنشاط، ولكنهم على جهل بالغ، لدرجة أنهم يعجزون عن تفسير خدمتهم الدينية. ولا أستطيع لتعيين بساطتهم المفرطة إلاّ أن أروي الإطراء الذي قدمه رئيسهم إلى قنصلنا، بحيث أنه اعتبر زيارة القنصل مدعاة بهجة كما لو أنه رأى المسيح بالذات يزوره.

ولكن علينا أن لا نتفاجأ من جهلهم لأنهم مجبرون على صرف وقتهم المتوفر خارج أوقات العبادة، لا في الدراسة، بل في رعاية ماشيتهم وزراعة أرضهم والعناية بكرومهم، وغير ذلك من الأعمال الزراعية المجبرون على القيام بها بأنفسهم. وهم مضطرون إلى ذلك ليس لمجرد تأمين ضرورات حياتهم، بل أيضاً من أجل تأمين الأتاوات التي يطالبهم به الأتراك الجشعون بلا مبرر...

(ص 48) السبت 13 آذار: قمنا في الصباح بزيارة عثمان باشا... (ص 51) بعد أن انتهينا من الزيارة، ذهبنا بعد الغداء للتنزه على الأحصنة على شاطئ البحر، على مسافة نصف فرسخ[16] من المدينة. كان المرفأ مفتوحاً تماماً، ولكنه محمي جزئياً من الموج (ص 52) بجزيرتين صغيرتين على بعد حوالي مرحلتين من اليابسة. واحدة باسم جزيرة العصافير   والأخرى باسم جزيرة الأرانب، وذلك بحكم انتشار الحيوانات فيها. وللدفاع عن المرفأ بوجه القراصنة تم بناء عدة تحصينات أو أبراج مربعة على طول الساحل، وعلى مسافة ملائمة. ويبدو لي عددها ستة، ولكنها خالية تماماً اليوم من الرجال والسلاح.

وكنا نرى في الحقول المنتشرة على طول الساحل الكثير من بقايا الآثار ومن أعمدة الرخام والكثير من الأشياء الأخرى التي تؤشر إلى وجود أبنية ضخمة في السابق. وهذا ما يتفق تماماً مع قول كازوبون Casaubon استناداً إلى ديودور Diodorus في ملاحظاته حول استرابون (ص 213) أن الموضع المسمى اليوم طرابلس كان في ما مضى تجمعاً لثلاث مدن تقع الواحدة على مسافة مرحلة[17] عن الأخرى. كانت الأولى مقر الأرواديين، والثانية مقر الصيدونيين، والثالثة مقر الصوريين. وعليه من المرجح أن طرابلس كانت اسماً أطلق بداية على ثلاث تجمعات متميزة ومتجاورة، وليس اسماً لمدينة واحدة بُنيت، حسب الرأي الشائع، بناءً لمصلحة مشتركة بين صور وصيدا وأرواد. لأنه من الصعب أن نتصور (ص 53) اتفاق ثلاث جمهوريات مستقلة كهذه على بناء مدينة واحدة مشتركة بينها، أو كيف تمكنت من التوافق لاحقاً على حكمها المشترك.

الأحد 14 آذار: ما نزال في طرابلس.

الاثنين 15 آذار: غادرنا طرابلس في الثالثة بعد الظهر. تبعنا شاطئ البحر، فوصلنا في ساعة ونصف إلى القلمون Callemone، قرية صغيرة واقعة (ص 54) تحت البلمند مباشرة. في الثامنة مساءً اعترض طريقنا رأس مرتفع داخل في البحر بشكل عمودي تقريباً (رأس الشقعة). ولتجاوز هذه العقبة انعطفنا يساراً في وادٍ ضيق فيه تمر الطريق الأساسية، وبما أن الليل بدأ يهبط خيمنا تحت أشجار الزيتون، بعد أن اجتزنا ما يساوي خمسة فراسخ تقريباً.

هذا الرأس الذي أنهى يومنا يبدو أنه الذي سماه استرابون[18] وجه الله face de Dieu الذي اعتبره هذا الجغرافي نهاية جبل لبنان. ولقد ذكر أيضاً وجود مدينة باسم الهري (ترييريس Trieris) بين هذا الرأس وطرابلس. ولكننا لم نعثر على أي بقايا لها، باستثناء بعض القبور المنحوتة في الصخر على مسافة ساعة ونصف قبل بلوغنا الرأس.

الثلاثاء 16 آذار: نهضنا في الصباح الباكر لاجتياز هذه العقبة التي يشكلها الرأس الذي تحدثنا عنه للتو. هذا الممر على مسافة نصف ميل من (ص 55) البحر. تجاوزناه صعوداً وبصعوبة في مدى ساعة لنصل إلى وادٍ ضيق من الجهة المقابلة حيث عدنا لرؤية إلى البحر. عند مدخل هذا الوادي حصن صغير قائم على صخرة ترتفع عامودياً من كل الجهات. وتبدو أسواره المساوية لأطراف الصخرة كأنها استمرار لها. يُسمى هذا الحصن تمسيدا[19] Temseida ويتحكم بالوادي.

بلغنا بعد نصف فرسخ من هناك البترون Patrone التي نفترضها هي المعروفة قديماً باسم بوتروس Botrus. وهي تقع على شاطئ البحر؛ ولم يكن طريقنا ليمر من هناك ولكننا خرجنا إليها لمشاهدتها. عثرنا فيها على بعض آثار كنيسة قديمة ودير مدمر تماماً، كما هي حال المدينة أيضاً. ولم يبقَ منها ما يشير إلى أنها كانت موضعاً هاماً.

بعد ثلاثة فراسخ منها وصلنا إلى جبيل ibyleG التي سمّاها اليونان بيبلوس Byblus، موضع مشهور قديماً بولادة ومعبد أدونيس Adonis. وهو موضع رائع على البحر؛ ينطوي اليوم على مجال صغير، (ص 56) ولكنه شاسع جداً بالنسبة لقلة ساكنيه...

الأربعاء 17 آذار: (ص 61) لدى اجتيازنا هذا الممر (نهر الكلب) لاحظنا على جوانب الصخور فوقنا عدة لوحات وصور منحوتة يبدو أنها تشي بأمور قديمة. صعد إليها بعضنا (ص 62) مستطلعاً فوجدنا فيها علامات جعلتنا نحكم بأنها الممر القديم الكائن قبل أن يعمل الأمبراطور أنطونين Antonin على حفر الممر الأدنى منه (الراهن) في موضع أكثر ملاءمة. وشاهدنا في عدة مواضع صوراً غريبة وقديمة لرجال منحوتة في الصخر، وهي بحجم الإنسان العادي. وكان هناك بجانب كل صورة لوحة مسطحة في بطن الصخرة ويحيطها إطار. ويبدو أن الصور واللوحات كانت سابقاً مليئة بالنقوش. لكن الحروف اليوم ممحوة بحيث لم يبقَ منها غير بعض البقايا المرئية. ومع ذلك وجدنا صورة ملامحها ونقوشها كاملة.

ولسوء الحظ فاجأتنا عاصفة هوجاء من الرعد والمطر في هذا المكان ما حال دون بقائنا مدة أطول. وهذا ما منعني، مع أسفي الكبير، من نسخ هذا النقش، ومن تفحص هذا الأثر القديم بقدر ما يستحق. وإني لآمل أن يتوفق أكثر مني رحالة آخر قد يمر في هذا المكان. تشبه الصور المومياءات، ولعلها كانت صور بعض الشخصيات المدفونة حولها، والتي يمكن اكتشاف قبورها.

(ص 238) الأحد 9 أيار: رغبت بذل الجهد مجدداً لرؤية الأرز وقنوبين، خشية أن تفوتني فرصة قد لا تعوض أبداً. بعد مسير ثلاث ساعات في اجتياز سهل طرابلس بلغت سفح لبنان. صعدت فيه مدة أربع ساعات ونصف الساعة، بصعوبة بالغة، فوصلت إلى قرية باسم أهدن Eden، بعد ساعتين ونصف منها وصلت إلى الأرز.

كانت هذه الأشجار الرائعة وسط الثلج، (ص 239) على مقربة من قمة لبنان. يا لها من أشجار عظيمة بعمرها وضخامتها، كما بالتمليحات الكثيرة إليها من خلال كلام الله (الكتاب المقدس). منها الشجر المغرق في قدمه وبضخامته الخارقة، ومنها ما هو أصغر عمراً وضخامة. أحصيت من الصنف الأول ست عشرة شجرة فقط، أما الباقيات فهي بأعداد كبيرة. أخذت قياس واحدة من الأشجار الضخمة فبلغ قطرها 36 قدمأ وست بوصات، وهي ما تزال سليمة البنية. أما امتداد أغصانها فكان بطول 111 قدماً. وعلى ارتفاع من 15 إلى 18 قدماً يتفرع جذعها إلى خمسة فروع كل منها يساوي شجرة كبيرة... وصلنا إلى قنوبين مع مغيب الشمس حيث استُقبِلنا  بكل ترحاب...

(ص 240) قنوبين دير للموارنة ومقر بطريركهم الذي هو اليوم اسطفان الإهدني Stephanus Edenensis، رجل علامة وبشوش.

(ص 241) الأبعاء في 11 أيار: استأذَنّا أصدقاءنا الطيبين في طرابلس (ص 242) لنعود إلى حلب. لم نكن نعرف ما إذا كان علينا العودة على الطريق التي سلكناها في المجيء، أو ما إذا سنتخذ طريق العودة عبر حمص Emissa Hempse وحماة. ولما علمنا أن الطريق الأخيرة معرضة للمخاطر بسبب بعض القلاقل في تلك الأنحاء، قررنا العودة على أعقابنا من حيث أتينا. هذا فضلاً عن أننا كنا قد شفينا غليلنا، وأخذ منا عناء السفر مأخذه، حتى بتنا راغبين بالعودة بأسرع ما يمكن. وهكذا عدنا للمرور في جميع الأماكن التي مررنا بها سابقاً دون أن نلحظ أي تغيير يُذكر، فوصلنا بثمانية أيام إلى خان العسل.



[1] Henri MAUNDRELL: Voyage d’Alep à Jerusalem, à Pâques en l’année 1697, traduit de l’anglais, Autrecht, chez Guillaume van Poolsum, 1705.

الأصل اإنكليزي للمرجع: A Journey from Aleppo to Jerusalem, at Easter, A. D. 1697, by Henry Maundrell, first American edition, Boston, 1836.

ثمة نسخة إنكليزية أخرى: A Journey from Aleppo to Jerusalem, at Easter, A. D. 1697, by Henry Maundrell, a new edition, London, printed for C. and J. Rivington, 1823.

[2]  الكنيسة الأنغليكانية. جاء في النص الإنكليزي: الأشخاص من أبناء أمتي أو قوميتي our nation، بينما في النص الفرنسي من أبناء كنيستي: mon Eglise (المترجم).

[3] يبدأ النص الإنكليزي، ص 1، بعبارة: "تبعاً لقرارنا هذا انطلقنا..." (المترجم).

[4] "هي على الأرجح نفس القلعة التي يذكرها أندريخوميوس Adrichomius وغيره باسم مرقط Margath والتي إليها اضطر أساقفة بانياس نقل مركز أسقفيتهم لتحاشي شتائم المسلمين"، النسخة الإنكليزية، ص 29. هذا المقطع غير متوفر في النسخة الفرنسية (المترجم).

[5] عبارة "فقط" واردة في النسخة الإنكليزية، وغير واردة في النسخة الفرنسية (المترجم).

[6] "أين ملك حماة، وملك أرفاد، وملك مدينة سفروائيم وهيناع وعوَّة" (الحاشية من وضع المترجم).

[7] "وكنعان ولد صيدون بكره وحِثاً (15) واليبوسي والأموري والجرجاشي والحُوِّي والعَرقي والسيني والأروادي والصِّيماري والحماتي" (الحاشية من وضع المترجم).

[8] "بنو أرواد مع جيشِك كانوا على أسوارك من حولك..." (الحاشية من وضع المترجم).

[9] هذا العنوان من وضع المترجم.

[10] يرد في النسخة الإنكليزية الصادرة في بوسطن، 1836، ص 41، اسم "نهر البارد" “Nahor el Bered”. بينما يرد “a fourth river called … or the Cold Waters”  في ص 23 من النسخة الإنكليزية الصادرة في لندن، 1823.

[11] جون عكار (المترجم).

[12] عندما قرر الرحالة متابعة رحلته من طرابلس، رفض المكارية السير معه خشية مصادرة بغالهم (المترجم).

[13] "على مسافة ساعتين" في النص الإنكليزي، ص 45، فهل معنى ذلك أن مسافة الفرسخ تستلزم سير ساعة؟ (المترجم).

[14] اعتمدنا الشكل الموجود في النسخة الإنكليزية (ص 46) لأنه أوضح مما هو عليه في النسخة الفرنسية (المترجم).

[15] بناء ملحق بالكنيسة لاستخدامات الكاهن ولوضع بعض الآنية والأغراض الخاصة بالكنيسة (المترجم).

[16] في النسخة الإنكليزية (ص 52): "ذهبنا لمشاهدة المينا (المرفأ) على مسافة نصف ساعة" (المترجم).

[17] في النص الفرنسي المسافة بمقياس مرحلة stade، بالإنكليزية بمقياس فورلونغ furlong، ما يعادل نصف ميل  (المترجم).

[18] Strab. lib. 16. Pomp. Mela, lib.I.  cap. 12.

[19] لا بد أنه حصن المسيلحة (المترجم).

 

د. جوزف عبدالله

 

back to Book