القسم الثاني

 (الطوبونيميا) Toponymie والطوبوغرافيا التاريخية

Back
الفصل الثالث
القبيات: الطوبوغرافيا التاريخية والطوبونيميا
Toponymie

د. جوزف عبدالله

 

 

          نظرة عامة

    يجب علينا، في الكلام على طبوغرافيا القبيات، التمييز بين الانتشار السكني القبياتي وامتداد القبيات في أملاكها ومجالها الجغرافي على بقعة أوسع بكثير مما تشغله الأحياء السكنية. يتوزع الانتشار السكني في القبيات على أحياء ستة لكل منها اسمه الخاص به. هي: "الغربية"، "مرتمورة"، "الضهر"، "غوايا"، "الذوق"، "القطلبة". بعض هذه الأحياء ينقسم تبعاً للموقع الجغرافي (شرق، غرب)، مثل "مرتمورة" الشرقية و"مرتمورة" الغربية، وكذلك "الضهر" الشرقي و"الضهر" الغربي. وفيها حي "الذوق" ذوقان: "الذوق" الفوقانيو"الذوق" التحتاني. وهناك تقسيم آخر داخل الأحياء تبعاً للتجتمع السكني العائلي. فحيث يكون تجمع المساكن تابعاً لأبناء عائلة واحدة، يتخذ هذا الموقع اسم حي عائلة فلان، أو حي بيت فلان. إن كلمة "حي" بحد ذاتها هي تعبير عن علاقة قرابية وتفيد معنى العشيرة أو بعض أقسامها ([1]). وعليه يقال: حي أو حارة بيت فلان، أوفلان...

          بالإضافة إلى هذه الأحياء السكنية هناك المجال الجغرافي الأوسع للبلدة، هذا المجال يتحدد بالأملاك العائدة لأهالي البلدة والمندرجة في نطاقها العقاري (وخارجه أحياناً) والبلدي، وبالأراضي حيث للأهالي "حق الانتفاع" العام، وهي تسمى اليوم أملاك الجمهورية اللبنانية. يتوزع هذا المجال الجغرافي الواسع في ما يعرف باسم الكروم أو "الضهور" في "الغربية" و"مرتمورة" و"الضهر"، بالاضافة إلى جملة مزارع: كرم سباط، وحلبوسا، وكماع والعصابة، ووادي حلسبان (بما فيه بوتويج)، وشويتا...

          ولا بد لنا في الحديث على طبوغرافيا القبيات من أن نلحظ التطور التاريخي لهذه الطبوغرافيا (اتساعاً أو تقلصاً) حتى أصبحت البلدة على ما هي عليه اليوم. فهل كانت القبيات، بانتشارها الراهن، على هذا المدى من التوسع والوحدة، أم أنه كان هناك مسار تاريخي تكونت من خلاله هذه الوحدة الاجتماعية - الجغرافية الراهنة المسماة القبيات؟لا شك، بأن القبيات الراهنة أنطلقت من الحي المعروف اليوم باسم "القبيات العتيقة"، وتوسعت لتضم مناطق أخرى لم تكن من القبيات، وكان بعضها معروفاً كقرى مستقلة عن القبيات، وبعضها كان سكانه، على التأكيد، من غير الموارنة، أوبعض سكانه على الأقل، ومنه من كان من غير المسيحيين.

ولقد حاولنا سابقاً طرح هذه المسالة بقولنا، واصفين الانتشار السكني القبياتي: "تتوزع منازلها (أي منازل القبيات) في مجموعات تكاد تكون متميزة في تموضعها ([2])، حتى ليخال الرائي أنه أمام مجموعة من  القرى لا إزاء بلدة واحدة، وخاصة أن بعضها يبعد بضعة كيلومترات عن بعضه الآخر. ولعل في ذلك مبرراً أولياً للتساؤل عمَّا يكوِّن بلدة واحدة من هذه الأحياء الستة المتباعدة وشبه المستقلة" ([3]). وأضفنا في حينه: "مرة أخرى لا بد من طرح السؤال حول علة وأسباب اجتماع هذه الأحياء الستة في بلدة واحدة، خصوصاً أن تسمية "القبيات العتيقة" تشير إلى تجددها (أي تجدد البلدة) أو انتقال ما، لهذه البلدة، عبر سيرورة تاريخية أدت إلى جمعها في واقعها الراهن" ([4]). سنحاول الآن إعادة طرح السؤال نفسه، وإلقاء المزيد من الضوء حوله، ولئن أزعج ذلك أصحاب التفكير "اليقيني" أو "التسليمي"، أصحاب "الأصالة" المارونية المزعومة ([5]).

          يتوزع السكن في القبيات، بغالبيته (خمسة أحياء، السادس حي القطلبة هو الأصغر والآخر في تكونه والأكثر وضوحاً في تفرده واستقلاله كموقع سكني مستقل)، في مجموعات خمس تنتشر في وادٍ منفرج تحيط به الجبال من جميع الجهات. ففي الشمال، هناك هضبة تمتد، عبر سلسلة من القباب والضهور، من حدود عندقت - القبيات شرقاً (حيث تقع أملاك غالبيتها لأهالي حي "مرتمورة")، حتى تلة برزق غرباً، في نهاية مرتفعات تلال "القبيات العتيقة" (حي الغربية). تشرف هذه الهضبة على قسم كبير من سهل عكار وعلى الساحل السوري. وتعتبر بداية لسلسلة الأسناد الجنوبية التي تتدرج في ارتفاعها حتى تبلغ "القموعة". كما أنها تشكل، في القسم الأكبر منه، نهاية الطبقة البركانية، الرقيقة إلى جهة الشرق، بينما تزداد سماكة في الغرب، عند حي "القبيات العتيقة" أو "الغربية". وهي تتراوح في ارتفاعها ما بين 600م إلى الشرق، لتبلغ في نهاية الغربية  (تلة برزق) 700م.

وفي الجنوب، يقوم حي "الضهر" و"غوايا"، بموازاة حي "مرتمورة"، على سفوح "الضهور" المكتونة بين أخاديد الأسناد المؤدية إلى هضبة "شويتا" وبطاحها غرباً، حتى سفح "جبل الراس" شرقاً. ينتصب "جبل الراس" جنوبي "غوايا" مباشرة، ويتجه من الشرق إلى الغرب على ارتفاع يبلغ أقصاه، في الغرب، حوالي 830م، عند بلوغه وادي "جورة النحلة" الفاصلة، في موقعها، بين أملاك القبيات وبلدة "عكار العتيقة". ويشرف هذا الجبل مباشرة على سهلات "شويتا" المنبسطة عند سفحه الغربي مباشرة على ارتفاع يتراوح بين 600م و 700م.

 يتوسط السكن في حي "الذوق" وادي القبيات، فينتشر من طرف "مرتمورة الشرقية" باتجاه الجنوب الشرقي ليتجاوز حي "غوايا"، فيحتل المنطقة الواقعة على يمين المتتبع لمجرى نهر القبيات نزولاً، وذلك على ارتفاع يتراوح، من الجنوب الشرقي إلى الغرب، ما بين 550م و 500م. يقابل "جبل الراس" إلى الجنوب الشرقي "جبل المرغان" الذي يشرف على حي الذوق من ارتفاع يتجاوز أحياناً 800م. وما بين هذين الجبلين يشق نهر القبيات مضيقاً يهبط من "حي القطلبة" الذي تنتشر منازله على "ضهور" تبلغ في ارتفاع السكن فيها ما يتجاوز 750م.

          يبدو أن مجرى نهر القبيات (والروافد التي تغذيه على امتداده) لعب دوراً أساسياً في تعيين هذا الانتشار السكني، بدءاً من "الضهور" المتكونة حول الشريان الأساسي للبلدة (نهر القبيات)، وفي نقاط التقاء سفوح هذه "الضهور" مع هذا المجرى، بالاضافة إلى القاعدة الواسعة نسبياً لوادي القبيات.

          يخرج نهر القبيات من "نبع الجوز"، على علو حوالي 850م، في إسفل سطح منطقة "زبود"([6]) شرقي "حرف الشربيل"، وهذه المنطقة تشكل واحداً من المواقع الفاصلة بين بلدة القبيات و"عكار العتيقة". يسير ذلك النهر في وادي "حلبوسا" ([7])، ليلتقي (تحت حي القطلبة)، بالروافد المتكونة إلى شرقي وادي "حلبوسا"، انطلاقاً من منحدرات "الشنبوق"، مروراً "بالعصابة" و "كماع"، ويعرف في مكان اتصال هذه الروافد إليه "بنهر المواش". وفي رأس "المواش" يلتقي الروافد من وادي "المرغان" ثم من وادي "عين الريحانة"، ولا يلبث أن تصب فيه، عند بداية المضيق المتكون بين "جبل الرأس" و "جبل المرغان"، مياه "عين الست"، وما يتجمع من المياه المنحدرة من وادي "بيت الغريب" (التابعة "لعكار العتيقة") و"بوتويج" و"حلسبان". ويستمر النهر بالجريان ببطىء، لضعف انحداره، في وادي القبيات السكنية، فيقسم البلدة قسمين، ويكون على يمين المتتبع لمجرى النهر نزولاً، حي الذوق (في منبسط وادي القبيات) وحي "مرتمورة" و"الغربية"، بينما يقع على يساره حي "الضهر" وحي "غوايا". ويتلقى هذا النهر، من "وادي البكليك"، الفاصل بين حي "الذوق" وحي "مرتمورة"، الروافد التي تتجمع في "وادي الكاسوحة"، الفاصل بين القبيات-عندقت، وفي "الحلّوف" و"الوطى". كما يتلقى، من الجهة الجنوبية، المياه المتجمعة في وادي "عين النمر" والمنحدرة من بطاح "شويتا"، عبر هذا الوادي وغيره من الأخاديد. ثم يتجاوز القبيات جنوبي حي "الغربية"، على علو حوالي 460م، فيجتاز وادي قرية "السنديانة"، ليلتقي بعد تجاوزه "وادي الفارغ"، بين "المجدل" و"السن" بنهر "عكار العتيقة"، ويندمج فيه.

          لعب هذا النهر (وما يتصل به من روافد من جهات ثلاث: الشمال والجنوب والشرق) دوراً أساسياً في اعتمار القبيات وفي تنظيم طبوغرافيا هذا الاعتمار. لقد كان يدير مجموعة من المطاحن ما تزال آثارها حية إلى اليوم. آخر هذه المطاحن مطحنة "شمعا" إلى الجنوب الشرقي من حي "الغربية". تسبقها مطحنة "البرج" قرب سيدة "شحلو" ما بين "الضهر" و"مرتمورة"، ومطحنة "غزالة" و"نادر" و"سنَّار" و"الياس"، وذلك على أطراف حي "الذوق" المحازية للنهر تجاه حي "الضهر" و"غوايا".

          وليس هناك أدنى شك بأن هذا النهر، بروافده الموسمية، لعب دوراً كبيراً في خلق الكثير من القطع الزراعية الخصبة في وادي القبيات، خاصة بما تحمله السيول المنحدرة، من أعالي هضاب عكار، في الأخاديد، من حصيلة عملية التآكل الطبيعي. وهذا ما يعني إخصاباً طبيعياً ودورياً للأرض الزراعية، القليلة الوجود أساساً في هذه المناطق الجبلية التي تغلب في تكوينها كتل الصخور. كما يعني أيضاً تكوين مناطق زراعية يطلق عليها اسم "الموشة" و"المخاضة" و"الرامية" ([8]).

          كما أن مياه هذا النهر، ومياه الكثير من الينابيع والعيون (سنأتي على ذكرها لاحقاً) ساعدت على استقرار السكن في القبيات، ومع أن الأرض غير ملائمة، على نطاق واسع للعمل الزراعي، لكن القبياتي تمكن، بجهوده المستمرة، من استغلال ما تكون من الأراضي القليلة الصالحة للزراعة، كما أنه عمد إلى توسيع رقعتها باللجوء إلى طريقة بناء المصاطب وتكوين الجلالي. كما أحسن استغلال مصادر مياه العيون، وإن كانت شحيحة، باعتماد تقنية حقن الماء (في المحقن، أي البركة الاصطناعية). وما يزال هذا الأسلوب معتمداً حتى الآن، على صعيد فردي وجماعي، هذا مع العلم بأن الزراعة اليوم في حالة تراجع رهيب، قياساً لما كانت عليه لعقود خلت.

          ولعله لنا في اسم القبيات بالذات، ما يشير إلى غنى منطقتها بالماء، سيما وأن شتى تأويلات هذا الاسم، السريانية أو العربية، ترى فيه تجمعاً للماء. وهذا ما جعل وادي القبيات نموذجاً من وديان عكار الغنية بخصوبتها نسبياً، تلك الوديان التي دفعت بأحد قناصل فرنسا إلى تسجيل دهشته وإعجابه بها، في تقرير رفعه إلى حكومته قبيل الحرب العالمية الأولى، وضمنه الأهمية الزراعية لوديان عكار ([9]).

          ولا بد لنا ان نذكر في عداد العوامل التي شجعت الاقامة والسكن في القبيات تلك الثروة الحرجية التي نظنها كانت وافرة في ربوع البلدة ومناطقها. وربما كان العمل في قطع الأخشاب من أقدم تلك الأسباب التي دفعت إلى اعتمار القبيات، من قِبل العاملين في هذه المهنة. ولعل هذه الحال تنطبق على القسم الأكبر من السكن في جبل لبنان منذ أقدم الأزمنة، حيث اعتبر البعض أن الإقامة في جروده كانت بداية للحطابين والعاملين في قطع الأخشاب ونقلها. وفي هذا يقول الأب لامنس: "لعل الحطابين والصيادين كانوا أول من سكن لبنان والأمانوس" ([10]). ويرى البعض أن عكار منطقة امتازت بثروتها الحرجية لدرجة جعلت أهم أقدم مركز تاريخي في عكار يستمد اسمه من غنى المنطقة بأشجارها. هذه هي حال مدينة عرقة التاريخية التي يربط أنيس فريحة اسمها بجذوع الأشجار الباسقة واستخدامها في البناء، فهو يقول: "عرقة. وهو اسم قديم ورد ذكره في الأشورية ar-qa  وفي المصرية ar-qa-tu  وفي رسائل تل العمارنة Ir-qa-ta ...´arqé . أخشاب وجسور للبناء. وفي عامية لبنان "العرقة" جذع أو خشبة غليظة تبنى فوق الباب أو النافذة (عتبة) ([11]). يظهر أن المكان بدأ كمركز لتصريف الأخشاب أو الجسور" ([12]). ومن الذين خصصوا ذكر القبيات كموقع من مواقع الثروات الحرجية في عكار مؤلفا "ولاية بيروت"، بقولهما: "إن أهم الأحراج في لواء طرابلس الشام هي أحراج عكار وضنية. تبتدأ([13]) هذه الأحراج التي تشغل قريباً من (150) ألف دونم من قرى (غابات وتحفت) وتمتد إلى أواخر حدود الضنية. وتوجد على السفوح التي يزيد ارتفاعها عن 1500 متراً. وإن أحراج قبايات عنعنت، أرمون، عرض الحريق، روبر، جور ديري، وادي جهنم، قاطر فريم، ضنية، هي من فروع هذه السلسلة"([14]). ويخص د. أبو العينين جرد القبيات، الشمبوك، وفنيدق بوجود شجر يسميه Juniperus excelsa عرعر حملايا([15]).

ومن الأدلة على قدم الثروة الحرجية في البلدة ما تبقى منها حتى الآن في بعض الأماكن السكنية، لاسيما أماكن العبادة. ففي الساحة العامة في القبيات، مقابل كنيسة الحبل بلا دنس، شجرة دلب خضراء عامرة، تُعرف باسم "دلبة الذوق"، يبلغ محيط دائرة جذعها حوالي أربعة أمتار؛ وفي دار كنيسة السيدة الغسّالة سنديانة محيط دائرة جذعها حوالي خمسة أمتار؛ وفي باحة كنيسة مار جرجس (شويتا) سنديانتان محيط دائرة كل منهما أكثر من خمسة أمتار؛ وكذا هي الحال في إحدى باحات دير الآباء الكرمليين...

 

  طبوغرافيا الأحياء

نبدأ الكلام على طبوغرافيا الأحياء بدءاً من حي "الغربية". هذا أول حي يصله الزائر الآتي إلى القبيات (من طرابلس -حلبا - ... البيرة – السنديانة) من جهة الغرب، بالنسبة لباقي البلدة. يعني اسم "الغربية" وقوع هذا الحي في غرب القبيات، في طرفها الغربي. ولما كان لعبارة الحي مرادف أكثر استعمالاً محلياً أحياناً فإنه يُقال أيضاً "الحارة الغربية" أو "الغربية"، اختصاراً. بيد أن الاسم الحقيقي لهذا الحي هو "القبيات العتيقة". يعني ذلك أن الاسم الأصلي لهذا الحي هو "القبيات". وفي هذه التسمية "القبيات العتيقة" ما يُشير إلى أن أصل القبيات الراهنة بدأ في موقع هذا الحي، وفي حدود مجاله الجغرافي. ومنه بدأ المجتمع القبياتي توسعه بإعمار الأحياء الأخرى، التي اتخذت بمجموعها، ومع الزمن، وفي سياق عملية توسعها وتوحدها، اسم القبيات، مع احتفاظ كل منها باسم خاص به أصيل. ولما اتخذت القبيات الراهنة وضعها النهائي، احتفظ الأصل باسم "القبيات العتيقة".

          يُعرف هذا الحي أيضاً باسم "حارة الأربعين"، نسبة إلى كنيسة "الأربعين شهيداً" التي كانت الكنيسة الوحيدة العامرة في القبيات. ومن المرجح أن الكنيسة الوحيدة التي بقي المجتمع القبياتي يقضي حاجاته الروحية فيها حتى أواخر القرن الثامن عشر، هي "كنيسة الأربعين" في "حي الغربية". ولعله من المرجح أيضاً أن انتشار ابناء القبيات من "الحارة الغربية" (القبيات العتيقة) إلى باقي الأحياء والمناطق ربما حصل في أوائل القرن الثامن عشر. ولعل هذا الانتشار حصل بعد اندثار معمري المناطق المنضوية اليوم تحت اسم القبيات، لأسباب ما تزال غير واضحة تماماً، وإن كنا سنحاول العمل على جلائها قدر ما يتوفر لنا من المصادر المعنية.

          أما بدء المجتمع القبياتي بالوجود في "القبيات العتيقة" (أو الغربية) فإن الخورسقف الزريبي يعود باعتماره من قِبل الموارنة إلى مرحلة بداية سيطرة المماليك على عكار، وزوال الصليبيين من المنطقة.

          ننطلق في كلامنا هنا من نص تاريخي وضعه واحد من أهم (إن لم يكن الأهم) رجال الدين في القبيات، هو الخورسقف ميخائيل الزريبي ([16]). جاء النص بعنوان: "لمحة تاريخية" نثبت معظمه هنا، ونضع صورة عن المخطوط الذي تركه الخورسقف المذكور، في الوثائق الملحقة.

 

      الخورسقف الزريبي: "لمحة تاريخية"

      "إننا لم نتمكن من الوقوف على تاريخ حقيقي به نعرف أصل سكان القبيات القدماْ المسماة قديماً  نسبة لمركزها الطبيعي، مع أن الآثار القديمة الموجودة بها تدل على أنها قبل المسيح، وأن السكان بها كانوا من أمة اليهود، كما يُستدل من كثرة الدياميس والمدافن المنقورة بصخر، ورفاة الأموات الضخمة وسمك الجماجم وطول الأعصاب الغريب... ويُظن بها أنها من بقايا الرومان نظراً للآثارات الكثيرة، وأهم أثر يوجد بها هو الأثر الموجود الآن في وادي حلسبان كونه يشبه بكبر حجارته قلعة معراب بكسروان وهيكل أفقه عند مخرج نهر ابراهيم. أما إطلاق الاسم عليه الآن بمار شليطا فربما يكون أن الصليبيين الذين احتلوا هذه الديار وشيدوا فيها الكنائس والمعابد والأديار شيدوا في هذا البناء العجيب كنيسة على اسم مار شليطا. كما يُظن بهم أنهم شيدوا المعابد الآتي ذكرها الموجودة بخراج القبيات (عدا عن الكنائس القديمة الموجودة في عندقت وشدره وعيدمون والباردة وممجز وكفرتون وغيرها وجميعها لا تبعد الواحدة عن الأخرى مسافة عشر دقائق) أولاً كنيسة دار عنين أي الاستجابة، 2- كنيسة كماع،3- كنيسة مار سركيس وباخوس ويُظن به أنه دير للعباد نظراً إلى الغرف الموجودة للآن، 4- كنيسة الغسالة، 5- كنيسة مار ضوميط التي جدد بناءها الآباء الكرمليون سنة 1852، 6- كنيسة سيدة شحلو، 7- كنيسة مار جرجس بقرية شويتا ولم تزل عامرة وبالقرب منها كنيسة تُسمى ويُقال لها غزراته، 8- كنيسة الأربعين شهيداً ولم تزل إلى الآن وتقام بها الذبيحة الإلهية كل يوم، 9- كنيسة مرتموره. فجميع هذه الكنائس والقرى التي حولها دخلت الآن بخبر كان، وأصبحت خربة رميمة، ويُعرف أنها خربت بالحريق أبان الحروب التي تواترت عليها في أيام الملك الظاهر البندقداري سنة 1289م، من المواد التي وجدناها بقرية شحلو محروقة وجدران الأبنية المشوهة بالسواد ومثلها قرية شويتا التي كانت آهلة بالسكان في عهد يوستنيانوس الثاني الأخرم سنة 694م (الستماية وأربعة وستين م كذا في المخطوط!)، كما يُستدل على ذلك من الهرم المبني فوق ضريح وزيره مرقيان الذي جُرح في قرية أميون مع رفيقه مريق وهرب من عساكر المردة إلى شويتا وتوفي فيها. أما من بنى هذا الهرم فوق ضريحه بعلو ما ينيف عن أربعين ذراعاً هل الملك أم الأهالي فلا يُعلم. وهذا الهرم قد هدمه محمد بك العبود من البيره وعلي آغا الأسعد من عكار والبادري ماري ايسوس كرملتاني وأخذوا حجارته للبناء وذلك سنة 1870م. وما برحت جدران القصر الذي كان ضمن فسحة الهرم للآن.

          أما سكنى الموارنة في القبيات فيُظن به أنه حديث وليس بأكثر من ستماية سنة. وربما يكون قسم منهم من بقايا المردة الذين كانوا قاطنين هذه البلاد مثل قرية الباردة التي نشأ منها البطريرك موسى العكاري في عصر ألف وخمسماية م، وقرية شدرة التي منها المطران اسحاق الشدراوي في عصر ألف وستماية م، وقرية حلات الشعرة التي قيل أنه نشأ منها البطريرك الحلاتي. والقسم الباقي هم غربا ومن عهد وجيز أتوا من لبنان ورأس بعلبك ومن صدد وقطنوا في القبيات وامتزجوا مع سكانها امتزاج الراح بالماء.

          أما انتشار أهلها في حارة مرتمورة والزوق وضهر البلان المسماة غوايا فهو حديث جداً لا يبعد أكثر من ماية وسبعين سنة أيام ولاية الأمرا آل سيفا الذين كانوا يُرغمون السكان على غرس التوت (وبالحديث مع العامة يُقال عن كل توتة ضخمة أنها سيفلية)، كون مجموع السكان كان بحارة الأربعين أي بالحارة الغربية المسماة بالقبيات القديمة... ومنها نزح عايلة رزق وعايلة بطيخ وعائلة رعد وعائلة عماد الجميل البكفاوي الملقب بالزريبي (نسبة لتوطنه في قرية زريب بقضا حزور مدة قصيرة ومجيئه إلى القبيات ووفاته بها). وتوطنوا في حارة مرتمورة وبقوا يقضون لوازمهم الروحية وفروضهم الدينية عند خوري كنيسة الأربعين إلى أن ارتسم الخوري بطرس الراعي الذي خدم مدة قصيرة وتوفاه الله تعالى... ثم ارتسم الخوري يوحنا بن يوسف عماد الجميل من طيب الذكر المطران يوسف حبيش مطران طرابلس الذي صار فيما بعد بطريركاً سنة 1811 ورمم كنيسة مرتمورة وبقي يقدس بها إلى أن تغمده الله برحمته. وبقيت الحارة مدة سنين بغير كاهن إلى أن ارتسم كاهناً شرعياً عليهم المرحوم والدي الذي تسمى باسم عمه الخوري يوحنا وهو سركيس بن جبور بن يوسف بن عماد الجميل البكفاوي الملقب بالزريبي.

          ولد سنة 1831، ولما بلغ رشده أرسلته والدته إلى بشري وهنالك درس أصول اللغة السريانية وعلم اللاهوت الأدبي على الوكيل البطريركي المرحوم الخوري يوسف بن ميخائيل عريضه رئيس كهنة بشري... وفي آب 1855 اجتمع أهالي مرتمورة وقدموا عريضة إلى سعيد الذكر المطران بولس موسى رئيس أساقفة طرابلس بها يلتمسون منه قبول انتخابهم المرقوم كاهناً شرعياً عليهم. فسيادته غبّ الفحص عن كمال سلوكه وحسن سيرته أثبت انتخابهم له موقعاً عليه بأمضاه وختمه في اليوم الرابع عشر من شهر آب سنة 1855م...". 

        ماذا نستنتج من هذا النص؟

أولاً: ينطوي هذا النص على كثير من الحقائق التاريخية، وجلّها بحاجة إلى قراءة نقدية. وهو في قسمه الأثري يقوم على الظن. ولكنه لا يخلو من كبير الفائدة في ما يخص الأمور القريبة نسبياً من زمن الكاتب، بحيث يُفيد في معرفته ما عايشه هو، وما نقله إليه كبار السن، وما شاهده شخصياً. كما أن القراءة النقدية لما يتضمنه هذا النص تجعل منه وثيقة على درجة عالية من الأهمية. هذا فضلاً عن ما يتحلى به من قدر كبير في الموضوعية التي يفتقدها المؤرخون المحدثون، لا سيما من أبناء القبيات الذين قاربوا تاريخ بلدتهم بعيون أعمتها محبة البلدة، ومرارة "العظمة"، وهذيان "الأصالة".

ثانياً:  يُفهم من هذا النص أن القبيات، على كامل امتدادها الجغرافي الراهن، كانت منطقة عامرة منذ أقدم الأزمنة: "إنها قبل المسيح وإن السكان بها كانوا من أمة اليهود" ([17]). وهويسجل هنا "كثرة الدياميس والمدافن المنقورة بصخر". كما يسجل احتمال انتساب أهم الآثار إلى الزمن الروماني، خاصة ما هو موجود منها "في وادي حلسبان كونه يشبه بكبر حجارته قلعة معراب بكسروان وهيكل افقة عند مخرج نهر ابراهيم"، وهذا ما يمكننا، في ما لو صحّت ملاحظته، من القول والتأكيد بإعمار الفينيقيين لهذه المنطقة.

ثالثاً: يشير إلى دور الصليبيين في إعمار المنطقة وبناء الكنائس فيها. ولا يتعصب لانتمائه الديني، فيجعل هذه الكنائس مارونية، علماً بأنه كان أهم رجل دين ماروني في البلدة. وبالتالي فهو لا يدّعي واقعاً مارونياً، كان موجوداً، دون أن يتأكد من وجوده.

رابعاً: يرى أن المجتمع القبياتي الراهن حديث الوجود نسبياً، وهو لا يعود إلاً لبداية عهد المماليك: "أما سكنى الموارنة في القبيات فيُظن به أنه حديث وليس بأكثر من ستماية سنة". مع تأكيده أن اعتمار القبيات، كبقعة جغرافية، بدأ في "القبيات العتيقة" (الغربية) فقط. وهو يميز هنا بين من يعود من أهل القبيات إلى هذا التاريخ (ستماية سنة) وبين قسم آخر يقول فيه: "هم غربا ومن عهد وجيز أتوا من لبنان وراس بعلبك ومن صدد وقطنوا في القبيات". ويبدو هذا "العهد الوجيز" على علاقة بتوسع القبيات من "الغربية" إلى باقي الأحياء الراهنة للبلدة. وهذا ما يعبر عنه بقوله: "أما انتشار أهلها في حارة مرتمورة والزور وضهر البلان (و)غوايا فهو حديث جداً لا يبعد أكثر من ماية وسبعين سنة...".

خامساً: يعتبر أن المجال الجغرافي القبياتي الراهن قد كان منطقة فيها مجموعة من القرى. فعندما يعدد الكنائس التي كانت موجودة يقول: "... فجميع هذه الكنائس والقرى التي حولها دخلت الآن في خبر كان وأصبحت خربة رميمة". طبعاً، يعزو هذا الخراب إلى الحملة التي قادها المماليك لطرد الصليبيين. ويذكر من هذه القرى بالاسم قرية "شويتا".

 

  قرية السنديانة والقبيات؟

هل كانت قرية السنديانة الواقعة غربي "القبيات العتيقة" (الغربية) من ضمن نطاق القبيات في ما مضى؟ "السنديانة" اليوم قرية أهلها جميعهم على مذهب السنة. تذكرها "الحوليات المارونية" في الكلام على تاريخ الرهبانية كمزرعة تابعة للقبيات، أو كجزء منها. وانطلاقاً من ذلك جعل السيد يواكيم الحاج "السنديانة" مزرعة: "تابعة للقبيات قديماً، فوهبها "بونز" أمير طرابلس سنة 1127م إلى مستشفى القبة (ليس من الضير أن لانميز بين "أبي سمرا" و"القبة" ؟!)، في كونتية طرابلس الذي كان يُسمى: Hopital de Mont Pélerin... وهذا ما ذكره المستشرق الفرنسي (راي E. Rey ) في كتابه([18]) بقوله: Cendiana, Casal donné en 1127 à l Hopital du Mont Pélerin, par Pons, Comte de Tripoli. C est aujourd hui un village de montagne d Akkar nommé: Sendianeh .

ذكر راي أن "السنديانة" مزرعة وهبها بونز إلى الاسبتارية، هذا صحيح. ولكنه لم يقل إنها كانت تابعة للقبيات، كما أنه قال إنها قرية أرثوذكسية "village grec" ([19]). لماذا "أكل" السيد يواكيم كلمة "أرثوذكسية"؟ الجواب عنده بالطبع! (لعلها رغبته بالحفاظ على النقاء الماروني!؟). وعلى العموم ليس في كلام راي ما يفيد بأن السنديانة كانت تابعة للقبيات. لماذا تزوير كلام راي؟ السيد يواكيم يعرف طبعاً!؟

لم يذكر أي مصدر آخر مثل هذا الكلام غير ما ورد، عندما وضع الأب لويس بليبل "تاريخ الرهبانية اللبنانية المارونية"، حيث قال، في الفصل السادس من المجلد الأول: "في سنة 1710 أنشأت الرهبانية ديراً في بلاد الدريب "عكار" بقرية القبيات على اسم العذراء مريم وهو دير السنديانة. وكان موقعه في خرائب تدعى السنديانة وتولى رياسته الأب جرجس قشوع الغسطاوي وبعد أن سكنته الرهبان نحو نصف سنة تركوه فراراً من جور الحكـام. عن فرحات"([20]).

يكرر الأب مارون كرم اللبناني نفس الرواية عندما يقول أن الرهبانية "أنشأت، في القبيات سنة 1710، "دير السنديانة" وأسندت إدارته إلى الأب جرجش قشوع، ...، ولكن تعصب العثمانيين واضطهادهم وإذكاءهم نار الفتنة الطائفية قصد التفرقة والإيقاع بين الأخوان المواطنين! وجور الحكام وانسياق الرعاع والدهماء في تيارهم... كل ذلك أجبر رهباننا على هجر هذا الدير بعد نصف سنة"([21]). ويوضح (في حاشية رقم 1 في نفس الصفحة) إن "السنديانة مزرعة تابعة للقبيات". بينما جعل بليبل "موقعه في خرائب تُدعى السنديانة".

          ثمة نص، بالغ الدلالة في تعيين طبيعة العلاقة التاريخية بين قرية السنديانة والقبيات، جاء فيه: في العام 1709 "افتتحنا ديراً في قرية القبيات وكان أصله ضيعة ودثرت وتُعرف بالسنديانة وسميناه دير السنديانة وقمنا عليه رئيساً القس جرجس من غوسطا يُعرف من بيت القشوع وبقي الدير في يدنا نصف سنة وتركناه لجور الحكام"([22]). يوضح هذا الكلام حقيقة أن السنديانة كانت ضيعة ودثرت، فهي لم تكن من الأصل جزءاً من القبيات بل ضيعة قائمة بذاتها، وإن كان قد حصل توسع ما نحو السنديانة فهو ليس توسع المجتمع المحلي القبياتي، بل هو طموح الرهبنة، هذا الطموح الذي اصطدم ب"جور الحكام"، وانتهى بعد نصف سنة.

غير أن الأب يوسف ابراهيم الحوراني الحصروني يلقي مزيداً من الضوء على قصة هذا الدير بقوله، وهو يعدد مآثر الأب قراعلي: "أما ما جناه الأب قراعلي لدير قزحيا في مدة توليه عليه، فهو: أولاً: إنه سنة 1710 كان قد استحصل على شرطية من إمضاء محمد حسن آغا دندش حاكم بلاد عكار. فيها يتعهد الحاكم المذكور أن يسلم الرهبان ديراً قديماً في جهات عكار، ضمن خراج قرية القبيات، يُسمى دير السنديانة، على اسم العذراء مريم، مع سائر أملاكه. وأن كل ما تملكه الرهبانية في تلك النواحي المحكومة من محمد المذكور، لا يحق للحكومة أن تضع عليه ضرائب. ولا تستوفي منه أموالاً أميرية. ولا عشر غلات. وتاريخ هذه الشرطية سنة 1122هجرية: توافق سنة 1710م. فأرسل الرئيس العام إلى هذا الدير الجديد بعض رهبان تحت رئاسة الأب جرجس القشوع الغسطاوي. حيث عنوا بترميمه، وإصلاح أراضيه. وما هي ستة أشهر حتى هجروه من جور الحاكم" ([23]). ويحاول الأب الحوراني الحصروني تفسير هجر الرهبانية لهذا الدير فيقول: "إما أن الحاكم الأول عُزل، والذي خلفه لم يرق له ذلك، فعامل الرهبان بالقسوة. أو أن الأهالي استرضوا الحاكم ذاته لبقاء الأراضي في حوزتهم، فعدل عن ايهابها للرهبانية. والله أعلم" ([24]).

يوضح كلام الأب يوسف ابراهيم الحوراني الحصروني طبيعة تلك الخرائب التي سعت الرهبانية المارونية إلى إقامة دير فيها: إنها "دير قديم"، مجهول الهوية والنسبة، لا يشغله أحد، مع وجوده في "خراج القبيات"، يتصرف به حاكم المنطقة محمد حسن آغا دندش. كما أنه يلقي بعض الضوء على السبب الذي جعل الرهبانية تضطر إلى التخلي عن إعماره. وهنا يترك احتمالاً لرفض الأهالي: "أو إن الأهالي استرضوا الحاكم ذاته لبقاء الأراضي في حوزتهم". فما المقصود بالأهالي؟ وهل هم أهالي بلدة القبيات الموارنة؟ أم هل هم أهالي قبياتيون ولكن غير موارنة ولهم علاقة ما بخرائب هذا الدير؟ أم هم غير موارنة ومن خارج القبيات؟ من المستبعد أن يرفض أهالي القبيات الموارنة وجود الرهبنة المارونية بينهم، لاسيما متى كان غرضها إعمار دير سيعود عليهم بالنفع الروحي والمادي. لا سيما وأنهم كانوا، تبعاً لوصف الأب مارون كرم اللبناني، من تلك "الأقلية المسيحية" في "منطقة الدريب – عكار... المنطقة المحرومة"... حيث "هناك قرى مارونية فقيرة ومنعزلة ونائية، يتحكم بأبنائها الجهل والبؤس، ويعوزها الكثير من التعليم الديني والتفقد الراعوي" ([25]).

وإذا ما تذكرنا ما صادف الرهبنة اللبنانية المارونية لدى إقامتها في دير جانين، في الدريب – عكار، حين اعترض أهالي بينو الأرثوذكسيون على تملك الرهبنة المارونية كنيسة مار جرجس (دير جانين)، عام 1851، وذلك بعد مرور حوالي قرن ونصف (141 سنة) على ما تعرضت له الرهبنة المارونية في السنديانة ([26])، لخرجنا باحتمال أن يكون هؤلاء الأهالي الذين قصدهم الأب الحوراني الحصروني هم على مذهب الأرثوذكس، دون أن نتمكن من حسم مسألة وجودهم في "القبيات العتيقة" أم في جوارها المباشر. وما يشجعنا على طرح هذا الاحتمال هو أن الباحث راي اعتبر السنديانة، في أواخر القرن التاسع عشر، قرية أرثوذكسية بقوله ([27]): CENDIANA, casal donné en 1127 à l` Hôpital du Mont-Pèlerin par Pons, comte de Tripoli. C`est aujourdhui un village grec des montagnes d Akkar, nommé Sendianeh.

 

  "القبيات العتيقة"

يحتل حي "القبيات العتيقة" (أو "الغربية" أو "حارة الأربعين") القسم الغربي من ذلك الجبل الذي يحضن، من الشمال، الانتشار السكني القبياتي الراهن على منحدرات وادٍ منفرج يسير في قعره نهر القبيات. ويغطي هذا الحي بعقاراته قسماً كبيراً من المسافة الممتدة من الحدود الشرقية للقبيات مع عندقت حتى حدود السنديانة عند تلة "برزق" المشرفة من ارتفاع يقارب 700م على قسم كبير من سهل عكار والساحل السوري. يقوم هذا الحي، في الأصل، على سفح وأواسط "ضهر" بسيط يمتد من الشمال إلى الجنوب حتى نهر القبيات، بين أخدودين شبه متوازيين، في كل منهما الكثير من مصادر المياه، نسبياً. فالأخدود الشرقي المعروف باسم "وادي الكساير" فيه، في أعلى التجمع القديم للمساكن، "عين الكساير". أما الأخدود الغربي ففيه "عين النعاصة"، وإلى الغرب منها "عين العريض" القريبة من أخدود الفصل بين القبيات وقرية السنديانة المجاورة غرباً. هذا بينما كانت "عين الفوقانية"، في أعلى المنازل، تخدم لتأمين مياه الشفة، على الرغم من ضعف منسوبها.

وإلى الشرق من إسفل "وادي الكساير" ما تزال بقايا "مطحنة شمعا" أو "شمعا"، تذكرنا باسطورة "جنية شمعا" التي طالما روى مسنو القبيات حكاياتها في سهرات ليالي الشتاء الطويلة. ولكم أقسم البعض منهم أغلظ الايمان إثباتاً لحوادث حصلت للكثيرين من أبناء البلدة مع هذه "الجنية" التي كم أحرقت من ثوب وثوب "إستعارته" من منـزل أصحابه دون علمهم ([28]).

يربط الباحثون القبياتيون في تاريخ القبيات بين وجود بقايا هذه المطحنة وتلك الشخصية التي ذكر البطريرك اسطفان الدويهي ميمرها في مدح البطريرك موسى العكاري، في العام 1557م، وجاءت تلك الشخصية باسم "سمعان بن شمعة القبياتي" ([29]). هل يعود وجود هذه المطحنة إلى ذلك التاريخ القديم نسبياً (منتصف القرن السادس عشر)؟ أم هي لأحد من عقبه أو عائلته؟ هذا مع العلم أنه لم يرد، على حد علمنا، حتى الآن، اسم هذه العائلة في ماضي القبيات وحاضرها، بغير ما ذكره الدويهي حول الشاعر القبياتي صاحب ميمر مدح البطريرك موسى العكاري. ولا يوجد الآن في القبيات أحد يحمل اسم هذه العائلة. وعلى أية حال يجدر بنا أن ندرك أن ملكية المطاحن كانت بيد السلطات، ولم تشكل ملكية خاصة إلاً بعد العمل بقانون الطابو العثماني، وذلك فقط اعتباراً من أواسط القرن التاسع عشر، أي في الزمن الذي لم يرد منه أي ذكر لاسم هذه العائلة. وإذا كانت "مطحنة شمعة" تحمل اسم صاحبها أو متسلمها، ولعلها تكون على صلة ما بوقف "ابن شمعة" الوارد في ما نشره الدكتور عصام خليفة عن الأوقاف في لبنان تبعاً للسجلات العثمانية في القرن السادس عشر ([30]).

  في رأس الأخدود الغربي منطقة تحمل اسم "طورزا" أو "طرزا" التي ربما تعني "الجبل الصغير"، وإن كان أنيس فريحة يرى أن هذا الاسم يشير إلى جبل ينبت الأرز فيه ([31]). وقد يكون للاسم أصل آخر و حُرِّف مع الزمن: "طورزيا"، فيكون معناه جبل الراهب لأن "زيا" كعلم سرياني هو الراهب ([32]). والطور عند ياقوت الحموي هو الجبل: "الطور في كلام العرب: الجبل، وقال بعض أهل اللغة: لا يُسمى طوراً حتى يكون ذا شجر ولا يقال للأجرد طور"([33]). وفي هذا تصح التسمية، جزئياً، لأن المنطقة كانت، في الماضي، بلا شك، على كثافة في شجرها، لا سيما السنديان والملول (العفص). بالطبع لم يبقَ منه اليوم غير القليل. لكن "الغطاءات النباتية في لبنان ما هي إلاّ بقايا متناثرة لغابات قديمة كانت أعظم اتساعاً وكثافة عن تلك التي نراها اليوم" ([34]). وقد يكون اسم "طورزا" على علاقة في اشتقاقه، في ما خصّ "طور"، بالمعنى الذي أشار إليه ياقوت الحموي: "وقيل: سُمي طوراً بيطور بن اسماعيل" ([35]). ولعل في ذلك نسبة في التسمية إلى إقامة الأيطوريين العرب، قديماً، في المنطقة، كما سنرى لاحقاً، وكما كانت الحال في منطقة "نبع الجعلوك"، شمالي هذا الحي. كما قد تكون التسمية تحريفاً لاسم "طور زيتا" فيعني جبلاً فيه أشجار الزيتون ([36])، وهذا محتمل أيضاً لاشتهار المنطقة بأشجار الزيتون، في بعض مواقعها، لا سيما وأن في القبيات عائلة عريقة في قدمها في البلدة، وهي من أكبر العائلات القبياتية عدداً: زيتوني (زيتونه).  

تحتل كنيسة "الأربعين شهيداً" أفضل موقع في وسط الانتشار السكني السابق، وكانت المنازل تتجمع حولها من جميع الجهات، لا سيما من الجنوب والشمال. بيد أن الانتشار السكني في هذا الحي توسع كثيراً وتجاوز المواقع المرتفعة لجهة الشمال، عند ما يُعرف ب"جوار العين" و"الأرض المصلبة"، ليصل إلى إلى منطقة "الحميرة"، على المقلب الشمالي للجبل المحيط بالقبيات شمالاً. وهناك بالقرب من "حرف عيود" و"السماقة" وقبلهما تلة "مبارك"، إلى الغرب، أرض زراعية تكثر فيها الكروم، كانت في ما مضى مجالاً لزراعات الخضر المتنوعة، تساعد في نموها العيون: "عين قرقر"، "عين الحجل"، "عين السماقة".وإلى الشرق منها تتدرج منطقة "الحميرة" لتبلغ حدود القبيات مع قرى النهرية والباردة ومنجز. وفي هذه المنطقة أيضاً تروي "عين الزيتونة" الأرض المعطاء، حتى الموضع المعروف ب"مار سمعان"، في "الحميرة الجوانية". أما لماذا دُعيت هذه المنطقة باسم "الحميرة"، فهذا ما لم نتوفق إلى احتمال نغلب الظن فيه. فطبيعة الأرض بركانية، وهي أميل إلى السواد واللون البني منها إلى الإحمرار. ولم نجد في معاجم أسماء الأماكن ما يفيدنا في شيء، مع أن الاسم شائع ويُطلق على مواضع متعددة. يرى أنيس فريحة أن حميرة "قد يكون عربياً: الحميراء ومعناه حمى رديئة أو امرأة شقراء من غير الجنس العربي. ولكننا نشك في كونه عربياً". ويتابع فريحة بقوله: "جذر  حمر له معان مختلفة: (1) التخمر (2) الحُمَّر (الاسفلت) والطين والملاط (3) التكوين والتعريم (4) اللون الأحمر (5) اسم الحيوان الحمار. فبأيها سمي المكان؟" ثم يشير إلى ما طرحه الأبوان حبيقة وأرملة: "المخمر (...  )" ([37]). ويختم كلامه: " نحن نفضل أن نرى في الاسم اللفظ الآرامي  ...   : القوية، الشديدة، الصلبة" ([38]). لا يذكر ياقوت الحموي عبارة "الحميرة"، ولكنه يتحدث عن "الحميراء: تصغير حمراء: موضع من نواحي المدينة ذو نخل..."([39]).

ولكن ما يلفت نظرنا هو رسامة اغناطيوس مطران نابلس لكاهن قبياتي على قرية "الحميرة": "وقدمنا جدعون من قرية القبيات كاهناً على قرية الحميرة في 17 نيسان 1796م" ([40]). فهل تكون "الحميرة" هذه هي نفس المنطقة التابعة للقبيات، وقد كانت في الماضي آهلة بالسكان؟ أم أنها كانت تابعة للقبيات ويقيم فيها في مواسم العمل الزراعي الكثير من أهالي البلدة، وكان يتبعهم كاهن ليبقى بينهم، كما درجت العادة مع أهالي القبيات الذين كانوا يعملون في مزرعة "كرم سباط"؟ أم أن "الحميرة" هذه قرية أخرى غير محددة من قبلنا، لا سيما وأن مواقع كثيرة تُعرف بهذا الاسم؟

"القبيات العتيقة" : المجتمع

نحن ندين، بشكل مطلق، للدكتور عصام خليفة بحصولنا على أقدم معلومات ومعطيات جدية، يمكن الركون إليها في ما يخص القبيات. سواء بما نشره من أبحاث اقتصادية واجتماعية كانت نتيجة اشتغاله على الأرشيف العثماني([41])، أو بما زودنا به من معلومات لولاها لاستمر عملنا التأريخي ضرباً من العلم بالغيب([42]).

          إن أقدم ظهور لاسم القبيات يعود إلى مطلع القرن السادس عشر، وذلك تبعاً لما هو وارد في السجلات العثمانية العائدة لإحصاءات العام 1519م([43]). انطلاقاً مما هو وارد في هذه السجلات (من معطيات نشرها د. خليفة، أو زودنا بها في مقابلاتنا معه، قبل أن ينشرها بعد) أمكننا تقدير حجم المجتمع القبياتي وقدراته الاقتصادية. كما أمكننا الحسم في مسألة سبق أن طرحها الخورسقف ميخائيل الزريبي: بدأت القبيات في الظهور والتكون انطلاقاً من حي "الغربية" (القبيات العتيقة)، وذلك لأن "شويتا" تبدو في تلك المراجع الموثوقة كقرية مستقلة عن القبيات لها وضعيتها الخاصة بها، ولا تشكل بالتالي جزءاً مكوناً للقبيات، كما هي حالها اليوم.

بلغ عدد سكان القبيات، وفقاً للتقديرات المستندة إلى الإحصاء العثماني العائد للعام 1519، حوالي 15 عائلة([44])، وذلك على اعتبار أن القرية كانت، في حينه، تضم 17 ذكراً راشداً بينهم 15 متزوجون وإثنان عازبان. ولما كان احتساب عدد السكان يتم بضرب عدد المتزوجين بالرقم 6، ثم يُضاف إليه عدد العازبين، وتُزاد نسبة 10% (كاحتمال عام للأخطأ)، يكون مجموع سكان القبيات في العام 1519 هو: (15 x6+2) + 10% = 112نفساً([45]). وكانت القرية "تيمارية"، وقيمة تيمارها 800 أقجة، موزعة على حصتين: 400 حصة تيمار أولاد نافح صدر الدين، و400 حصة عمر يحي وكانت تنتج ما يعادل 8 مكوك من الحنطة([46]).

وفي إحصاء العام 1571، بلغ عدد دافعي جزية النصارى في القبيات 33 شخصاً([47])، وإذا اعتبرنا كل هؤلاء أرباب أسر، بلغ مجموع السكان، بعد إضافة نسبة ال 10%، (33 x 6) + (10%) = 218 نفساً. وهكذا يكون عدد السكان قد تزايد مرتين في مدة نصف قرن تقريباً من العام 1519 إلى العام 1571.

وإذا شئنا المقارنة بين حجم السكان في القبيات وفي القرى والبلدات المسيحية الأخرى (والمسيحيين في القرى المختلطة)، في عكار، استطعنا ذلك استناداً إلى الجدولين الواردين في مؤلف "الضرائب...، مرجع سابق، د. عصام خليفة، ص 128 و129).

جاء في هذين الجدولين عدد الذكور الناضجين دافعي الجزية، مع ذكر القرى التي ينتمون إليها في ناحيتي: عرقة وعكار. ففي ناحية عرقة وردت القرى التالية: بورة (ولعلها قرية الباردة) فيها 35 ذكراً ناضجاً يدفع الجزية، فيكون عدد السكان فيها: (35 *6) + (10%) = 231نفساً، منجز (14 * 6) + (10%) = 93 نفساً، كفر (12 * 6) + (10%) = 80 نفساً، دير جنين (50 * 6) + (10%) = 330 نفساً، نهر أفليس (25 * 6) + (10%) = 165 نفساً، طبو ( 22 * 6) + (10%) = 146 نفساً. وفي ناحية عكار، وردت المعطيات التالية: رحبة (141 * 6) + (10%) = 931 نفساً، بزبينا (59 * 6) + (10%) = 390 نفساً، سهول السفلى (14 * 6) + (10%) = 93 نفساً، حنيفة (13 * 6) + (10%) = 86 نفساً، قبـيـات  (33 * 6) + (10%) = 218 نفساً، مجدل (42 * 6) + (10%) = 278 نفساً، نفس عكار (221 * 6) + (10%) = 1459 نفساً، قريا (5 * 6) + (10%) = 33 نفساً، تاشع الغربية (7 * 6) + (10%) = 47 نفساً، جبرايل (26 * 6) + (10%) = 172 نفساً، المزرعة (55 * 6) + (10%) = 363 نفساً، عين توت (لعلها عندقت) (54 * 6) + (10%) = 357 نفساً، عباد النصارى (25 * 6) + (10%) = 165 نفساً، عين ناقون (26 * 6) + (10%) = 172 نفساً، دمت (78 * 6) + (10%) = 515 نفساً، دبلان (أو أصلان) (57 * 6) + (10%) = 377 نفساً، رشوت (لعلها شويتا) (40 * 6) + (10%) = 264 نفساً، بينو (33 * 6) + (10%) = 218 نفساً([48]). ومن هذه المعطيات قمنا بتركيب جدول المقارنة التالي: 

 

جدول مقارنة عدد سكان القبيات بغيرها من مسيحي قرى عكار

(إحصاء 1571- جزية نصارى)

اسم القرية                     ترتيب         عدد السكان                   سكان القبيات                  الفرق

1 - قريا                      1                             33            -218=                       +185

2 تاشع الغربية               2                              47            -218=                       +171

3 كفر                         3                              80            -218=                       +138

4 حنيفة                       4                              86            -218=                       +132

5 سهول السفلى              5                              93              -218=                       +125

6 منجز                       5                              93            -218=                       +125

7 طبو                        6                              146           -218=                       +72

8 نهر أفليس                  7                              165          -218=                       +53

9 عباد النصارى            7                              165            -218=                       +53

10 جبرايل                   8                              172           -218=                       +46

10 عين ناقون                8                              172          -218=                       +46

11 بينو                      9                              218          -218=                       0

12 قبيات                     9                              218          -218=                       0

 13 بورة                     10                            231          -218=                       -13

14 رشوت                   11                            264          -218=                       -46

15 مجدل                    12                            278          -218=                       -60

16 دير جنين                 13                            330          -218=                       -12

17 عين توت                 14                            357          -218=                       -139

18 المزرعة                  15                            363          -218=                       -145

19 دبلان                    16                            377          -218=                       -159

20 بزبينا                    17                            390          -218=                       -172

21 دمت                      18                            515          -218=                       -297

22 رحبة                     19                            931          -218=                       -713

23 نفس عكار                20                            1459        -218=                       -1241

 

ولقد أمكننا، بالإعتماد على ما عرضه د. عصام خليفة من تحليل لتوزيع الضرائب في الشمال([49])، بالإستناد إلى الإحصاءات العثمانية لعام 1571، من تكوين صورة تقريبية عن الحياة في القبيات، في القرن السادس عشر. وعليه كانت القبيات تدفع ضريبة 1200 أقجة عن انتاجها من الحنطة 10 مكوك ([50])، و1200 عن انتاج 20 قلة زيت([51])، 2000 عن انتاج الكروم (من ضمن ما يسمى "مال ضيق وخراج أشجار")([52])، و90 عن 3 دواليب حرير([53]). وكانت القرية تنتج ما يعادل 10 مكوك من الشعير، وتدفع 800 أقجة ضريبة ماعز ونحل، و200أقجة ضريبة بادي هوا ورسم جر ([54]). وكان يوجد في البلدة معصرتان للعنب ([55])، ومطحنة واحدة ([56])، ولم يُسجل فيها وجود أي معصرة للزيت ([57]).

 

   شـويـتا

تمتد شويتا من الحدود الجنوبية الغربية للقبيات على منحدرات وادي الفارغ الذي يلتف من أمام قرية السندياية إلى الغرب فالجنوب ليدخل وادي "المحلات" قبل أن يلتقي بوادي "جورة النحلة"([58])، حيث يبدأ الطرف الغربي ل"جبل الراس"، وهي تضم مجموعة من الأراضي المنبسطة المنتشرة فوق الضهور التي تنتهي بانحدارها، شمالاً إلى حي "الضهر" و"غوايا".

 يذكر فريحة "دار شويتا" كموضع في عكار، فيقول فيه: "دار أو مسكن سوي مستقيم غير ذي عوج"([59]).

ويعتمد عفيف بطرس مرهج نفس التفسير لهذا الاسم تقريباً، وذلك في معرض كلامه عن "شويت"  وعن "شويا"([60]). كما أن الاسم يرد في السجلات العثمانية "أشويتا"([61]).

شويتا: قرية قائمة بذاتها

تعتبر شويتا من أكثر مناطق القبيات الراهنة غنى بتراثها التاريخي، لما يتواجد فيها من مواقع لها مدلول وإرث كبيران، وذلك على الرغم مما تعرضت له من هجمة محوٍ وتشويه مادية([62])، تتضافر اليوم بعملية محو معنوية من الذاكرة القبياتية، وتشويه لهذه الذاكرة، بأكثر الأساليب الفجة في التزوير الفاضح. وعلى ضوء ما توفر لنا من مراجع تاريخية يمكننا التأكيد بأن شويتا هي أقدم موقع تاريخي في القبيات تحدثت عنه هذه المراجع([63]).

وإذا كانت المراجع المارونية ذكرت شويتا كقرية في بلاد عكار، بمناسبة الكلام على حملة يوستنيان الثاني الأخرم على الموارنة، عام 694م،  ومقتل قائديه موريق ومريقيان، ودفن الأخير في قرية شويتا، فثمة مراجع أخرى، أكثر قدماً ذكرت شويتا "قرية" في منتصف القرن السادس عشر، بيد أن النقاب لم يُكشف عن تلك المراجع إلاّ في مطلع القرن العشرين، وذلك في سياق الكلام على ما تم الاصطلاح على تسميته كتاب "الهدى" المنسوب إلى "أبينا القديس"، والذي سماه الأباتي بطرس فهد "كتاب الهدى، دستور الطائفة المارونية في الأجيال الوسطى"([64]).

لقد عثر على مخطوط هذا الكتاب الأب ابراهيم حرفوش، بينما كان يبحث في مكتبة "مار شليطا، مقبس"، تحت رقم 8، وكان من نسخ عام 1861 للإسكندر (1550). ونشر أول المعلومات عنه في مجلة المشرق (السنة 6، العدد3، عام 1903). ومما ذكره في حينه ما يتعلق بالناسخ وتاريخ النسخ ومكانه ما يفيدنا حول كون شويتا كانت قرية من بلاد عكار، بحيث لا يرد ذكر لتبعيتها إلى القبيات: "إن ناسخ الأمانة أنبأنا عن اسمه وموطنه بالكتابة التي علقها بأحرف عربية سخيفة جداً في آخر العمود الأول من الصفحة 89 وهاكها بالحرف: سنة 1861 يونانية (1550م) تممت هذا الاعتقاد بقرية شويتا بناحية عكار من نسخة كتاب المطران أنطون مطران الرعية وكان على يد الفقير لله سمعان باسم شدياق انجيلي من قرية حدشيت من جبة بشري من جبل لبنان ابن القس هارون ابن الخوري يوحنا... (غير مقروء)"([65]).

شويتا: المجتمع

بلغ عدد سكان شويتا([66])،وفق إحصاء العام 1519، 165 نسمة، على اساس وجود 25ذكراً من دافعي جزية النصارى، مضافاً اليهم نسبة 10% كاحتمال للخطأ، وفق الصيغة التالية التي اعتمدناها سابقاً: (25* 6) + (10%) = 165. بينما ارتفع عدد السكان، وفق إحصاء 1571 على أساس 40 ذكراً من دافعي جزية النصارى([67]) (40*6) + (10%) = 264 نسمة.

وكانت قرية شويتا، وفق إحصاءات 1519 العثمانية، تيمارية أيضاً مثل قرية القبيات في حينه، وكانت قيمة تيمارها البالغة 820 أقجة موزعة على وقف ورثة (10 قراريط) أي ما يعادل 350 أقجة، وتيمار محمد بن سيفا (14 قيراطاً)، أي 470 أقجة([68]).

وكانت الضرائب في القرية موزعة، وفق إحصاءات 1571، على الشكل التالي: خاص 4800 أقجة، مال خاص شاهي 3960، مال ضيق وخراج 2400، عشر مال وقف 130، شعير 1400 (20 مكوك)، بادي هوا... 290، معزى ونحل 454، ووقف الحاج عبدالله (9 قراريط) 1800 أقجة، وخاص شاهي (15 قيراطاً) 3000([69]). كما كانت تنتج 10 مكوك من الحنطة([70])، وتدفع 30 أقجة ضريبة على دولاب واحد للحرير([71])، بالإضافة إلى وجود معاصر للعنب، بلغت قيمة الضريبة المدفوعة عنهما 36 أقجة([72]). كما لم يسجل إنتاج زيت فيها([73]).

وبالمقارنة مع القبيات تبدو شويتا قرية أكثر منها سكاناً وانتاجاً، فضلاً عن ما فيها من أوقاف تعكس استتباعها من قبل بعض رموز السلطة العثمانية المحلية. كان في شويتا، وفق الدفتر طابو رقم 68 لعام 1519، وقف ذري لورثة سعاد الملوك بنت بهادر، دخله ضريبة بقيمة 350 أقجة([74])، وكان فيها، في معطيات العام 1571، وقف ورثة الحاج عبدالله دخله ضريبة بقيمة 1800 أقجة([75]).

 شويتا: بين الأرثوذكية والمونوفيزية والمارونية

تؤكد كل النصوص أن شويتا كانت في السابق قرية مستقلة عن القبيات، ولم تكن من توابعها، وإنما تُنسب إلى عكار الناحية أو البلاد. هذا فضلاً عن أنها لم تكن مارونية "أصلاً"، وعلى الأقل لم يكن سكانها من الموارنة فقط. وعندما ترد "شويتا" في معظم الحوليات المارونية، إسماً لقرية قائمة بذاتها في عكار، غالباً ما يُقصد بها قرية غير مارونية أبداً. وهذا ما يُلاحظه الخورسقف الزريبي، بقوله: "... قرية شويتا التي كانت آهلة بالسكان في عهد يوستنيانوس الثاني الأخرم سنة 694م... كما يُستدل على ذلك من الهرم المبني فوق ضريح وزيره مرقيان الذي جُرح في قرية أميون... وهرب من عساكر المردة إلى شويتا وتوفي فيها. أما من بنى هذا الهرم فوق ضريحه بعلو ما ينيف عن أربعين ذراعاً هل الملك أم الأهالي فلا يُعلم".

لقد تساءل من بنى الهرم؟ وتردد في الإجابة. لقد تهيب – بتقديرنا – الاستمرار في البحث، لأن بناء الهرم يشير إلى أن من اهتم بما يمثله هذا القائد الذي جاء محارباً للمردة (أي محارباً للموارنة) ما كان من الموارنة؛ وبالتالي لن يهتم به وبتكريمه غير المعادي للمردة (المعادي للموارنة). وهذا ما يعني أن سكان شويتا في حينه كانوا على غير مذهب الموارنة، وربما كانوا ملكيين (أورثوذكس) أو مونوفيزيين، لأن يوستنيانوس الثاني الأخرم كان من أنصار المشيئة الواحدة ([76]).

يذهب مؤرخو القبيات (سلوم وموراني والحاج) إلى اعتبار ذكر الحوليات المارونية لقرية شويتا دليلاً على "أصالة" المارونية في القبيات. بينما الأمر على عكس ذلك تماماً. يقول الأب عفيف موراني: "تشكل شويتا محطة مارونية، حية على الدوام، بما فيها من آبار للماء ومعاصر ومدافن وقصرها الشهير بقصر مريق، القائد الذي أرسله يوستنيان الثاني وجُرح في الكورة" ([77]). ويسند كلامه في حاشية رقم 2 في نفس الصفحة إلى البطريرك اسطفان الدويهي([78]).

أما د. سلوم، فقد جعل هو الآخر من شويتا وغيرها، محطة أساسية للموارنة، وذلك بالاستناد إلى البطريرك الدويهي أيضاً، في مؤلفه "أصل الموارنة"، ص 185.

نحن نرى عكس ذلك، فشويتا، وبالاستناد إلى الحوليات المارونية، وخاصة كتابات البطريرك الدويهي، وبالتحديد مؤلفه "أصل الموارنة"، تشكل موضعاً أكيداً لسكن غير الموارنة. ولقد سبق أن قلنا ذلك استناداً إلى نفس المرجع ونفس الصفحة التي اعتمدها سلوم في رده علينا قائلاً: "إن الدويهي في مؤلفه "أصل الموارنة" في الصفحة 185 بالذات لم يُشر إطلاقاً إلى وجود تجمع بشري مونوفيزي في القبيات حول نهاية القرن السابع عشر، بل على العكس من ذلك تماماً هو قد أشار في نفس المكان الذي قرأه كاتب الملف، إلى وجود شاعر قبياتي ماروني عاش في النصف الأول من القرن السادس عشر...". وبعد اتهامنا بالتزوير، يتابع د. سلوم متشاطراً: "أما رقم 1688 المخادع فهو سنة إسفح يونانية المساوية لسنة 1557 مسيحية..."، ثم يردف متسائلاً بسخرية: "فكيف إذاً ... يا قارئ التاريخ؟" ([79]).

مَن يزور كلام البطريرك الدويهي؟

إن موضوع الكلام الذي أكدته في مقالي وقصده د. سلوم يدور حول العام 694م، أي القرن السابع، وهو يتناول ما يُعرف بحملة موريق وموريقيان، بايعاز من يوستنيان الثاني الأخرم، على الموارنة، ومقتل موريق في أميون وجرح موريقيان هناك وانسحابه إلى عكار حيث مات في شويتا. فهل في الصفحة 185 من مؤلف البطريرك الدويهي "أصل الموارنة" كلام حول هذا الموضوع يشير إلى وجود تجمع مونوفيزي في شويتا (في القبيات)، أم لا؟

لنترك النص يكشف ما فيه، لننقله بحرفيته، يقول البطريرك الدويهي: "قُتل موريق وأخذوا دفنوه أهل الكورة في أميون. وأصيب مرقبان رفيقه، فحمل به القوم إلى قرية شويتا، في ناحية عكار، فمات هناك. وبقية العسكر انهزموا هزيمة قبيحة. ومن هذه الغارة التي صارت بين الكورة وجبل لبنان، في سنة ستماية وأربعة وتسعين، كان نشو الفرقة بين الموارنة والملكية. فإن الذين تبعوا ديانة الملك يوسطنيانوس تسموا ملكية، فأقاموا كنيسة لمرقيان في شويتا، وكنيسة بأميون على اسم موريق. وفي كل سنة يعيدون له في السادس والعشرين من شهر تموز. ولم يزالوا إلى يومنا هذا متمسكين في عوايد الروم كما حلفوا على يد موريق وموريقيان القواد الذين قادوهم إلى اعتقاد المشيئة الواحدة التي كان متمسك بها الملك" ([80]).

هل في هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن شويتا لم تكن مارونية، وإلى أنها ناصرت وأيدت مبدأ المشيئة الواحدة التي قال بها الملك يوستنيان الثاني الأخرم؟ الجواب بدهي بالإيجاب لمن يريد أن يقرأ نص البطريرك الدويهي، لا تزويره: "... تبعوا ديانة يوسطنيانوس... أقاموا كنيسة لمرقيان في شويتا... يعيدون له... قادوهم إلى اعتقاد المشيئة الواحدة التي كان متمسك بها الملك".

هذا الكلام يقوله البطريرك الدويهي في أواخر القرن السابع عشر، زمن تأليفه لكتابه "أصل الموارنة". وهو يقول فيه صراحة، في الصفحة 185: "ولم يزالوا إلى يومنا هذا (أي يوم كتابة الدويهي ل"أصل الموارنة") متمسكين في عوايد الروم كما حلفوا على يد موريق وموريقيان القواد الذين قادوهم إلى اعتقاد المشيئة الواحدة..." (لاحِظوا: اعتقاد المشيئة الواحدة). ألا يعني هذا الكلام أن البطريرك الدويهي يشير إلى أن شويتا ما تزال، حتى أواخر القرن السابع عشر، على "عوايد الروم" ومع "المشيئة الواحدة"؟ بالطبع الإشارة واضحة لمن يريد رؤية ما كتبه الدويهي لا تزويره.

أما حول التقويم اليوناني، فربما لا نكون على "ثقافة" سلوم "الرفيعة" لنعرف حساب هذا التقويم، كما يدعي، ولكننا نُحسن قراءة ما هو مكتوب أمامنا، ولا نخترع، ولا نحتاج لا "ذكاء" ولا "شطارة" سلوم الذي لا يفعل هنا غير أن ينقل إلينا ما هو مكتوب في نفس الصفحة، وقرأناه بالطبع: "في سنة إسفح 1688 يونانية الموافقة لسنة ألف وخمسماية وسبعة وخمسين مسيحية"!

نذكر بأن ما هو وارد في الصفحة 185، وارد أيضاً في الصفحة 134، من نفس المؤلف "أصل الموارنة" حيث جاء: "واضح أن موريق قُتل في الغارة التي تقدم ذكرها، وأخذوه الملكية وقبروه في قرية أميون، وأقاموا على اسمه كنيسة، وفي كل سنة يعيدون له بها في السادس وعشرين من تموز. وأما مرقيان تصوب في تلك الوقعة، وحمله العسكر إلى قرية شويتا التي في بلاد عكار، وهناك مات. ويعيدون له في الكنيسة التي أنشوها باسمه" ([81]).

وما نقوله هنا، وسبق لنا أن قلناه في مقال سابق "انتقدنا" عليه سلوم، لم نستند فيه إلى مرجع البطريرك الدويهي وحده، بل كررناه في المقال وأوضحنا مراجعنا وقلنا: "وفي العام 694 يظهر اسم شويتا - منطقة تابعة للقبيات، وهي منطقة زراعية اليوم فيها بقايا آثار قديمة - في المراجع التاريخية، وخصوصاً في "الحوليات المارونية". ففي شويتا توفي موريقيان أحد قياديين أرسلهما الأمبراطور البيزنطي جوستنيان الثاني (الأخرم) لمقاتلة موارنة لبنان دعماً للمونوفيزيين على حد زعم التقليد الماروني، أو تبعاً للإتفاق المعقود بين الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان على حد زعم "الحوليات العربية الإسلامية". ما يهمنا في هذا الأمر هو أن شويتا تبدو في "الحوليات المارونية" كقرية عكارية استقبل أهلها موريقيان. وبنوا كنيسة فوق قبره فيما بعد" ([82]).

ولقد حددنا مراجعنا في ما قلناه كما يلي: "راجع: اسطفان الدويهي، أصل الموارنة، نص منشور باشراف وتقديم الأب أنطوان ضو، اهدن، لبنان، 1973، ص 134 و185. الأب ميشال غبريل: تاريخ الكنيسة السريانية المارونية الأنطاكية، ج1، بيت شباب، جبل لبنان، 1900، ص 570 - 575. المطران يوسف الدبس، الجامع المفصل في تاريخ الموارنة المؤصل، ص 57. الشيخ طنوس الشدياق، أخبار الأعيان في جبل لبنان، منشورات الجامعة اللبنانية، 1970، ص 9. يوسف مزهر، تاريخ لبنان العام، بيروت، 1955، ص183 – 184" ([83]).

 

السيد ي. الحاج: تأريخ أم هلوسة ؟!

ولعل أطرف من طرح موضوع شويتا واستعملها لتأكيد "مارونية" القبيات "الأصيلة"، هو السيد يواكيم الحاج.

يغرق السيد يواكيم هنا في واحد من أحلام اليقظة التي دونها في ما سماه "تاريخ عكار والقبيات"، وهو يُعطي للأحداث رواية مخالفة كل المخالفة لكل ما ذكر في الأدب الماروني التاريخي، مع زعمه الاستناد إلى البطريرك الدويهي وسواه. نقتطف من روايته بعض المقاطع، كيلا نُتّهم بالمبالغة: "المعركة التي يتحدثون عنها سنة 694... إنما كانت في سهل عكار... والجيوش التي اجتازت الحدود السورية اللبنانية ([84]) رابطت في سهل عكار الذي وصلت إليه أولاً، ومنه تقدمت إلى أميون بقيادة أحد قادتها المدعو (مريق) الذي قتل ودفن هناك. بينما القائد الثاني لقي مقاومة أبناء عكار، وخاصة أبناء القبيات، الذين نالوا منه، فاوقعوه جريحاً، ونقلوه معهم أسيراً، حيث مات متأثراً بجراحه. فالمقاتلون القبياتيون هم الذين دافعوا عن أخوانهم في المعركة التي جرت في سهل عكار، وهم الذين أبسلوا القائد مرقيان ونقلوه أسير حرب وجريح معهم إلى بلدهم اعتزازاً بالنصر والغلبة، ومفاخرة باذلاله([85]) وأسره، شأن كل المقاتلين المنتصرين في حروبهم. لقد كانوا من الوجهة الانسانية، من المرؤة والشهامة على قدر ما هم عليه اليوم من الوطنية والتضحية... لم يتركوا القائد الجريح في أرض المعركة يتأثر بجراحه. بل نقلوه معهم للمداواة والمعالجة...وإن كان أخذه بهذه المناسبة يُعتبر الأقرب إلى المباهاة والمفاخرة، أكثر منه للإهتمام بسلامته وشفائه" ([86]).

وفي مكان آخر يقول: "ويوجد في شويتا قبر "مرقيان" القائد اللعين (البابا يعتذر أما الماروني يواكيم فيصر على أن يلعن!) الذي كان على الموارنة في سورية، في اضطهادهم وتهجيرهم، بأمر من الملك يوستنيانوس الأخرم. فهذا القائد الذي تولى وشقيقه موريق أمر التنكيل بالموارنة في سورية، بقي يطاردهم ويلاحقهم حتى داخل الحدود اللبنانية. (هكذا الحدود، والكلام عن عام 694م). ولكن الله كان في عونهم، وعلى الباغي تدور الدوائر، فقد قُتل أثناء المعركة في سهل عكار (!)... ونقله أبناء القبيات الذين انتصروا لأخوانهم، بعدما وقع جريحاً، وجاؤوا به إلى بلدتهم أسيراً، وقد مات هناك متأثراً بجراحه، ودُفن في منطقة شويتا، وما زال قبره حتى اليوم يُعرف بقبر مرقيان. وهذا ما قاله السمعاني نقلاً عن لسان الدويهي: "إن مريق قتل في الحرب التي ذكرناها، ودفنه الملكية في قرية أميون، وأقاموا على مدفنه كنيسة، وجعلوا عيداً لذكره... وأما مرقيان فجرح في وقعة الحرب، فحمل إلى قرية شويتا في عكار، ومات بعد قليل من الزمان" (ص 123).

طبعاً لا ينسى السيد يواكيم أن يحدد مرجعه في حاشية رقم 1، في نفس الصفحة، بقوله: "الدبس، تاريخ سورية، ج1، ص35". والحقيقة أن الجزء الأول من "تاريخ سورية..." للدبس لا يتجاوز زمن الفينيقيين، ويبقى في عهود ما قبل الميلاد. كما أن هذا الخبر يظهر في الجزء الجزء الخامس من المؤلف المذكور، ص 117 – 118، وفي الجزء التاسع، في ص 60، وهو الجزء المعروف باسم "الجامع المفصل في تاريخ الموارنة المؤصل".

وفي الحقيقة أن السيد يواكيم الحاج طمس قسماً من النص الذي ذكره المطران الدبس، نقلاً عن السمعاني، لأنه يتناقض مع "أحلام اليقظة اليواكيمية"، ويجعل شويتا قرية على مذهب الملكية أو المشيئة الواحدة، وفيها لمرقيان كنيسة، لا مجرد قبر أو قصر، بل كنيسة للصلاة، ليصلي بها أنصاره سكان شويتا بالذات (وهم ما كانوا موارنة) ويعيدون له، لا ليلعنوه، كما يرغب الثلاثي "التأصيلي" للقبيات (سلوم والحاج والأب موراني). وها هو نص المطران الدبس: "من البين أن موريق قتل في الحرب التي ذكرناها، ودفنه الملكية في قرية أميون، وأقاموا على مدفنه كنيسة وجعلوا عيداً لذكره في اليوم 26 من تموز وهو من الأعياد المشهورة عندهم. وأما مرقيان فجرح في وقعة الحرب فحمل إلى قرية شويتة في عكار ومات بعد قليل من الزمان، وأقام الملكية له هيكلاً وعيداً. وقد ورد مثل ذلك في مقالة مرهج بن نمرون الباني في أصل الموارنة".

هل من نموذج أوضح على هذيان العظمة! نظن أن مجرد العودة إلى نصوص البطريرك الدويهي تكفي لتبيان الخفة التي يتعامل بها السيد يواكيم الحاج مع نفسه، ومع القراء، ومع المراجع التاريخية، ومع التأريخ بشكل عام. لماذا كل ذلك؟ بالطبع لنمحو الذاكرة المرتبطة بالتاريخ الفعلي، ولنخلق ذاكرة أخرى، قائمة على تزوير التاريخ، والاستخفاف بالناس وبنصوص المؤرخين، ولو كانوا من أهم مؤرخي الموارنة. لماذا؟ لنؤسس للحمة مارونية مع "موارنة" الجبل تكون استمراراً لتاريخ مختلق وقائم على الهذيان والتزوير. تلك هي وظيفة التأريخ للثلاثي: سلوم والحاج، والأب موراني، وبرعاية البعض من أركان المراجع المارونية الروحية والفكرية.

 

هل قاتل موارنة عكار (القبيات) في العام 694؟

وحتى يؤكد السيد يواكيم الحاج هذا التواصل، بل قل هذه المناصرة بين الماروني العكاري (القبياتي) وموارنة الجبل، يجعل المعركة معركتين، واحدة في سهل عكار، وأخرى في الكورة. وفي سهل عكار، كما يدعي السيد يواكيم، جرح موريقيان، وحمله مقاتلو القبيات و... وهو لا ينسى كما سبق وقلنا أن يزعم الاستناد إلى المؤرخين الموارنة. لنراجع ما قاله هؤلاء المؤرخون عن هذه الواقعة. يقول البطريرك اسطفان الدويهي: "وفي سنة 694، في أواخر الربيع، دخلت الأروام بلاد سورية فقتلوا من دير مار مارون خمسماية راهب و... ولم يزل السيف غايظاً بدم الأرثوذكسيين حتى دخل موريق وموريقيان بالجيش إلى مدينة طرابلس. ثم خرجوا إلى الكورة فخضع لهم كل أهلها. ثم قصدوا الصعود لجبل لبنان، ونزلوا في الأوثاق فوق أميون عند قرية تدعا الناووس تحت ذيل الجبل... وعندما كان مستقر جيش الروم تحت ذيل اللبنان حارت الناس بأمرها من الخوف على الدراير والنسا، فاستغاثوا بقلب خشيع... ووردت المكاتيب مع السعاة من لاوون القايد...  وأعطاهم اذن يقاتلوا الجيش... وانسكبت الرجال على الأروام... قتل موريق... واصيب مرقيان فحمل به القوم إلى قرية شويتا، في ناحية عكار، فمات هناك..."([87]).

شويتا: أكثر من تجمع سكني مندثر ؟

يبدو أن شويتا الممتدة،من الشرق، من النقطة المعروفة حتى اليوم باسم "بوابة شويتا"([88])، حتى الغرب على مشارف وادي المحلات ووادي الفارغ، بطول بضعة كلم، كانت تضم أكثر من تجمع سكني واحد، أو إثنين على الأقل. وإذا كنا لا نستطيع حسم مسألة وجودهما معاً في زمن واحد، فإننا نستطيع، بالإستناد إلى بقايا الأبنية التقدم بفرضية وجود تجمع سكني حول كنيسة مار جرجس (شويتا)، وآخر حول بقايا كنيسة مرقيان وقصره، وعلى مقربة منه بقايا ما يسمى قصر كليب أوكلاب، في ما يُعرف باسم "تلة التين".

فإلى الجنوب من كنيسة مار جرجس، وعلى مقربة مباشرة منها، ثمة بقايا لبضع خِرب ما تزال أساساتها واضحة للعيان. وإلى الشرق من الكنيسة مجموعة آبار محفورة في الصخور لجمع الماء أو خلافه، وإلى شمال الكنيسة آثار معصرة أو أكثر، ما تزال بعض حجارتها منتشرة في الجوار. وكذلك هي عليه الحال في منطقة مرقيان وقصر كليب. حيث تبدو بعض آثار الأبنية المندثرة. ولقد سبقت الإشارة إلى أن موقع "قصر مريق" تعرض للتدمير المقصود واستخدمت حجارته في تزيين ابنية في عكار العتيقة والبيرة ودير الآباء الكرمليين، منذ العام 1870، كما استُعمل بعضها الآخر، مؤخراً، لترميم كنيسة مار جرجس شويتا.

ومع أن الأب عفيف موراني تناول موقع "قصر مريق" في بحثه الأثري السابق الذكر، إلاّ أنه عالج هذا الموقع بخفة رافضاً استعمال المعطيات الأثرية التي برزت له وأصرّ على تأويلها "تاريخياً"، بحيث يجعل الموقع أثراً مارونياً، وهو باستناده إلى التاريخ لم يكن أقل تشويهاً للمصادر التي اعتمد عليها من تشويهه لدلالة الآثار ذاتها([89]).

وكذلك كان موقفه من المدلول التاريخي ل"قصر كليب"، إذ اعتبره عائداً لزمن الأيطوريين، بدل ربطه مباشرة بإقامة عربية للكلبيين أو الكلابيين، في المنطقة. وحتى في عملية الربط مع الأيطوريين لم يُشر إلى تواجدهم على حدود القبيات مباشرة في منطقة "نبع الجعلوك"، واكتفى بذكر عاصمتهم مجدل عنجر([90]).

وقبل ان نختم كلامنا في الأهمية التاريخية لقرية شويتا المندثرة، نشير إلى أن الأب عفيف موراني يُدخل في نطاقها موقعاً يُعرف باسم كنيسة غزراتا. وفي الحقيقة تقع هذه الكنيسة قي منطقة "الغزران"، التابعة لأملاك بلدة عكار العتيقة، في موقع معروف باسم "مراحات عكار". وعليه ليس هذا الموقع لا في المنطقة العقارية للقبيات ولا في نطاقها البلدي ولا هو ضمن أملاك لأهل البلدة (القبيات)، ولا هو أيضاً في منطقة حدودية بين القبيات وعكار والعتيقة. فلماذا يُدخلها الأب موراني ضمن نطاق شويتا؟ لا شك بأن الرغبة في جعل القبيات على صورة منطقة كانت مترامية الأطراف، ثم "تراجعت" حدودها، هي التي تملي على الأب المذكور عملية "اختلاق" هذا الإمتداد للأرض القبياتية إلى ما يتجاوز حدودها الحقيقية. ومع الزمن والتكرار تصبح هذه المناطق مناطق قبياتية "مسلوخة" يجدر السعي لاستعادتها.

وأخيراً يبدو أن قرية شويتا دثرت انطلاقاً من مرحلة غلبة المعنيين على آل سيفا، لا سيما في أواخر العقد الرابع من القرن السابع عشر، عندما انتهى الصراع بالقضاء الكلي على السيفيين، وتشتيتهم وتدمير قصورهم وممتلكاتهم وأوقافهم في مقرهم عكار([91]). ولعل التدمير والتشتيت لحق بشويتا وبمن كان يدير شؤونها من آل سيفا، أو من كان يتولى أوقافها. كما أن المرحلة الفاصلة بين نهاية آل سيفا وبداية سلطة المراعبة في عكار كانت من أكثر المراحل اضطراباً في المنطقة، وانتهت بفضل عبث الحماديين إلى خراب جملة كبيرة من القرى والمزارع، ولعل شويتا لحقها الدمار الشامل في هذه المرحلة.

 

  الضهر

يستمد حي الضهر اسمه من موقعه الجغرافي كبقعة مرتفعة محصورة بين مسيلين أو واديين([92])، ومن انتشار نبات البلان فيه بكثافة، ومن هنا اسمه الكامل "ضهر البلان". وهذا الاسم "الضهر" شائع جداً، وتُعرف به عدة مواقع في لبنان وعكار، كما تُعرف به بعض أحياء البلدات والقرى. يمتد هذا الحي شمالي شويتا، على الأسناد "الضهور" المحازية لمجرى نهر القبيات من وادي مطحنة "شمعا"، غرباً، حتى التل البسيط الذي يقوم عليه دير الآباء الكرمليين، شرقاً.وهو يُقسم إلى قسمين "الضهر الشرقي" و"الضهر الغربي". وفي طرف الضهر الغربي كانت تنبع "عين النمر" قبل أن تغور مياهها إثر عملية فاشلة لرفع منسوبها. يعكس اسم هذه العين وجود الوحوش المفترسة، في ما مضى، في هذه البقعة.

          وبالقرب من "عين النمر" ثمة مجموعة من النواويس التي تعكس الإعتمار القديم للمنطقة، وهي محفورة في الصخور الكلسية، وتتوزع في أكثر من مكان، ما بين شويتا و"القبيات العتيقة، وفي هذا الحي، فضلاً عن وجودها في أماكن أخرى من البلدة.

          بيد أن أهم موقع في الحي ربما يكون ذلك التل الذي يقوم عليه دير الآباء الكرمليين. يعتبر شاكر غضبان أن هذا التل كان عامراً في الألف الثاني قبل الميلاد، بما فيه من بقايا تعود للعصر البرونزي الثالث، وقد عثر فيه على سهم برونزي وعلى قطعة من جرن مستطيل من الحجر الأسود يزين زواياه زوج من التماثيل الممثلة لنصف الثور، وبضعة قطع خزفية([93]).

 

         

          غوايا   

   يذكر أنيس فريحة "غوايا القبيات" ويعتبر "الجزء الأول تحريف gawwayé أهل البيت الأقربون، أصحاب الملك (ضد الخارجين). وأما الجزء الثاني فهو qebibata البيوت المقببة، ذات القبب.فيكون معنى الاسم أهل القبب"([94]). لكن فريحة يذكر أيضاً: "غوِيتا ghwîta تحريف gawwayta مؤنث gawwaya الداخلي وصاحب البيت والمالك، فيكون معنى الاسم: المالكة صاحبة البيت أو العقار. وهنالك احتمال آخر هو أن يكون تحريف ge`ita : البهية الجميلة ذات الرونق"([95]).

          لعل السيد يواكيم الحاج استوحى هذه الرواية الأخيرة في تفسيره لاسم هذا الحي بقوله: "الكلمة لغوياً تعني: الإغراء والاستمالة للهوى. انغوى الشاب: انهوى، مال"([96]). ولكنه يرجع بهذا الاسم إلى عهد حديث جداً نسبياً: "تعود هذه التسمية تاريخياً إلى أيام آل فرعون وشيحا الذين أسسوا معملاً للحرير في القبيات (كرخانة)... وكانت بنات هذا الحي يشتغلن داخل المعمل... وهكذا كن تتمايلن بغواء في الأعياد، وفي الشوارع بعد انتهاء العمل... فكان الشباب يتنادون لملاقاتهن... قائلين: هيّا بنا إلى الغوايا... الجميلات... وهكذا لُقب الحي بهذه الصفة"([97]). بيد أن هذا الحي أسبق في وجوده بكثير من زمن تأسيس آل فرعون وشيحا لمعمل الحرير. وعليه ما كان اسمه قبل ذلك؟ ولذلك نستبعد هذا التفسير اليواكيمي.

          وبالعودة إلى فريحة نجده يتكلم على موقع باسم مِغواية mighwayah : له معنى قريب من غوايا وهو meghawya : الداخلي، الباطني، الجواني"([98])، ومنها "جَوَّا gawwa ومعناه الداخل"([99])، ومنها أيضاً "الجوانية من gawwanaye الداخليون أي الذين هم من الداخل مقابلة لهم بالغرباء. ولفظ الجواني والبراني من أصل سرياني"([100]). إن قسماً من حي غوايا يُعرف باسم "العش"، وهذه اللفظة يعتبرها فريحة بمعنى المستنقع([101]). ومع أننا نرجح ما يراه فريحة من تفسير لهذا الاسم، فإننا نتساءل: هل تكون غوايا تحريفاً لكلمة خوايا العربية وهي اسم موضع بالقرب من الكوفة، يصفه ياقوت الحموي بقوله: "هو بناء بالصخر يمسك الماء كهيئة البركة في مسيل الأرض"([102])، وغوايا حي مشهور بكثرة كتل الصخور، وبكثرة المياه، والحي معروف فيه "بلاط غوايا" وعلى كتفه جبل البلاط، وتكثر فيه الروايم. هذا فضلاً عن وجود عين السيحان في وادي السيحان في الطرف الجنوبي الشرقي للحي.ويرى فريحة، من بين احتمالات شتى، ارتباط هذا الاسم بوجود نبات الشيح، وهو "في السريانية siha الشيح"([103]).

          يشكل حي غوايا امتداداً لحي الضهر إلى الجنوب، مقابل حي الذوق "الفوقاني"، بحيث يبدو الآن حيّا الضهر وغوايا كأنهما حياً واحداً.

 

       

      مرتمورة  

       يعالج أنيس فريحة اسم مرتمورة في مادة "قبيات"، فيذكر "قبيات مار طمورا"، والصحيح عندنا أنها قبيات "مرتمورة"، أو أن "مرتمورة" واحد من أحياء القبيات. وهويعتبر كلمة "tamura طمورا هنا بمعنى الخفي والمختبئ"([104]). وعندما يتناول مرتمورة في عكار، يرى أن هذا الاسم "قد يكون تحريف mar mura : القديس مورا، وهوقديس مشهور في لبنان بنيت على اسمه بعض الكنائس"([105]). والحال فإن الكنائس مبنية على اسم القديسة مورة لا على اسم القديس مورا! ومع ذلك فهو يضيف: "وقد يكون معنى اسمه murra : المر واللبان والرائحة الزكية. وقد يكون marat murra سيدة أو زوجة مورا (على أساس أن مورا اسم علم عام لا القديس المذكور)"([106]).

بيد إننا نرجح رد التسمية إلى وجود كنيسة "سيدة مرتمورة". وعليه تكون كلمة مار (اختصرت في الاسم مرتمورة إلى مَر) "لفظ سرياني يرد كثبراً في تركيب أسماء الأعلام والأمكنة اللبنانية:... marya في حالة الاطلاق ومعناه السيد والرب والمولى. ... mar مولاي، سيدي. واليهود يستعملون الآن لفظ... mar بمعنى السيد"([107]). يبدو أن الحي استمد اسمه من اسم القديسة مورة التي تم إعدامها في مصر في العام 286([108]).

يقوم حي مرتمورة إلى الشرق من "القبيات العتيقة" (الغربية)، على نفس سلسلة الهضاب البركانية الحاضنة للسكن القبياتي من الشمال. وأبرز ما يميز المسافة بين "الغربية" و"مرتمورة" هو منطقة "العربة" التي تبدأ من تخوم منازل "مرتمورة" وصولاً إلى مطحنة شمعا، جنوب شرق "الغربية"، بمحازاة نهر البلدة. وهذه المنطقة المشكلة لقسم من الخط الفاصل بين الأرض الكلسية، والبركانية، هي على العموم صخرية ووعرة، ويبدو فيها جلياً أثر الجهد البشري في تكوين الجلالي التي تروي حكاية النشاط القبياتي في السيطرة على الطبيعة وتحويلها والإستفادة منها.

في لبنان مواقع كثيرة باسم "عربة". فما معنى هذا الاسم؟ وما دلالته؟ يرى فريحة، في تفسيره لاسم "عربة قزحيا": "arbita صفصافة. وقد تكون آرامية قديمة بمعنى العربة السهل، البقعة المنبسطة"([109]). ولكن واقع الحال في "عربة" القبيات هو غير ذلك. إذ لا تشتهر هذه المنطقة بشجر الصفصاف، ولا هي منطقة سهلية أو بقعة منبسطة، بل هي عبارة عن "ضهر" ومنحدر حوله العمل البشري إلى جلالي متدرجة في أرض صخرية وعرة. كما أن الاسم لا يرد في لائحة الأبوين حبيقة وأرملة في  القرى السريانية([110]). لكن ياقوت الحموي يفيدنا بأن كلمة "عربة" تشير إلى مواضع إقامة العرب، ويعدد بعضاً منها ([111]).

بدأ هذا الحي بالتكون كأول تجمع سكني يعتمره القادمون من "القبيات العتيقة". وكان تكونه على حافتي شبه وادٍ متكون من التقاء أخدودين ينطلقان من الشمال ويتجهان نحو الجنوب، مع انحراف الأخدود الشرقي غرباً وانحراف الأخدود الغربي شرقاً، بحيث أن المسافة الفاصلة بين رأسي الأخدودين،شمالاً، أكبر بكثير مما هي عليه عند الجنوب. كما إن توزع السكن حول "الضهرين" المتكونين على الأخدودين، هو الذي جعل "مرتمورة" تُقسم إلى قسمين: الشرقية والغربية.

يبدو أن وجود نبع ماء في الجهة الشرقي لملتقى الأخدودين كان من أبرز العوامل المشجعة على السكن هناك، خاصة وأن التربة المتكونة بفعل جرف السيول من "المصايل" (المسايل)، داخل الحي، وأمامه في منطقة "البكليك" المحازية لنهر القبيات، تتيح النشاط الزراعي، وتشجع على اعتمار المنطقة. ولنا في كنيسة سيدة "شحلو" و"مطحنة البرج" شواهد على قدم الإقامة في هذا الموقع.

لم نعثر على تفسير مرض للإسم "شحلو". ولكننا وجدنا اسم علم قريب منه هو "شحلوفا" أحد بطاركة النساطرة([112]). ولعل هذا الاسم حمله بعض الموارنة النساطرة([113])، وكرموا به هذا البطريرك النسطوري بإقامة كنيسة على اسمه في هذا الموضع. ومما هو جدير بالذكر أن السائح بركارد دي مون سيون Burchard de Mont Sionذكر، في رحلته التي قام بها في العام 1253م، وجود نساطرة في عكار. وإذا صحّ تقديره لموقع السن شرقي عرقة، فلا يستبعد أن يكون للنساطرة وجود على مقربة من القبيات: "على بعد نصف فرسخ شرقاً من قلعة عرقة توجد مدينة "سين" التي بناها سينيوس بن كنعان، أخ أراكوس، بعد الطوفان، ولا تبعد كثيراً عن عرقة، كما ورد في سفر التكوين في الكلام عنها. وسألت نسطورياً كان يعيش هناك فقال لي أن المدينة كانت تدعى سينوكيم، وسألت مسلماً (sarrasin) هناك فأفاد بنفس الاجابة"([114]).   

وربما يكون لاسم "مطحنة البرج" دلالة تاريخية معينة. فهي تمتاز بموقع ملفت للنظر، إذ تقوم مباشرة على حافة نهر القبيات، على طرف سلسلة طويلة من الصخور البارزة وكأنها مرصوفة إلى جانب بعضها بعلو يتجاوز خمسة أمتار، وبعرض أقل، ولكنها تنتصب في وسط منبسط من الأرض كحائط السور، ويبلغ طولها حوالي 100م، وتنتهي بالقرب من كنيسة "شحلو" القديمة، بأكثر من خربة و"رجمة". ومن المحتمل أن تكون هذه المطحنة قد قامت على أنقاض (أو بالقرب) من واحد من الأبراج التي كان يعتمدها التركمان في أماكن إقامتهم كحاميات عسكرية([115]). وممن أشار إلى قدم هذه المنطقة الخورسقف الزريبي الذي تحدث عن حريق هذه الكنيسة "شحلو" أثناء اجتياح المماليك للمنطقة وطرد الصليبيين([116]). كما أن البعض يعود باعتمار هذه المنطقة إلى ما قبل الميلاد، استناداً إلى شهادة شفهية عن لسان الأب تالون([117]).

يبدو أن حي مرتمورة أول حي جديد تكون انطلاقاً من "القبيات العتيقة". ومن الثابت أنه أول تجمع سكني بعد "الغربية" تنشأ فيه رعية حول كنيستها الخاصة بها: سيدة مرتمورة، ومنه ظهر كهنة من أقدم كهنة القبيات. ومن هذا الحي تفرع، على ما يظهر، بشكل أساسي السكان الذين عمروا آخر حي في تكونه في القبيات: القطلبة.

 

  الذوق

لا يذكر الخورسقف الزريبي اسم الذوق، بل يقول "الزور" عندما يتحدث عن انتشار أهل "القبيات العتيقة" في الأحياء الراهنة([118]). بيد أن الثابت في اسم هذا الحي الذي يتوسط وادي القبيات، ويشكل اليوم الحي المركزي فيها، هو الأذواق، أو الذوق، وهو قسمان: الذوق الفوقاني (وفيه حارة السيدة "الغسالة")، والذوق التحتاني.

ثمة اختلاف في كتابة هذا الاسم بحرف "ز" أو "ذ". ولكن المعاجم اللغوية والجغرافية جميعها لا تحتوي على هذه اللفظة بالمعنى الجغرافي أو كاسم لموضع بصرف النظر عن كتابتها بالحرف "ز" أو "ذ". يُستثنى من ذلك فريحة الذي يقول: "هناك أسماء أمكنة عديدة مركبة من "زوق" واسم آخر. لنا ثلاثة آراء في تعليل الكلمة: (1) إنها تحريف ... الحارس والناطور والمراقب (من جذر ... ناظر وراقب وحرس). (2) إنها تحريف ... duk ومعناها المكان والمحلة والموضع. (3) إنها تحريف ... shuqa السوق. أما الأب لامنس فيعتقد أن اللفظ تركي الأصل"([119]).

يخالف فريحة في تفسيره هذا غالبية المؤرخين الذين يتفقون على أن أصل هذه الكلمة تركماني. يؤكد دروزة على أن الكلمة ظهرت في سياق عملية إقامة التركمان في لبنان([120]). ويشير عيسى اسكندر المعلوف إلى أن كلمة "زوق" تعني إمكنة إقامة التركمان ([121]). ويوضح محمد علي مكي أن المماليك أقاموا على طول الساحل اللبناني والجبال المطلة عليه أبراجاً صغيرة أطلقوا عليها اسم الأذواق([122]). إن شبه الاجماع على أن كلمة "ذوق" ترتبط بالتركمان يعني أن هذا الحي استمد اسمه من إقامة التركمان في القبيات.

ولعل استمرار وجود جماعات من التركمان في المنطقة الملاصقة للقبيات، في عيدمون، وفي جوارها في الكواشرة، لمما يؤكد هذه الفرضية. هذا فضلاً عن أن منطقة "كرم سباط"، الجردية وهي اليوم، ملك لأبناء القبيات (يشاركهم في ملكيتها البعض من آل جعفر وبعض سكان عيدمون) ما تزال حتى الآن تابعة عقارياً (وبلدياً) لعيدمون التي كان التركمان فيها يملكون هذه المزرعة: كرم سباط([123]). وحتى منتصف القرن التاسع عشر، كان ثمة أملاك داخل القبيات تُعرف باسم صاحبها التركماني. لقد جاء في وثيقة لوقف قطعة أرض في القبيات بالذات لدير الآباء الكرمليين: "... الأرض التي تُسمى جورة فارس السليخ المعدة لزراعة الحبوب الكاينة في قرية القبيات المحدودة التخوم قبلة الطريق وشرقاً الدقر وبستان مضلوم (لعله مظلوم) وشمال بستان التركماني وأرض ذيب رينونه (لعله زيتونه) وغرباً الزقاق..."([124]).

وكان سبق لنا أن طرحنا هذا الاحتمال قائلين: "وإذا صح هذا التفسير لكلمة ذوق، فإنه يعني أن القبيات سابقا كانت مأهولة بالتركمان"([125]). مما أثار حفيظة أصحاب نظرية النقاء "الماروني الأصيل"، فانبرى د. سلوم ورد علينا معنفاً ومتهماً بقوله: "إن الذي يعنينا من هذا الموضوع هو الناحية التاريخية التي عالجها والتي تضمنت مغالطات كثيرة وتزويراً لتاريخ المنطقة... (وعلق على كلامنا حول احتمال إقامة التركمان قي القبيات قائلاً): "ونحن بدورنا نسأل: هل تجعل بضعة أنفار دون العشرة، غرباء موظفين في برج صغير يبدلون بين حين وحين([126])، بلدة كبيرة كالقبيات "مأهولة" بالتركمان؟! بل أين بقاياهم وآثارهم هنا؟ هل هي في كنيسة سيدة الغسالة؟ أم سيدة شحلو؟ أم الأربعين شهيداً؟ مار جرجس؟ سيدة كماع؟ مار شليطا؟ دير عنان؟ الخ"([127]).

بيد أنه تبين له بعد فترة أن التركمان ليسوا طارئين بقدر ما تصور يوم اتهمنا بالتزوير فعاد واعترف بصحة ما كان قد اتهمنا عليه (التزوير)([128]). وهكذا عندما أعدّ أطروحة للدكتورا، في العام1992، نسي ما سبق له وقاله في العام 1987، وأعترف بصحة ما افترضناه، قائلاً: "وقد بقيت تلك الأذواق أعلاماً على أماكن نزولهم، ومنها في عكار ذوق العبيد (شدره) وذوق القبيات وذوق حلبا، كما سكنوا في برج عندقت وتركوا اسمهم على قبور التركمان فيها"([129]).

يبدو من بعض النواويس الموجودة في الشرق من حي الذوق أن الإقامة في هذه البقعة من القبيات قديمة للغاية، لا سيما وأن "حارة السيدة" التي اتخذت اسمها من مقام وكنيسة "سيدة الغسالة" العجائبية، تعكس، في اسم هذه الكنيسة بالذات، الوجود القديم في هذا الموقع لعبادة المواقع المائية وتقديسها. ومع أن الكنيسة مسيحية بالطبع فإنها تحمل في اسمها الأصل التاريخي لهذا الموقع المقدس، على ما يبدو، قبل المسيحية. فما هو أصل هذا الاسم: "سيدة الغسالة"؟

يرى الخوري يوحنا حبيب البيسري: "لماذا سميت سيدة الغسالة؟ لهذه التسمية معنيان: حقيقي، ومجازي. الحقيقي: بالقرب من معبدها المقدس لجهة الجنوب، ساقية ماء، لم تزل حتى اليوم. في السبوت قديماً كانت تتجمع نساء الحي، على طول أكتاف الساقية، يشعلن النار، يسخن الماء، يغسلن الثياب، ينشرنها على الصخور والجموم حولهن حتى تنشف، وعند العصر يعدن إلى بيوتهن حاملات الثياب نظيفة... وهكذا كل سبت تتداعى الجارات قائلة الواحدة للأخرى: يا الله! يا أم يوسف، يا أم ابراهيم، يا أم الياس ما بتروحوا على الغسالة؟ تعني الساقية التي عليها يتم الغسيل كالعادة. وهكذا اكتسب معبدها المقدس ... اسم الغسيل"([130]).

بصرف النظر عن التعيين التاريخي لنشوء هذه التسمية كما يرويها الخوري البيسري، فمما لا شك فيه أن مقام "السيدة الغسالة" يعكس تكريساً مسيحياً لموقع هو على صلة بتقديس الماء، هذه العادة القديمة في البلاد. ولعل وجود هذه الكنيسة في سفح جبل "المرغان" يعزز هذا الاحتمال. لم نجد اللفظ "مرغان" أو "المرغان" في معجم فريحة. بيد أنه يذكر موقعاً في منطقة عاليه باسم "مراح مرتغون" Mrah Martaghun، يهمنا منه القسم الثاني من اسمه ("مرتغون" لتقارب فيه مع "مرغان")، وفيه يقول فريحة: "الجزء الثاني يجب أن يكون مركباً من لفظين، الجزء الأول منه ظاهر ... marat سيدة (مؤنث ماري). أما الجزء الثاني فهو... “guna” "لَكَن" أي إناء كبير للغسل،..."([131]). لم نعثر في المعاجم الجغرافية على لفظة "مرغان"([132])، غير أن القزويني يذكر موقعاً باسم "موغان": "ولاية واسعة بها قرى ومروج بآذربيجان، على يمين القاصد من أردبيل إلى تبريز، وهي جروم وأذربيجان كلها صرود كانت منازل التركمان لسعة رفغها وكثرة عشبها"([133]). فهل يكون اسم هذا الجبل قد تكوّن نتيجة إقامة تركمان مصدرهم من "موغان" وتحور اللفظ مع الزمن فأصبح "مرغان"؟ وإذا كنا نميل إلى تقريب لفظ "مرغان" من "مرتغون" فإننا نعتبر سيدة "الغسالة" قد استمدت اسمها من كونها في لحف جبل المرغان "الغسل" وال"لَكَن"، وفي هذا دلالة على قدم المنطقة واعتمارها السرياني.

 

  القطلبة

لم نتمكن من تكوين فكرة دقيقة ونهائية حول اسم هذا الحي الذي ظهر كآخر الأحياء المتكونة في القبيات. وهناك من ينسب التسمية إلى توفر شجر "القطلب" بكثرة في بقعة هذ الحي، ولكن ذلك الوجود لهذه الشجرة لا يقتصر انتشاره، وبكثرة، في هذا الحي فقط، بل هو سمة تغلب على الكثير من المواقع في جبال عكار. كما أن الاسم لا يختص بهذا الحي فقط، ففي منطقة الدورة في عكار العتيقة، موقع باسم "القطلبة"، وفي سورية، بالقرب من صافيتا، قرية أيضاً باسم القطلبة، ولا مجال هناك لنمو شجر القطلب، فضلاً عن وجود عائلة باسم القطلب، والقطلبي في سورية. ولذلك نميل إلى استبعاد هذا التفسير لاسم هذا الحي بربطه بوجود شجر القطلب. لم يرد اسم "قطلبة" في المعاجم الجغرافية. لكن فريحة يذكر "إطلبة"، ويقول فيها: "نرجح كون الاسم بالقاف: قطلبة من ... qatleb: شَبَكَ وعقد وربط شيئاً بآخر. ... qutlabé: الشجر المشتبك الملتف. وعليه يكون معنى الاسم: غابة ملتفة الأشجار، أو مكان وعر كثير الصخور والأخاديد"([134]). إن واقع المنطقة ينطبق على توصيف فريحة لمعنى هذه العبارة، ولكن هذا التوصيف الذي يعتبر اللفظ سرياني المصدر ولا علاقة له بشجرة معينة (كشجرة القطلب)، يكاد يكون سمة عامة للمنطقة العكارية الجردية المحيطة بالقبيات، ولا يختص به هذا الحي فقط.

ونرجح، على العموم، ربط الاسم باسم علم تركماني هو "قطلو"، غالباً ما كان يقترن بلقب "بك" أو بالخاتمة "بغا"، بحيث نعثر عليه مراراً وتكراراً، لا سيما في زمن المماليك، بشكل "قطلوبك" أو "قطلوبغا". ونعتبر اسم "قطلبة" تحريفاً للأصل التركماني. وهذا ما يعزز سعة الإقامة التركمانية في القبيات، في زمن ولّى. وظننا في ذلك أن المنطقة ربما استمدت اسمها من احتمال أنها كانت وقفاً لأحد المماليك، وهو باسم "قطلو" أو "قطلوبك" أو "قطلوبغا". وذلك قياساً على ما جاء في بحث للدكتور عصام خليفة عن الأوقاف في مطلع الامبراطورية العثمانية، وجود وقف في المنية على اسم السلطان "قطبو باي"([135])، وآخر باسم "قطلو" في دير العرب (الزاوية)([136]).

وكان سبق لنا أن اعتمدنا هذا الاحتمال بقولنا: "نميل إلى ... ربط اسم هذا الحي بأصل تركماني  هو اسم العلم "قطلو" الذي عُرف به أحد حكام طرابلس المماليك، ونعثر على هذا الاسم في كتابة منقوشة على أحد جدران مدرسة خيرية حسن : أوقفت أرملة المرحوم قطلو..."([137]). وفي حينه ردّ علينا د. سلوم، رافضاً كلامنا، مستبعداً مبدأ الوقفية، وقائلاً: "أما المدرسة فهي في طرابلس وشتان ما بين طرابلس والقبيات"([138])، كأن المملوك أو صاحب الوقفية أو المرجع العائدة له من المفروض وجوده في الموقع الموقوف. فمن الممكن والطبيعي أن تكون مزرعة "القطلبة" في القبيات (عكار) موقوفة لصالح مدرسة "خيرية حسن" في طرابلس، أو لغير هذه المدرسة وفي غير طرابلس.

وفي محاولة من د. سلوم لحسم عملية تسمية هذا الحي يقول: "يجدر بنا أن نعطي "فكرة دقيقة ونهائية" حول اسم حي القطلبة فنؤكد أنه حديث جداً لا يمت بأية صلة إلى التركمان. إن الاسم التاريخي للحي هو "مزرعة بيت سعادة" كان يُطلق على الأراضي التي تقوم كنيسة الحي الآن على طرفها الشرقي الشمالي، وحيث لا يزال المسنون يسمون تلك الحدائق الغناء "أرض بيت سعادة"، أما اسم القطلبة فأطلق على أعلى الحي حيث "كسر" أجداد "آل ساسين"، من مرتمورة، جزءاً من أرض الغابة تاركين شجرة قطلب وارفة في ناحية من الأرض ليستظلها الزراع، فاندثر اسم "سعادة" أو كاد، وحمل الحي بكامله اسم القطلبة. ويعلم القبياتيون اليوم أن لا أثر لعائلة "سعادة" بينهم كما لاتذكرها سجلات الكنائس ولا التقاليد. فلربما كانت هذه المزرعة تخص عائلة البطريرك العظيم موسى سعادة العكاري الذي من قرية الباردة المجاورة للقبيات"([139]).

ليست بنا حاجة للعودة إلى إيضاح غنى لفظة "قطلبة" ومدلولها، ولكن ما هو بحاجة للإيضاح هو تشبث د. سلوم بالبحث عن أي وسيلة لطرد "الروح التركمانية" من القبيات، وباختراع "الأصالة المارونية". ولهذا الغرض يربط اسم "مزرعة بيت سعادة" أو "أرض بيت سعادة" بالبطريرك موسى سعادة العكاري الذي عاش في القرن السادس عشر. كأنه كان يحق لهذا البطريرك أن يتملك المزارع والأراضي لتكون باسمه. ينسى (بالأصح يتناسى) أن الأرض كانت ملكاَ للسلطان يوزعها على القادة العسكريين والحكام الاداريين، وفق قانون الملكية العثماني، وبالتالي ما كان لهذا البطريرك أن يملك مزرعة في القبيات، تحفظ اسم عائلته على مر القرون. وإن بقاء الاسم مرتبط بمن كان "متسلماَ" لهذه المزرعة، وهو على أي حال ما كان البطريرك المذكور، بل هو ممن كان له موقع في السلطة العثمانية في حينه. ولا يفطن د. سلوم أن اسم "سعادة" لا يعني بالضرورة شخصية مسيحية([140])، هذا في حين أن اسم "سعادة" في "مزرعة بيت سعادة" تعني بالضرورة ربط التسمية بشخصية مسلمة لا مسيحية، شخصية قادرة على التملك، أو الالتزام، من السلطة العثمانية.

 

  حلسبان

إن أقدم مرجع أثري تحدث عن حلسبان يعود للعام 1864، يوم قام البعض من فريق إرنست رينان E. RENAN، بجولة سريعة في عكار. " لم نقم بغير جولة مختصرة في جبل عكار المشهور، على العموم، بطبيعته الخلابة البكر، وبجاذبية بلاد مهجورة، أكثر مما هو مشهور بآثاره. إن السيد لوكروا Lockroy  هو الذي أخذ على عاتقه القيام بجولة سريعة في تلك الأنحاء التي رسم معالمها بعناية فائقة السادة ضباط هيئة أركان الحملة الفرنسية على سورية في تقريرهم الطبوغرافي. قبل ذلك كان جبل عكار أرضاً مجهولة. سأقدم هنا بعض الملاحظات التي جمعها في هذه الجولة السيد لوكروا"([141]).

في هذه الملاحظات يسمي لوكروا وادي "حلسبان" باسم "إلسباي" (El-lesbey)([142])، نظن التسمية حِلسباي، لتعذر النطق بالحرف "ح" على الفرنسي. ولكن حرف "ن" لا يطرح أي مشكلة، فلماذا لم يذكره في كتابته للاسم. لعل الناس في حينه كانت تسمي الموقع بهذا الاسم. هذا مع العلم بأنه ذكر الموقع المجاور له بلفظه المحلي المعروف به حتى اليوم: بوتويج (Boutouedj).

وعندما وضع الخورسقف الزريبي، بعد أكثر من نصف قرن، "لمحة تاريخية" عن القبيات، اعتبر أهم أثر فيها "هو الأثر الموجود الآن في وادي حلسبان"([143]). وعليه إما أن المستكشف الفرنسي أساء سماع ولفظ، وبالتالي كتابة الاسم "حلسبان"، فجاء عنده "حِلسباي"، وإما أن الاسم كان في أصله "حلسباي"، ثم تعرض للتحريف مع الزمن، فرسى على لفظه الراهن: "حلسبان".

بيد أن الأب موراني يتحفنا برواية لتفسير هذا الاسم تقوم على مجرد اختراعات وهمية تتستر خلف عبارة كثيراً ما أساء استخدامها الثلاثي (سلوم، الحاج، موراني)، نقصد بها عبارة "التقليد". يرى الأب موراني: "يحمل الوادي اليوم اسم "حلسبان"، بينما يؤكد مسنو القبيات أن هذا الوادي كان يُسمى حصن البال (Hicn-el Bal) (لعله يقصد حصن البعل)"([144]). إن أحداً في القبيات، غير الثلاثي المذكور، لم يسمع بأن وادي حلسبان، كان اسمه "حصن البال" أو "حصن البان". ولو أن المسنين كانوا يذكرون شيئاً من هذا القبيل لباحوا به إلى المستكشف الفرنسي لوكروا، في العام 1864، وهو إنما تعرف على اسم هذا الموقع من سكان المحلة، ولكان الخورسقف الزريبي قد أتى على ذكره في مطلع القرن العشرين. هنا، مع لوكروا، ومع الخورسقف الزريبي، نستطيع البحث عن عناصر التقليد الأكثر بعداً بكثير. ليس التقليد "اختراع"، بل تراث يكشفه الناس لدى طرح الموضوع المتعلق به عليهم، ولما كان هذا الموضوع قد طُرح منذ أقل من قرن ونصف،في المرة الأولى، ومنذ ثلاثة أرباع القرن في المرة الثانية، فليس من الصحيح الادعاء بوجود تسمية ما ونسبها إلى التقليد.

ومع أننا لم نتمكن من حل لغز اسم "حلسبان"، فإننا نستبعد كلياً رواية الأب موراني الذي ينطلق من اختراع شخصي ينسبه، زوراً، إلى "التقليد"، ليأتي الاسم "حصن البان"، أو "حصن البعل".

وفي هذا الموقع يقول د. سلوم: "معبد "حلسبان" (هليوس بان) في مزرعة تابعة للقبيات... معبد روماني..."([145]). وفي شريط مصور عن منطقة القبيات، بثه تلفزيون (Lbc) في 19/3/2000، وكان تم إعداده بالاشتراك مع وزارة الثقافة والتعليم العالي في لبنان، يوضح د. سلوم معنى "هليوس بان" بقوله: "معبد الاله بان الروماني اليوناني الذي كان إله الرعيان والقطعان والغابات ترك اسمه على المنطقة حلسبان، هيليوس بان، بان العظيم الممجد".

صحيح أن بان هو إله "الرعاة لدى الأغريق. كان يصور بقرنين وأنف معقوف وذنب ورجلي تيس. ويعيش في الكهوف والغابات وقمم الجبال ويحمي القطعان...، واطلق اسمه على مدينتين في سورية هما بانياس على البحر الأبيض المتوسط وسفح جبل حرمون"([146]). غير أن "هليوس" تعني الشمس، وما ينسب لها من قداسة على علاقة بعبادة الشمس. ففي مصر مدينة هيليوبوليس القديمة، وبعلبك هيليوبوليس، هي مدينة الشمس (Héliopolis) حيث هيليوس (hélios) تعني الشمس وبوليس (polis) مدينة. ولو سلمنا بأن حلسبان هي تحريف "هليوس بان" لكان معناها: شمس بان.

ثمة سؤال يفرض نفسه بالضرورة: لماذا لم يأتِ الأب موراني على ذكر ما قاله رينان عن هذا الموقع؟ هذا مع العلم أن كتاب رينان "بعثة إلى فينيقة" Mission de Phénicie وارد في عداد المراجع التي اعتمدها الأب المذكور. فلماذا لم يذكر ما جاء في كتاب رينان؟ الجواب ببساطة لأن ما هو وارد عند رينان يتعارض مع الفرضية السريانية التي يدّعيها الأب موراني،لا سيما وأنه أشار إلى عدم وجود أعمدة أو بقاياها. ماذا في كتاب "بعثة إلى فينيقية" عن حلسبان؟

"ثمة بالقرب من القبيات، في (إلسباي) حِلسباي (El-lesbey)، حائطان باقيان من بناء قديم فسيح. حجارته كبيرة، ولا تحمل أثراً للملاط. وهي مبنية بطريقة رائعة، بحيث أن جوانبها المعدة للإتصال ببعضها مفرغة قليلاً، فتبقي فراغاً بينها، محجوباً عن الخارج تماماً بفضل الجوانب المحيطة بهذا الفراغ المحفور في الحجارة، وهي جوانب الحجارة المتصلة ببعضها. لم أرَ آثاراً لأعمدة؛ بيد أني لاحظت كوة مربعة داخل الحائط، شبيهة بتلك الموجودة في "قلعة صربا"، ويحيط بها إطار من الطراز اليوناني.

"وتوجهت، بالقرب من هناك، إلى بوتويج (Boutouedj) لأتفحص آثاراً قيل لي أنها مهمة؛ لم أجد غير منزل، وجدته حديث البناء بشكل واضح، ولكن بينما كنت أتفحس الجوار شاهدت حجرة محفورة في الصخر على شيء من العمق، ولكنها قليلة الأهمية"([147]).

عندما تم وصف البناء القائم في حلسبان في العام 1864، في "بعثة إلى فينيقية"، كان منه حائطان قائمان، مما يعطي الواصف لهما فرصة أكبر بكثير من تلك التي درس خلالها الأب موراني نفس البناء، بعد أن كان دثر منه ما كان قائماً قبل أكثر من قرن. لم يرد في كتاب رينان كلام عن الطراز الروماني القديم ولا عن الطراز السرياني([148])، في البناء كما فعل الأب موراني، بل جاء توصيف طراز البناء بأنه يوناني (style grec)، وعلى شبه ب"قلعة صربا". كذلك قل عن وصف الخورسقف الزريبي وهو شاهد على حال البناء قبل أكثر من نصف قرن على وصف الأب موراني له. ومما له دلالة كبيرة هو أن مار شليطا لم يرد له أي ذكر في "بعثة إلى فينيقية"؛ فهل تكرس البناء كمكان للعبادة على اسم مار شليطا في مرحلة لاحقة؟ هذا ما نرجحه لا سيما وأن تطور الكنائس والرعايا في القبيات كان في زمن "بعثة إلى فينيقية" ما يزال في بدايات انطلاقه من كنيسة الأربعين في "القبيات العتيقة" وكنيسة مرتمورة إلى غيرها. وبالتالي أيضاً كان توسع القبيات باتجاه حلسبان والقطلبة والجرد في بداياته، ولم يترسخ بعد جيداً، ليستدعي بناء الكنائس، كما حصل لاحقاً.

 

        الشمبوق

           تمتد القبيات، بدءاً من حي القطلبة، إلى الجنوب الشرقي، عبر مزارع الجرد، المعروفة بالشمبوق (أو الشنبوق) وكرم سباط (أو شباط). وهي منطقة عريقة في قدمها،غنية بأسمائها، وإن يكن تراثها بحاجة إلى المزيد من العمل على نبش آثارها التي بإمكانها تنوير تاريخ المنطقة.

          من المتعارف عليه في البلدة أن عبارة "الشمبوق" تعني شجرة السنديان الفتية؛ ولكنه من المعروف أن هذه المنطقة غنية بشجر السنديان الغض والكبير. ويذكر فريحة عبارة "الشمبوق" بقوله: "أرجح أنه تصحيف... ... (shabbuqa): العصا والقضيب والهراوة، والشجرة الصغيرة النامية ذات الفرع الواحد، وفي عامية لبنان الشبُّوق، وهي سريانية"([149]). وفي سفح الشمبوق، على مقربة من منازل حي القطلبة، يطالعنا موقع عريق في قدمه، معروف اليوم باسم سيدة كماع (في اللفظ المحلي). من معنى هذا الاسم نستدل على قدم اعتمار المنطقة باعتبار أن هذا المعنى يعيدنا إلى زمن الوثنية. يقول فريحة: "سيدة قماع (تعني) الساحر والراقي والمُعوذ. وربما أصلاً مكان وثني لولي أو رجل يتعاطى عمل السحر والتعويذ"([150]). ولعل هذا الموقع الذي كان على صلة ما بالعبادة الوثنية تحول مع الزمن، وتكرس معبداً مسيحياً باسم "سيدة كماع". لم نتمكن من تكوين فكرة عن زمن وكيفية هذا التحول، ومذهب المسيحيين الذين كرسوه.

إن البحث الذي قام به الأب موراني حول هذا الموقع لم يأتِ بأي جديد في المعلومات الأثرية، ولما كان يفتقر أيضاً – كغيره – إلى المعطيات التاريخة، فإنه عمد إلى اختلاق افتراضات تاريخية لا أساس لها من الصحة. يقول الأب موراني، وهو يحاول معرفة ما إذا كان البناء القائم في هذا الموقع كنيسة من جناح (صحن nef) واحد أو إثنين: "يجب قبل كل شيء، معرفة الشعب المتملك لهذا البناء ودراسة طقوسه الروحية، قبل أن نجيب على كل هذه الأسئلة. ولما كنا نجهل ماضي هذا الشعب، سنحاول تحليل هذه الأسئلة على ضوء ما بين أيدينا من معطيات"([151]). ولهذا بدل تريثه بانتظار المزيد من الحفريات والدراسات الجدية تقدم بافتراضات مجانية.

إلى الشرق من هذا الموقع هناك "أم حارتين" موقع لم نتمكن من معرفة شيء عنه. والمنطقة الواقعة ما بينهما تُعرف ب"العصابة"، ولعلها كانت مقراً لجماعة "عصابة" من "الخارجين على القانون"، ربما من أتباع الحماديين الذين ينسب لهم معظم المؤرخين الفوضى والتخريب، في المرحلة التي أعقبت زوال سلطة آل سيفا عن عكار. وفي المقلب الجنوبي من "العصابة" هناك منطقة "حلبوسا" الغنية كغيرها من أماكن هذا الجرد بالمياه. لم نجد هذا اللفظ في المعاجم الجغرافية، ولعل التفسير الذي يقدمه الأب موراني بعيد عن الصواب: "مكان الحليب"([152]).

بيد أن تفسير د. الحلو للفظة "حلب" فيه ربما ما قد يفيدنا في فهم معنى "حلبوسا"، إذا اعتبرنا جذرها "حلب". يقول د. الحلو في سياق تفسيره لاسم "حلب": "أما تفسير الاسم فمسألة لا يوجد لها حل مقنع وأكيد، إذ أنه لو ورد ذكره في المصادر ما قبل العربية بلفظ مشابه للفظه العربي المعروف لكان من الممكن اعتبار هذه التسمية مشتقة بالأصل من الحليب. فعدا عن كتابته بالحاء بدل الخاء مما لا يعتبر مشكلة أساسية، نجد أنه يرد في الكتابات المسمارية أحياناً بشكل "خلب" وأحياناً أخرى بالباء المخففة التي تقابل ال p اللاتينية "خلـ "... ومثل ذلك في النصوص المصرية التي استخدمت عدا عن ذلك الراء بدلاً من اللام "خرب أو خر ". بالنظر لما ذُكر لا يستبعد أن تكون للتسمية علاقة باشتقاق أشوري المنشأ من لفظة خلـــو – halpu – التي تعني "حجارة"... إضافة لمعنى آخر هو "البرودة والجليد". أو من لفظة مشابهة... وتعني غابة الصفصاف"([153]). ولما كان سكان القطلبة قد أفادونا عن قلة وجود الحجارة في الحي، خاصة قي القسم المعروف منه بالمواش أو القاطع، وأنهم أتوا بمعظم الحجارة لبناء المنازل من "حلبوسا"، فإننا نميل إلى اعتبار اسم "حلبوسا" أشوري الأصل، مما يعكس الغنى التاريخي للمنطقة([154]).

بالعودة إلى الشمبوق، وعلى مسافة قريبة إلى الشمال الشرقي من كنيسة سيدة الشمبوق الحديثة البناء، هناك موقع معروف باسم "كنيسة دار عنين"، في مطل مشرف على وادي "عودين"([155]). طرحنا قيمة هذا الموقع والملابسات المحيطة باسمه، ومدلول هذا الاسم في مكان آخر من هذا البحث، تحت عنوان: في من استوطن عكار والقبيات... . بيد أن الأب موراني ينسج رواية طريفة حول هذا الموقع تشبه أحداثها رواية نوح في التوراة. وهو ينقل هذه الرواية، على حد زعمه عن لسان راع مسلم شاب. لدى استفسارنا مسني القبيات حول هذه الرواية تبين لنا أن أحداً لم يسمع بها، وانكروا احتمال حدوثها لا سيما وأن أبطالها انتقلوا في طريقهم عبر "وادي" القبيات على حد زعم الرواية([156]).

 

  كرم سباط (شباط)

هي آخر بقعة تمتد عليها أملاك القبيات، وهي آخر المواقع التي توسع إليها المجتمع القبياتي الراهن، في فترة غير بعيدة في الزمن، ولعلها لا تتجاوز أواسط القرن التاسع عشر. ثمة أكثر من معنى للفظ "كرم سباط" (أو شباط)، وهي تعكس عمقاً تاريخياً للمنطقة على أية حال. وإذا كان القسم الأول للاسم "كرم" يعني مزارع تغلب عليها زراعة الكرمة، فإن القسم الثاني "سباط" (أو شباط) محط تأويلات متضاربة. يذكر فريحة موضعاً في منطقة بعلبك باسم "النبي سباط"، ويرى أنه "قد يكون تحريف شباط غير انني أرجح كونه فينيقياً... (sufeţ) أو (sõfeţ): القاضي والحاكم، من جذر يرد في العبرية والفينيقية... shafaţ: قضى وحكم، ومنه الاسم العبري يهوشافاط: الله حكم"([157]).

وعليه استناداً إلى هذا التأويل للفظ "سباط" يعود تاريخ المنطقة إلى الزمن الفينيقي، أو اليهودي. والأسماء الدالة على الوجود التاريخي لليهود في مناطقنا غير قليلة، ففضلاً عن أكثر من موقع في القبيات وجوارها معروف باسم "قبور اليهود" (وربما هذا ما دفع الخورسقف الزريبي في لمحته التاريخية إلى اعتبار سكان المنطقة القدماء على أمة اليهود)، وهناك منطقة في كرم سباط تُعرف باسم "حرف شيت"، وشيت الابن الثالث لآدم([158])، ومكان آخر معروف باسم "شير عزرائيل".

بيد أنه في المعاجم الجغرافية العربية لفظ قريب من "سباط" هو "ساباط". وعلى ما يروي القزويني "ساباط" هي "بليدة كانت بقرب مدائن كسرى، أصله بلاشاباد يعني عمارة بلاش، وهو من ملوك الفرس، فعربته العرب وقالوا ساباط"([159]). بينما يرى ياقوت الحموي أن "ساباط كسرى": "بالمدائن موقع معروف، وبالعجمية بَلاس أباذ، وبلاس: اسم رجل... قال أبو المنذر: إنما سُمي ساباط الذي بالمدائن بساباط بن باطا كان ينزله فسُمي به..."([160]). وإذا صحت هذه النسبة في اسم "كرم سباط" فإنها تعني وجود الفرس في بلادنا هذه. ويجدر بنا لفت النظر إلى أن هذه المنطقة كانت معروفة باسم "كرم ساباط" منذ عدة قرون، ولقد ذكرها ابن محاسن بهذا الاسم "كرم ساباط"، ووصفه بأنه "مشهور"، في رحلته (المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية) التي قام بها في العام 1048هـ/1638م([161]). بيد أن الحموي يعطي تفسيراً آخر للفظ: "والساباط عند العرب: سقيفة بين دارَين من تحتها طريق نافذ"([162]). فهل يكون "كرم سباط" اشتهر بمثل هذه السقيفة، لا سيما وأن هذه المنطقة كانت ممراً؟

لعله لم يمر فاتح على لبنان إلاّ وترك له أثراً في منطقة كرم سباط. وأغنى تلك الآثار المعروفة هي البابلية، ومنها بشكل خاص ما تم التعارف عليه باسم "شير الصنم"، في موقع عينه الأب تالون على الشكل التالي: "تقع الكتلة الصخرية التي نقش عليها (النصب) على ارتفاع يتراوح بين 1550و1600م، حيث يبدأ بالتكون واديان، يهبط أحدهما مباشرة نحو البحر عبر عكار العتيقة، بينما ينحرف الثاني إلى الشمال الغربي ليمر في مزرعة زبود قبل أن يصل إلى القبيات. ثمة ممر ثالث ينطلق نحو الجنوب، فيمر تحت هضبة القموعة، وفي ظل غابات الصنوبر، يستمر، عبر تاشع وممنع والقنطرة ليصل مباشرة إلى عرقة. يعني ذلك كم إن موقع هذا النصب حسن الإختيار!" ([163]). بالطبع لهذا النصب البابلي صلة بتلك الآثار التي خلفها البابليون في وادي بريسا قرب الهرمل وفي وادي السبع في أكروم([164]).

وكذلك ليست الآثار الرومانية معدومة في المنطقة المحيطة بكرم سباط، لا سيما تلك المتعلقة بتحديد الملكيات، أو بتعيين أصناف الأشجار التي احتكرت الامبراطورية الرومانية حق التصرف بها([165]). لقد حدد الأب تالون أهمية "كرم سباط" لموقعه على الطريق التاريخية التي تنطلق من أكروم أو الهرمل وتدور، مروراً بكرم سباط، حول تلال القموعة لتصل إلى الساحل (عرقة)([166]). ولقد افتتح هذه الطريق، برأي الأب تالون، البابليون والرومان، كما اعتمدها والعرب ومن ثم الصليبيون.

ونظن أن المماليك أهتموا بهذه الطريق أيضاً، وكذلك العثمانيون من بعدهم. ويبدو أن هذه الطريق (وإن كانت ثانوية، برأي الأب تالون) بقيت في زمن العثمانيين معتمدة أيضاً. ولقد سلكها المحاسني في رحلته، في العام 1048هـ/1638م، من دشق... بعلبك... الهرمل... أكروم، عكار العتيقة... عرقة... طرابلس. وهو يقول واصفاً مشاهداته لدى انتقاله من بلدة الهرمل، "صعوداً على جبل أشرفنا منه على قلعة حمص وعلى بحيرتها، ورأيت البركة في غاية الطول... وأشرفنا على قرى كثيرة شهيرة...،... وحصل لنا في هذه المرحلة مشقة عظيمة لا توصف... فإنها عبارة عن صعود في نحو خمسين جبل وكل صعود يلزم منه الهبوط... ولقد أشرفت ونحن بأحد هذه الجبال على قلعة الحصن (حصن الأكراد)...، ... ومررنا فيه على وادٍ مهيل يُقال له وادي السبع وعلى كرم ساباط المشهور… وفي هذه المرحلة مشينا أكثرها وتحملنا ضررها وما وصلنا عكار إلاّ وكل منا على الأرض لا يستطيع القرار…"([167]).

وأكثر من استقر في "كرم سباط"،على ما يبدو، التركمان. ففي المنطقة وجوارها كثير من المواضع المعروفة حتى اليوم ب"قبور التركمان" و"مقل التركمان". وما تزال المنطقة تابعة عقارياً لبلدة عيدمون. وتثبت الوثائق([168]) المتعلقة بعمليات شراء بعض أبناء القبيات للأراضي (في كرم سباط) أن أصحابها السابقين كانوا من تركمان عيدمون، يعني ذلك أن المنطقة كانت بحوزتهم وتصرفهم، ثم تملكوها مع صدور قانون الطابو العثماني في منتصف القرن التاسع عشر. وبعد ذلك بدأ أهل القبيات يتملكون هناك. وإن كان لأبناء القبيات من وجود أسبق على هذا التاريخ، فهو وجودهم كمجرد فلاحين يعملون في تلك الأنحاء. وعلى العموم فإن الحضور القبياتي (على الأقل كمالكين) هو حديث جداً في منطقة كرم سباط.

ويجدر بنا قبل أن نختم الكلام على هذا الموقع الإشارة إلى اعتماره من قبل عناصر عربية اسلامية (علوية) تركت أسماءها على بعض مواقعه، مثل جبل الأدرع، وصار الأدرع...، ففي هذه الأسماء إشارة إلى احتفاظ هذين الموضعين بأسماء شاغلين سابقين لها: عائلة الأدرع العربية الموجودة اليوم في أكروم، لا سيما بلدة كفرتون، لكنها الآن على مذهب السنة([169]).


[1] -  KAZIMIRSKI, A. de B.: Dictionnaire Arabe-Français, Librairie du Liban, Beyrouth, 2 tomes, (sans date), 1ère édition 1860, Maisonneuve et Cie Editeurs, Paris, T.1, p.523.  والحي هو "محلة القوم" و"البطن من بطون العرب"، راجع: المنجد في اللغة والأعلام، حيي، ص 165؛ ابن خلدون، المقدمة، مرجع سابق، ص 131.

[2] -  يعود كلامنا هذا إلى تاريخ 29 أيلول 1986، أي منذ حوالي عقد ونصف. أما اليوم فمعظم أحياء القبيات بات على شبه اتصال سكني، بحيث يتعذر مثلاً تمييز الحدود، لغير الخبير بالبلدة وأحيائها، بين أحياء "الضهر" و"غوايا" و"الذوق"و"مرتمورة". ولكن الأمر لم يكن كذلك منذ نصف قرن. فما بالك إذا عدنا أكثر إلى الوراء؟

[3] -  عبدالله، جوزف: "بلدة القبيات"، ملف، وكالة أنباء الشرق، الشمال، العدد 65، 29 أيلول 1986، ص 33.

[4] -  المرجع السابق، ص 35.

[5] -  ردّ علينا د. فوءاد سلوم، واعتبرنا "نشك" بوحدة القبيات، وكأنه استهجن اسئلتنا، بقوله: "يقصد (أي يقصد جوزف عبدالله): أن تكون أحياء القبيات الستة بلدة واحدة هو أمر موضع تساؤل وشك". راجع: سلوم، د. فوءاد: "القبيات مارونية أصلاً واستمراراً"، وكالة أنباء الشرق، الشمال، ملف، العدد 86، 17 آب 1987، ص 33.

[6] -  ربما أن اسم "زبود" يعود إلى الجذر "زبد"، ويشير إلى مكان سابق لعبادة إله سامي. يقول أنيس فريحة (معجم... مرجع سابق)، عند تناوله لاسم "مزبود"، أن هذا الاسم مشتق من الجذر"زبد" (ص 167). ويذكر في مكان آخر من نفس المرجع: "جذر "زبد" اسم الإله السامي المشترك، ومعناه العطاء والسخاء" (ص 82). وفي مكان ثالث يقول: "Zabad  : اسم إله سامي مشترك واسم علم. ومعنى الاسم العطاء والهبة والإهداء. ويرد هذا الاسم كثيراً في أسماء الأعلام السامية والأمكنة الجغرافية مما يدل على شيوع عبادته" (ص 149). يذكر ياقوت الحموي (مرجع سابق) عدة مواضع باسم "زُبد" و"زَبد" (ج3، ص130)، وأخرى مركبة فيها "زبد" مثل "زَبدقان" و"زُبدة" (ج3، ص130)، أو "زَبيد" و"زُبَيدان" (ج3، ص131)، و"زُببيد" و"زُبيدية" (ج3، ص132) كتصغير "زُبد". ولكنه يكتفي بتعيينها كأسماء مواضع دون إيضاح معناها، أو تقريبه مما يراه فريحة. يعتمد د. عبدالله الحلو نفس التفسير الذي يعتمده فريحة، ويجعل "زبود" من جذر "زبد". راجع مؤلفه: تحقيقات تاريخية لغوية...، مرجع سابق، ص 299. وفي "معجم ما استعجم"، للبكري، تحقيق مصطفى السقا، مطبعة لحنة التأليف والترجمة، القاهرة، 1947، (ج 2، ص694): "زَبِد: موضع بالشام...".

[7] -  لم نجد لها ذكراً في المعاجم الجغرافية. وربما كانت تشترك من حيث الجذر مع حلب وحلبا، ولكن هذين الأسمين هما على تفسير ملتبس في المعاجم الجفرافية. راجع عبدالله الحلو، المرجع السابق، ص 226-227(سنعالجه لاحقاً).

8-  "الموشة" و"المخاضة" و"الرامية" أنواع من الأرض الزراعية تنشأ أساساً على قاعدة تجمع الماء فيها، سواء ماء الأمطار والسيول الموسمية أو الماء الجارية دوماً. وتعتبر "الرامية" من أكثرها تجميعاً للماء الموسمية، بينما المخاضة تشير إلى استمرار وجود الماء في موقع معين، وقلما تجف بالكامل، وما يقرب منها عبارة "المغراق" و"المغراقة". في حين أن "الموشة" (المواش) غالباً ما تقوم إلى جانب المجاري المائية الدائمة، بينما يغلب وجود "المخاضة" والمغراقة" بالقرب من الينابيع الشحيحة. وفي القبيات كثير من هذه المواضع التي غالباً ما يُستفاد منها في الزراعات الصيفية، أو في زراعة الأشجار التي تحتاج إلى قدر كبير من الري. وتكون مهمة الفلاح فيها بعمله على تدبير جريان الماء كيلا تبقى التربة، بكاملها، مغمورة على الدوام بالمياه. ولقد أشار أنيس فريحة إلى هذا النوع من الأرض بقوله: "رامية... هناك إمكانية أن يكون الاسم جمع ranta ومعناه بركة أو صهريج لجمع ماء الشتاء" (معجم...، مرجع سابق، ص78). كما أنه عين "الموشة" بكونها ما يتم انتزاعه من الماء من أرض زراعية، المرجع السابق، ص 177.

 

9-  كوثراني، وجيه: بلاد الشام، السكان والاقتصاد والسياسة الفرنسية في مطلع القرن  العشرين، معهد الانماء العربي، بيروت، 1980، ص 275.

10- راجع: LAMMENS, H.(S.J.): La Syrie, Précis Historique, Dar Lahd Khater, Beyrouth, 3ème edition,1994, p.2.  راجع: لامنس: تسريح...، مرجع سابق، ص 197.

11-  الخشبة التي توضع فوق الباب أو النافذة تلعب دور العتبة، وهي ليست بطول ولا بضخامة العرقة. إن العرقة خشبة ضخمة طولاً وسماكة، تلعب دور الجسر في البناء، وتستخرج عادة من جذع الشجر الطويل والباسق.

12-  فريحة: معجم...، مرجع سابق، ص 115.

13-  هكذا في النص والصواب تبتدئ.

14-  تميمي وبهجت: ولاية بيروت، مرجع سابق، ص 157. لعل المؤلفان أوردا أسماء الأماكن نقلاً عن خرائط أجنبية، فجاء تعريبها مخالفاً لما هو شائع. نقترح بعض التصحيح: قبايات (قبيات)، عنعنت (عندقت)، أرمون (أكروم) (؟)، روبر (؟)، جور ديري (؟)، قاطر فريم (؟).

 

[15] -  أبو العينين، د. حسن سيد أحمد: لبنان، دراسة في الجغرافيا الطبيعية، دار النهضة الهربية، بيروت، 1980 ص 632.

[16] -  الخورسقف الزريبي: سجل الوفيات، كنيسة مرتمورة، ص 283. إن جميع من اشتغل على تاريخ القبيات رجع، بشكل أو آخر، إلى ما تركه هذا الخورسقف من مخطوطات ووثائق متنوعة. ولكن التعامل مع نصوصه جاء انتقائياً على درجة واسعة. كما أن هذه النصوص تعرضت، في سياق الإستفادة منها إلى التشويه في تفسيرها، وستر أو حجب بعض حقائقها وتزويرها أحياناً، وتحميلها ما لا تحتمله من المضامين، كما سنبين في سياق بحثنا.

[17] -  إن عبارة "من أمة اليهود" مشطوبة بخط رقيق، ولكنه لا يعيق قراءتها بسهولة، ولعل واضع هذا الخط هو غير المؤلف.

[18] -  الحاج، يواكيم: المرجع السابق، ص 325. حافظنا على النص الفرنسي كما أورده السيد يواكيم الحاج.

[19] -  راجع: E. REY: Les Colonies Franques de Syrie aux XIIème et XIIIème siècles, Alph. Picard,Editeur, Paris, 1883, p.365. . إن تعيين موقع السنديانة موضع خلاف بين الذين عملوا على طبوغرافيا المواقع الصليبية في المنطقة، لا سيما وأن فيها عدة مواضع باسم السنديانة.

[20] -  بليبل، الأب لويس: تاريخ الرهبانية اللبنانية المارونية، المجلد الأول، مطبعة يوسف كوى بمصر، 1924، ص 80. ينسب السيد يواكيم هذا الكلام إلى "الأب لوريس الجميل"، في كتابه المذكور، ج2، ص 326.

[21] -  كرم، الأب مارون: قصة الملكية في الرهبانية اللبنانية المارونية، دار الطباعة اللبنانية، بيروت، 1972، ص 50. يستند الأب كرم إلى بليبل في المرجع السابق. ولكن الأب بليبل اكتفى بالقول، في تفسيره لاقفال هذا الدير: "فراراً من جور الحكام"، ولم يتقدم بأي تفصيل أو إيضاح حول هذه المسألة.

[22] -  الدويهي، البطريرك اسطفان: سلسلة بطاركة الطائفة المارونية، عني بنشرها وتعليق حواشيها رشيد الحوري الشرتوني، بيروت، المطبعة الكاثوليكية، 1901، ص 184.

[23] -  الحصروني، الأب يوسف ابراهيم الحوراني: تاريخ أديار معاملة الجبة، أشرف على نشره المحترم الأب يوسف الخـوري (ر.ل.م.)، منشورات اليـوبيل المئوي الثالث للرهبانية المارونية اللبنانية (1695 – 1995)، دير مار انطونيوس – غزير (لبنان)، 1998، ص 157.

[24] -  المرجع السابق، حاشية رقم 1، ص 157.

[25] -  كرم، الأب مارون: تاريخ الملكية...، مرجع سابق، ص 50.

[26] -  يروي الأب مارون كرم اللبناني اعتراض أهالي بينو الأرثوذكس على تملك الرهبنة المارونية لكنيسة مار جرجس – دير جانين، بعد أن سلمها لهم مطران أبرشية طرابلس بولس موسى. فهو يقول: "وعندما أحس أهل قرية بينو بتملك الرهبان وبمباشرتهم في البناء والترميم هاجموهم وأوسعوهم إهانة وقذفاً وضرباً (ليس الأمر جور المسلمين ولا الحكام، إنه صراع مسيحي – مسيحي، فلماذا لانسمي الأمور باسمائها؟!)، وهدموا كل ما كانوا رمموه من الكنيسة وبنوه من غرف. فاضطرت الرهبانية، محافظة على أرواح بنيها ورسالتها وحقوقها، إلى الإلتجاء إلى المحاكم، وقاست خسائر مالية فادحة حتى حُكم لها! واستأنفت بناء الكنيسة والدير وهي لا تأمن على حياة رهباننا!"، مرجع سابق، ص 53. وهو يوضح: "يُقال أنه كان للموارنة كنيسة في بينو، ولأهل بينو كنيسة مار جرجس، وجرت المقايضة بهما سابقاً بتراضي أهل البلدتين" (حاشية رقم 1، ص 53). يؤكد نفس الموقف في ادعاء أهل بينو الأرثوذكس امتلاكهم للكنيسة الأب يوسف ابراهيم الحوراني الحصروني، في مؤلفه المذكور سابقاً، ص 599. كما يذكر ذلك الأب نايف اسطفان، في مؤلفه "تاريخ أبرشية..."، مرجع سابق، ص 324و325.

[27] -  راجع: E. REY: Les Colonies...,op. cit.,p.365.  شددنا نحن على كلمة aujourdhui  لأن الكاتب يعني بها أن قرية السنديانة كانت، في زمن كتابته لمؤلفه، أي أواخر القرن التاسع عشر، قرية أرثوذكسية: aujourdhui un village grec  إنها الآن قرية أرثوذكسية. ولكن الأب نايف اسطفان لم يذكر السنديانة في عداد المواضع الأرثوذكسية، في كتابه عن أبرشية عكار (مرجع سابق).

[28] -  تتكرر الحكايات القائلة بأن فلاناً (هو المرحوم طبعاً) بينما كان ماراً بالقرب من هذه المطحنة، سمع قرع الطبول وأصوات الزغاريد، وشاهد رقص الجموع، ولما اقترب دعته، باسمه وكأنها تعرفه، أجمل راقصة ليشارك في الفرح. فلبى الدعوة وجلس. وكان عجبه شديداً لما شاهدها ترقص مزهوة بثوب زوجته. وأراد أن يتحقق من صحة ظنه بشأن الثوب، فعمد، على غفلة منها، إلى إحداث ثقب في الفستان بواسطة طرف سيجارته. وعندما رسم إشارة الصليب اختفى الجميع، وعادت الأمور إلى هدوئها المعهود. وأسرع إلى منـزله، واتجه فوراً إلى الخزانة ليتفقد الثوب، فوجده مثقوباً! يدخل الإعتقاد بوجود الجن في الماء في سياق "تقديس المياه" وآلهتها، واعتبارها مسكناً للأرواح.

[29] -  الدويهي، البطريرك اسطفان: أصل الموارنة، مرجع سابق، ص 185: "قول سمعان بن شمعة القبياتي في الميمر الذي في سنة... 1557م ولفه عن البطرك موسى العكاري".

[30] -  راجع: KHALIFE, Issam: des Etapes Decisives dans l`Histoire du Liban, Beyrouth, p.40 et 42.     

[31] -  فريحة، أنيس: معجم...، مرجع سابق، ص 108. نستبعد إمكان نمو الأرز في هذا الموضع لقلة ارتفاعه، فهو لا يتجاوز 600م، مما لا يسمح بانبات شجر الأرز.

[32] -  المرجع السابق، ص 108.

[33] -  الحموي، ياقوت: معجم...، مرجع سابق، ج 4، ص 47.

[34] -  أبو العينين، حسن سيد أحمد: لبنان: دراسة في الجغرافيا الطبيعية...، مرجع سابق، ص 638.

[35] -  الحموي: معجم...، مرجع سابق، ج 4، ص 47.

[36] -  المرجع السابق، ص 47 – 48.

[37] -  معنى الحميرة عند الأبوين أرملة وحبيقة هو خمير، راجع: "الدواثر السريانية في لبنان، أسماء القرى السريانية اللبنانية"، مجلة المشرق، السنة37، 1939، ص 397.

[38] -  كل نصوص فريحة هنا من مرجعه المذكور سابقاً: معحم...، ص 59.

[39] -  الحموي، ياقوت: معجم...، مرجع سابق، ص 307. يذكر أيضاً مواضع باسم "حِميَر"، ولا نرى ربطاً بين التسميتين.

[40] -  سعادة، الأب اغناطيوس (م.ل.): "الرسامات في شرطونية المطران اغناطيوس الخازن من 1788 إلى 1819"، المنارة، السنة 30، 1989، العدد الثالث، ص 362.

[41] -  عندما نذكر الأرشيف العثماني يجب أن نتذكر أننا نعني جملة كاملة من الإجراءات المتكاملة التي تطال مجمل البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتنظيمية (الادارية) في الامبراطورية العثمانية. لقد كانت هذه البنية من أكثر أشكال التنظيم تطوراً، بعكس ما يتبادر إلى الذهن عادة من أن "التركي" يعني الفوضى والتسيب. وعلى هذه المسألة علق ولرس WEULERSSE قائلاً (Paysans de Syrie. . ., op. cit.,p.59. ): L`Occident est en general sévère pour les turcs, il leur attribue généreusement la misère des paysans,. . . Pareil jugement resulte d`une erreur d`optique. . . les turcs recueillent pour ainsi dire la succession de toutes les puissances vieillies et decadents de l`Asie et sur ces debris ils élèvent la construction politique la plus stable qu`ait connu l`Islam depuis l`Empire romaine. Pendant quatre siècles il assura à ce pays la sécurité et donna aux peoples les plus divers, du Caucase au Soudan, une remarquable cohesion interne. Ce n`est point là, une oeuvre mediocre. . . أما د. خليفة فيصف الأرشيف الذي اشتغل عليه بقوله: "... تندرج هذه الوثائق، بشكل رئيسي ضمن دفترين من دفاتر الطابو مفصل، وهما يتضمنان الاحصاءات التي قامت بها الادارة العثمانية لولاية طرابلس عام 1519 وعام 1571. والاحصاء للضرائب والسكان تقليد إداري قديم العهد اعتمدته الدولة العثمانية، وكانت العملية الاحصائية تجري كل 30-40سنة، وقد أطلق عليها بنو عثمان "ويركي ونفوس صاييمي" أي "إحصاء الضرائب والسكان"... (أبحاث في تاريخ لبنان في العهد العثماني، 1995، بدون تعيين دار نشر).

[42] -  إن ما قام به د. عصام خليفة على درجة عالية جداً من الأهمية. لقد أعطى للتأريخ، لا سيما التأريخ للشمال، مادته العينية الفعلية. ولقد كان بعمله هذا إنما يقوم بما على الحكومات، وبشكل خاص وزارة الثقافة والتعليم العالي، السعي إليه ورعايته، نقصد نقل الأرشيف العثماني إلى العربية ووضعه بتصرف الباحثين.

[43] -  خليفة، د. عصام: الضرائب العثمانية في القرن السادس عشر، بيروت، 2000، ص 7: "إحصاء عام 1519 ورد في الدفتر المفصّل رقم 68 الموجود في أرشيف رئاسة الوزراء في اسطنبول"؛ وفي الحاشية رقم 1 من نفس الصفحة جاء: "حول مضمون هذا الدفتر، يمكن مراجعة: د. عصام خليفة: لبنان في أرشيف اطنبول، بيروت 1996، ص 17. كما يمكن مراجعة د. عصام خليفة: أبحاث في تاريخ شمال لبنان في العهد العثماني، بيروت، 1995، ص 9". 

[44] -  خليفة، د. عصام: في مقابلة لنا معه زودنا بهذه المعلومة وبكثير سواها، نقلاً عن ما بحوزته من الأرشيف المذكور.

[45] -  يتم احتساب مجموع نفوس النصارى بضرب عدد المتزوجين من دافعي الجزية بالرقم 6، ويُضاف إليه عدد دافعي الجزية من غير المتزوجين، ثم تُضاف نسبة 10% كاحتمال للخطأ من المتهربين من التسجيل. (حصلنا على هذه القاعدة من مقابلتنا مع د. عصام خليفة)، راجع أيضاً مداخلته في أعمال المؤتمر الأول لتاريخ جبة بشري، مرجع سابق.

[46] -  خليفة، د. عصام: مقابلة لنا معه.

[47] -  خليفة، د. عصام: الضرائب...، مرجع سابق، ص 129.

[48] -  اعتبرنا جميع كسور الأرقام أرقاماً صحيحة.

[49] -  راجع: خليفة، د. عصام: شمال لبنان في القرن السادس عشر، جوانب من الحضارة المادية بيروت، 1999. كما أن د. خليفة زودنا مشكوراً ببعض المعطيات غير المنشورة عن إحصاء العام 1519.

[50] -  المرجع السابق، ص 41. كان انتاج الحنطة في العام 1519 بقدر 8 مكوك، وكانت الضريبة تعادل 800 أقجة موزعة: 400 حصة تيمار أولاد نافح صدر الدين و400حصة عمر يحيى. وهنا نفهم أن البلدة كانت تيمارية، وبالتالي يجب استبعاد فرضية امتلاك "ابن شمعة القبياتي" لمطحنة شمعا. 

[51] -  المرجع السابق، ص 85.

[52] -  المرجع السابق، ص 122.

[53] -  المرجع السابق، ص 168.

[54] -  مقابلة لنا مع د. خليفة.

[55] -  المرجع السابق، ص 140.

[56] -  المرجع السابق، ص 56.

[57] -  المرجع السابق، ص 100.

[58] -  القسم الأول من الاسم يعني المنخفض أو الوادي. ويرى فريحة (في معجم...، مرجع سابق، ص 182) أن الاسم قد يكون عربياً . غير اننا نميل إلى اعتباره آرامياً سريانياً...: أودية، سواقٍ بين الجبال تجف صيفاً، مضائق...".ويوافق د. عبدالله الحلو (تحقيقات...، مرجع سابق، ص 540،) على هذا التفسير: "ويعني: الوادي أو المسيل والمجرى". يذكر ياقوت الحموي (معجم البلدان، مرجع سابق، ج 5، ص 275) نحلة في البقاع، ولا يفسر فيها سوى قوله: "نحلة واحدة من النحل".

[59] -  فريحة: معجم...، مرجع سابق، ص 66. وفي موضع آخر يذكر فريحة الأسماء التالية: "شواتا" و"شوايا" و"شويا" و"شويت"، ويردها جميعها إلى جذر سرياني واحد Shewa . وكلها تعني: "الأرض الممهدة المسواة والمنبسطة من جذر Shewa  (ص 99-100)، وهناك أيضاً "بشوات" وهي: "... bet shuita أو... shawyâta  أي مكان ممهد وسوي منبسط من جذر shewa ويقابله في العربية سوي" (ص 24).

[60] -  مرهج، عفيف بطرس: موسوعة...، مرجع سابق، ج 6، ص 276: أصل هذا الاسم (شويت) : "shuita . الأرض الممهدة الرتيبة للزرع، من جذر shwa سوى، متساوٍ". ويعتبر أصل اسم شويتا سرياني محض shewayya  جمع shewé وهي اسم مفعول من shewa : ممهد وسهل ورتب، فيكون معنى الاسم الأرض الممهدة... (ج 6، ص- 271-272).

[61] -  KHALIFE, Issam: Des Etapes. . ., op. cit., p. 36.

[62] -  تعرض أحد أهم المواقع الأثرية في شويتا إلى عملية تدمير شبه شامل بنقل حجارة كنيسة مرقيان وقصره إلى بلدة البيرة وعكار العتيقة ودير الآباء الكرمليين في القبيات (بمشاركة هؤلاء الآباء طبعاً، فالكنيسة غير كاثوليكية)، وهذا ما يعبر عنه الخورسقف الزريبي (لمحة تاريخية، مرجع سابق) بقوله: "وهذا الهرم (بعلو ما ينيف عن أربعين ذراعاً) قد هدمه محمد بك العبود من البيرة وعلي آغا الأسعد من عكار والبادري ماري إيسوس كرملتاني وأخذوا حجارته للبناء وذلك سنة 1870". ومنذ بضع سنوات تم نقل مجموعة أخرى من حجارته لترميم كنيسة مار جرجس شويتا، مما شوه الكنيسة هذه وزاد في محو معالم موقع مرقيان.

[63] -  ثمة موقعان أكثر قدماً: مار شليطا في حلسبان، والتل الذي يقوم عليه حالياً دير الآباء الكرمليين. ولكن الكلام عليهما حديث نسبياً. فالأول لم يرد له ذكر قبل: RENAN: Mission de Phénicie, op. cit. p.116، في أواخر القرن الثامن عشر، والثاني في: GHADBAN, Chaker: Deux Inscriptions Inédites de Djebel Akroum dans le Haut Akkar (Liban), MUSJ, pp. 567-578.  بينما ورد الكلام على شويتا وكنيسة مريق فيها منذ القرن الثامن عشر، لا سيما في الحوليات المارونية. وتذكرها المحفوظات العثمانية منذ القرن السادس عشر.

[64] -  فهد، الأباتي بطرس: كتاب الهدى، دستور الطائفة المارونية في الأجيال الوسطى، تحقيق، منشورات دار لحد خاطر، بيروت، 1985.

[65] -  حرفوش، الأب ابراهيم: "الأديار القديمة في كسروان"، المشرق، السنة السادسة، العدد3، العام 1903، ص 118. ويضيف الأب حرفوش: وبهذه العبارة ينتهي المجلد: "انكتب في شويتا قرية من ناحية عكار وهوبرسم كاتبه الشماس سمعان ابن القس هارون من قرية حدشيت من جبة بشري..."، ص 123. كرر الأباتي بطرس فهد لدى تحقيقه هذا المخطوط ونشره (كتاب الهدى...، مرجع سابق، ص 62، 63، 65) نفس العبارات الواردة عن شويتا.

[66] -  إن جميع المعطيات الواردة عن شويتا وفق الإحصاءات العثمانية لعام 1519 تفضل بتزويدنا بها، مشكوراً، الدكتور عصام خليفة.

[67] -  خليفة، د. عصام: الضرائب...،مرجع سابق، ص 129. يجدر بنا هنا أن نذكر أن اسم شويتا لم يرد في هذه الإحصاءات، بل ورد اسم رشوت، ولعلها هي شويتا، كما رجح لنا المؤلف.

[68] -  حصلنا على هذه المعطيات من مقابلة لنا مع د. عصام خليفة. أن تكون شويتا تيماراً لمحمد بن سيفا ففي ذلك ما يعني ارتباط هذه القرية بعكار العتيقة حيث كان مركز آل سيفا. ولعل في ذلك ما يأتي مصدقاً لما ذكره الخورسقف الزريبي من دور لآل سيفا في إعمار القبيات ومن أن كل توتة قديمة يُقال لها سيفلية.

[69] -  المرجع السابق.

[70] -  خليفة، د. عصام: شمال لبنان...، مرجع سابق، ص 41. لم يسجل فيها وجود مطاحن (ص 56).

[71] -  المرجع السابق، ص 168.

[72] -  المرجع السابق، ص 140.

[73] -  المرجع السابق، ص 85.

[74] -  KHALIFE, Issam: Des Etapes. . ., op. cit., p.36.

[75] -  مقابلة لنا مع د. عصام خليفة.

[76] -  نصرف النظر عن الخوض في صحة الرواية القائلة بأن يوستنيان الثاني الأخرم كان قادراً على خوض غمار كل هذه الغارة الواسعة، في العام 694، في ظل السلطة الاسلامية. ولكننا نستفيد منها في إشاراتها إلى مذاهب المسيحيين في بلادنا.

[77] -  موراني، الأب عفيف: مرجع سابق بالفرنسية، ص 19.

[78] -  يعتمد الأب موراني كتاب البطريرك الدويهي "تاريخ الطائفة الماروني" الذي نشره رشيد الخوري الشرتوني، عن المطبعة الكاثوليكية، بيروت، عام 1890. ماذا نقرأ في هذا المرجع حول هذا الموضوع؟: "وقد تبين أن موريق قُتل في الغارة... فأخذه الملكية ودفنوه في قرية أميون وأقاموا على اسمه كنيسة وفي كل سنة يعيدون له بها في السادس والعشرين من تموز. وأما مرقيان فحملوه من المعركة جريحاً إلى قرية شويتة التي في بلاد عكار فمات هناك وهم يعيدون له في الكنيسة التي بنوها هناك على اسمه". ورد هذا النص في الصفحة 86، من المرجع المذكور، وليس في الصفحة 211، كما ذكر الأب عفيف. فهل في هذا الكلام ما يفيد أن أهالي شويتة هم موارنة أم من خصوم الموارنة؟ وهل شويتة قسم من القبيات أم قرية قائمة بذاتها؟ وإذا كان هذا القائد قد أرسله يوستنيان الثاني الأخرم ليقتص من الموارنة، فهل يُعقل أن يبني له سكان شويتة كنيسة وقصراً وقبراً، ويعيدون له كما يعيد بقية الملكية؟ ورد ذكر هذه الحادثة على لسان البطريرك الدويهي في مؤلفه "أصل الموارنة"، وعنه كررها معظم من أرخ للموارنة لا سيما من المؤرخين الموارنة وخاصة رجال الدين.

[79] -  سلوم، د. فوءاد: "القبيات مارونية..."، مقال مذكور سابقاً، ص 35 و37.

[80] -  الدويهي، البطريرك اسطفان: أصل الموارنة، حققه وقدم له الأب أنطوان ضو، منشورات مؤسسة التراث الأهدني، أهدن، لبنان، 1973، ص 185.

[81] -  المرجع السابق، ص 134.

[82] -  عبدالله، جوزف: "بلدة القبيات" (ملف)، مقال مذكور سابقاً، ص 35.

[83] -  المرجع السابق، ص 56، حاشية رقم 15.

[84] -  لاحظوا الحادثة تعود للعام 694م، والسبد يواكيم الحاج يحدثنا عن "الحدود اللبنانية السورية" التي وضعها الفرنسيون سنة 1920!

[85] -  عند هذه العبارة يعين السيد الحاج حاشية لكلامه، رقمها 2، ص 437 من الجزء الثاني من كتابه. ماذا نقرأ في هذه الحاشية؟: "الدويهي: أصل الموارنة، ص 184 – 185. ثم يذكر نصاً للبطريرك الدويهي: "...قُتل موريق وأخذوا دفنوه أهل الكورة في أميون. وأُصيب موريقيان رفيقه. فحمل به القوم إلى قرية شويتا في ناحية عكار. فمات هناك وبقية العسكر انهزموا هزيمة قبيحة". ما الذي انتزعه السيد يواكيم الحاج من النص وأخفاه؟ هو بالضبط الكلام الذي يشير فيه البطريرك الدويهي إلى أن أهل شويتا وأميون بنوا كنيسة في أميون وكنيسة أخرى في شويتا. الأولى لموريق، والثانية لمرقيان، وأنهم أهل أميون وشويتا كرسوا عيداً لموريق وموريقيان في 26 تموز. "فأقاموا كنيسة لمرقيان في شويتا... وفي كل سنة يعيدون له في السادس والعشرين من شهر تموز... كما حلفوا على يد موريق وموريقيان القواد الذين قادوهم إلى اعتقاد المشيئة الواحدة". هكذا لو أنه نقل كل كلام الدويهي لوجد القارئ أهل شويتا على غير مذهب الموارنة، ومن أنصار الملكية أو المشيئة الواحدة. ولما كان هذا الكلام يناقض "الأصالة المارونية" للقبيات، فإن اختراع هذه "الأصالة" يلزمه بعض التزوير، والبطريرك صدره واسع!

[86] -  الحاج، يواكيم: عكار في ...، ج2، مرجع سابق، ص 437.

[87] -  الدويهي، البطريرك اسطفان: أصل الموارنة، مرجع سابق، ص 183 حتى 185. راجع أيضاً: الخوري منصور طنوس الحتوني، نبذة تاريخية في المقاطعة الكسروانية، مرجع سابق، ص 411: "... حتى دخلت القواد مدينة طرابلس... ثم نزلوا الوطى الحافي الوطى الذي بين اميون وبين قرية الناووس الذي تحت ذيل الجبل... وقتل موريق في الغارة... واما مرقيان تصوب في تلك الوقعة وحمله العسكر الى قرية شويتى التي في بلادعكار. ومات هناك ويعيدون له في الكنيسة التي انشأوها باسمه". وآخرون كثر كرروا نفس الخبر وحددوا مكان المعركة حيث جرح مرقيان بأنه في الكورة لا في سهل عكار.

[88] -  هي النقطة الواقعة في موقع الفصل من الجنوب بين حي الضهر وحي غوايا، قبيل مقهى العرايش.

[89] -  راجع مناقشتنا له حول مذهب شويتا الواردة أعلاه.

[90] -  راجع حول "قصر كليب" و"نبع الجعلوك"، ما ذكرناه عنهما في فصل: في من استوطن عكار والقبيات...".

[91] -  راجع حول نهاية آل سيفا: طنوس الشدياق: أخبار الأعيان في جبل لبنان، منشورات دار نظير عبود، الصفحات  129 و130 و131؛ جوزف اليان: بنو سيفا ولاة طرابلس، 1579-1640، منشورات دار لحد خاطر، بيروت. ولقد وصف المحاسني في، "رحلته"، التدمير الذي لحق بأملاك آل سيفا : "ورأيت بيوت بني سيفا، من أذاقهم الله تعالى بعد عزهم ودولتهم انقراضاً وحيفا، في غاية الإحكام من البناء إلاّ أن الأمير فخر الدين ابن معن حرّق بعضها وأخرب بعضها، وآلت إلى الدثور والفناء،..." (ابن محاسن: المنازل المحاسنية في الرحاة الطرابلسية...، مرجع سابق، ص 53). أما أحمد الخالدي الصفدي فهو يصف كيفية تدمير وحرق الأمير المعني لأملاك آل سفيا، قائلاً بأنه حرق: "جميع بيوت وسرايا عكار وعين المعلمين والقلاّعين لهدم حارات ابن سيفا وكانت حارات معتبرات، أخرج عليها أموال عظام، واستمر المعلمون في هذا الهدم أكثر من شهر حتى هدموا حارته وحارات توابعه وأقاربه فحصل لهم قهر وأي قهر"، (تاريخ الأمير فخر الدين المعني، تحقيق د. أسد رستم ود. فؤاد افرام البستاني، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 1969، ص 78.

[92] -  SANLAVILLE, Paul: Etude géomorphologique de la region littorale du Liban, Tome I, Publi. de l`Université Libanaise, Beyrouth, 1977, p.4.

[93] -  GHADBAN, Chaker: Deux Inscriptions. . .,M.U.S.J., XLVIII, art. cit., P.567: La ville actuelle de Qoubaiyat recouvre un tell du 2e millénaire. Ce tell est situé sous le couvent des Carmes. J`ai fait en1967 l`acquisition pour le Musée Nationale de Beyrouth de quelques petits objets en provenance de ce tell: flèche en bronze, fragment d`un mortier en Pierre noire orné aux angles de deux protomes de taureaux, et quelques tessons de poterie. Tous ces objets datent du Bronze III.

[94] -  فريحة، أنيس: معجم...، مرجع سابق، ص 128. وتحت اسم "قبيات غوايا"، وهو اسم لنفس الموضع يقول إن "غوايا هو السرياني gawwaya : الداخلي"، (ص 135).

[95] -  المرجع السابق، ص 129.

[96] -  الحاج، يواكيم: مرجع سابق، ج 2، ص 105.

[97] -  المرجع السابق، ص 105 – 106.

[98] -  فريحة: معجم...، مرجع سابق، ص 175.

[99] -  المرجع السابق، ص 50.

[100] -  المرجع السابق، ص 50.

[101] -  المرجع السابق، ص 164.

[102] -  الحموي، ياقوت: معجم...، مرجع سابق، ج 2، ص 316.

[103] -  فريحة: معجم...، مرجع سابق، ص 92.يذكر ياقوت الحموي ثلاثة أسماء: سَيحان وسَيح وسَيحون وكلها تدل على مجاري مائية أو أمكنة للمياه، معجم البلدان، مرجع سابق، ج 3، ص 293 و294.

[104] -  فريحة: المرجع السابق، ص 135.

[105] -  المرجع السابق، ص 166.

[106] -  المرجع السابق، ص 166.

[107] -  المرجع السابق، ص 159.

[108] -  فرماج، الأب بطرس: مروج الأخيار...، المطبعة اليسوعية، بيروت، ط 2، 1880، ص 792-793. يجمع مؤرخو القديسين والحياة الدينية على هذا التفسير لاسم مرتمورة.

[109] -  فريحة، معجم...، مرجع سابق، ص 114. 

[110] -  أرملة وحبيقة: مقال سابق، المشرق.

[111] -  الحموي، مرجع سابق، ج 4، ص 96 و97 و98.

[112] -  بن متى، عمرو: أخبار فطاركة كرسي المشرق، من كتاب المجدل، طبع في رومية الكبرى، سنة 1896 مسيحية، ص 12. جاء غلاف الكتاب باللاتينية (مع مقدمة باللاتينية أيضاً) على الشكل التالي: Maris Amri et Slibae, de Patriarchis Nestorianorum,Commentaria, ex codicibus vaticanis edidit Henricus Gismondi S. J., Romae, excudebat F. de Luigi, MDCCCXCVI (1896).

[113] -  راجع حول "الموارنة النساطرة": الخوري ميخائيل عبدالله غبرئيل الشبابي الماروني، تاريخ الكنيسة الأنطاكية السريانية المارونية، المجلد الثاني، القسم الثاني، المطبعة اللبنانية في بعبدا، 1906، خاصة الصفحات من  401 إلى 436.

[114] -  BRWON, John Pairman: The Lebanon and Phoenicia, Beirut,1969, p.34.

[115] -  راجع حول إقامة التركمان في القبيات والجوار: د. سلوم: دريب عكار...، مرجع سابق، حيث يؤكد هذه الإقامة بالاستناد إلى وثائق مطرانية طرابلس المارونية. من السخرية أن يكون الدكتور المذكور هو مرجعنا في إثبات إقامة التركمان في القبيات وهو الذي كان يسخر من هذه الفرضية. لم نتمكن من مراجعة هذه الوثائق رغم الجهود التي بذلها أمامنا الأب فريد حبقوق في مكتبة المطرانية في كرم سدة.

[116] -  الزريبي، الخورسقف: لمحة تاريخية، مرجع سابق.

[117] -  اسحق، فوزي نقولا: القبيات، دراسة سكتنية – اقتصادية – اجتماعية، رسالة ماجستير، الجامعة اللبنانية، كلية الآداب والعلوم الانسانية، الفرع الثاني، 1982، ص 19: "يوجد حجر أمام كنيسة سيدة شحلو، من المعتقد أنه حجر وثني كما أفاد شفهياً عالم الآثار الأب تالون إلى السيد فؤاد بطرس، أثناء دراسته لآثار المنطقة".

[118] -  الزريبي، الخورسقف: لمحة تاريخية، مرجع سابق. لم نجد في معاجم اللغة معنى لكلمة "زور" يفيد للدلالة على موقع جغرافي، وأقرب ما في معنى الزور هو للإعوجاج أو تقويمه، ولا نجد ربطاً ما بين اسم الحي والإعوجاج. ولم يذكر فريحة في معجمه لفظة "زور"، أو ما هو قريب منها. وفي "معجم ما استعجم" للبكري، (مرجع سابق، ج 2، ص 704 و705 و706) "زَوراء"، و"الزّوراء" و"زُورة" أسماء مواضع، لم نراها مناسبة للمقارنة. بيد أن ياقوت الحموي يقول: "الزَّور: بفتح أوله، هو الميل والاعوجاج، والزور أيضاً الصدر: موضع في شعر ابن ميادة، وقال نصر: الزور...، موضع بين أرض بكر بن وائل وأرض بني تميم على ثلاثة أيام من طلح. والزور أيضاً: جبل يُذكر مع منور جبل في ديار سليم بالحجاز..." زُور:..، معناه الباطل: موضع ...، والزُّور: صنم كان في بلاد الدوار من أرض السند من ذهب مرصع بالجواهر..." (معجم...، مرجع سابق،  ج 3، ص 157). 

[119] -  فريحة: معجم...، مرجع سابق، ص 86.

[120] -  دروزة، محمد عزة: العرب والعروبة، ج 1، دار اليقظة العربية، دمشق، 1959، ص 280.

[121] -  المعلوف، عيسى اسكندر: دواني القطوف في تاريخ بني المعلوف، المطبعة العثمانية في بعبدا، لبنان، 1907 – 1908، ص 192: "أزواق (منازل) التركمان".

[122] -  مكي، محمد علي: لبنان من الفتح العربي حتى الفتح الاسلامي (635 – 1516)، دار النهار للنشر، بيروت، 1977، ص 242: "وقد اهتم المماليك ببناء الأبراج على طول الساحل اللبناني وفي الجبال المطلة عليه وشحنوها بالجنود النظامية، (وما يزال اسم برج مستعملاً في كثير من المناطق اللبنانية، برج حمود، برج أبو حيدر) وأنشأوا على طول الساحل أبراجاً صغيرة سموها أذواق (المفرد ذوق، مثل ذوق مكايل) وفيها قوة صغيرة من الجند دون العشرة جنود، وكانوا يسمون هذه القوة الصغيرة بالدرك".

[123] -  راجع في الوثائق الملحقة السندات التي تثبت الملكية السابقة لأهل عيدمون لهذه المزرعة.

[124] -  مخطوطات من دير الآباء الكرمليين (القبيات) جمعها وصنفها، بدون ترقيم أو تقديم، الأب الكرملي ميشيل حداد، في: Manuscrits Collectionnés et Rassemblés par le P. Michel HADDAD Carme Libanais.  راجع : الوثائق في الملحق.

[125] -  عبدالله، جوزف: "بلدة القبيات..."، الشمال، مقال سابق، ص 34.

[126] -  يتحدث عنهم وكأنهم عناصر المخافر في قوى الأمن الداخلي. ألا يعرف أن هؤلاء كانوا يقيمون مع عائلاتهم، وغالباً ما كانوا مجموعات قرابية؟

[127] -  سلوم، د. فؤاد: "القبيات ..."، الشمال، مقال سابق، ص 34. كأن د. سلوم اقشعر بدنه لذكر احنمال إقامة التركمان في بلدته فاستعان ب"جميع القديسين" تعويذاً لطرد الروح التركمانية من أرض "الأصالة المارونية". وهويعرف الآن أن كنيسة مار شليطا في عندقت مبنية فوق أحد أبراج التركمان، وبحجارته أيضاً!

[128] -  بالطبع دون أن يكلف نفسه عناء النقد الذاتي، اتهام الآخرين، جزافاً، بالتزوير صواب. النقد الذاتي باكتشاف قصور المعرفة وتجاوزه، عيب.

[129] -  سلوم، د. فوءاد: دريب – عكار...، مرجع سابق، ص 104. علق مطانيوس شاهين غربية على موقف سلوم من إقامة التركمان في القبيات قائلاً: "لم يعد مقتنعاً أن "القبيات مارونية أصلاً واستمراراً"، الشعلة، 2/7/1993، ص 118.

[130] -  البيسري، الخوري يوحنا حبيب: لمحة من تاريخ سيدة الغسالة العجائبية، (بدون ناشر)، 1984، ص 13.

[131] -  فريحة: معجم...، مرجع سابق، ص 166.

[132] -  يذكر ياقوت الحموي (معجم...، ج 5) مرغاب، ومرغبان، ومرغينان.

[133] -  القزويني: آثار البلاد...، مرجع سابق، ص 564. كما يذكر القزويني: "مورجان: "من أعمال فارس. بها جبل فيه كهف يقطر الماء من سقفه، زعموا أن عليه طلسماً، وإن دخل ذلك الكهف واحد خرج من الماء ما يكفيه، وإن خرج ألف خرج قدر حاجة الألف".

[134] -  فريحة: معحم...، مرجع سابق، ص 4 – 5.

[135] -  خليفة، د. عصام: des Etapes .. ., op. cit., p. 40.

[136] -  المرجع السابق، ص 44.

[137] -  عبدالله، جوزف: "بلدة القبيات"، مقال سابق، ص 34. وكان مرجعنا في النص الذي أوردناه: تميمي وبهجت: ولاية بيروت، ج 2، مرجع سابق، ص 131.

[138] - سلوم، د. فوءاد: "القبيات مارونية..."، مقال سابق، ص 35.

[139] -  المرجع السابق، ص 35.

[140] -  يعتمد الأب موراني (في: مرجع سابق بالفرنسية، ص 113)، تقريباً، نفس الموقف الذي بقفه د. سلوم من اسم القطلبة، والإثنان يرجعان إلى نفس المرجع: أرشيف مطرانية طرابلس المارونية، سيامات المطران اسطفان عواد. لكن الأب موراني يعود بوجود "بيت سعاده" إلى زمن أسبق بكثير من زمن البطريرك موسى سعادة العكاري، إنه يرجع به إلى زمن الصليبيين، إلى القرن الثاني عشر (هكذا تكون "الأصالة المارونية" أعمق). بيد أن هذا المرجع (ارشيف مطرانية طرابلس) يطرح مسألة يتحاشى طرحها الإثنان: إسم كنيسة القطلبة، أو "مزرعة بيت سعاده". لقد ورد النص المتعلق بموضوعنا كما يلي: "قد رسمنا ولدنا ابراهيم طنوس فهد من القبيات مرتلاً وقارئاً وشمعدانياً ورسايلياً وانجيلياً في 5 أيار 1880، وفي 15 منه رسمناه كاهناً في قداساتنا الاحتفالية في كنيسة كرسينا وعلى مذبح مرتمورا في مزرعة بيت سعاده في القبيات ودُعي أنطونيوس". إن كنيسة القطلبة معروفة اليوم باسم "سيدة النصر"، والكنيسة المذكورة في رسامة الخوري فهد هي كنيسة "مرتمورا"، والكنيسة التي يذكرها الأب موراني (المرجع السابق، ص 113، حاشية رقم 1) هي "مار يوحنا". فما هو الاسم الحقيقي لهذه الكنيسة؟ وكيف تحول الاسم إلى "سيدة النصر"؟ ومن أين أتى الأب موراني باسم "مار يوحنا"؟

[141] -  E. RENAN: Mission. . ., op. cit., p. 116.

[142] -  المرجع السابق، ص 117، حيث جاء ذكر المنطقة بوصفها "بالقرب من القبيات": Près de Cobbaiet, à Ellesbey.

[143] -  جاء شيء من التقارب بين وصف رينان ووصف الخورسقف الزريبي الذي يقول عن الأثر الموجود في حلسبان: "كونه يشبه بحجارته قلعة معراب بكسروان وهيكل أفقه عند مخرج نهر ابراهيم"، بينما يقول رينان: "لاحظت وجود كوة مربعة داخل الحائط شبيهة بتلك الموجودة في قلعة صربا" (المرجع السابق، ص 117).

[144] -  الأب موراني: مرجع سابق بالفرنسية، ص 186. قبل قليل يتحفنا الأب موراني بتوصيف ل"عين الست" الواقعة على مدخل وادي حلسبان، بقوله أن لمياه هذه العين خصائص "علاجية": "لا يجهلها سكان المحلة الذين يروون عنها أروع الحكايات" (المرجع السابق، ص 185). وفي الحقيقة هذا الكلام هو من ابتكار خيال الأب المذكور، فحسب. إن ل"عين القبو" في وادي عودين هذه السمات، ولكن "عين الست" معروفة بمكان "جلسته" مريحة، كمنتزه فقط. وليس من التقليد أن تُذكر العذراء مريم باسم "الست"، بل باسم السيدة، وإذا كانت عبارة madame, dame, Notre Dame  بالفرنسية تصح للدلالة على العذراء، ففي القبيات لا يقول أحد عن العذراء "الست"، بل "السيدة". وإذا كانت عبارة "ستنا مريم"، أو "ستي السيدة" مستعملة أحياناً بالصيغة التي أشرت إليها، بحيث تكون لفظة "الست" كقسم أول من كلمة مركبة، فإن لفظة "الست" غير مستعملة لوحدها للدلالة على المواقع المقدسة. وفي القبيات، حيث معظم الكنائس على اسم العذراء، لا يقول الناس: كنيسة الست مرتمورة، بل سيدة مرتمورة؛ ولا كنيسة ست الضهر، بل سيدة الضهر؛ ولا كنيسة ست الحبل بلا دنس، بل سيدة الحبل بلا دنس؛ ولا كنيسة الست الغسالة الجائبية، بل سيدة الغسالة العجائبية؛ ولا كنيسة ست النصر، بل سيدة النصر؛ ولا كنيسة ست الشنبوق، بل سيدة الشنبوق؛ ولا كنيسة الست شحلو، بل سيدة شحلو. ولو أن "عين الست" كانت على صلة بالعذراء لقيل فيها "عين السيدة". ولكن الرغبة باختلاق القداسة في كل شيء في القبيات، جعلت الأب المحترم يضرب عرض الحائط ب"التقليد" فيقوِّله ما لم يقله، وينسب إليه ما لا يعترف به.

[145] -  سلوم، د. فؤاد: دريب...، مرجع سابق، ص 96.

[146] -  عبودي، هنري س.: معجم الحضارات...، مرجع سابق، ص 213.

[147] -  RENAN: op. cit., p.117.

[148] -  راجع حول توصيف الأب موراني لهذا البناء، مرجعه المذكور (بالفرنسية)، ص 189 و190.

[149] -  فريحة، معجم...، مرجع سابق، ص 98.

[150] -  المرجع السابق، ص 92.

[151] -  الأب موراني، مرجع سابق، بالفرنسية، ص 203.

[152] -  المرجع السابق، ص 200. يعطي فريحة (معجم...، مرجع سابق، ص 58) معنى الحليب أو ما يقاربه للفظة "حلبا"، ويشاركه الرأي، تقريباً، د. عبدالله الحلو (مرجع سابق، ص 227).

[153] -  الحلو، د. عبدالله: المرجع السابق، ص 227.

[154] -  ثمة احتمال أن يكون الاسم على علاقة بمكان لتصنيع الفخار(علماً بأن المنطقة غير مشهورة بذلك)، يرى عفيف بطرس مرهج (موسوعة...، ج 6، ص 9) وهو يعالج اسم "ذوق الحبالصة" أن الاسم "حبالصة" قد يكون تحريفاً ل"حلبيسا" (halbisa): القوارير والجرار.

[155] -  يرفض الأب موراني (مرجع سابق، بالفرنسية، ص 213) اقتراح الأب لامنس باحتمال أن تكون التسمية على صلة باسم دير يعقوبي: "عودين"، ورد ذكره في المؤتمر الرابع عشر للمستشرقين؛ راجع: Actes du 11ème Congès des Orientalistes: Profession de foi adressé par les Abbés des Couvents de la Province d`Arabie à Jacques BARADEE, par M. TH. LAMY,pp. (117 -137)  . يتمسك الأب موراني بتفسير لفظة "عودين": "جمع سرياني لكلمة "عودو" (oudo) بمعنى "الغابة المقدسة" (مرجع سابق، ص 213). بالعودة إلى فريحة (معجم...، مرجع سابق، ص 119) جاءت "عودين (udin) ومفردها (uda): قضبان وعيدان". لا وجود لعنصر القداسة في هذا التفسير السرياني للاسم. فمن أين أتى به الأب موراني؟

[156] -  راجع الرواية في مؤلف الأب موراني السابق الذكر، ص 209 و207؛ تتحدث الرواية عن عاصفة ثلجية هبت على منطقة الجرد. حاول خوري مزرعة هناك دفع أبناء المزرعة لمغادرة المنطقة، فرفضوا. رحل الخوري مع قسم من السكان وبقي الآخرون هناك. وكان عند الخوري حمامتان. ترك واحدة طليقة، ووضع الثانية في الداخل. وفي الليل تفقد أحد الفلاحين منزل الخوري، فوجد الحمامة ميتة. كان يعرف أن عند الخوري حمامتان، فأدرك حكمة الخوري. نجا الخوري مع من رافقه ونزح إلى قرية ضهر صفرا، ومات أهل المزرعة الباقون. راجعنا بعد فترة شخص واحد من من استفسرناهم اأمر، ليقول لقد سمع مرة بذلك والبطرك ألقى حرماً على من يبقى في الجرد بعد شهري تشرين؟!

[157] -  فريحة، معجم...، مرجع سابق، ص 181.

[158] -   "وعرف آدم امرأته مرة أخرى فولدت ابناً وسمته شيتاً" (تكوين/4: 25)، "شيت، ابن آدم " (تكوين/ 5: 3).

[159] -  القزويني: آثار...، مرجع سابق، ص 385.

[160] -  الحموي، ياقوت: معجم...، مرجع سابق، ج 3، ص 166.

[161] -  المحاسني: المنازل المحاسنية...، مرجع سابق، ص 52: "ومررنا فيه على وادٍ مهيل يقال له وادي السبع وعلى كرم ساباط المشهور...".

[162] -  الحموي، ياقوت: معجم...، مرجع سابق، ج 3، ص 166.

[163] -  يعود للأب تالون الفضل باكتشاف هذا الأثر البابلي. راجع: M. TALLON (S.J.): Une Nouvelle Stèle Babylonienne au Akkar (Liban Nord), M.U.S.J., Tome XLIV, Fasc. I, 1968, p.7.

 

[164] -  سبقت الإشارة لهذين الموقعي. راجع: H. POGNON: Les Inscriptions. . ., op. cit.; H. LAMMENS: Notes épigraphiques. . ., Musée Belge, 1902, op. cit; P. RONZEVALLE: Rev. Bib., 1903, t. XII, p.600,604.

 

[165] - H. POGNON: op. cit.; Chaker GHADBAN: op. cit. ; R. MOUTERDE: M.U.S.J., t. XXXIV, 1957, op. cit.

[166] -  M. TALLON: Monumentes Romains. . .,M.U.S.J., T. XLIV, Fasc. V,  op. cit., P.51,62.

[167] -  المحاسني، مرجع سابق، ص 50 و51 و52.

[168] -  راجع الوثائق في الملاحق.

[169] -  جاء في "اللباب في تهذيب الأنساب، ج 1، ص 36": "الأدرعي:...، هذه النسبة لجماعة من العلويين ينسبون إلى الأدرع، وهو لقب أبي جعفر محمد بن الأمير الكوفي المعروف بالطبيب ابن ... علي بن أبي طالب، ..."

All Chapters of the book, click on the title to read it: 

Detailed Contents

Part2-Chap1

Part3-Chap1

Part4-Chap1

Introduction

Part2-Chap2

Part3-chap2

(Kobayatian Families)

Part4-Chap2

Part1-Chap1

Part2-Chap3

أحياء القبيات

Part4-Chap3

Part1-Chap2

 

References

2000 STAREAST, Inc. All Rights Reserved.

Webmaster Eng.Elie ABBOUD

Back