back to JD Documents

 

خُلقنا للحب


أمام الموت المحتّم، تصمت كلّ الحَضارات و تنتهي كلّ المَباهِج ويُدفن زمن الأرض مع الجسد البارد ليعود إلى ترابه، عارياً من كلّ شيء كما أتاها، لا غنياً ولا فقيراً، لا رئيساً ولا مرؤوساً. هناك، الكلّ يتشابه!


يتشابه، لا بل يتساوى الجميع أمام الله بحيث يتحقّق كلّ إنسان من هويّةِ بنوّته للآب - إن كان لم يأخذها على محمل الجدّ أو لم يكتشفها هنا على الأرض بعد- ويبكي على خيرٍ لم يفعلهُ وعلى حبٍّ لم يحيَه. يتأوّه ساعة لاينفع الندم ويخجل من النظر في عينيّ أبيه السماوي.


ألَمْ تُعطَ لنا الحياة كي نحياها بملء الحبِّ مع الآخر، بشراكة فرحٍ وعطاءٍ دون تَملمُلٍ أو تبجُّح؟ ألَم يُردنا شركاء له في الخلق؟


نعم وألف نعم! لقد أمّننا على حمل الثمار الحيّة داخلنا، وزوّدنا بالعقل والإرادة الخيّرة، ووهبنا روحه القدوّس كي لا نَضَلّ الطريق أو ننزلقَ في هوّة الأنانيّة والكبرياء أو ننحرِفَ وراء الذات "الدُنيا"، الغرائزيّة، الّتي لاتنفَكّ تُعرّينا من جمال النّفس والقيم والأخلاق الحميدة لِتُلْبِسَنا بِرفيراً كاذباً، "فنُسَلْطِنَ" كي نتسلّط، ويَفقد جسدنا "لُيونَةَ الانحناءَةِ "نحو الفقير إلى اللقمة أو الحبّ، حتى نحو مَن هُمْ الأقْرَب على قلوبنا. وننسى أن مكاننا الأول والأخير ينبغي أن يكون في "بيت أبينا السماوي" ("رثوا الملكوت المُعدّ لكم") حيث أعَدّ لكلّ إنسان مكاناً ("في بيت أبي منازل كثيرة").


ننسى أنّنا خُلقنا للحياة لا للموت. لا نتنبّه إلى ذلك المكان الّذي يُشَكَّلُ بمزيجٍ من إلتقاءاتٍ حياتيّة، وتضامن كلِّ من الحبّ والغضب والفرح والحزن الذي عشناه على مدى العمرِ قبل الرُقادِ الأخير!


باختصار، نتناسى أننا سوف لن نحمل بين أيدينا، إلى السماء، سوى باقة عواطفنا.


نتناسى أنّنا، في نظرة "السيّد الحبيب"، سوف نرى وجه الّذين أبغضناهم أو استغلّلناهم أو افترَينا عليهم، فنخاف من حكمهم علينا، سوف نقرأ السؤال في دموع من خَلَقنا إخوة وأبناء: "ماذا فعلت بزوجتك، بأولادك، بأبيك وأمّك الشّيخَين؟ كم أحببتهم؟ كم أحببت كلّ من كان بحاجةٍ إليك ولم تفعل؟"


نغفل حقيقة مواجهة نظرة الأمل تلك التي أطفأناها في عينِ فقير أو مريض، وبسمة الفرح التي حوّلناها يأساً على وجه طفوليّ. كلّ تلك الوجوه والنظرات سوف تديننا، سوف "تنتقم " من الخطيئة بالسلاح الذي طالما حملته : "سلاح الصبر والإيمان والرجاء".


نعم يا أبي، سوف نكتشف أنّك "كنت أنت" في كلِّ تلك الوجوه والنظرات كما كنت دومًا فيَّ ولم أحفل.


علّمني كيف أراك وأسمعك وألمس وجعك وأعيش فرحك في الآخر، وأعبدك بكلّ الحبّ"


بقلم جميلة ضاهر موسى
(أذكرني في ملكوتك/ في 14/2/2010)

 

"........... وبسمة قريبٍ تُشْعِره بقيمته كإنسانٍ محبوب...


لقد حرموه الحياة وهَنِؤا بوسائد الراحة. قتلوه حيًا وفرحوا. ما أقسى ذلك المجتمع الّذي يأخذ مكان الله، ويُقْصيه كي يتمادى في إبرام الأحكام، ويتجلْبَبْ بعباءات القضاة الظالمين المتأبّطين حقائب العدالة والرحمة، المعتصرين إيّاها بين "راحتيّ" الأذرع وقساوة القلب، متمسّكين بها مقفلةً لئلأّ تفلت منها الحرّية والكرامة إن فُتِحَت، فتهتزّ معادلاتهم وراحة بالهم المتزمّتة..."


جميلة ضاهر موسى
دعوة: إن أردت أن تطالع هذا الموضوع أو أيّ موضوعٍ آخر، أدعوك كي ترافقني إلى "
نشرة الأحد" من كلّ أسبوع.  ("
نشرة الأحد")

 


جميلة ضاهر موسى

jamileh.daher@hotmail.com