back to Cobiath-Arabic Edition

Related Link: Cobiath sous les Croisés

"القبيات وناحيتها زمن الصليبيين"

 

الترجمة العربية

ترجمة

الدكتور فؤاد سـلوم

دكتوراه في التاريخ

إجازة في اللغة العربية وآدابها

  

3- مار سركيس وباخوس

 

 

 

اقواس داخلية محراب مار سركيس الى الشرق من الداخل وعضادة حيطية الى اليسار الدير بين الاشجار وادي حلسبان الأخاذ من امام دير مار سركيس
       
حوض في صخرة البئر: تعال اشرب ما بقي من السطح والشجرة عليه بئر محفورة في الصخرة جزء من السور الخارجي الى الشرق

 

أ- الموقع

حزّات بيضاء توشّي الأخضر القاتم عند الأفق. إنّها تلّة مار سركيس الطباشيريّة، في مزرعة "بيت غريب[1]".

 

كان، هنا، منذ ما يقرب من عشرين عام، كوخان وحظائر متفرّقة. الآن، صار الكوخان والحظائر، قرية حديثة تتواصل مع بلدة عكار العتيقة بطريق شقّت منذ زمن يسير.

هنا تنبع العيون من كل جهة، لكن أعلى التّلة، حيث تشرف الكنيسة على القرية، يفتقر إلى الماء كلّيّ، ولهذا السبب نجد آبارا ً محفورة في الصّخور المجاورة للكنيسة.

 

ويتشابه الموقع مع المواقع الأخرى في الناحية. إنّه مصطبة على ظهر تلّة بين واديين. وظاهر أنّ جوانب التّلّة كانت محروثة، لأنّ جلولها المدرّجة، والتي تتسع وتضيق، والمكسوّة بالصنوبر العتيق، لا تزال مساندها المشيّدة بالحجارة بادية للعيان.

 

من أمام المعبد الذي يظلله الاخضرار، يمكن للنظر أن يتنزّه، شرق، عبر وادي حلسبان، ليرتمي، بعيد، على سلسلة جبل أكروم. وفي الشمال – الشرقي يمكن لنا أن نترسّم صورة حصن الفرسان عند الأفق، اذا كان الجو صافيا ً.

 

هل هذا هو الوادي الذي زحف خلاله بيبرس، سنة 1171، لينقضّ على حصن عكار؟ إذا كان الوادي سهلا ً تخطيّه، فإن عقبة مار سركيس هي على جانب كبير من الصعوبة، لا سيما على جيش تثقله حمولة المعدّات، وفي طقس ماطرٍ حيث تنزلق النملة على الأرض الموحلة.

 

من الغرب تتكئ الكنيسة على منحدر صخري، عالجت جانبه، كما يظهر، يد الإنسان.

 

 

ب- المخطط

كنيسة القدّيسين سركيس وباخوس هي، أيض، كنيسة مزدوجة. كل الملامح فيها تدلّ على أنّها جزء من مجمّع للعبادة.

 

المصلّيان مسنودان، من جهة الغرب، على غرفة مستطيلة يتجاوز طولها عرض حائطهما الغربي المتواصل. من جهة الشرق، وأبعد من حائطي الحنيتين، بقايا أبنية، تدلّ أساساتهما الظاهرة على أنّ المكان كان مجمّعا ً للعبادة. هذه النظرة يوكّدها شاهد عيان من القرن التاسع عشر، في سياق تعداده لأماكن العبادة في القبيّات، ذكر أن كنيسة مار سركيس وباخوس كانت دير، نظرا ً للخرب الكثيرة التي لا تزال موجودة [2]، ويؤيّده في ذلك ما تعبّر عنه التقاليد المحليّة التي تطلق على المكان اسم دير.

 

المخطط هو لكنيسة مزدوجة، موجّهة، تماما ً نحو الشّرق، وتبدو من الخارج على شكل مستطيل. وإذا كان للمصلّيين واجهة مشتركة من الغرب، فالحنيتان، من الشرق، تتقدم الواحدة منهما على الأخرى. الواجهة الغربية الواحدة للمصليين مسنودة، بدورها، على غرفة مستطيلة باتجاه شمال – جنوب. بالأحرى، نحن لا نتكلّم على واجهة بل عن حائط مشترك، بين المصلّيين والغرفة، لأنّ ما يعلو فوق سطح الغرفة، من الواجهة تلك، لا يزيد عن متر واحد، والباقي منها لا يكاد يظهر.

 

المدخل الرّئيسي موجود في الشمال، وبين الكنيستين باب داخلي يصل بينهما. الكنيسة الجنوبية مقفلة كليا ً إلا من بابٍ واطئ وضيّق يصل بينها وبين الغرفة المستطيلة، ومن نافذة في أعلى حائطها الغربي، يبدو أنها كانت مخصصة لتوصل إلى غرفة كانت موجودة على سطح الغرفة المستطيلة عند زاويتها الجنوبية، لكن لم يبقَ لها، الآن، أي أثر يذكر.

 

 

ج- المصلّى الشمالي                                                                                

مخطط هذا المصلّى يختلف عن مخططات جميع الأبنية التي درسناها حتّى الآن. يتوجّه المصلّى من الغرب إلى الشرق، حسب التقليد، ولها صحن وحيد بمقطعين، متصل بحنية نصف دائريّة، تنتظم في صدر المصلّى المستقيم، وتنفتح على الصحن بقوس واسعة لأن الجدارين الجانبيين يمتدان امتدادا ً واحدًا  يشمل الصحن والحنية.

 

يبدو أن هذا المصلّى كان يشكل عماد النشاط التعبدّي في هذا المجمّع. طوله، من الداخل، بما فيه الحنية 9،90 م وعرضه 4،20 أمتار. باحة الصحن بمفردها، تتألف من مقطعين مربعين، يحدّهما عضادتان حيطيتان في كل من الجانبين. هذه الهيئة تسمح لنا بتصوّر واضح للسقف المقبّب، المرتكز بطوليه على عضادات حيطيّة. العضادتان اللتان في الوسط تتميزان بصنعة متقنة، فهما مشيّدتان بحجر أبيض، صلب، نحيت، رشيق الحنايا، لطيفها، وكلها مبشورة بدقة متناهية، وبخمشات مائلة من اعلى إلى أسفل. مما يدل على أن بشرها كان بشاحوطة مسنّنة، على الطراز الذي كان متبع، عادةً، في فن البناء الصليبي. وشبه طُنُف ينضد تاج العمود فيجعل خط الافتراق بين رقبة القبّة وقائمة العمود يتراجع قليلا ً. حجارة المداميك، هنا، رغم أنها مصقولة الجوانب صقلا ً جيد، فهي ملزوزة، بعضها إلى بعض، بواسطة طين ملوّن من رمل محلّي مخلوط بفخار مسحوق وكلس. وجود جزيئات الفحم في الخليط يجعلنا نعتقد أن الرماد قد دخل في تركيبة الطين. حجارة الأعمدة التي في الزوايا، وتلك التي في صفحات الجدران أقل إتقانا ً في صنعتها مما يدل على أنها كانت مطينة، وهذا ما تؤكده بقع متفرقة من الطين باقية على تلك الجدران، وهو نوع من الطين نفسه المركب من رمل ومسحوق الفخار ومن الكلس والرماد الذي يجمع مداميك البناء غير المنتظمة.

 

عضادتا الوسط غارقتان فيّ الحائط إلى نصفهما، ووجهاهما أملسان صقيلان، بينما عضادات الزوايا مزوّاة لتلقّي قواعد العقد المتصالب. والعضادات الحيطية الثلاث التي في الزوايا: الجنوبيّة – الغربيّة والشماليّة – الغربيّة والشماليّة – الشرقيّة، لا تزال قائمة في مكانها وحتى نقطة منشأ رباعي القُرَن[3]، والذي، بدوره لا يزال سليما ً حتى ارتفاع متر منه.

 

العضادات الحيطيّة، عدا عن وظيفتها في حمل الأقواس المتصالبة للقبّة فهي أيضا ً تتلقى رقاب القناطر الجانبيّة بأثقالها، مما يعطي إحساسا ً يعبر عن القوّة والثبات في دعم السقف الذي لم يعد موجوداً، اليوم.

 

قوس القبة الذي يفتح الحنية على الصحن بسنام مرتفع ينزل بقائمتيه ليرتكز على غارب كلّ من العضادتين المتقابلتين في الزاويتين على شكل قوس سريري، فيرسم، هكذا، مع القبة الصاجية الشكل، هيئة قنطرتين. الآن لم تعد القبة موجودة، ولا الأقواس التي كانت تحملها.

 

على كل حال، يمكننا الافتراض أن السقف كان يرتكز مباشرة على غوارب العضادات التي لا تزال قائمة في مكانها، والتي كانت تحمل القناطر المشابهة للقنطرة التي لا تزال ظاهرة في الحائط الغربي.

 

 

د- الزخرفة

تقتصر الزخرفة، على ما تبدو اليوم، على توزع الأبواب والفتحات. الطنف الدائري في الحنية يتشابه مع كل الأطناف في كنائس المنطقة، انطلاقا ً من مستوى ارتفاع قاعد الدعم. كذلك يبرز شبه تطنيف على مستوى الغارب لعضادتي الوسط. بلاط الأرضية الداخلية غير ظاهر بحيث يغمرها الردم.  عند أسفل عضادة الوسط قام منقّبو الخفية بحفر كاشفين عن أسّ العضادة، فتبيّن أن التطنيف الممتد على مستوى طنف الحنيّة كان هنا، وعلى ارتفاع مئة وسبعين سنتمترا ً من الأرضيّة الأصليّة. قواعد العضادات والقناطر مشيّدة داخل الواجهة الداخليّة للجدران مما يدعو إلى الظنّ  أنها بنيت على دفعات، أو على الأقل، بنيت العضادات والقناطر مع الواجهات الداخلية في وقت واحد.

 

حجارة الباب لقيت عناية في صنعها تميّزت بها على حجارة البناء. على الأقل، جاءت مساوية بذلك لحجارة العضادات.

 

الباب مستطيل (90 سم)، وهو غير مقبّب، وغير معمّد، ولا يختص بأي زخرفة تميّزه. ساكفه، الذي من حجر واحد، لقي عتاية أقلّ، ويظهر انه من نوع الحجارة التي استعيد استعمالها، فعدا عن خشونة الصنعة فيه، وعن نوعيته المغايرة، فإن رسمة صليب قديم محفورة عليه، وتكاد لا ترى. العتبة يغمرها الردم، لكنّ الصدغين لا يزالان قائمين وسليمين، ولا تزال نقرة القفل ماثلة في مكانها، وكذلك حزوز المفاصل. جبهة الباب مفرّغة على شكل قوس منكسر بعض انكسار، وقاعدتاها، ثلاثة حجارة مقابل ثلاثة، يجمع بينهما غلق، تستريحان على طرفي الساكف. أما الجهة الداخلية من الباب فقوامها قوس وطيئة، جميلة الصنعة، ومن غير ساكف. منطلق هذه القوس يرتكز على حامل مشطوب. هذا التناقض بين القوسين، الخارجية والداخلية أمر محيّر، لا سيّما وأنّ هذه القوس الوطيئة تأتي في جملة من الأقواس المنكسرة المعتمدة في مجمّع العبادة هذا.

 

الإضاءة في المصلّى ضعيفة، فهي لا تتسرّب إلى الداخل إلا من باب ونافذة صغيرة مستطيلة من داخل ومن خارج. عدا هذا فكوى التهوئة متعددة، إحداها فوق الباب يعلوها ساكف مقوّر (arcoated lintel). وعلى هذا المثال قوّرت مقاتلات القلعة الحمراء الواقعة بين صافيتا وطرطوس. كذلك في الجدران كوى غير نافذة، لا شك في أنها كانت معدّة لتحمل قالب بناء السطح. وأيضا ً توجد كوّتان واسعتان على علو قامة الرجل في الحائطين الجانبيين، غير بعيد من الحنكة، أعدّتا لإيداع أغراض ممارسة الطقوس. التي عن شمال كانت، على الأرجح، مختصّة بكتب الصلاة بعد الإنتهاء من استعمالها. والتي عن يمين، ربما كانت مخصّصة لاستعمال الزيت المقدّس، كتذكار باقٍ من الأمس البعيد للزيت الذي كانت تمسح به عظام الشهداء، وهي عادة لا تزال متبعة في الشرق. وعلى كل حال نستطيع أن نستدلّ على الأمرمن علامات لا تزال ظاهرة، رغم عوامل الزمن، وهي أن هذه الكوّة قد اسودّت من دخان الشموع التي كانت توقد إكراما ً لشفيع الكنيسة.

 

نذكر، أخير، أن الباب الموصل بين الكنيستين، والمفتوح في وسط الحائط، قبالة باب المدخل، هو باتساع سبعين سنتمتر، وأن حال التهديم اللاحق بهذا الجزء من المصلّى لا يسمح لنا بأخذ مقاساته، ولا معرفة كيفيّة صناعته.

 

 

ه- المصلّى الجنوبي

أكثر خرابا ً وأحفل ردما ً من سابقه. وهو، أيض، يمثل نموذجا ً متميّز، إن بالنسبة لأخيه وإن بالنسبة، إلى حدّ ما، إلى ما يماثله في الناحية. صحن وحيد مقبّب على شكل قوس مائلة. القناطر ترتكز، في وسط الصحن، على عضادات حيطيّة. عرض المصلّى يتساوى، تقريب، مع أخيه (4،30 م) لكن طوله أقل (8،50 م). النقص جاء من جهة الحنية التي لا يتجاوز موقعها حدود قوس النصر في المصلّى الأول، إلا قليلا ً. حائط واجهتها الغربية، المستند إلى الغرفة المستطيلة الملاصقة هو امتداد لحائط أختها، بينما يمتد الحائط الجنوبي على طول جنوب الغرفة المستطيلة بكامله. بين المصليين حائط مشترك يرقّ في غربيه (0،90 م) ويعرض في شرقيه، عند مستوى الحنيتين (1،50 م)، وقنطرة بقوس سريريّة ترتكز على عضادة في كل من الزاويتين، فتحمل السطح من جهة الغرب. في الحائط الجنوبي عضادة غارقة فيه، مصلّبة، تحمل ركائز قنطرة مزدوجة على طول الحائط. هذه الأقواس السريرية، كمثيلاتها في المصلّى الشمالي تمام، ترتكز على عضادات في الزوايا، وكذلك يرتكز قوس النصر. ولا يبدو أن القوس المنطلقة من عضادة الحائط الجنوبي، وتلك التي تنطلق من الحائط المشترك، تلتقيان لتشكلا قنطرة قوطية.

 

ثم إننا نرجح أن هذا المصلّى كان مقببا ً على قوس نصف سريرية. على الأكثر، نصف جناح مرتفع، يستند من الجنوب على قناطر الحائط الجانبي، ومن الشمال يستند على المصلّى الأوّل.

في المحصّلة، كل المؤشّرات تدل على أن البناء، إذا نظر إليه ككل، يظهر على أنّه كنيسة واحدة بصحنين، أكثر مما هو كنيستان متلاصقتان.

 

الحنية، في هذا المصلّى، تنفتح على الصحن باتساع، وبقنطرة واطئة. والطنف، الذي هو الآن بحالة رثّة، من المفترض أن يدور على مدار الركن الداعم.

 

توجد عدّة كوى، لكنها اليوم، مسطومة. ومن الطبيعي أن كان بعضها مخصصا ً للتهوئة، وبعض آخر لقناديل الزيت، وواحدة منها، مسطومة الآن، واقعة في ما تبقّى من الحائط الشرقي، فوق الطنف.

 

يبقى أن ندرس وجود فتحتين كبيرتين في حائط الواجهة الغربيّة ووجهة استعمالهما: الفتحة الأولى، على ما يبدو، كانت ممرّا ً يفضي إلى الغرفة الطويلة المجاورة. عرض هذا الممر 0،60 م، أما الارتفاع فلا يمكن قياسه بسبب الركام الذي يملأ الأرض. لكن، يظهر، أنه كان منخفضا ً. شكله مستطيل، لكن لا أثر في جانبيه لحزوز المفصّلات أو لنقرة القفل، مما يدل على أنّه لم يكن معدّا ً ليقفل. فما كانت وجهة استعماله؟ هل كان مرمى للنظر على صمدة القربان المقدس، على عادة النسّاك السّريان المتوحّدين؟

 

الفتحة الثانية تقع أعلى من هذه، وهي أوسع، ومكانها في وسط الواجهة تقريبا ً. حالي، العبور منها إلى سطح الغرفة الطويلة المجانبة، متاح. التراب المتراكم وشتول النبت تحول دون تمكننا من الكشف عن درج حجري ما. لكن هذا لا يلغي فرضيّة أن الباب كان معبرا ً بواسطة سلّم منقول على ما كان معروفا ً في الكنائس المارونيّة، آنذاك.

 

سطح الغرفة الملاصقة، الآن، نبت فيه شجر وأجمام، كذلك في ما بقي من أجزاء لا تزال قائمة في البناء، وهو ما يهدّده بالتلف.

 

 

و- الملحقات

هذا المعبد كان قائما ً ضمن كلّ تلاشت أكثر أقسامه، وبقي بعض منها سنحاول استعراضه، نظرا ً إلى اهميته في الكشف عن طبيعة الموقع ووظائفه:

 

و/أ : الغرفة المستطيلة:

 

على طول الواجهة الغربية للمعبد تمتد غرفة مستطيلة ابتداءا ً من طرف الحائط الجنوبي للمصلّى وباتجاه الشمال، حتى تتجاوز بطولها الحائط الشمالي للمصلّى الشمالي. مؤلفة من باحة وحيدة مقبّبة على قوس سريرية شبه منكسرة. واجهتها الشمالية مهدّمة وحتى جزء منها. ولكن ما تبقى من مجملها يسمح باعادة ترميمها على صورتها الأصليّة. سطحها ينخفض كثيرا ً عن سطح المعبد، وأرضيتها أوطأ بكثير من أرضيته، وتتصل الأرضيتان بممر منخفض وضيّق.

 

في الزاوية الغربية للغرفة صخرة راسخة كبيرة، سويّ سطحها بحيث يمكن أن يوضع عليه شيء ما. طولها 13 مترا ًوعرضها ثلاثة، وعلوّها ثلاثة. ما تبقى من جدرانها يفتقر الى المناور كليا ً. كيف كانت تضاء؟ بالإضافة إلى الباب وجب أن يكون لها كوّة في الحائط الشمالي. ساكف الباب لا يزال ملقى على الأرض أمامها، وعليه ثلاثة صلبان مصوبعة محفورة[4]، وموزعة على مسافات متساوية على ذلك الحجر الكبير. هل يمكننا الظن أنها باقية من بناء سابق يعود إلى الحقبة المسيحية الأولى؟ حجارة هذه الغرفة، الأقل صنعة من حجارة المعبد، والأكبر حجم، وموقعها المستعرض منه، بالإضافة إلى الساكف، كل ذلك يدعو إلى الاعتقاد، لأول وهلة، بأنها كنيسة قديمة، أو نوع من كنيسة – مقبرة. لكن بالمقابل، هناك معطيات قد تشير إلى أن بناءها جاء لاحقا ً لبناء المعبد، مثلا ً هناك كوّة مفتوحة في وسط حائطها الشرقي وعلى مستوى الأرض تقريب، يكشف عن أساس حائط الواجهة الغربية للمصلّيين. هذا يدلّ على أنّ دعامة قوس الغرفة قد اتكأت إلى حائط الواجهة تلك، إذ، بنيت بعدها، كما قد تشير الحجارة المتقنة في حائط الكنيسة على ذلك. واحتمال ثالث، نتبنّاه، وهو أنّ مجمع مار سركيس التعبّدي قد بني بأكمله، مرّة واحدة، وذلك للأسباب التي نعرضها تاليا ً: الحائط الغربي للكنيسة يمتد على عرض المصلّيين وبالملاصقة لطول الغرفة فيحتويها أفقيّا ً وعموديّا ًمما يجعل أي تمايز أو إضافة أو فصل بينهما متعذّرا ً. وتقصيب الحجارة والعناية بها يتساويان فيما بين الحائط الجنوبي للمبنيين وحائط الغرفة الغربي. ثم إن حائط الممر الواصل بين المصلّى الجنوبي والغرفة هو واحد، مما يعني أن الحائطين واحد، بواجهة واحدة، وأن هناك حجرا ً واحدا ً في مكان واحد أو بأكثر يقضب الحائط بمجمله. أما الفارق في العناية بالحجر فيفسّرها، من غير صعوبة، طبيعة الوظيفة في كل مبنى، إذ إن العناية بحجر الكنيسة هي غيرها في حجارة الملحقات.

 

 ما كانت وجهة استعمال هذه الغرفة الطويلة؟

  

نحن نعتقد أنها كانت، وبكل بساطة، مَضيفة، أو مشفىً للحجاج من النوع الذي ذكره كميل أنلار في أنفه. نحن نستند، في هذا، إلى أمرين هامّين: أولهما أن المعبد يقع على قمّة جبل هو الممر المحتّم بين عرقا وحصن الفرسان، عبر أعالي عكار. ثانيهما، هناك، النقيرات في الصخور والآبار المحفورة فيها، فالماء المأخوذ من هذه يسال عبر سواقٍ محفورة الى أحواض، لإرواء الاضياف وركوبتهم. أما سكان الدير فوجب أن كانت مساكنهم شرقي الدير حيث لا تزال ترى آثار أبنية، وهي ما أشار إليه شاهد العيان، الآنف الذكر، في القرن التاسع عشر. وفي شرقي المصلّى نقيرتان مستديرتان وعميقتان، وجب أن تكونا محلّا ً لارتكاز أخشاب. كذلك يجب أن يكون المجمّع قد أحيط بسور لا تزال بقاياه ظاهرة على مصطبة تمتد حتى الجرف، شرقي المجمّع. وعلى بعد عشرين متر، جنوب غرب المعبد، أتون لصناعة الكلس الذي كان يستعمل في أعمال البناء عند الحاجة. نقول في كلمة أخيرة: إن المعبد لحقته ترميمات في أزمنة لاحقة لا تزال آثارها ظاهرة في حائطه الغربي.

 


[1]_"غريب" :اسم عائلة وفدت إلى المكان، من زمن ليس ببعيد، من قرية أكوم في جبل أكروم. انضمت إليها فيما بعد، عائلات أخرى، وتنامت وصارت حيّا من عكار العتيقة.  المترجم

[2] _ المونسينيور مخائيل الزريبي. مخطوط معروف

[3] _رباعي القُرَن: هو تاج العضادة الحيطية التي هي بدورها، غارُ بعضها في الحائط، وناتئ بعضها الآخر، وتلعب دور دعامة ودوراً  تزيينيّاً . والقُرَن جمع قرنة وهي الزاوية الناتئة.  المترجم

[4] _ الصلبان لا تكاد ترى، أتلفت قصداً، لكن الساكف بقي سالمًا  مرميًّاً أم الغرفة.

                                                                   

المترجم: الدكتور فؤاد سـلوم

 

 

تعقيب:

يا سامعين الصوت!

    

في إطار الحدث، أي دعوة دولة رئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري، ومن الفاتيكان،  إلى "تعزيز السياحة الدينية إلى الاماكن المسيحية" ونظراً إلى غنى بلادنا بمواقع التراث المشترك، مسيحيّاً وإسلاميّاً، ندعو أهلنا في عكار العتيقة والقبيات، البلدتين الجارتين اللتين طالما حفظتا الوئام وحرمة الجوار، إلى إقتناص الفرصة وتشكيل لجنة مشتركة تسعى إلى جعل مواقعنا التراثية مقصداً سياحيّاً يستقطب الزائرين من كل جنس ولون.

 

الإمكانية متوفّرة بامتياز.

 

اللجنة المشتركة تسعى إلى:

 

   -  تسجيل موقع "مار سركيس وباخوس"على لائحة المديرية العامّة للآثار، فتشمله بحمايتها.

    - السعي لدى الرئيس الحريري لأن يرعى، شخصيّاً، هذا المشروع فيؤمّن تزفيت الطريق المشقوق حالياً، من عكار إلى حي "بيت غريب" المجاور للدير، حيث تفيد منها، بالإضافة إلى الدير، منازل كثيرة منتشرة بين البلدة وهذا الحي المنفرد منها. نتوقّع أن يتقبل دولته ذلك بفرح.

 

    -  تعمل اللجنة على ترميم الدير، بإشراف مديرية الآثار، وتحيطه،  مع جواره،  بالحفظ  والعناية.

    -  تعمل اللجنة على رسم مسار سياحي والترويج له كالاتي:

 

                * مسار أوّل بالسيارة إلى:

                  أ-  قلعة عكار- مار سركيس وباخوس.

                ب-  قلعة عكار - الشيخ جنيد - حفّة عكار(حيث كنيسة السيدة الاثرية) - نبع الشوح.

 

                * مسار ثانٍ يربط، سيراً على الأقدام، (سياحة بيئية) بين:

                 أ-  القبيات - مار سركيس، عبر نبع الدلب - وادي المعاصر الجميل، صعوداً.

               ب-  مار سركيس-القبيات، عبر "بيت غريب" - بتويج، نزولاً.

 

                                ماذا يقول مجلس البيئة في القبيات؟

 

في الخلاصة:

 

هذا المشروع يساهم:

 

  أولاً: بتنمية الاقتصاد المحلي في البلدتين.

 

 ثانياً: التعريف بهما ولفت النظر إليهما، بالمشاهدة المباشرة وبالإعلام.

 

 ثالثاً: تعزيز روابط الجوار والأخوّة بين البلدتين.

 

رابعاً: في تشكيل نموذج للتعاون المثمر والمحبة الجامعة، يقتدي به كل جوار على الصعيد الوطني، فالمشاركة في نشاطات عملية وإنجاز مشاريع ناجحة يؤلّف بين القلوب ويرسّخ السلام.

 

هل من مجيب؟

عسى!

 

الدكتور فؤاد سـلوم

 

  back to Cobiath-Arabic Edition